إن أمريكا أكثر أمنا اليوم عن ذي قبل إلا إنها ليست آمنة بما يكفي إن العدو يتمتع بميزة إمكانية مهاجمتنا في عقر دارنا وقد فعلها مرة وعلينا أن نكون يقظين مائة في المائة كل الوقت لحماية شعبنا ". هكذا تكلم بوش أمام المركز الأمريكي لمكافحة الإرهاب بواشنطن في منتصف أغسطس المنصرم معلنا أن بلاده ربما تظل في قتال مع من وصفهم بالإرهابيين لسنوات قادمة مشيرا إلي أن المخطط الذي اكتشف مؤخرا لخطف طائرات وتفجيرها فوق سماوات بلاده أقوي دليل علي ذلك. والمؤكد أن تلك التصريحات التي تسبق الذكري الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تأت اعتباطا فالرجل يود علي الدوام أن يجعل أحداث الثلاثاء الأسود ماثلة أمام أعين الأمريكيين لا تغيب ففيها يجد المفر من أزماته الداخلية وأضحت الحرب علي الإرهاب المارد الذي يسخره لتحقيق تطلعاته الإمبراطورية وباتت عقدة ذلك اليوم تعينه علي تحديد وتوجيه سياساته في العالم عامة وجهة العرب المسلمين خاصة. الذكري الخامسة لأحداث واشنطنونيويورك تطرح عدة تساؤلات علي رأسها هل أميط اللثام عن كافة تفاصيل ما جري أم ستبقي لزمان وزمانين طي الكتمان ؟ ومنها هل نجحت أمريكا في القضاء علي الإرهاب الرابض لها خلف الأبواب ؟ وماذا عن مطاردتها للمخطط الأول والإرهابي الأكبر بالنسبة لها ؟ أخيرا وليس أخرا ماذا عن مستقبل حروب الإرهاب القادمة؟ بن لادن واتهام لم يوجه بعد في الأيام الماضية خرجت علينا صحيفة الواشنطن بوست بتقرير كتبه " دان أيجن " تتساءل فيه عن السبب وراء عدم توجيه المباحث الاتحادية الأمريكية اتهاما رسميا لبن لادن عن دوره في تفجيرات سبتمبر. يقول التقرير انه مع اقتراب الذكري الخامسة فان زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن المطلوب الأول للولايات المتحدة يظل اخطر الإرهابيين فيما زالت كلماته وتصرفاته تحرض الجهاديين في مختلف أنحاء العالم . ورغم أن بن لادن تبني إعلان المسئولية عن الهجمات الإرهابية في شريط فيديو في الذكري الأولي للحادي عشر من سبتمبر إلا أن اتهاما رسميا لم يوجه إليه حتي الآن فيما يتعلق بتورطه في تلك الهجمات . ومع أن بن لادن ظل ولفترة طويلة علي قائمة أكثر عشرة مطلوبين في أمريكا باعتباره العقل المدبر لتفجيرات سفارات أمريكا في كينيا وتنزانيا إلا أن اسمه لم يأت أبدا في قوائم مطلوبي 11/9 ومعني عدم وجود اسمه علي تلك القائمة هو أن وزارة العدل لم توجه له تهمة رسمية باعتباره صاحب قرار الهجوم الانتحاري فيما تقول لائحة الاتهام الرسمية للأحداث أن بن لادن هو مشتبه فيه في هجمات إرهابية أخري في مناطق مختلفة من العالم لكنها لا تعطي تفاصيل أضافية . والحقيقة أن غياب اسم بن لادن عن القائمة يعد من الأمور شديدة الغموض والتي تدفع لمزيد من الشكوك التي تحيط بالحدث برمته بدءا من عجز أجهزة الاستخبارات عن التنبؤ بها مرورا بقصة المناورات الجوية التي جرت بترتيب خاص من ديك تشيني فوق نيويورك يوم الثلاثاء نفسه وباختفاء حطام الطائرة التي اصطدمت بالبنتاجون وقصة الطائرة التي سقطت في بنسلفانيا وحال إضافة قضية عدم توجيه اتهام رسمي لبن لادن فان ذلك كله يجعل من حديث المؤامرة قريب للعقول ويدلل علي أن العلاقة بين تلك الهجمات والقاعدة شان غير مؤكد ويفتح الباب واسعا أمام عقدة 11/9 لتي لا يريد بوش لها أن تنحل والتساؤل لماذا ؟ حرب بوش ضد الفاشية الإسلامية الإجابة ولا شك تحلق في سماوات الفكر الذي حكم البيت الأبيض من اليوم الأول لدخول بوش وهو فكر أصولي يميني ديني مضاد لما يرتئيه انه أصولية إسلامية وعليه فان إدارة بوش لم تخف أبدا مشاعرها تجاه التطلع لإحداث تغيير استراتيجي في تركيبة الشرق الأوسط بهدف إزاحة الأشرار وتسكين الأبرار وعليه كان واضحا من اللحظات الأولي للثلاثاء الأسود أن المواجهة ذات صبغة دينية كما صرح بذلك في 14 اغسطس ومؤخرا عاد بوش للربط بين الإسلام والمسلمين والفاشية. والأمر في واقع الحال امتد من بوش إلي مريديه ومنهم السيناتور الجمهوري " ريك سانتورم " الذي قال " بوجود حلم فاشي إسلامي متطلع لإنشاء خلافة إسلامية عالمية تكون فيها السيادة علي العالم بأسره بيد المتطرفين والفاشيين الاسلامويين" . وهو نفس حديث بوش عن إمبراطورية راديكالية إسلامية تهدف لبسط نفوذها من أسبانيا إلي الفلبين . والمعروف أن وصفة الفاشية الشائعة الاستخدام في خطاب وأفواه المحافظين الجدد ليست سوي دمغة جاهزة لوصف كل من هو متطرف ومتشدد ولا يتسم بأي قدر من التسامح الديني واليوم يضيفها بوش وأعوانه إلي قاموسهم الخاص بالحرب المعلنة منذ سبتمبر 2001 علي الإرهاب غير أنها مثل سابقاتها من عبارات الإرهاب والشر لا تزال خاوية من المعني لكونها تفرغ ظاهرات بالغة التعقيد السياسي والديني والاجتماعي والثقافي إلي مجرد دفعات وكليشيهات جاهزة لا تخدم الغاية التي تستخدم من اجلها .11/9 حرب لا يراد لها نهاية ولان نهار ذلك اليوم كنهار يشوع بن نون في تاريخ بني إسرائيل لا تغيب عنه الشمس ولان بوش يستلهم من التوراة والفكر الإسرائيلي والصهيوني المسيحي المخترق أفكاره ومعتقداته فان حربه علي الإرهاب المنطلقة من عقدة ذلك اليوم لم ولن تنته إذ بعد تصريحاته عن أن بلاده ليست في مأمن مطلق من الإرهاب جاء بعده وزير دفاعه المتعطش دوما للحرب دونالد رامسفيلد ليهيئ الأرضية الكونية لحروب جديدة تحت ذات الستار والشعار أي الحرب علي الإرهاب . ففي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرجي ايفانوف في بانكي بولاية ألاسكا قال رامسفيلد إن الولاياتالمتحدة تدرس احتمال سحب عدد صغير نسبيا من صواريخنا ذاتية الدفع ونزع السلاح النووي ووضع سلاح تقليدي بدلا عنه وإذا تعرضت بلادنا أو أصدقائنا أو حلفائنا لتهديد خلال بضع سنوات في المستقبل بسلاح دمار شامل فإنني اعتقد أن أي رئيس سواء كان رئيس روسيا أو الولاياتالمتحدة سيود أن يكون متاحا لديه سلاح تقليدي يمكنه من مهاجمة أهداف بسرعة وبدقة ولا يشعر بأن الشيء الوحيد المتوافر لديه هو سلاح نووي لا يريد استخدامه . والحاصل أن هذه الفكرة ربما تؤدي إلي حرب عالمية نووية ذلك أن إطلاق صاروخ استراتيجي من نوع " ترايدنت " علي سبيل المثال من غواصة أمريكية قد يخلق وضعا كارثيا من خلال الاعتقاد الخاطئ بهجوم نووي الأمر الذي يدفع دولا مثل روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية للرد بهجوم نووي .والواضح أن البنتاجون يخطط لما يكفيه شر التحرك والالتحام المباشر في الحروب فالجالس سعيدا في واشنطن التي اختارت معماريا لمبانيها نسق روما عاصمة الإمبراطورية القديمة في إشارة لا تخلو من الرمزية يستطيع عبر الأقمار الاصطناعية التحكم في مصائر الآلاف من البشر عبر توجيه الرؤوس التقليدية التي ربما لن تقل فتكا عن الرؤوس النووية. وفي لقاء له مع جنود القاعدة الجوية البحرية في فالون بولاية نيفادا أوضح رامسفيلد أن الجيش الأمريكي رغم انتشاره في العراق وأفغانستان قادر علي مواجهة مشكلات أخري في العالم وشدد علي أن بلاده قادرة بدورها علي مواجهة مشكلات أخري حيث تظهر في إشارة واضحة لإيران وكوريا الشمالية . وأضاف رامسفيلد انه سيكون من سوء الحظ أن تظن دول أخري انه بسبب نشر 36 ألف جندي أمريكي في العراق حاليا سنكون غير قادرين علي الدفاع عن بلدنا أو القيام بأي شيء أخر يكون ضروريا . أما الإشارة الثالثة التي نوردها وندلل من خلالها علي أن حروب 9/11 تنته بعد فقد جاءت من خلال تكرار رامسفيلد لما قاله بوش إذ في حديث أمام المحاربين القدامي في سولت ليك بولاية " يوتاه" صرح قائلا " إننا لن نتخلي عن العراقيين والأفغانيين للإرهابيين والقتلة وفاشيي القرن ال 21 الذين يسعون إلي الاعتداء علينا في الخارج وهنا في الداخل. ومما لا شك فيه أن حديث الداخل يقودنا إلي التساؤل الأخير هل أضحت أمريكا أكثر أمنا وأمانا ؟ الأمريكيون : نحن نخسر الحرب في شهر مايو الماضي استطلعت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الشهيرة في واشنطن أراء 116 خبيرا أمريكيا بارزا من الجمهوريين والديمقراطيين حول تقدم الحرب الأمريكية ضد الإرهاب وكان من بين من شملهم الاستطلاع وزير خارجية أمريكي سابق واثنان من الروساء السابقين لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالإضافة إلي العشرات من المحللين الأمنيين البارزين في الولاياتالمتحدة وقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن 84% يعتقدون أن الولاياتالمتحدة تخسر حربها ضد الإرهاب وقال 86% أن العالم أصبح مكانا أكثر خطورة خلال السنوات الخمس الماضية فيما أكد أكثر من 80% أن هجوما إرهابيا كبيرا ضد أمريكا من المحتمل أن يحدث وان أمريكا تخسر حربها ضد الإرهاب لأنها تتعامل مع الأعراض وليس الأسباب التي تقف وراء الظاهرة . وقد ذهبت بعض الآراء إلي أن "التبعية لإسرائيل وحمايتها وتشجيعها علي جرائمها كان سببا مباشرا تعرضنا لهجمات إرهابية وانه إذا لم نتخلص من إدارة بوش وجميع المتشددين الذين تم شراؤهم ودفع ثمنهم في الكونجرس وننتخب أشخاصا يضعون مصالح أمريكا ومصلحتها فقط علي رأس اولوياتهم وإذا لم يتم ذلك فعلينا أن نتعلم كيف نعيش مع الإرهاب والإرهابيين . إلي متي تبقي عقدة 11 / 9 تواجه بوش ؟ حتي تنتهي الأجندة الخفية للإمبراطورية الأمريكية التي تحجم حتي الساعة عن توجيه اتهام رسمي ل"بن لادن".