عملا بالنظرية العلمية التي تفسر كيفية حدوث الزلزال الأساسي، ومن ثم حدوث توابعه المتعاقبة، وتأسيساً أيضا علي الحقيقة العلمية التي تقول بأن مركز الزلزال أو مكان حدوثه، يكون دائما هو أكثر الأماكن تأثرا به، وهكذا فكلما ابتعدنا عن مركزه قل الإحساس به إلي حد كبير، كما أن توابع الزلزال تكون عادة أقل حدة وخطورة من الزلزال الرئيسي. في إطار تلك الرؤية العلمية، فإننا نعتقد بأن نتائج التشريعية المصرية التي جرت مؤخراً كانت هي الزلزال الرئيسي في منطقتنا، حيث أسفرت عن فوز جماعة الإخوان المسلمين بنحو 20% من مقاعد مجلس الشعب في أول حضور انتخابي رسمي لها، وذلك علي الرغم من كل المحاولات الشرعية وغير الشرعية التي بذلت لإسقاط مرشحيها والتنكيل أو التشهير بهم أحياناً، إلا أنهم تمكنوا باقتدار أن يكونوا ثاني أكبر القوي السياسية المعارضة في البرلمان ولأول مرة في التاريخ السياسي لمصر، وبالتالي فإننا نعتقد بأن الذي حدث مؤخرا من اكتساح "حماس" لنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، قد جاء ليؤكد ربما علي أن توابع الزلزال قد تكون أكثر تأثيرا من الزلزال الأساسي نفسه، ويمكننا تفهم ذلك واستيعابه، في ظل كون مناطق السلطة الفلسطنية أو الأراضي المحتلة، هي الامتداد والمكان الأقرب لمركز الزلزال هنا في مصر! وإذا كنا قد تحدثنا كثيرا من قبل عن أسباب ومبررات وتداعيات ماحدث في الانتخابات التشريعية بمصر، فإننا نجد أنفسنا اليوم مدفوعين بحكم اهتمامنا وشغفنا بما يدور عندنا وحولنا للحديث عن "الذي جري" في غزة والضفة الغربية، وذلك بتركيز الضوء علي عدة توابع أو بعض الأمور المهمة والموحية، ولكل من يراقب ويعي ويتعظ حيث يمكن إيجاز ذلك فيما يلي: أولاً: أنه لايمكن لأي منصف أو متابع محايد، أن يتحدث عن الانتخابات التشريعية الفلسطينية، دون أن يتمكن من منع نفسه من الغيرة التي قد تصل إلي حد الحسد، من كل الذي حدث في الانتخابات الفلسطينية وذلك بالنظر إلي شفافية وحيادية ونزاهة تلك الانتخابات، إلي الحد الذي دفع ببعض ممن كانوا يترقبون بتوجس وبخوف كبير من نتائجها، إلي الاعتراف بذلك والإقرار به والتسليم "الموجوع" بنتائجه. ثانياً: فرضت آلية إجراء الانتخابات الفلسطينية عن طريق لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، جواً عاما من الثقة والهدوء والاطمئنان، وقد رأينا البشاشة البادية دوما علي وجه السيد/ رئيس اللجنة ومساعديه في كل مانقلت عنهم ومنهم الفضائيات العربية وغيرها. وقد يرجع ذلك في الحقيقة إلي أن الرجل الذي عهد اليه برئاسة اللجنة ليس لديه مايخفيه كما انه يتحدث بطلاقة الواثق المطمئن المتجرد، فلم الاختفاء والارتباك والتلعثم؟! ثالثا: أن الانتخابات الفلسطينية قد جرت تحت نظر وبصر العالم كله، حيث راقبها الجميع دون استثناء بمن فيهم الرئيس الامريكي الأسبق "كارتر" ولم نجد من بين جميع الفلسطينيين، علي اختلاف مشاربهم وفصائلهم ومعتقداتهم السياسية، من ينبري زاعقا رافضا لمراقبة الانتخابات ومن ثم الاطمئنان إليها والثقة في نتائجها، وذلك تحت دعاوي باطلة مثل السيادة الوطنية وغيرها! رابعاً: برهنت النسبة العالية للمشاركة الشعبية بالتصويت في الانتخابات، علي ارتفاع الوعي والنضج السياسي للفلسطينيين، فعندما طلبت القيادة الفلسطينية من مواطنيها الذهاب بزخم الي مقار وصناديق الاقتراع، وعدم الركون إلي العزوف السياسي، فهي كانت صادقة في دعوتها، والأهم أنها لم تدعهم للتصويت لها بشكل او بآخر، بمعني أن دعوتها كانت "نبيلة" في حث المواطنين لاداء حقهم الانتخابي، وأيا كانت النتائج التي ستسفر عنها، فكان لها ما أرادت بحق، حيث سجلت نسبة المشاركة ما يقرب من 78% وهي تعد نسبة قياسية للمشاركة السياسية في اي انتخابات. خامساً: انه علي الرغم من اجراء الانتخابات الفلسطينية بين قوي وفصائل سياسية مختلفة، ولكل منها أذرعها العسكرية الخاصة بها، إلا أن مقار اللجان الانتخايبة جميعها لم تشهد أي تجاوزات أو مواجهات أبو بلطجة من أي نوع!! وقد رأينا علي الفضائيات كيف صدقت الأذرع العسكرية في التزامها بميثاق الشرف الذي أعلنته ، والذي ورد فيه تعهدا بإجراء الانتخابات في أجواء هادئة مستقرة بل تكاد تكون نموذجية وكذلك بمقارنتها بالذي يحدثحتي في أكثر الدول ديمقراطية. لقد كانوا جميعاً صادقين فيما التزموا وتعهدوا به، وقد رأينا كلاً منهم وهو يخلع عنه ما يحوزه من سترات واقية من الرصاص وما حوزته من أسلحة مختلفة، ويقدمهما معا طائعا لرجال الشرطة الفلسطينية قبل دخوله إلي مقر اللجنة الانتخابية في مشهد مثير خلاب، ترتب عليه عدم حدوث أي احتكاكات او مشاجرات ولم تنطلق في كل ذلك ولو رصاصة واحدة! سادساً: تميزت إجراءات الانتخابات هناك باليسر والسهولة، فقد اصطف جمهور الناخبين في صفوف هادئة منظمة، فالكشوف الانتخابية واضحة والناخبين عارفين بمقار لجانهم، فليس في كل ذلك مفاجآت، كما أن الكشوف الانتخابية واحدة، ولاتتغير مع تغير صفة المرشح سواء كان لفتح او لحركة حماس أو لغيرهما، كما أننا لم نسمع أية شكاوي بخصوص الأخطاء الواردة في الكشوف أو الاسماء المدونة بها. سابعاً: أكدت نتائج الانتخابات علي أن الشارع السياسي هو الحكم والصوت الأقوي لإنجاح مرشح، أو إسقاطه فحيث تفوز حركة المقاومة السياسية (حماس) بهذه الاغلبية التي تمكنها من تشكيل حكومة فلسطينية فإن المعني الوحيد لكل ذلك، هو انحياز اغلبية الفلسطينيين لمرشحيها ولبرنامجها الانتخابي. علي أية حال، إذا كان ماسبق إيجازه يشيد في مجموعه بالتجربة الديمقراطية القوية للانتخابات الفلسطينية إلا أن المرء لايستطيع في الحقيقة أن يتحدث عن توابع الزلزال، من غير أن يستحضر ما حدث في الزلزال نفسه، ففي الذي حدث فيه أو في مركزه هنا في مصر مقابلة أكيدة مع ماحدث هناك في فلسطين، حيث قد اهتزت بعنف قوالب وجوامد وأبنية سياسية شاخت، كما ترنحت بقوة ايضا تحت تأثيرهما مقولات وادعاءات عفا عليها الزمن، كما ساهم في سقوط رموز ترهلت لأنظمة فسدت فتفسخت ولم يعد أمامها الي الامتثال لما فرضه الزلزال وتابعه، صحيح أن التجليات السياسية المفيدة للتابع قد تفوقت علي تجليات الزلزال الاساي، الا ان مبعث ذلك قد يرجع إلي ثقافتنا المجتمعية المحلية المحدودة بالزلازل بشكل عام، فمنطقتنا العرية بتركيبتها الجيولوجية والسياسية الفريدة، إنما تقع حسب ما نعتقد خارج حدود الاحزمة الزلزالية السياسية المعروفة ، ولذا كان أهم ما توصف به أنها خارج حدود المكان والزمان، فالركود والركون والخمول والجمود أهم خصائصها لذلك فإننا عندما نشاهد دولة عربية ما يتم بها تداول السلطة بشكل سلمي وديمقراطي (مثلما حدث في فلسطين) فإننا نعتبر مجرد حدوث ذلك أمراً قد يشبه الزلزال أو توابعه فهل هناك ما هو أسوأ من ذلك؟!