لقد باتت العمليات الانتحارية أحد الأساليب الأساسية المستخدمة في تأجيج العنف في أفغانستان وتقويض استقرار البلاد، محيلة إلي عودة "طالبان" و"القاعدة" مجدداً إلي الساحة الأفغانية لترتكبا فظائعهما مرة أخري. فإلي حد الآن شهدت السنة الأخيرة 32 هجوماً انتحارياً، متجاوزة العدد الإجمالي للعمليات الانتحارية التي عرفتها أفغانستان علي امتداد تاريخها. فرغم الاضطرابات التي تعصف بالبلد منذ فترة ليست بالقصيرة، امتدت علي مدي ثلاثة عقود من الصراعات الدامية والمواجهات الشرسة مع قوي أجنبية، وأخري محلية، لم تُسجل في أفغانستان أية عملية انتحارية إلي غاية 9 سبتمبر 2001، أي قبل يومين فقط من هجمات 11 سبتمبر التي ضربت الولاياتالمتحدة، أقصد العملية التي شهدت مقتل زعيم تحالف الشمال الأفغاني المناهض ل"طالبان" أحمد شاه مسعود علي أيدي عنصرين تظاهرا بأنهما صحفيان. وحدثت العملية الانتحارية الثانية في أفغانستان خلال عام 2..2، تلتها واحدة في عام 2003، وست في عام 2004، ليرتفع عددها في عام 2005 إلي 21 عملية. وقد أدي العدد المتزايد للعمليات الانتحارية في أفغانستان إلي ارتفاع متوازٍ في إجمالي الهجمات التي ينفذها المتمردون في البلد. فحسب مؤسسة "راند كوربورايشن" المهتمة بحصر العمليات الانتحارية، تزايد عدد الهجمات والضحايا الذين تخلفهم تلك العمليات بأربعة أضعاف سنة 2002، لا سيما في محافظتي قندهار وهلمند المتاخمتين لباكستان. ويرجع المحللون ارتفاع وتيرة العمليات الانتحارية في أفغانستان إلي مجموعة من العوامل أولها نجاح "القاعدة" و"طالبان" في الإفادة من الخبرة والتدريب اللذين يوفرهما الجهاديون السابقون، إذ قام أولئك العناصر، بتعليم الجماعات الأفغانية، سواء عبر الإنترنت أو في مقابلات مباشرة، تقنيات تنظيم العمليات الانتحارية وتنفيذها، بينما تولت "القاعدة" توفير العناصر المستعدة لتفجير نفسها. أما السبب الثاني المسئول عن الارتفاع المطرد في العمليات الانتحارية، فهو راجع إلي إدراك كل من "القاعدة" و"طالبان" الفاعلية التي تكتسيها تلك العمليات، فضلا عن الخسائر الجسيمة التي تحدثها في صفوف القوات الأفغانية والأمريكية. وهنا لا بد من الإشارة إلي التجارب الأخري التي تستلهم منها الجماعات المتمردة في أفغانستان تقنياتها، وفي مقدمتها "حماس" في فلسطين، و"حزب الله" في لبنان، إضافة إلي جماعات المتمرد العراقي. يضاف إلي ذلك أن العمليات الانتحارية تلحق أفدح الأضرار بالعدو وبأقل الموارد، عكس حالات المواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية التي يتكبد فيها المتمردون خسائر كبيرة في الأرواح. وفي هذا الصدد تشير الأرقام إلي أن فرص المتمردين في إلحاق الضرر بالقوات الأمريكية في أفغانستان لا تتجاوز 5% في حالة المواجهة المباشرة، بينما ترتفع هذه النسبة في حالة العمليات الانتحارية، ما يفسر رواجها في صفوف الجماعات الإرهابية. ويعزي السبب الثالث في ارتفاع الهجمات الانتحارية إلي الاعتقاد السائد لدي "القاعدة" و"طالبان" بأن العمليات الانتحارية تساهم في زعزعة استقرار المجتمع وفقدان الثقة بقدرة الحكومة علي فرض القانون واستتباب الأمن،