في الأيام القليلة الماضية أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الحريات الدينية في العالم، وأشار التقرير في جزئه الخاص لمصر إلي وجود نوع من التمييز الديني والتوتر الطائفي في المجتمع المصري مستندا إلي وقائع فردية كحادثة الإسكندرية الأخيرة، وألقي التقرير بأصابع الاتهام للبنيان التشريعي المصري واصفا إياه بأنه يدعو إلي التمييز ضد من وصفهم بالأقليات الدينية. تقرير هذا العام لم يغير موقفه من الهجوم علي الحكومة المصرية، وبالرغم من أنه اعترف بأن الدستور المصري يكفل حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية الخاصة بكل ديانة إلا أنه عاد وقال إن الحكومة تفرض قيودا علي ممارسة هذه الحقوق مضيفا أنه لم يحدث أي تقدم من قبل الحكومة بشأن احترام الحريات الدينية وبقي الوضع كما هو عليه. التقرير في معظمه جاء علي غرار ما سبقه من تقارير حتي إن مقدمة التقرير لم تتغير ولم تشهد صفحاته ال 22 سوي تعديلات طفيفة انتهج نفس الأسلوب في عرض الوقائع مركزا علي مجموعة من الحوادث، الأمر الذي بدأ وكأنه بانوراما لصحيفة حوادث وليس تقريرا لتحليل وضع الحريات الدينية في بلد معروف بسماحته الدينية، خاصة أن التقرير اتسم بالسطحية في العديد من فقرات حيث قال في مقدمته: "إن الحكومة تحظر الممارسات الدينية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهو ما يعني أن الحكومة تحظر ممارسة الشعائر داخل الكنائس المسيحية. يقع التقرير في اثنين وعشرين صفحة وتم تقسيمه إلي أربعة أجزاء، تحدث الجزء الأول عن الديمقراطية الدينية في مصر حيث أشار التقرير إلي أن التعداد السكاني لمصر يصل حوالي إلي 72 مليون نسمة 90% منهم مسلمون سنة بينما يشكل الشيعة أقل من 1% من تعداد السكان ثم يعود التقرير ويذكر أن إحدي الصحف قدرت عدد الشيعة في مصر بحوالي 3%، الأمر الذي يعتبر نقطة ضعف في الحقائق التي يوردها التقرير ومدي مصداقية الأرقام خاصة أنه ليس هناك جهة في مصر مسئولة عن تقرير أعداد المنتمين للشيعة. وحول أعداد المسيحيين قال التقرير إن تقرير الحكومة يصل إلي 8% أي حوالي 5.6 مليون بينما تحدد تقريرات أخري داخل الأوساط المسيحية عدد الأقباط من 12% إلي 15% وهذا ما يؤكد صعوبة عمل ديمجرافية دينية في أي دولة في العالم، التقرير قال أيضا إنه ليس هناك معلومات محددة حول أعداد طائفة "شهود يهوه" بينما ذكر في جزءه الثالث أن عددهم في مصر يبلغ حوالي 200 شخص تقريبا وهذا دليل واضح علي أن الجزء الأول من التقرير حول الديمجرافية الدينية في مصر لم يتم تحديثه في تقرير هذا العام وتم إدراج نفس البيانات والأرقام التي تضمنها نفس الجزء في تقرير العام الماضي. الجزء الثاني من التقرير جاء تحت عنوان حالة الحرية الدينية وبدأ أولي فقراته بأن الدستور في مادته رقم 46 يكفل حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية لكل ديانة ثم عاد وانتقد الحكومة المصرية والمؤسسات الدينية في مصر بشكل غير مباشر، حيث ذكر أنه لكي تحظي جماعة دينية باعتراف رسمي فعليها تقديم طلب إلي إدارة الشئون الدينية بوزارة الداخلية والتي بدورها تقدوم بتقدير ما إذا كان الدين أو الطائفة تمثل تهديدا أو إزعاجا للوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي ويتم تقدير ذلك من خلال التشاور مع القيادات الدينية البارزة خصوصا بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وشيخ الأزهر الشريف في إشارة واضحة إلي أن الأزهر والكنيسة هما اللاعبان الرئيسيان في ميدان الاعتراف بالأديان الجديدة في مصر وأن أي مجموعة دينية تخالف قواعدهما تعرض بمخالفة القوانين والسجن، وهذا ما أشار إليه التقرير بشكل غيرمباشر حين ذكر أن أي جماعة دينية تتجاهل عملية التسجيل الرسمية يتعرض أبناؤها للاعتقال والمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان. وتحت القيود علي الحرية الدينية أشار التقرير إلي أن الحكومة المصرية تفرض قيودا علي بناء المساجد حيث تشترط أن تكون كل المساجد مرخصة وفي إشارة غير مباشرة لاتهام الحكومة بمحاولة السيطرة علي المساجد قال التقرير إن الحكومة هي التي تقوم بتعيين أئمة المساجد كما أنها تراقب الخطب التي يلقونها وتدفع لهم رواتبهم. وعلي نفس الوتيرة هاجم التقرير الحكومة نظرا لتعطيلها تنفيذ قرار الرئيس رقم 453 والخاص بتسهيل عملية بناء الكنائس دون الحصول علي إذن رئاسي قبل أي أعمال ترميم أو توسيع. وهاجم التقرير الحكومة بسبب سياستها التي تتخذها ضد الإخوان المسلمين وذلك دون الإشارة لطبيعة الإخوان المسلمين السياسة والاكتفاء باعتبارها جماعة دينية مضطهدة وهذا بدا واضحا عندما قال التقرير ويظلون عرضة للمعاملة التعسفية وضغط الحكومة. الفقرة التالية التي تحدثت عن الإخوان المسلمين قال التقرير فيها إنه خلال الفترة التي يغطيها التقرير تم اعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بتهمة الانتماء لتنظيم غير شرعي ونفس الفقرة تكررت في تقرير العام الماضي دون حذف أو تغيير كلمة واحدة علي الرغم من تجدد المواجهات بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الأخري. التقرير قدر عدد اليهود في مصر بنحو 200 شخص دون أن يذكر المصدر الذي استقي منه هذه المعلومات خاصة أنه لم يحدث من قبل أن تحدث أي مسئول حكومي أو رجل دين حول عدد اليهود في مصر. كما اتهم التقرير الإعلام المصري بمعاداة السامية وذلك لأنها تقف ضد السياسات الإسرائيلية في المنطقة مدللا علي ذلك بذكر بعض المقالات والبرامج التليفزيونية التي تمت إذاعتها في التليفزيون المصري في العامين الماضيين.وانتهي التقرير بالإشادة بجهود السفارة الأمريكية في القاهرة وكذلك الخارجية الأمريكية في دعم الحرية الدينية في مصر مؤكدا أن السفارة تهتم بكل صغيرة وكبيرة فيما يخص الحرية الدينية في مصر وكأنه شأن أمريكي بحت..أما الجديد في تقرير هذا العام هو سيل الاتهامات والانتقادات التي وجهها إلي ثلاث مؤسسات هي: الأزهر والكنيسة والمجلس القومي لحقوق الإنسان حيث وضع لكل منها قائمة بالتهم أبرزها تدعيم التمييز الديني في مصر.