كان الفرعون إخناتون هو الذي غير وجه مصر في العصور القديمة حينما وصل فكره إلي الإله الواحد الذي ليس كمثله أحد، وخلق مفارقة مع ديانات وعبادات دامت حتي زمنه لأكثر من ألفي عام. ولأن الأفكار العظيمة تولد ثورات كبري وقلاقل لا حد لها، ومن بعدها تأتي الثورات المضادة وانقلاب الدنيا رأسا علي عقب، فإن مصر مرت بواحدة من أكثر فترات تاريخها تأزما وعنفا. ولكن الأقدار ساقت الملكة حتشبسوت لكي تقوم ربما بواحدة من أهم إنجازات المرحلة الفرعونية أهمية وهي أن تعيد إلي مصر سلامها مع نفسها وسلامها مع الآخرين، وفوق ذلك تعيد تعريف مهمة الفرعون فلا يكون حاميا للرعية فقط، ولا قاهرا للأعداء فحسب، وإنما منميا لموارد البلاد بالحكمة، ورافعا لمستوي المعيشة بالحساب، وجالبا للخير من البلاد البعيدة بالحصافة. ولم تترك الملكة حياتها كفرعون مصر حتي كانت قد أقامت معبد الدير البحري الذي عكس فكرا فنيا جديدا، وعمارة لم تعرفها لا مصر ولا الدنيا من قبل. ولكن ربما كانت حتشبسوت هي آخر النساء ممن شارك في حكم مصر بفعالية، وحينما حاولت شجرة الدر أن تفعل ذلك بعد ألفي عام وهي الملكة المنتصرة علي الفرنجة، فقد أنكر عليها الخليفة المنصب، وفوق ذلك كان هناك من قتلها ضربا بالقباقيب. وكان علي المرأة المصرية أن تنتظر لقرابة ألف عام إضافية حتي تحصل علي حق الترشيح والانتخاب للبرلمان في دستور عام 1956، ومن ساعتها فإنها أصبح لها مكان في الوزارات المتتابعة، واستحوذت علي قرابة ثلث القيادات في البيروقراطية المصرية، وأخيرا تم تعيينها قاضية في المحكمة الدستورية العليا. ولكن رغم كل هذه الإنجازات فإن المرأة المصرية لم تصل إلي قامة حتشبسوت قط، ليس فقط لأنها لم تصل إلي منصب الفرعون أو حتي المحافظ، وإنما لأن مشاركتها في صنع السياسة كانت ضعيفة في كل الأوقات. وطبقا لتقرير نشرته الأممالمتحدة في عام 2002 حول تقدم المرأة في العالم، فإن مصر جاءت ضمن تلك الدول التي يوجد فيها أدني مستويات التمثيل للمرأة. ومنذ عام 1957 لم تزد نسبة تمثيل المرأة في البرلمان عن 3% باستثناء عامي 1979 و1984 عندما احتلت المرأة 10% و 8% علي التوالي من مقاعد مجلس الشعب. وجاءت هذه الحالة الاستثنائية بسبب ما سمح به المشرع من تخصيص 30 مقعداً للمرأة. وعلي أية حال فإن المحكمة الدستورية العليا وجدت مثل هذه الحصة عام 1986 غير دستورية وسرعان ما عادت النسبة إلي قواعدها الأولي في كل البرلمانات التالية. وكان ذلك هو ما حدث في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة 2005 حينما لم يكن بين المرشحين للمجلس البالغين 5500 مرشح سوي 127 امرأة فقط _ 6 من الحزب الوطني الديموقراطي، و7 من كل الأحزاب الأخري، وواحدة من جماعة الإخوان المسلمين و 114 مستقلة _ لم ينجح منهن سوي أربع. ولولا أن الرئيس مبارك قد قام بتعيين خمس نساء، لما وصل العدد إلي تسع نسبتهن 2.4% من أعضاء المجلس التشريعي. وببساطة فإنه عبر القرون والسنوات فإن حتشبسوت لم تفقد فقط مكانتها الفرعونية، بل إنها باتت عاجزة عن المشاركة في صنع القرار السياسي علي مستوي المجلس التشريعي. مثل هذه الحالة المزرية من تمثيل النساء لم يعد ممكنا قبولها، ليس فقط لأنها تضعف الصفة التمثيلية لمجلس الشعب، ولكن لأنها تضعف واحدة من أهم محركات التنمية في البلاد. ففي دراسات التنمية المتعددة، وجد أن " المرأة " في تعليمها وعملها ومشاركتها هي من أكثر العوامل تأثيرا وتحريكا لعوامل أخري كثيرة هي التي في مجموعها تحقق معدلات عالية للتنمية، وتنظيم الزيادة السكانية، والحفاظ علي البيئة، وتحقيق السلام معا. باختصار فإن استحضار حتشبسوت في قيمها وليس في سلطتها، في عملها وليس في موقعها الفرعوني، في حكمتها وليس بالضرورة زمنها، هو الذي يجعل المرأة المصرية أهم أرصدة التنمية والتقدم في البلاد. وهنا تحديدا تأتي مناسبة الحديث، فوسط الموضوعات الكثيرة لتجديد الحياة السياسية، ووسط مبادرات تعديل الدستور المختلفة، فإنه وسط عشرات الموضوعات المهمة الخاصة بإعادة توزيع السلطات، فإن موضوع المرأة وتمثيلها _ والأقباط أيضا _ لا ينبغي له أن يسقط من قائمة الأعمال الدستورية. وبالتأكيد فإن إصلاح النظام السياسي المصري وجعله أكثر سلاسة وأقل عنفا سوف يعطي فرصا أكبر للجميع بما فيهم النساء والأقباط، ويجعل التمثيل للشعب أكثر عدالة، ولكن ربما سوف نحتاج إلي إجراءات إضافية. وبعض هذه الإجراءات تنزع إلي إعطاء حصص للمحرومين من التمثيل؛ ولكن إذا كنا نريد دستورا بلا حصص للعمال والفلاحين فإنه يصبح من غير المنطقي أن نستبدل حصصا بحصص أخري. ولكن من الممكن اتخاذ إجراءات لا تجعل الحصة في المقاعد أو في البرلمان، وإنما تكون الحصة في ترشيحات الأحزاب، وتربط المعونات المقدمة للأحزاب بمقدار تمثيل المرأة في قيادتها وترشيحاتها، وتطلب من المجلس الأعلي للمرأة أن يقوم بدور أكبر في مساندة المرشحات دون نظر لهوياتهن الحزبية. وقبل كل ذلك وبعده فلابد من تغيير المناخ الثقافي الخاص بالمرأة بحيث يتم إعلاء دورها كشريك أساسي في عملية التنمية واتخاذ القرارات بشأنها.