الله أكبر كبيرا .. والحمد لله كثيرا .. و سبحان الله بكرة و أصيلا .. عادة ما نكبر و نهلل عندما تنتصر جيوشنا فى العارك و تدحر الأعداء . واليوم نكبر و نهلل رغم أنها انتخابات أمريكية لا يضمر لنا فيها الطرفان إلا الشر. ولكن هزيمة بوش و طغمته ممن سموا المحافظون الجدد فى الانتخابات التشريعية و فى المجلسين ، هى هزيمة لمشروعهم العسكرى القائم على الاحتلال التقليدي المباشر خاصة فى العراق .
و هذه الهزيمة هى رجع الصدى لانتصارات و ضربات المقاومة العراقية و لا شئ سوى ذلك. و هذا يعنى ان السلطات الحاكمة فى أمريكا ستتجه إلى البحث عن السبل "المشرفة" للانسحاب ، لا إلى التصعيد. لأنها لم تعد تقوى على تحمل الخسائر المادية و البشرية
و الحقيقة ان الادارة الأمريكية كانت تتجه لذلك بالفعل ، و وافقت على لجنة مشتركة مع الديموقراطيين برئاسة هاملتون – بيكر بهدف البحث عن السبل المناسبة للانسحاب ب"كرامة" وفقا لتعبير كونداليزا رايس .
و لكن الضيق بلغ ذروته فى الدوائر الحاكمة قبل رجل الشارع الأمريكى ، و لم يعد من الممكن الانتظار و كان لابد من كسر عظم بوش ليسير لينا طيعا لرؤية الأغلبية الساحقة من الطبقة الحاكمة الأمريكية التى أدركت أنه ورطها فى مأزق كاد يضيع فيه هيبة الدولة العظمى إن لم يكن قد أفلح فى ذلك تماما. و لو ان القوات الأمريكية نجحت فى إخضاع الشعب العراقى الأبى لأصبح بوش أعظم رئيس فى تاريخ الولاياتالمتحدة ، أما الآن فهو مرشح ليكون أسوأ رئيس فى تاريخها .
لقد اعترض كثيرون من داخل الحزب الجمهورى و الحزب الديموقراطى فى البداية على الغزو و ظهر منهم على السطح من الحزب الجمهورى جورج بوش الأب و الثلة المحيطة به ، و لكن اندفاع المجوعة المصابة بحالة من الهلوسة بناء على تنظير سطحى و تافه ، كان أقوى من كل الاعتراضات ، و كان على النخبة الحاكمة أن تقف صفا واحدا وراء الادراة فى بداية الحرب ، و قد يقولون – فى سرهم – لعل و عسى تنجح المغامرة ، فتعود على أمريكا بالخير العميم . أما و قد فشلت المغامرة بسرعة فقد ارتفع صوت المعارضين ، وتحول المؤيدون الى معارضين ، بل و انهار البعض حتى من الفئة الضيقة المحيطة بالرئيس التى رفعت لواء المحافظين الجدد ، و أعلنت ان قرار الحرب كان خاطئا .
هذا هو الأساس أما ما يسمى الرأى العام الأمريكى فهو يصنع صناعة - كما أكدت من قبل مرارا – من خلال الأجهزة الاعلامية المسيطرة التى تحمل عادة رؤية واحدة فى الأمور الكبرى أما عندما تختلف الطبقة الحاكمة فيظهر رأيان ، و عندما اختلفت هذه المرة بعد تدهور مجريات الصراع فى العراق ، بدأت المساحة المعطاة للسلبيات تكبر ، و بدأ الاعتراف بالخسائر يتزايد حتى وصلت الى 23 ألف قتيل و جريح من القوات الأمريكية النظامية وحدها. ثم تحولت المساحات الاعلامية المعارضة للحرب الى مساحات طاغية بينما ظلت المساحات المحدودة المؤيدة للاستمرار فى العراق ترفع شعار : نعم نريد الانسحاب و لكن نريد الانسحاب المشرف !!
و فى هذه الأجواء التى بلغت الذروة بالاعلان عن سقوط 102 جندى أمريكى فى شهر أكتوبر. و التفجير المروع فى قاعدة الصقر الذى لم يكن من الممكن اخفاؤه. كانت ادارة بوش تتجه الى حتفها فى الانتخابات و لم يعد سوى ورقة أخيرة قبل الاقتراع ب48 ساعة ، و هى الاعلان عن الحكم باعدام صدام حسين ، و لكن السيل بلغ الزبى و لم تعد تفلح هذه الألاعيب.
و النواة المحيطة بجورج بوش أخذت تتآكل بمجرد بدأ العدوان على العراق.. و ربما لا أتذكر كل الأسماء، و هى على أى حال ليست لرموز تاريخية ، بدأ السقوط بكولن باول وزير الخارجية، الذى لم يكن من المحافظين الجدد ، و لكنهم ورطوه فى أكاذيب مفضوحة قرأها أمام مجلس الأمن و كان يعرف و هو يقرأها أنها أكاذيب (راجع كتاب بوب ودورد: خطة الهجوم) – ثم سقط جورج تنت مدير المخابرات المركزية CIA ثم سقط ريتشارد أرميتاج مساعد وزير الخارجية و كان أقرب الى المحافظين الجدد . و سقط جاى جارنر أول حاكم أمريكى للعراق ، و رحل بريمر من بعده دون أن يحقق شيئا و كتب مذكرات طويلة منشورة فى كتاب ممل تنطق باليأس و الاحباط و الخوف الذى كان محيطا به و القنابل التى كانت تنفجر حول سيارته(عام قضيته فى العراق). و تم طرد بول وولفوفيتنر بركلة الى رئاسة البنك الدولى و رحل ريتشارد بيرل ، و هناك آخرون كالناطق الاعلامى السابق للبيت الأبيض. و جاء اليوم ليضطر بوش الى طرد المهندس العسكرى الأول للحرب: رامسفيلد. و كان التمرد قد بلغ مداه داخل البنتاجون و وصل الأمر الى حد توقيع عرائض من ضباط عاملين و سابقين تطالب باقالته ، و فى الأيام الأخيرة صدرت مجلات تابعة للبنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) تطالب باقالة رامسفيلد ، و هى حالة من التسيب و التفكك المؤسساتى ، و ليست من الديموقراطية و لا شئ .
و قد أشرت من قبل ان عشرات الكتب التى فضحت بوش و ادارته كانت من صحفيين وثيقى الصلة بأجهزة أمنية أمريكية ، و كان من الواضح أن معظم مؤسسات الدولة قد أعلنت الحرب على بوش و جماعته التى لم يتبق منها الآن إلا ديك تشيني نائب الرئيس ، و ذلك حرصا على مصالح الولاياتالمتحدة .
و كان البنتاجون بقيادة رامسفيلد و مجموعة من المدنيين يتحول الى مركز قوة يستأثر بسلطات وزارة الخارجية و وكالة استخبارات الدفاع و وكالة الاستخبارات المركزية !!
يقول دبليو باتريك رئيس قسم الشرق الأوسط فى وكالة استخبارات الدفاع: (ان البنتاجون توحد معا لكى يسيطر على السياسة الخارجية للحكومة)، و قد نجحوا فى ذلك.
لقد تعرضت وكالة استخبارات الدفاع الى حالة كاملة من الرعب و الهزيمة بينما فقدت وكالة الاستخبارات المركزية CIA أى نوع من الشجاعة )فى اشارة لتقرير السياسات فى العراق ، و من ذلك الاعتماد على أحمد جلبى كقائد للعراق !!
و يصف سيمور هيرنس فى كتابه (القيادة الأمريكية العمياء) حالة الذهول التى أصابت معظم مؤسسات الدولة الأمريكية ، و كيف تمكنت مجموعة من ثمانية أو تسعة أشخاص من التغلب عليها جميعا !!
و هذا يؤكد أن المجموعة المحيطة بالرئيس هى أخطر مؤسسة حتى فى أمريكا (الشخص الذى يهمس فى أذن الملك أهم من الملك نفسه ) .
و يصف هرش كيف ان هذه المجموعة بدأت تكون جهازها الاستخبارى الخاص ، و أنها أخذت لنفسها حق الدخول الحر على أجهزة كمبيوتر المخابرات المركزية دون أى تنسيق ، و الحصول على معلومات متناثرة من هنا و هناك .
و ينهى سيمور هيرش كتابه الخطير بهذه الخاتمة:
(كيف فعلوا ذلك ؟ كيف استطاع ثمانية أو تسعة من المحافظين الجدد ، الذين اعتقدوا بأن الحرب على العراق هى الرد على الارهاب ؟ كيف استطاع هؤلاء تنفيذ قناعاتهم ؟ كيف أمكنهم إعادة توجيه الحكومة و اعادة ترتيب الأولويات الأمريكية الراسخة و سياساتها بكل هذه السهولة ؟ كيف استطاعوا التغلب على البيروقراطية ، و ردعوا الصحافة و الإعلام و ضللوا الكونجرس و هيمنوا على الجيش ؟ هل المشكلة هى ان الديموقراطية لدينا ضعيفة هشة ؟ )
و نقول لو خضع الشعب العراقى ما حدثت كل هذه التداعيات ، و لدخل هؤلاء الثمانية أو التسعة تاريخ أمريكا من أروع أبوابه ؟! و لذلك نقول ان هذا الزلزال الأمريكى من صنع المجاهدين والاستشهاديين و المقاومين العراقيين .
و كنا نحن من موقع العداء نقول بهذا التحليل مبكرا قلنا ان هذه حرب مجنونة ، و اذا أصر عليها بوش فسيهزم هو و حلفاؤه ، بل و توقعنا سقوطهم جميعا و ذكرناهم بالاسم و من بين هؤلاء الذين سقطوا الآن:
أثنار حاكم أسبانيا – بيرلسكونى حاكم إيطاليا- بلير انتهى عمره الافتراضى – و بوش تحول إلى بطة عرجاء لمدة عامين.
و كان قد أصر مرارا و تكرارا على تمسكه برامسفيلد و قال طالما أنا فى البيت الأبيض سيبقى رامسفيلد ، و لكنه اضطر للاطاحة به ، و البقاء وحده فى زمهرير الشتاء حيث لن تنفعه مدفأة البيت الأبيض .
ديك تشينى غاضب منه لانه كان يرى التمسك برامسفيلد. و الآن فان بوش أصبح وحيدا بالمعنى الحرفى و سلم نفسه من جديد لوالده بوش الأب ، و جماعته (بيكر – هاملتون) ليبحثوا له عن حل لمشكلة نصحوه منذ 3 سنوات بعدم الولوج فيها. (كانت ادارة بوش الأب قد رفضت غزو العراق بعد الكويت تحسبا لكل هذا الذى يحدث الآن فى العراق ) .
توقعنا السطور هذه النتيجة السريعة للعدوان أما الآن فإن الأمر لم يعد محل خلاف بل ان الأمريكيين أنفسهم حكومة وشعب، خمهوريين وديمقراطيين، يؤكدون وصول أمريكا إلى طريق مسدود فى العراق، والمسألة كيف تخرج أمريكا بكرامة من العراق ( كما صرحت كونداليزا رايس فى القاهرة) أى بالحفاظ على ماء الوجه.
وعندما كتبنا قبل وبعد سقوط بغداد أن هذه الحرب ستكون حتف امريكا، وكنا نسبح ضد التيار، فإن الآن كل التحليلات الموضوعية والجادة داخل وخارج الولاياتالمتحدة تقول بذلك، وكان أهم وآخر الدراسات لريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية ( ومعروف صلته بالخارجية الأمريكية) التى يتحدث فيها عن 5 عهود فى الشرق الأوسط:
1. بداية من عام1774 الذى يشهد بداية تراجع المبراطورية العثمانية حتى انهيارها فى أعقاب الحرب العالمية الأولى. 2. انفراد بريطانيا وفرنسا بالشرق الأوسط. 3. نشوء التيار القومى وحرب 1956 وتبلور عهد الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى. 4. زيادة نفوذ الولاياتالمتحدة بشكل غير مسبوق والذى ظهر فى حرب 1990 بالخليج. 5. سقوط العهد الرابع بغزو العراق!!
اذن فإن هاس يعتبر أن عهد الهيمنة الأمريكية سقط بقرار غزو العراق، لأنه أدى إلى:-
5. ازدياد نفوذ التيار الاسلامى وتعثر الأنظمة العربية التقليدية.
ويؤكد هاس ان استخدام جانب كبير من القوة العسكرية الامريكية أدى إلى تقليص نفوذ واشنطن على المستوى العالمى واصف ذلك بأنه من " سخريات التاريخ".
وتؤكد الدراسة- التى أعتقد أنها تعبر عن رؤية تيار عريض داخل السلطة الأمريكية- أن نفوذ الولاياتالمتحدة خلال المرحلة الخامسة وهى مرحلة الفوضى والارهاب والاضطراب سيتجه إلى المزيد من التقلص وإن ظلت أمريكا أكثر نفوذًا من غيرها من القوى العالمية، إلا ان هذه القوى سيعتقد مزاحمتها للنفوذ الأمريكى، وعلى رأسها الاتحاد الاوروبى والصين وروسيا.
وترى الدراسة ان من ملامح هذا العهد الخامس بروز دولتين كبيرتين فى المنطقة: ايران- اسرائيل. ويؤكد الكاتب ان اسرائيل اليوم أصبحت من المنظور الاستراتيجى فى وضع أضعف مما كانت عليه قبل المواجهة الأخيرة لها ضد حزب الله فى لبنان.
ولم يكتف الكاتب بذلك بل عاد ليؤكد أن وضعها سيزداد تدهورًا اذا ما تمكنت ايران من حيازة السلاح النووى.
وتؤكد الدراسة ان الاسلام سيملأ الفراغ السياسى والثقافى فى العالم العربى على حساب فكرة القومية العربية. وأن النظم المعادية لأمريكا ستستمر.
وأخيراً هناك نصيحة إلى الادارة الامريكية بعدم الاعتماد المبالغ فيه بحل القوة العسكرية لأنها تؤدى إلى زيادة انتشار التيار الراديكالى فى العالمين العربى والاسلامى.
هذه رؤية العدو التى نرى أنها أرضية صحيحة لتحليل الواقع مع الخلاف فى الأسماء والمسميات، ومع الخلاف فى الأغراض والنوايا والاهداف. هذه هى الخريطة التى يتفق فيها الأعداء والأصدقاء.
هذه الدراسة نشرت عشية الانتخابات ، و هى تؤكد ما أكدناه مرارا عن مأزق الدولة العظمى و أنها فى الطريق الى الهبوط لا الصعود.
و ها هى أمريكا تتلقى الضربات كل يوم من كل حد و صوب و أزمتها أكبر بكثير من أزمة ادارة بوش و مجموعته ، فهؤلاء فاقموا الأزمة و أسرعوا بوتيرتها ، لا أكثر و لا أقل ، الضربات تأتى من كوريا الشمالية ، و ايران ، و فنزويلا و كوبا و أخيرا بقوة أورتيجا زعيم جبهة الساندينستا اليسارية فى نيكاراجوا.
و أصبحت مجموعة الدول المعارضة للولايات المتحدة فى أمريكا اللاتينية أكبر من أن يحاط بها بل هى تتوسع باستمرار ، بعد بوليفيا و اعادة انتخاب دى لولا فى البرازيل .
و فى هذه لايام استصدرت كوبا قرارا من الأممالمتحدة يطالب بانهاء الحظر التجارى الذى تفرضه الولاياتالمتحدة عليها. و دخلت الولاياتالمتحدة مع فنزويلا فى معركة طويلة لاختيار ممثل أمريكا اللاتينية فى مجلس الأمن ، و تم التوصل الى تسوية ، باختيار بنما ، و كانت أمريكا فى السابق تأمر فتطاع .
أما بالنسبة لكوريا الشمالية فان الولاياتالمتحدة لا تملك إلا العودة صاغرة الى المفاوضات !! أما روسيا فتواصل عصيانها مع الصين ضد أمريكا فى الملف الايرانى المعطل فى أروقة مجلس الأمن. و تعرقل الصين ملف دارفور. و النظام السودانى يتحدث بثقة و قوة فى رفض أى قوات أجنبية فى دارفور. و لا تملك أمريكا إلا التأجيل و المفاوضات. و فى الصومال تتقدم المحاكم الاسلامية فى بسط سيطرتها على معظم الصومال ، بينما تقول الأنباء أن أمريكا تنصح أثيوبيا بعدم التورط.
خلال المناورات الأخيرة صرح قائد البحرية الايرانى بأن من يدخل الخليج بهدف عدائى سيكون محكوما عليه بالفناء لاننا اذا أغلقنا مضيق هرمز سنغلق عنق الزجاجة و سيختنق الجميع. و اذا كان الأمريكان يحملون نوايا سيئة فعليهم أن يعرفوا أن جميع قواتهم ستستهدف بمعداتنا البحرية و الصاروخية و المدفعية .
اذن فى كل لحظة تظهر حدود القوة الأمريكية و الى أى مدى هى مقيدة.
و نعود إلى العراق حيث ستكون الهزيمة الأمريكية هناك قاصمة للظهر ، منهية عهد الدول العظمى المهيمنة ، لذلك لا نقول أن سقوط بوش و حزبه فى الانتخابات يعنى الانهاء الفورى للاحتلال. و لكننا أمام مرحلة نوعية جديدة نحسبها المرحلة الأخيرة للاحتلال: سمات هذه المرحلة أنه يوجد اعلان رسمى أمريكى من كل مؤسسات الدولة أن الهدف هو الانسحاب من العراق.. و الخلاف حول الكيفية. طبعا تستهدف أمريكا بالاضافة لماء الوجه ، الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من النفوذ السياسى و لا بأس بطبيعة الحال من بعض الوجود العسكرى فى بعض القواعد.
و الأمريكان لن ينسحبوا بصورة باتة و حقيقية إلا بمواصلة المقاومة الشرسة و تكبيدها مزيد من الخسائر الفادحة ، فهذا هو الحوار الوحيد الذى تفهمه .
وبالتالى لا يهمنا الخوض كثيرا فى السيناريوهات المطروحة من قبل لجنة هاملتون / بيكر إلا من زاوية انها كلها سيناريوهات استدارة للخلف و تراجع
(1) السيناريو الأول: رفع عدد القوات – كما طالب كثير من العسكريين – الى 500 ألف جندى مؤقتا لحسم الأمور مع المقاومة ، و هو خيار مرفوض شعبيا و لا يتناسب مع الحالة النفسية الانسحابية التى تنتاب كل الأطراف الآن .
(2) السيناريو الثانى: الانسحاب التدريجى وفق جدول زمنى و تسليم القطاعات للجيش العراقى الجديد .
(3) السيناريو الثالث: دفع العراق الى الفيدرالية (أى التقسيم) و قيام أمريكا بدور الحكم و الوسيط بين الدويلات الثلاث: كردية – سنية – شيعية.
(4) الدعوة الى مؤتمر اقليمى تشارك فيه ايران و سوريا لاقرار تسوية شاملة .
*******
من الواضح ان السيناريو الذى سيحاولونه هو مزيج من الثانى و الثالث و الرابع أى الانسحاب التدريجى مع الاعتماد على قوى عراقية ، و التقسيم ، و التسوية الاقليمية .
و تشتمل هذه السيناريوهات على احتمالين: الاحتفاظ بقواعد عسكرية أمريكية فى أماكن نائية أو فى شمال العراق (كردستان). أو الانسحاب الكلى فى ظل أى تسوية ممكنة. و يرى انتونى كوردسمان و هو من أبرز المحللين العسكريين الامريكيين ضرورة الانسحاب الكامل و عدم الاحتفاظ بأى قاعدة عسكرية. و ذلك لدفع الحكومة العراقية للقيام بدورها مع تقديم المعونات و الاستشارات.
و هى كلها سيناريوهات على الورق ، و استمرار شدة و تصاعد المقاومة العراقية سيمحو و يربك كل هذه السيناريوهات ، و يضطر المحتل إلى الخروج بدون حكاية (حفظ ماء الوجه).
و بدون الاحتلال سيتمكن العراقيون – من تسوية مشكلاتهم – الطائفية لأن الاحتلال كان سببا و مفجرا أساسيا لها .
اذن نحن ندرك ان الديموقراطيين لن يسحبوا القوات الأمريكية فورا و لن يعلنوا الهزيمة ، فستظل هذه هى مهمة المقاومة العراقية حتى اللحظة الأخيرة. و لكن نتيجة الانتخابات تقول ان المجتمع الأمريكى تعب من الحرب و الاحتلال و يريد حلا!! و انه لا يوجد أى أفق للنصر الذى يتحدث عنه بوش. و أن هذه هى ثمار التضحيات البطولية للشعب العراقى و مقاومته الباسلة ..
أكدت كل البحوث و القراءات و استطلاعات الرأى ان موضوع العراق هو الذى حسم نتيجة هذه الانتخابات و ليست الأوضاع الاقتصادية أو الفضائح الأخلاقية للحزب الجمهورى ، و هى مروعة بكل المقاييس. لذلك نحن أمام نصر صافى للعراق و للأمة العربية و الاسلامية .
نحن أمام إنكسار للمشروع الاستعمارى الامبراطورى القائم على الاحتلال العسكرى المباشر، و ما سيأتى فى الاسابيع و الشهور القادمة مجرد تفاصيل لهذه النتيجة.
مرة أخرى نقول لكم كما قلنا بعد مرور أسبوع على العدوان على لبنان .. إن الأمة تنتصر و لكن بعض الناس لا يصدق .
ها هى الأمة تنتصر من جديد فى العراق و هذا كان الانعكاس فى واشنطن .
نعم الحرب مستمرة .. و المقاومة مستمرة . و التضحيات الجسام ماتزال مطلوبة. و لكننا الآن فى مرحلة الهجوم المعاكس خرجنا من خنادق الدفاع و نتقدم و ندفع العدو للخلف .. فالله أكبر .. الله أكبر ..
اللهم ارحم شهداءنا فى العراق .. و بارك فى جهاد المقاومين ، و أجمع شمل الشعب العراقى على وأد الفتن بين الأشقاء و التوحد ضد أعداء البشرية.