الاعلان الدرراماتيكي بفوز حماس ليس بالضرورة كابوسا لإسرائيل. وهناك عدد غير قليل من الجهات الأمنية، بما في ذلك العليا، التي تعتقد أن النجاح الكبير لحماس أو حتي الفوز يمكن أن يكون جيدا لإسرائيل. ومن المهم فهم أن الانتخابات في السلطة الفلسطينية تهم قادة المؤسسة الأمنية في إسرائيل، بشكل لا يقل بل يزيد عن الانتخابات في إسرائيل ذاتها. ومنذ زمن تمت الإشارة إلي الخامس والعشرين من يناير 2006 بوصفه تاريخا مفتاحيا ينبغي الاستعداد له، سواء بسبب المهمة المركبة لمنح حرية التنقل للمقترعين إلي صناديق الاقتراع في أنحاء المنطقة أو بسبب الآثار المتوقعة في اليوم التالي. والاستعدادات في الجيش والشاباك لانتخابات السلطة الفلسطينية تم التوافق عليها في مداولات وصلت إلي وزير الدفاع ورئيس الحكومة. وكما هو معهود، فإن شعبة الاستخبارات في الجيش غطت نفسها في هذه المداولات بلا أقل من خمسة سيناريوهات محتملة: سيناريو الحد الأدني ويمنح حماس ما بين خمسة وعشرين إلي ثلاثين في المائة من أصوات الناخبين، وحتي النصر الجارف والمطلق لهذه المنظمة، التي تحتفظ بمخزون محترم من الوسائل التخريبية والتي نقشت علي رايتها تدمير إسرائيل. وهناك من يرسم صورة متفائلة داخل جهاز الاستخبارات، وهؤلاء لا يرون في إنجاز حماس المحتوم الحصول علي حصة هامة من أصوات الناخبين، وربما الفوز بالأغلبية كارثة فظيعة. ويبرز المتفائلون المدمنون في المداولات الداخلية نظريات أكاديمية تقرر أن السيرورات الديمقراطية تقلص بشكل حاد مخاطر المواجهة المسلحة. فالتاريخ العالمي، وفق هذه النظريات، يثبت أن أي دولة تسير وفق ديمقراطية حقيقية لم تلجأ أبدا إلي شن حرب ضد دولة ديمقراطية أخري. والواقع أن هناك جنرالات في هيئة الأركان العامة يؤمنون أنه في رؤية تاريخية، يمكن للمسيرة الديمقراطية أن تكبح حتي تنظيما مثل حماس. ويقول ضابط كبير أن "مجرد مشاركة هذه المنظمة في الانتخابات كبحت تصريحاته ودفعته إلي أن يحتم بشكل شبه مطلق التهدئة في العام الأخير، بخلاف تنظيم الجهاد الإسلامي الذي لا يشارك في الانتخابات ويواصل تنفيذ عمليات". وهو يذكرنا بأنه إلي ما قبل خمسة عشر عاما لم تكن إسرائيل مستعدة للحديث مع منظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت تحت سيطرة فتح) بل كان هناك قانون صريح يحظر الاتصال مع هذه المنظمة. ويقول الضابط الكبير أن دخول حماس في الحلبة السياسية يمكن أن يدفع خلال عقد إلي عقدين من الزمان إلي تحويلها من ناحية إسرائيل إلي ما هي عليه فتح اليوم، فيما تتحول حركة الجهاد إلي ما هي عليه حماس". و"صحيح حتي الآن أن كل الاحتمالات مفتوحة. وإذا حظيت حماس بإنجاز جوهري وقررت أن تغدو براجماتية وأن تؤلف في حكومة فلسطينية تعترف بإسرائيل، فإن هذا قد يشكل تطورا إيجابيا بالتأكيد. إذ ليس بوسعهم أن يكونوا وزراء في حكومة فلسطينية من ناحية وإصدار الأوامر بتنفيذ عمليات ضدنا من ناحية أخري". خيبة أبو مازن وهناك سبب إضافي لعدم اعتبار نجاح حماس بالضرورة كارثة وهو الخيبة العميقة من رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن. وحسب مصدر أمني فإن "أبو مازن فشل بشكل ذريع. فهو لم يحلق في استطلاعات الرأي الفلسطينية وهو تقريبا ارتكب خلال العام الذي تلي وفاة عرفات كل الأخطاء الممكنة. فبعد أن وقع علي اتفاق وقف النار مع حماس، وهي منظمة المعارضة الأقوي، كانت لديه فرصة ذهبية "للحملة" علي الجهاد الإسلامي الأصغر نسبيا وتجريده من أسلحته بعد تنفيذ العمليات الانتحارية ضد إسرائيل. ولكنه لم يفعل ذلك، من دون أن نتحدث عن أنه لم يفكر حتي في احتمال تجريد سلاح حماس". والنتيجة، حسب رأي المصدر الأمني، هي الفوضي شبه المطلقة في السلطة الفلسطينية والإحساس بأن أبو مازن لا يسيطر علي الوضع أبدا. وفضلا عن ذلك فإن هناك جهات أمنية تعتقد أن أبو مازن أضعف من أن يقود خطوة تاريخية مع إسرائيل. ويقول أحدهم أنه "من الجائز أنه في نهاية المطاف فإن تنظيما مثل حماس يمكن أن يتوصل إلي تسوية حقيقية، إن اعترف بوجود إسرائيل". اعتدال حتي الانتخابات وبالمقابل، هناك عدد غير قليل من قادة المؤسسة الأمنية الذين يرفضون بشكل مطلق "المقاربة الإيجابية" بشأن احتمال تحول حماس نحو الاعتدال. ويقول مصدر أمني أنه "إذا كان هناك من اعتدال معين في حماس، فإن ذلك لأغراض المعركة الانتخابية. ومقارنة حماس الحاضر بفتح قبل عشرين عاما لا أساس لها. لأن فتح حركة علمانية في حين أن حماس تستمد أيديولوجيتها من الدين. وهي لن تتنازل أبدا عن كل فلسطين". وحسب المصدر الأمني فإن إمكانية أن تعمل حماس في الوقت نفسه كمنظمة سياسية وكمليشيا مسلحة يشكل خطرا علي إسرائيل. "فهذه ستكون كارثة من ناحيتنا لأن الأمر يتعلق بتكرار الوضع في لبنان حيث يعمل حزب الله كميليشيا مستقلة وأيضا يشارك في اللعبة السياسية. ومن جهة أخري فإن احتمال أن يتم تجريد حماس من سلاحها بعد انتهاء الانتخابات وتحويل هذه المنظمة إلي حزب سياسي فقط هو احتمال أضعف من احتمال تحقق النبوءة النهاوية في أيامنا. ومن الجائز أن المتحدثين عن أن حماس ليست منظمة فظيعة إلي هذا الحد يرتكزون إلي تآكل المواد عندنا بعد خمس سنوات من الانتفاضة. فالجميع يريد الإيمان بأن حماس لن تحاول مرة ثانية تنفيذ عمليات علي نطاق واسع، ولكن ينبغي أن نبقي "حذرين". وبالمقابل، فإنه إذا قررت حماس الانضمام للحكومة الفلسطينية، سواء قامت هي بتشكيلها أو شاركت في ائتلاف مع حركة فتح، سوف تضطر إسرائيل لاتخاذ قرار مبدئي: هل نتحادث مع رجال حماس الذين يتولون مناصب رسمية في السلطة الفلسطينية؟ وهناك عدد غير قليل من الجهات الميدانية في الجيش الإسرائيلي التي تجري حاليا بشكل غير رسمي اتصالات مع رجال حماس الذين فازوا في الانتخابات البلدية. غير أن هذه الاتصالات تتعلق في الغالب بقضايا المجاري أو أذونات الحركة، والمحادثون من الطرف الآخر هم رجال رئيس البلدية المنتمي إلي حماس. ومن المشكوك فيه أنه علي الصعيد القطري سيكون الوضع مشابها. ففي الحلبة السياسية وفي المؤسسة الأمنية يدركون أن حماس ذاتها ليست متحمسة فعليا للحديث معنا لأن مجرد وجود حوار رسمي يشكل اعترافا بحق إسرائيل في الوجود، الأمر الذي يشكل تراجعا مثيرا عن أيديولوجيا حماس. ويقول مصدر أمني أن "من الجائز أن حماس لا تريد فعلا تحقيق الفوز في الانتخابات وتفضل الاكتفاء بإنجاز كبير من دون أغلبية. ووفق هذه المقاربة، فإنه إذا دخلت حماس شريكة في الحكومة الفلسطينية فسوف تختار الحقائب الوزارية التي لا تتضمن أية اتصالات مع إسرائيل مثل الوزارات الاجتماعية". الحوار مع حماس ورغم هذه التقديرات، فإن السجال يشتد حول ما إذا كان ينبغي الحوار مع حماس عندما يحين الوقت. وبقدر ما يتعلق الأمر بالمؤسسة الأمنية، فإن هناك شخصا واحدا يقرر موقف هذه المؤسسة: وزير الدفاع شاؤول موفاز. وفي إحدي المداولات الداخلية التي أجريت مؤخرا قال موفاز أن "إسرائيل لن تتحادث مع حماس إلا إذا تم تجريدها من السلاح وقامت بتغيير دستورها الذي لا يعترف بنا. وإذا تحدثنا مع حماس فإن هذا يمنح مشروعية أيضا للجهات الدولية لأن تتحادث معها، في وقت يري فيه العالم حماس كمنظمة إرهابية وهو لا ينوي الاعتراف بها بأي شكل". وبالمناسبة فإن لرئيس أركان الجيش الجنرال دان حلوتس موقفا مشابها لموقف الوزير. هل معني ذلك أن إسرائيل لن تجري في السنوات القريبة حوارا مع حماس؟ من السابق لأوانه الرد علي هذا السؤال. ويجب علينا أن نتذكر أنه فقط قبل بضعة شهور عارضت إسرائيل بشدة مجرد مشاركة حماس في الانتخابات قبل نزع سلاحها، مثلما عارضت التصويت في شرقي القدس، ولكنها اضطرت للتراجع عن مواقفها بسبب الضغط الأمريكي. ومن المنطقي الافتراض أيضا أنه في قضية الاتصالات مع حماس سوف يكون لموقف صناع السياسة في واشنطن تأثير أكبر من موقف كبار الضباط في وزارة الدفاع والساسة في الكنيست.