خلال السنوات التي أمضيتها في التفاوض من أجل السلام بين إسرائيل وجيرانها، كنت كثيرًا ما أشعر بالاندهاش بسبب ندرة المرات التي كانت مواقف الطرفين تتطابق فيها ففي المرات التي كان فيها كل من الاسرائيليين والفلسطينيين، يواجهون زلزالاً سياسيًا، كان الطرفان مهيئين لتغير واسع النطاق، ولكن في اتجاهين مختلفين. وعلي الرغم من أن "حماس" قد تتجنب بالغريزة التعاون مع إسرائيل، فإنها ستجد أن توليها لزمام الحكم سينتج عنه مأزق فكيف يمكنها ألا تتعامل مع إسرائيل التي تزود الفلسطينيين بالكهرباء والماء، والتي تقوم بتحصيل الضرائب والعوائد بالنيابة عنهم، وهي التي تقدم معظم الأموال التي تحتاجها الإدارة الفلسطينية، كما أنها هي التي تتحكم في جميع نقاط الدخول والخروج من المناطق الفلسطينية. ويجب علي "حماس" أيضًا أن تعترف بحقيقة واقعية أخري، وهي أنها خاضت الانتخابات، وفازت بها بسبب أجندتها القائمة علي الاصلاح وتحقيق حياة أفضل للمواطنين الفلسطينيين، وأن الحياة ليس من المحتمل أن تتحسن ما لم يتوافر "الهدوء" الذي تريده لإعادة بناء المجتمع، والذي سيتطلب التعامل مع الفساد المزمن، والانفلات الأمني، وتقديم الخدمات الاجتماعية وتطوير اقتصاد يوفر الوظائف كما يوفر وعدًا بمستقبل أفضل، وعندما يعلن قادة "حماس" أن الحركة ستصوغ سياسة اجتماعية جديدة وسياسة صحية جديدة وسياسية اقتصادية وصناعية جديدة، فإنهم يرفعون بذلك مستوي التوقعات لذلك فإنهم مطالبون بأن يسألوا أنفسهم سؤالاً هو: هل يستطيعون أن ينجزوا هذه الوعود إذا ما كانوا في حالة حرب مع إسرائيل؟ وقادة "حماس" الذين يعيشون في غزة - مثل محمود الزهار وإسماعيل هنية - الذين يعانون من واقع الحياة في القطاع، فقد يسعون إلي الدخول علي الأقل في حوار غير مباشر مع الإسرائيليين، ولكنهم "لن يقوموا خلاله بإعطاء أي شيء مجانا" للإسرائيليين، كما قال محمود الزهار. المنطق الذي يجب أن تستند إليه اسرائيل وأيضا المجتمع الدولي في التعامل مع "حماس" يجب أن ينطلق من الموقف التالي: ألا يقوموا باعطاء "حماس" شيئًا بالمجان قد يجد الاسرائيليون و"حماس" أن العلاقة التي تفرضها حقائق الأمر الواقع بينهما ربما تكون مفيدة: فالاسرائيليون سيحصلون علي الهدوء الذي يمكنهم من مواصلة بناء جدار الفصل، و"حماس" ستكون لديها الحرية في التركيز علي عملية إعادة البناء الداخلي قد يبدو الأمر منطقيًا علي هذا النحو، ولكننا يجب أن نعرف أنه لن يكون قابلاً للاستمرار، إلا إذا توقفت "حماس" عن صنع القنابل وصنع وتخزين صواريخ "القسام" ومنعت هجمات "الجهاد الاسلامي" و"كتائب شهداء الأقصي" وأوقفت تهريب الأسلحة الجديدة والمتطورة إلي داخل غزة والضفة الغربية. يمكن الافتراض أن "حماس" ستسعي إلي عمل أقل القليل والحصول علي أقصي شيء ممكن، ولكن يجب ألا يسمح لها بذلك يجب ألا يسمح لها بتفادي اتخاذ الخيارات، ويمكن لاسرائيل إذا ما استلزمت الضرورة السماح لطرف ثالث بالعمل كوسيط بينها و"حماس" للتأكد مما إذا كان التعامل علي أساس الأمر الواقع بين الطرفين سيكون ممكنا أم لا، علي أن تكون الشروط الاسرائيلية واضحة تماما أثناء ذلك وخصوصا فيما يتعلق بالأمن. أما الولاياتالمتحدة فيجب ألا تكون أقل وضوحًا في تبيان ما يتعين علي "حماس" عمله، إذا ما أرادت أن تكون لها علاقة مع المجتمع الدولي بالطبع "حماس" ستسعي إلي أن تكون لها علاقة مع العالم مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بعقيدته الجوهرية القائمة علي رفض إسرائيل، ودعمها للعنف ولكن يجب ألا يسمح لها في أي حال بأنصاف التدابير والصياغات الغامضة يجب علي "حماس" أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، وترفض العنف، وتلتزم بايقاف جميع أعمال الارهاب ضدها. أما دور الولاياتالمتحدة فهو صياغة توافق أو اجماع علي هذه الشروط، وضمان أن ذلك التوافق والاجماع لن يتآكل بمرور الأيام وفي النهاية فإن ما سيحدث علي المستوي الواقعي بين إسرائيل و"حماس" سيكون شيئًا أما ما يصر عليه المجتمع الدولي فيجب أن يكون شيئًا آخر. واشنطن بوست