النمنم ل«ياسر جلال»: الدفاع عن الداخل المصري كان دائماً مهمة وطنية 100%    القومي للمرأة يكرم خريجات أكاديمية أخبار اليوم المشاركات في لجنة رصد دراما رمضان 2025    قداسة البابا يشهد احتفالية اللجنة المجمعية للطفولة بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية    نجل عبدالناصر: رواية إنزال قوات صاعقة جزائرية في التحرير غير صحيحة    متى يتم صرف الشريحتين الخامسة والسادسة من قرض صندوق النقد؟ وزير المالية يجيب    جمال شقرة: تهديد القاهرة بعد 1967 رواية لا أساس لها من الصحة    زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ: اتفاق محتمل لإنهاء إغلاق الحكومة    خارجية باكستان تبدي استعدادها للتحاور مع أفغانستان بعد فشل المفاوضات الأخيرة في إسطنبول    طائرة تابعة لإير فرانس تحول وجهتها إلى ميونخ بسبب رائحة حريق بقمرة القيادة    السوبر المصري | بن شرقي: الأهلي مع توروب قادر على تحقيق الكثير من البطولات    رسميا.. رينارد يستبعد نجم الهلال من معسكر السعودية    قناة الزمالك بعد الخسارة من الأهلي: معًا في السراء والضراء    عمرو أديب بعد هزيمة الزمالك: بنلاعب فرقة فيها 10 مهاجمين وحارس.. أقل لاعب غلبان اسمه تريزيجيه    مرتجي: توروب يعمل 20 ساعة يوميا لتطوير أداء الأهلي    محافظ الدقهلية: ضبط 4 طن دجاج وكبدة دواجن غير صالحة للاستهلاك    السجن المشدد 10 سنوات للمتهم بحيازة أقراص ترامادول وحشيش في الزيتون    الست موناليزا.. مي عمر تخوض سباق دراما رمضان 2026    محمد المنشاوى ل كلمة أخيرة: هليوبوليس يملك ناديين من الأفضل فى الشرق الأوسط    ختام منتدى إعلام مصر بصورة تذكارية للمشاركين فى نسخته الثالثة    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يكرم ياسر صادق عن عطائه للمسرح المصري    فوائد زيادة العضلات بالجسم بعد الأربعين    وزير الرياضة: مليار مشاهدة لنهائي السوبر تعكس مكانة الكرة المصرية    بينسحبوا في المواقف الصعبة.. رجال 3 أبراج شخصيتهم ضعيفة    بيطري القليوبية تطلق حملة لتحصين الماشية للوقاية من الأمراض    دايت من غير حرمان.. سر غير متوقع لخسارة الوزن بطريقة طبيعية    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    لو زوجتك مش على بطاقتك التموينية.. الحل فى 3 دقائق    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    زينة تقدم واجب العزاء لوالد محمد رمضان بمسجد الشرطة    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    العربى الناصرى: المصريين بالخارج قدموا مشهد وطنى مشرف فى انتخابات مجلس النواب    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يطلق ماراثون "حقهم يفرحوا.. واجبنا نحميهم"    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخناتون ونفرتيتي‏..‏ قصة حب لاتموت‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 06 - 2010

بينما كان الزعيم أحمد عرابي واقفا كالطود أمام الخديو توفيق في ساحة قصر عابدين بعد أن ترجل عن حصانه الأشهب ليقول له عبارته التي دخلت التاريخ‏:‏ متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. كانت فلاحة مصرية صبية فارعة كما البدر المنور في ليل الظلماء‏..‏ تركب حمارا‏..‏ قادمة من بلدتها تل العمارنة من أعمال مديرية المنيا‏..‏ تنبش في كيمان التراب الذي يطلقون عليها في القري والنجوع الكفري لكي تحمل حمارها الواقف في الانتظار كومة من السباخ الذي يكسب الأرض خصوبة‏,‏ ولكن فأسها اصطدمت بقوالب من الطوب القديمة المطمورة تحت الأتربة الناعمة علي عدد من اللوحات المستديرة الصلبة وعليها خربشات غريبة‏,‏ وبعد أن أزالت عنها الأتربة العالقة بها بأطراف طرحتها السوداء وجدت أن الخربشات كانت عميقة الحفر وبأشكال مثلثة في الفخار الجاف‏.‏ ولم تستطع أن تعرف ساعتها حقيقة ما عثرت عليه‏,‏ ولكن هداها لؤم الفلاحين‏,‏ وهو ما يطلقونه علي ذكاء الفلاحين البكر‏..‏ إلي أن تحملها معها داخل كومة السباخ علي حمارها‏..‏ ربما كانت رموزا سحرية أو رسائل بلغة لا تعرفها‏..‏ وكانت تدرك تماما أن تجار الأنتيكات يجوبون القري والنجوع بحثا عن مثل هذه الأشياء الغريبة‏..‏ وأن أهل قريتها يتناقلون حكايات عجيبة عن الثراء الذي حل بجيران عثروا علي كنوز الآثار المصرية تحت الأرض‏..‏ فلماذا لا تكون هي واحدة منهم وتسعد زوجها الذي يشقي مثلها ويبيع عافيته وسط الحقول؟
كانت الألواح رسائل كتبت قبل ميلاد المسيح بنحو‏1300‏ عام أو تزيد وهي رسائل رسمية مرسلة إلي أخناتون من الملوك التابعين له ومن الحكام وقواد الحاميات في الممتلكات المصرية في آسيا‏.‏ باختصار شديد‏..‏ لقد عثرت المرأة الفلاحة علي مكتب الشئون الخارجية لأخناتون‏.‏
وتلقفت الألواح الغريبة الخربشات أيد كثيرة حتي وصلت بطريقة لا نعلمها إلي متحف اللوفر في باريس‏.‏
وتلقفت اللوحات أيدي العلماء الذين احتاروا فيها طويلا‏..‏ حتي أعلن عالم فذ اسمه فاجني أنها تمثل أحد الاكتشافات التاريخية المذهلة‏.‏
ولما سألوه‏:‏ أي اكتشاف تعني؟
قال‏:‏ إنها قصة الملك المحب المارق‏!‏
سألوه‏:‏ ومن هو هذا الملك المحب المارق؟
قال‏:‏ إنه أخناتون العظيم‏..‏ وهكذا كان أعداؤه يلقبونه مع رحيله عن الدنيا‏!‏
وتمثل هذه الألواح كما تقول المؤرخة الإنجليزية ونفرد هولمز في كتابها كانت ملكة علي مصر مجموعة مستندات شخصية ذات أهمية إنسانية وتاريخية منقطعة النظير‏,‏ وقد أدي حل رموز كتابات تلك الألواح التي كانت مكتوبة باللغة المسمارية التي كانت تستخدم في بابل وفي بلاد ما بين النهرين‏..‏ إلي الكشف عن مدينة أخناتون التي كانت قد اختفت من الوجود‏,‏ إذ ظلت مهجورة ومهملة وموقعها غير معروف علي وجه اليقين لعلماء الآثار المحدثين حتي ذلك الوقت‏,‏ وفضلا عن ذلك كانت السحب الداكنة تتجمع‏,‏ وكانت ظلالها تهدد بالفعل قصة الحب الشاعرية لأخناتون ونفرتيتي‏.‏
وقد تسألون وهذا حقكم‏:‏ ماهي قصة الحب الشاعرية بين نفرتيتي وأخناتون بين من تملك الجمال والدلال‏..‏ وبين من قالوا عنه إنه نبي ورسول أرسله الله إلي أهل مصر‏..‏ برسالة التوحيد‏..‏ وإن لم تذكره الكتب السماوية الثلاثة؟
‏..................‏
‏..................‏
نحن الآن في عام‏1375‏ قبل الميلاد‏..‏ يعني منذ‏33‏ قرنا من الزمان‏..‏
هاهو امنحوتب الثالث والد أخناتون قد ودع الدنيا ورحل إلي العالم الآخر‏..‏ وبقي ابنه أمنحوتب الرابع المعروف لنا باسم أخناتون الذي شارك إبان حكم البلاد عشر سنوات كاملة‏..‏ ليصبح ملكا علي البلاد‏.‏
ولكن ما كان يقلق أمه القوية الملكة تي وحبيبة قلبه نفرتاري تلك النظرة الجديدة المقدسة التي كانت تطل من عينيه‏..‏ نظرة الإله الواحد الأحد وأشعته ذات الضوء والحرارة كان بالنسبة لثلاثتهم مثل أعلي مدي الحياة‏..‏
وكانت المشكلة الأولي كما تقول ونفرد هولمز بالنسبة إلي أمنحوتب هي زواجه‏.‏
وكانت التقاليد تحتم عليه أن يتزوج من أخته سات آمون الوريثة الملكية الكبري‏,‏ ولكنها نفرتيتي هي التي كان يحبها ويثق فيها‏,‏ وقد عضدته تي في ذلك‏.‏ لقد أرادت له أن يكون سعيدا كما كانت هي سعيدة بزواجها من والده‏,‏ ذلك الزواج الذي قام علي الحب‏,‏ وقد رأت في نفرتيتي أيضا ذلك الوفاء الذي سوف يحتاج إليه ابنها ليحفظه ثابتا عند سيره في الطريق الثوري القاسي والإصلاح الديني‏.‏
ولكن أخناتون كان قد وقع لشوشته في حب نفرتيتي‏,‏ وقد حل الزمن المشكلة برحيل سات آمون إلي العالم الآخر‏.‏
وهكذا أصبح الفتي والفتاة اللذان كانا طوال حياتهما يلعبان معا زوجا وزوجة واستبدلا بملابسهما التي كانا لا يعنيان بها ملابس رسمية وغطي شعرهما الأسود أمام الناس بالتاجين وبأغطية الرأس التي ترمز إلي وضعهما نصف الإلهي‏,‏ كما تركا زورقهما الصغير المصنوع من سيقان البردي‏,‏ وأصبحا الآن يضطجعان علي الوسائد المريحة في السفينة الملكية المسماة آتون يضيء التي كانت تنساب فوق مياه بركة القصر ويقوم الأرقاء بتسييرها والتجديف فيها‏.‏
ما أجمل زوجته الصغيرة وما أجمل عينيها اللتين تشعان بالسعادة‏,‏ ولم يكن يحس بالخجل وهو يمسك بيدها أو يقبلها‏,‏ أو وهو يلمس وجنتها ويظهر حبه للدنيا كلها‏.‏
وكان شعرها يقص قصيرا جدا طبقا لموضة العصر‏,‏ ويعطي بمشط جميل له صفان من الأسنان‏,‏ فإذا كانت تستعد للظهور في مناسبة رسمية فإنها كانت تغطيه بغطاء الرأس الملكي الطويل ذي اللونين الأزرق والأحمر الذي تعلوه رأس الحية سيدة الحياة لتحميها‏,‏ بينما تتطاير من خلفها الشرائط الحمراء لتدل علي مكانتها الملكية‏,‏ وعندما تنتهي من كل شيء تلحق بأخناتون للإفطار‏,‏ وكانت المربيات يأتين بالأطفال ليدللهن ويلاعبهن‏,‏ ويتمتع بهما والداهما العطوفان‏.‏
وبعد ذلك يأتي دور ظهورهما أمام الشعب من نافذة خاصة‏,‏ حيث كانت الشمس تضيء في بهاء وتجعل حليهم الذهبية ومجوهراتهم تتلألأ‏,‏ ويرمي أخناتون بالزهور والعقود الذهبية إلي أتباعه الأوفياء الواقفين تحت النافذة وكان هذا الذهب لايزال يأتي إليه من جزية الجهات النائية من إمبراطوريته الواسعة‏.‏
وكان أخناتون ونفرتيتي يستيقظان كل يوم علي أنشودة من المديح‏,‏ ترتل في هدوء حتي يكون استيقاظهما رقيقا‏,‏ ثم يفترقان بعد ذلك فيذهب هو إلي سكنه الخاص‏,‏ وهي تذهب إلي حجرتها الخاصة في جناح الحريم ليغتسل كل منهما ويتزين‏.‏ وكانت خادمات نفرتيتي يقمن أولا بغسل جسدها بالماء المعطر ثم يدلكنها ويعطرن جلدها الزيتوني اللامع بالزيوت المعطرة المحفوظة في أوان مرمرية عظيمة القيمة‏,‏ فإذا كانت تتأهب للذهاب إلي احتفال خاص أو إلي وليمة كبري فإنها كانت تجلس إلي جوار نار من خشب الصندل والصمغ الزكي الرائحة والعطور لتبخر وتعطر كل جسمهما‏.‏
وكانت تخضب كفيها وقدميها بالحناء ذات اللون الوردي الأحمر‏,‏ وعندما يجفان كانت ترتدي ملابسها الكتانية البيضاء الشفافة تقريبا التي تضيق عند الخصر‏,‏ ثم تضع صندلها الرقيق الجميل في قدميها‏,‏ وتمسك بعدئذ بمرآتها البيضية المصنوعة من النحاس المصقول من يدها المصنوعة من العاج المحفورة‏,‏ وكانت تسوي بنفسها حاجبيها المقوسين بزوج من الملاقيط الدقيقة‏,‏ ثم تجمل عينيها بالكحل‏,‏ وهو صبغة سوداء فتعمل شرطة عند الركن الخارجي من كل عين‏,‏ وتعقر أهدابها وتضع قليلا من الكحل تحت الجفنين لتحمي العين من وهج الشمس والغبار المتطاير من الصحراء‏,‏ وتأخذ من أوان صغيرة الحجم‏,‏ صبغة حمراء لوجنتيها وشفتيها‏,‏ وتصبح بعد ذلك علي استعداد لأن تلبس مجوهراتها القلائد والخواتم والأساور والأقراط التي كانت تحضرها إليها السيدة المشرفة علي خزائن الملابس الملكية لتختار منها ما تشاء‏.‏
يا لجمال نفرتيتي قد أصبح أسطورة لأن الناس كانوا يحتشدون في جماعات لرؤيتها أينما ذهبت مع زوجها‏.‏
إنها كانت إيزيس الأم العظمي نفسها‏,‏ جاءت إلي الأرض متجسدة في صورة فتاة‏,‏ وكانت عقود الزهور تلقي عند قدميها الصغيرتين‏,‏ وكانت أجمل الفتيات يسكبن العطور النادرة علي رأسها ويمطرن العقد المكون من قطع علي شكل أوراق الزهور والمرصع بالجواهر الذي كانت تطوق به جسدها‏.‏
ولقد كان حبهما لبعضهما بعضا حبا عظيما مثل ضوء الشمس في الظهيرة‏,‏ فما الذي يدعو إلي إخفائه خلف قناع صناعي من التقاليد الملكية‏.‏
إن آتون الذي خلق العالم وحده كان يحب الحياة التي أودعها فيه‏,‏ ولهذا فإن كل مظاهر تلك الحياة أشياء مقدسة‏,‏ النباتات والزهور‏,‏ والحيوانات‏,‏ والطيور‏,‏ والحشرات‏,‏ والناس‏.‏ ومن أجل ذلك كله لن يسمح الملك الشاب بأن تعمل له تماثيل يتملقونه بها‏,‏ ولابد أن يصوره النحاتون والمصورون بأكتافه المنحدرة وأرجله الطويلة وذقنه المستطيل وعظام وجنتيه البارزتين‏.‏
لقد كان ابن آتون المختار‏,‏ ومن هنا لابد أن يفرح به آتون كما كان هو فرحا بآتون‏.‏ وكان هذا شأن نفرتيتي أيضا‏,‏ فلن يسمح بأن تصنع لها تماثيل غير حقيقية بغية تملقها هي أيضا‏,‏ ولكن لم يكن هناك داع لذلك‏,‏ فقد كانت أجمل بكثير من أن يحاول أي فنان شيئا يزيد علي حقيقتها‏!‏
‏.................‏
‏.................‏
تعالوا نقرأ معا ما قالته عالمة الآثار الإنجليزية الغارقة في حب مصر والمصريين التي أقامت زمنا ليس بالقصير بيننا في قصة حب عظيمة عمرها ثلاثة وثلاثون قرنا من الزمان‏:‏
كان شعرها يقص قصيرا جدا طبقا لموضة العصر‏,‏ ويعطر بمشط جميل له صفان من الأسنان‏,‏ فإذا كانت تستعد للظهور في مناسبة رسمية فإنها كانت تغطيه بغطاء الرأس الملكي الطويل ذي اللونين الأزرق والأحمر الذي تعلوه رأس الحية سيدة الحياة لتحميها‏,‏ بينما تتطاير من خلفها الشرائط الحمراء لتدل علي مكانتها الملكية‏,‏ وعندما تنتهي من كل شيء تلحق بأخناتون للإفطار‏,‏ وكانت المربيات يأتين بالأطفال ليدللهم ويلاعبهم‏,‏ ويتمتع بهم والداهما العطوفان‏.‏
وبعد ذلك يأتي دور ظهورهما أمام الشعب من نافذة خاصة‏,‏ حيث كانت الشمس تضيء في بهاء وتجعل حليهما الذهبية ومجوهراتهما تتلألأ‏,‏ ويرمي أخناتون بالزهور والعقود الذهبية إلي
أتباعه الأوفياء الواقفين تحت النافذة وكان هذا الذهب لايزال يأتي إليه من جزية الجهات النائية من إمبراطوريته المهملة‏.‏
ثم يذهبان لزيارة المعبد ويقومان بتقديم قرابينهما اليومية من الطعام والفاكهة والأزهار علي المذبح المرتفع المكشوف حتي يستطيع الإله أن يرسل ضوءه إليه ويتمتع بما يقدم إليه‏,‏ ويخرج الكاهن الأعظم ليقابل الفرعون ويغنون للفرعون النشيد الكبير الذي ألفه أخناتون‏:‏
أنت تطلع ببهاء في أفق السماء
يا آتون الحي يا من كنت بداية الحياة
عندما تشرق في الأفق الشرقي
تملأ كل البلاد بجمالك
وعندما تغرب في الأفق الغربي
تظلم الأرض كما لو كان حل بها الموت
ويخرج كل أسد من عرينه
وتخرج الزواحف لتلدغ
ويلف الظلام كل شيء
ويعم الأرض السكون
لأن الذي خلقهم يرتاح في أفقه
انك تطرد الظلمة
فيهب الناس من نومهم ويقفون علي أقدامهم
لأنك أنت الذي أيقظتهم
فيغتسلون ويلبسون ملابسهم
ويرفعون أذرعهم ابتهالا عند ظهورك
ويؤدون أعمالهم في كل أنحاء الأرض
وتستقر الحيوانات كلها في مراعيها
وتزدهر الأشجار والنباتات
وترفرف الطيور في أوكارها
وتمتد أجنحتها تعبدا إليك
وتتراقص الغزلان علي أرجلها
وعندما يصيح الكتكوت وهو داخل بيضته
فأنت الذي تمده بالهواء في داخلها لتبقيه حيا
وعندما تتم خلقه داخل البيضة تجعله يكسرها
ويخرج من البيضة يصوصو إذا ما حان موعده
ما أعظم أعمالك التي عملتها
إنها خافية علي الناس
أيها الإله الأوحد الذي لا إله غيره
لقد خلقت الدنيا كما شئت
ما أعظم أعمالك يا سيد الأبدية
إنك خلقت نيلا في السماء للأجانب
ولكن النيل ينبع من العالم الآخر من أجل مصر
ويعيش الناس بوساطتك
وتري عيون الناس الجمال
حتي تغيب أنت
فيترك كل الناس أعمالهم
عندما تغرب في الغرب
وعندما تشرق ثانية
يزدهر كل شيء لأجل الملك
ويأتي الرخاء في كل خطوة
ملك مصر العليا والسفلي
الذي يحيا في الحقيقة‏,‏ سيد الوجهين
ابن رع رب التيجان
أخناتون‏,‏ له العمر الطويل
وللزوجة الملكية الأولي‏,‏ المحبوبة منه
سيدة الأرضين نفر نفرو آتون نفرتيتي
عاشت منعمة دائما وإلي الأبد
وبعد أن ينتهيا من أداء الصلاة في المعبد والظهور أمام الشعب والغداء ونوم القيلولة يأتي الوقت الذي يستطيع أن يستريح فيه كل من أخناتون ونفرتيتي ويعتبر أنه ملك لهما ويمتعان أنفسهما بعيدا عن القيود الرسمية‏.‏
وعندما تخف حدة الشمس وتستطيل ظلال التلال فإنهما يخرجان في العربة الملكية‏,‏ يقودها أخناتون وهو واقف منتصب القامة‏,‏ بينما تمسك به نفرتيتي من الخلف وتمسك الأميرة الصغيرة بها‏.‏ وتحرك الجياد رءوسها فتحرك الريش المثبت في السيور التي حولها‏,‏ كما تحرك أعرافها كأنها تدرك أنها تحمل الزوجين الملكيين وتركض فوق الأرض وعلي طول الطريق الرئيسي في اتجاه منطقة الضاحية الجنوبية برو آتون حيث كان الفرعون وزوجته قد شيدا قصرا صيفيا وبحيرة وهناك كانا يتمعتان بالراحة تحت الأشجار‏,‏ وإلي جانب المياه الرطبة‏,‏ أو يجدفان في تراخ علي مياه البحيرة‏,‏ وعندما كانت نفرتيتي تغمس أصابعها في الماء كان خيالها يسرح في الصبي والفتاة اللذين كانا يفعلان ذلك قبل سنوات ليست بعيدة‏.‏
وكانا يحلمان بما يراود نفسيهما علي بعد أميال كثيرة في طيبة التي هجرها‏.‏
وكان سفراء البلاد الأجنبية‏,‏ أو المبعوثون الذين كان يرسلهم أحد الحكام الذين يحكمون إحدي الولايات التي تهددها القبائل المحلية‏,‏ يأتون إلي هذه المدينة وكان أخناتون يرحب ويحتفل بهم ويعطيهم الهدايا‏,‏ ولكنه لا يستطيع أن يفعل من أجلهم شيئا غير تلك الضيافة والاستقبال‏.‏
إنه لم يكن يهتم بأي شيء إلا بأخناتون ومحبوبته نفرتيتي وأطفالهما‏,‏ والجمال الذي خلقه آتون‏,‏ والذي أحاط به نفسه‏,‏ ولم تكن هناك أي دلالة علي تجمع السحب الداكنة فوق أفق آتون المضيء‏.‏
‏....................‏
‏...................‏
ولكن المؤامرات أسودت سحاباتها وهطلت أمطارا أشد ظلمة وسوادا‏..‏
وآن لقصة الحب الجميلة أن تكون لها نهاية حزينة‏..‏
فقد انتصر كهان آمون‏..‏ وحطموا كل شيء‏..‏ وحرر الموت أخناتون من هجمة الحقد والغل والكراهية‏..‏ ورحل‏..‏ ليترك أجمل جميلات عصرها‏..‏ نفرتيتي وسط دوامة حزن لاينتهي‏.{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.