حزينة كانت أخبار فلسطين الأسبوع الماضي. فتح وحماس وجها لوجه في قتال مسلح، والسياسيون من الجانبين يتبادلان الاتهامات العلنية، ومن فوقهم تدق إسرائيل غزة والضفة الغربية بالمدفعية والطائرات. لا أحد من الأطراف الثلاثة، فتح وحماس وإسرائيل، يملك مخرجا من الجمود السياسي الحالي، والنتيجة التورط في مواجهات عسكرية بين بعضهم البعض بدون تحقيق حسم لصالح هذا الطرف أو ذاك. الحوار مقطوع تقريبا بين حماس وفتح، وبين إسرائيل والفلسطينيين، كما أن الجهود الدولية متوقفة في انتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي لم يخرج منها حتي الآن إلا أفكار قديمة عن الحل المنفرد بحجة عدم وجود شريك فلسطيني يمكنهم التفاوض معه وقد دعم اقتتال حماس وفتح حجة إسرائيل أمام العالم. الأسوأ من ذلك أنه لا يوجد في الأفق حتي الآن نظرية ما للتحرك في المستقبل، فخريطة الطريق نفد وقودها، كما فقدت أفكار شارون للحل المنفرد عزمها وضاعت وسط المواجهات العسكرية والانتقام المتبادل بين الأطراف ولم يعد هناك رصيد من الثقة يمكن من خلاله إطلاق مبادرة جديدة للسلام. الأوضاع الآن علي المسرح الفلسطيني تشير إلي حاجة الأطراف إعادة تشكيل هياكلهم الفكرية والسياسية وبلورة لحظة بداية جديدة لاستئناف عملية السلام. أمام الجانب الفلسطيني مهمة أساسية وهي إعادة بناء _ وليس ترميم _ البيت الفلسطيني من الداخل فكريا ومؤسسيا. هذا الخليط الفتحاوي-الحماساوي المتصارع لن يمكنه قيادة العمل الفلسطيني إلا إذا اتفق الجميع علي مفهوم موحد للسلام والمستقبل. نحن الآن أمام نظريتين للسلام، واحدة - وينادي بها أبومازن - تقوم علي أفكار أوسلو التي تتحدث عن دولتين واحدة إسرائيلية والثانية فلسطينية يعيشان جنبا إلي جنب. والنظرية الثانية وتنادي بها حماس تقوم علي تحرير كامل الأرض الفلسطينية من البحر إلي النهر، وبعد فوز حماس في الانتخابات لم يخرج منها حتي الآن ما يحدد بالضبط موقفها من وجود إسرائيل وإمكانية التعايش معها في المستقبل. لقد فاجأ فوز حماس في الانتخابات حماس نفسها، وحتي الآن لم تقدم للعالم نظرية مقبولة للسلام، ولم تظهر قدرة خارقة علي الحسم العسكري إذا كانت لا ترغب في الحل السياسي. لم يعد هناك في العالم تقريبا إلا دولة واحدة هي إيران تنادي بإزالة إسرائيل من الوجود، حتي سوريا حليف حماس الحالي لها تاريخ طويل في التفاوض مع إسرائيل وكل مطلب سورية ينحصر في استعادة الجولان. أمام حماس اختيارات ثلاثة: الأول القضاء علي أبومازن أو إزاحته من الطريق والسيطرة علي الأوضاع الداخلية في فلسطين، وهذا ما حاولته حماس مؤخرا بإنشاء مؤسسة أمنية داخلية تابعة لها بعيدا عن مؤسسات الأمن الفلسطينية التابعة لأبومازن. من الواضح أن حماس لا تملك القدرة العسكرية الكافية علي فرض هذا الحل حتي لو نجحت في الحصول علي أسلحة من دمشق، وربما كانت سوريا متورطة في هذا السيناريو كما كشفت الأجهزة الأردنية مؤخرا. الاختيار الثاني أن تحسم حماس موقفها السياسي بطريقة واضحة من خلال حوار مشترك مع أبومازن لبلورة موقف فلسطيني موحد وبذلك يمكنها الانضمام إلي فريق أبو مازن في أية مفاوضات قادمة مع الإسرائيليين، والتركيز علي العمل الداخلي الذي فشلت فيه فتح والذي بسببه فازت في الانتخابات. هذا السيناريو يحتاج إلي شجاعة كبيرة من حماس وقدرة علي مواجهة قواعدها وإقناعهم بأهمية التحول السياسي وإعطاء أولوية لوحدة الموقف الفلسطيني. من غير المعقول أن تعتقد حماس بأن مجرد فوزها في الانتخابات يمكن أن يتيح لها تنفيذ أهدافها القديمة في ظل وجود أبومازن وفتح علي الساحة الفلسطينية. من ناحية أخري يجب علي أبومازن إقامة حوار مع حماس والوصول معها إلي رؤية موحدة للمستقبل، وإذا أصرت حماس علي موقفها فيجب أن يُطرح الموقف كله علي الشعب الفلسطيني، فإما أن تستقيل الحكومة أو يستقيل أبو مازن. كما أن فكرة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لابد وأن تُحسم بطريقة منطقية ومقنعة للجميع. فإذا كان الخيار عسكريا فيجب أن ينخرط فيه الجميع، وإذا كان الخيار سلميا فيجب أن ينطوي الجميع تحت لوائه في ظل قيادة فلسطينية موحدة. يجب أن تنصهر كل الفصائل العسكرية المتفرعة من فتح وحماس والجهاد في جسد واحد وتحت قيادة واحدة وبدون ذلك سوف يفقد النضال الفلسطيني كثيرا من استقلاله ومصداقيته. إن مصر تحاول القيام بدور التوفيق بين الفصائل إلا أن هذا الجهد لم يعد كافيا، فبدون وحدة السلاح الفلسطيني الذي فشل عرفات وأبو مازن في تحقيقها لن يأخذ العالم النضال الفلسطيني مأخذ الجد خاصة بعد كل ما حدث من حماس أيام عرفات، وما يحدث من الجهاد أيام حماس، وما يحدث من الجميع الآن في أيام أبو مازن. لن يكون هناك أمل في أية مفاوضات حقيقية مع إسرائيل بدون فلسطين واحدة. إسرائيل أيضا يجب أن تحسم موقفها. لقد أصبح واضحا أنها فشلت في حسم الصراع عسكريا لصالحها، ولا طريق أمامها الآن إلا طاولة المفاوضات. علي إسرائيل واجب مهم هو مساعدة الجانب الفلسطيني المنحاز للسلام علي اتخاذ قرارات جريئة من خلال بلورة موقف إسرائيلي واضح ومحدد بالنسبة للقضية الفلسطينية وإزاحة الغموض عن السياسة الإسرائيلية الحالية الصعب في الحقيقة فهم أهدافها النهائية. يجب أن تعلن إسرائيل رؤيتها عن حدودها النهائية وعلاقاتها مع جيرانها وماذا تنتظر منهم في حالة انسحابها من الأرض المحتلة. لقد أفرزت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بعض المؤشرات الإيجابية والطريق الآن مفتوح أمام حكومة تمثل فيها كاديما والعمل أغلبية مريحة تسمح باتخاذ قرارات مصيرية تختلف عن النظرة الأحادية لشارون. ليس كافيا أن تحسم إسرائيل قرارها وحدها ولكن علي القوي الكبري في العالم أيضا أن يكون لها دور في دفع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلي اتخاذ موقف جاد من عملية السلام وإعادة الاستقرار إلي هذا الجزء المهم من العالم. هل الشرق الأوسط في حاجة إلي مؤتمر دولي لعلاج كل أمراضه دفعة واحدة؟ هناك بالتأكيد قضايا كثيرة لم يعد ممكنا معالجتها بشكل منفصل عن الأخري، ولم يعد ممكنا ذلك بدون مشاركة قوي أساسية من خارج المنطقة في حلها. لكن الحلول السياسية لا تسقط عادة من السماء ولكن تتشكل طبقا لقدرات وأوضاع القوي المحلية ومن هذه الزاوية يجب علي حماس وفتح وإسرائيل والدول العربية المتداخلة معهم الوصول إلي تصور مبدئي لشكل علاقاتهم في المستقبل.