لم تكن تنقص الشرخ والعلاقة المتأزمة بين الغرب والإسلام في الذكري الخامسة لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 واتهامات الرئيس بوش الذي يصر علي أن بلاده والغرب يخوضان حرباً عالمية ثالثة ضد "الفاشية الإسلامية" والمتطرفين الإسلاميين بغض النظر عما إذا كانوا سُنة أم شيعة، في حرب لا يقبل بوش سوي بالانتصار فيها. نقول لم يكن تنقص هذا الاحتقان إساءات وتهجم البابا غير المبرر ولا المقبول علي العقيدة والدين الإسلامي، والإساءة لأكثر من مليار وربع المليار من المسلمين الذين انتفضوا للمرة الثانية خلال ستة أشهر بعد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، والتي نشرت في أكثر الصحف الدانمركية انتشاراً صحيفة "يولاند بوستن". والآن تتكرر وبشكل أكثر خطورة وأعمق أثراً ردات الفعل علي اتهامات البابا بأن الإسلام لا يحتكم للعقل. وهو كلام من رأس الكنيسة الكاثوليكية يأتي مكرساً لشرخ واضح وترسيخ لعقدة الإسلامفوبيا في الغرب، ويسهم في إيجاد هوة وفرقة بين أتباع الديانتين الأكبر في العالم واللتين تشملان حوالي 40% من سكان المعمورة. أكثر ما استفزنا كمسلمين في محاضرة البابا الادعاء المتعمد بأن الإسلام انتشر بالعنف وأن الجهاد يخالف طبيعة البشر. ثم الأنكي من ذلك، هو استشهاده غير المبرر وغير المفهوم وتعديه علي الدين الإسلامي بحوار تم قبل 600 عام بين الإمبراطور البيزنطي "مانويل" ومثقف فارسي مسلم، وتعليق الإمبراطور المسيئ الذي لا يدعي مع ذلك الإلمام بعلم الأديان المقارن أو الدين الإسلامي. وكأن حضرة البابا الذي يمارس نسياناً انتقائياً لا يذكر الحملات الصليبية المسيحية ومجازرها وحروب الإمبراطوريات الغربية في الشرق والغرب والقتل والمجازر والاحتلالات الكولونيالية التي مارستها أوروبا المسيحية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأيضاً تصلب وسطوة الكنيسة وعدم عقلانيتها عندما حاكمت العلماء الذين خالفوها مثل جالليلو وغيره. أين العقلانية المسيحية من كل ذلك؟! المؤسف أكثر هو موقف، والشخصية المتشددة لهذا البابا الجديد الذي يعد نقيضاً لسلفه الأكثر تسامحاً واعتدالاً، حيث سامح محمد علي آغا التركي الذي حاول اغتياله، واعتذر للمسلمين عن الحملات الصليبية وجرائم الاحتلال الاستعماري. وعارض حرب العراق وصلي كأول بابا في مسجد هو المسجد الأموي في دمشق، والذي انخرط بقوة في حوار الأديان ودعمه وسانده. البابا الجديد، أستاذ علم اللاهوت المؤمن والمدافع عن عظمة وتفوق "الكاثوليكية المسيحية" وهو الذي كما يقول وليد علي كان وراء إصدار دراسة نشرت عام 2000 تؤكد أن "المسيحية وحدها تملك الحقيقة". إن بابا بهذه الخلفية لا يبدو أن لديه الفهم والإلمام الكافيين بالشريعة الإسلامية ليصدر حكمه عليها. كما أن افكاره السياسية عندما كان كردينالاً توصف ب"العنصرية" الواضحة في معاداته لانضمام تركيا المسلمة إلي الاتحاد الأوروبي "النادي المسيحي". حيث يصف الكردينال راتسينغر (أو البابا بنديكت 16 الآن) الاتحاد الأوروبي بالمنظمة ذات "الجذور المسيحية". ردات الفعل في العالمين العربي والإسلامي كانت متوقعة في عفويتها وحدتها وشموليتها، والتي لم تقتنع باعتذار وتبريرات ومحاولات التوضيح والتفسير لموقف واضح السوء. المطلوب، من منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية تبني حملة توعية عن الإسلام بعد أن اشتدت الحملة لتشويه سمعته. كما أن هناك حاجة ملحة لعمل جماعي من الدول الإسلامية مع الأممالمتحدة والفاتيكان وممثلي الكنائس المسيحية الأرثوذكسية والبروتستانتية، وكذلك الدول الرئيسية وخاصة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، لإصدار قانون أممي يجرِّم ويعاقب التعرض للأديان قاطبة والرموز الدينية. ومثلما نجحت إسرائيل في تحريك كل العالم ضد من يتعرض لليهود والمِحرقة وإسرائيل، بأن ذلك يدخل ضمن ما يعرف ب"معاداة السامية"، فما الذي يمنعنا من السعي لتحقيق ذلك أيضاً؟ من دون ذلك ومن دون التقارب ونبذ التطرف والعنصرية، فإن الخوف والجهل والحقد من وعلي الإسلام ستبقي قائمة وتبقي سياستنا ردات فعل وسيبقي الغرب يخشي منا، مما يعني تكرار ما حدث مرة بعد أخري تحت ستار حرية التعبير والنشر