مايزال الغموض يلف مرض الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي يعالج حاليا في فرنسا بعد خمسة أشهر من اجراء عملية جراحية بمستشفي دوفراس العسكري وكان بوتفليقة قد توجه الاربعاء الماضي إلي فرنسا لإجراء فحوص طبية، وفقاً لبيان أصدرته رئاسة الجمهورية الجزائرية الخميس، فيما ألقي طبيب فرنسي شهير بظلال الشكّ حول الرواية الرسمية لهدف الزيارة سواء من الجانب الجزائري أو الفرنسي. وقال بيان حكومي جزائري إن بوتفليقة توجه إلي فرنسا لإجراء مراقبة طبية كانت مقررة منذ مدة، عقب فترة العلاج بمستشفي "فال دو جراس" في باريس بشهر فبرايرالماضي. ولم يذكر البيان مزيداً من التفاصيل عن الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، كما لم يفصح عن اسم المستشفي الذي يعالج فيه الرئيس. إلا أن عبد العزيز بلخادم وزير الدولة للشئون الخارجية الجزائرية أعلن أن الفحوص التي يجريها بوتلفيقة هي "روتينية ويجريها عادة كل من أجريت له جراحة، وأنه بصحة جيدة." وفي فرنسا، أكد مصدر طبي فرنسي أن الرئيس الجزائري موجود في البلاد لأسباب طبية، دون تحديد اسم المستشفي الذي يعالج فيه. ووصف المصدر الطبي الفرنسي طبيعة الفحوص التي يجريها بوتفليقة، بالقول "إن الأمر يتعلق بإجراء استشارات طبية." وقد ألقي طبيب فرنسي معروف بظلال الشكّ حول الرواية الرسمية قائلا إنّ "لديه مزيدا من الشكوك." ونقلت الانباء عن البروفيسور برنار ديبريه، الذي عالج الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، قوله "ما يتمّ الإعلان عنه لا يتماشي مع ما يجري اليوم." وأضاف ديبريه الذي يرأس قسما في مستشفي كوشين "لا ينبغي أن يتمّ التعامل كما لو أننا حمقي." وقال "إذا كان سبب المرض أصلا هو قرحة معدية، فإنّ الاطباء الجزائريين قادرون علي علاجها من ثمانية إلي 10 أيام." وأوضح "معايدة الطبيب بعد فترة التعافي من القرحة، تقتضي فقط إجراء فحص فيبري وهو ما يتسني القيام به في أي مستشفي جزائري." وقال "لذلك يمكننا أن نتساءل عن المغزي الحقيقي الذي يجعل الرئيس بوتفليقة يأتي إلي باريس من أجل فحص بمثل هذه البساطة." وتقول مصادر جزائرية أخري إن الرئيس نقل ليلا وبشكل عاجل إلي المستشفي الباريسي بعد قيامه بزيارة مرهقة إلي محافظة قسنطينة شرقي البلاد رغم أن الأطباء نصحوه بتفادي الإجهاد. وكان الرئيس الجزائري قد أدخل المستشفي في فرنسا من 26 نوفمبر إلي 17 ديسمبر وخضع لجراحة القرحة حسب ما أعلن رسميا. وبعد مغادرته للمستشفي قضي فترة النقاهة في فرنسا وعاد إلي الجزائر في 31 ديسمبر. وقد رافقت تلك الرحلة الصحية تكهنات وإشاعات كثيرة بشأن الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة وطبيعة المرض الذي يعاني منه. وقد عزز تلك الإشاعات صمت السلطات الجزائرية حول الموضوع. وطرحت بعض الأوساط الجزائرية -خاصة الإعلامية- في ذلك الوقت مسألة خلافة بوتفليقة، إذ أخذت علي المؤسسات الدستورية عدم تحركها لمواجهة أي احتمال طارئ. وينص الدستور علي اجتماع المجلس الدستوري في حال إصابة الرئيس بمرض طويل لإعلانه "غير قادر علي الحكم" وتكليف رئيس مجلس الأمة (مجلس الشيوخ) تولي السلطة الانتقالية لمدة 45 يوما. ولم تتوقف تلك الشائعات إلا بعدما ظهر بوتفليقة علي التلفزيون في أوائل ديسمبر حيث بدا شاحبا يتكلم بصعوبة، إلا أنه كان مبتسما ومرتاحا وقال إن "علي الشعب الجزائري ألا يقلق علي الإطلاق" علي صحته. وتأتي رحلة بوتفليقة الاستشفائية إلي فرنسا حاليا في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين نوعا من التوتر علي خلفية الانتقادات الحادة التي يوجهها الرئيس بوتفليقة للحقبة الاستعمارية الفرنسية وما سببته من "إبادة للهوية الجزائرية". وكان جون ماري لوبين رئيس حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) أول السياسيين الفرنسيين الذين علقوا علي قدوم بوتفليقة إلي باريس، وربطه بالانتقادات التي يوجهها للآثار السلبية للاستعمار الفرنسي لبلاده. وعبر لوبين عن غضبه قائلا إنه لا يفهم كيف أن بوتفليقة يتهم فرنسا بارتكاب إبادة في بلاده وبعد ذلك يقبل تلقي العلاج في أحد مستشفياتها. وقد وجه بوتفليقة انتقاداته الجديدة للحقبة الاستعمارية قبل نحو أسبوع، وجاء ذلك بعد أيام من زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية فيليب دوست- بلازي إلي الجزائر في محاولة للتعجيل بتوقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين، إلا أن الزيارة باءت بالفشل.