أقل من شهر.. جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظتي القاهرة والجيزة    حملة مقاطعة الأسماك: وصلنا ل25 محافظة.. والتاجر تعود على المكسب الكبير مش عايز ينزل عنه    رئيس برنامج دمج أبناء سيناء يكشف جهود الدولة لتحقيق التنمية المستدامة    الأسهم الأوروبية تنخفض عند الإغلاق مع استيعاب المستثمرين للأرباح الجديدة    حماس تكشف عن عرض قدمته لإسرائيل لوقف إطلاق النار: مجندة أمام 50 أسيرا وأسيرة    علي فرج يواصل رحلة الدفاع عن لقبه ويتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش    صدمة قاتلة لبرشلونة بشأن الصفقة الذهبية    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    الأرصاد: تسجيل مزيد من الانخفاض في درجات الحرارة غدا الجمعة    تامر عاشور وأحمد سعد يجتمعان بحفل غنائي بالإمارات في يونيو المقبل    التغيرات المناخية ودور الذكاء الاصطناعي.. لقاء ثقافي في ملتقى أهل مصر بمطروح    هالة صدقي: «صلاح السعدني أنقى قلب تعاملت معه في الوسط الفني»    تخصيص غرف بالمستشفيات ل«الإجهاد الحراري» في سوهاج تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    عضو بالشيوخ: ذكرى تحرير سيناء تمثل ملحمة الفداء والإصرار لاستعادة الأرض    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخناتون ونفرتيتي‏..‏ قصة حب لاتموت‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 06 - 2010

بينما كان الزعيم أحمد عرابي واقفا كالطود أمام الخديو توفيق في ساحة قصر عابدين بعد أن ترجل عن حصانه الأشهب ليقول له عبارته التي دخلت التاريخ‏:‏ متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. كانت فلاحة مصرية صبية فارعة كما البدر المنور في ليل الظلماء‏..‏ تركب حمارا‏..‏ قادمة من بلدتها تل العمارنة من أعمال مديرية المنيا‏..‏ تنبش في كيمان التراب الذي يطلقون عليها في القري والنجوع الكفري لكي تحمل حمارها الواقف في الانتظار كومة من السباخ الذي يكسب الأرض خصوبة‏,‏ ولكن فأسها اصطدمت بقوالب من الطوب القديمة المطمورة تحت الأتربة الناعمة علي عدد من اللوحات المستديرة الصلبة وعليها خربشات غريبة‏,‏ وبعد أن أزالت عنها الأتربة العالقة بها بأطراف طرحتها السوداء وجدت أن الخربشات كانت عميقة الحفر وبأشكال مثلثة في الفخار الجاف‏.‏ ولم تستطع أن تعرف ساعتها حقيقة ما عثرت عليه‏,‏ ولكن هداها لؤم الفلاحين‏,‏ وهو ما يطلقونه علي ذكاء الفلاحين البكر‏..‏ إلي أن تحملها معها داخل كومة السباخ علي حمارها‏..‏ ربما كانت رموزا سحرية أو رسائل بلغة لا تعرفها‏..‏ وكانت تدرك تماما أن تجار الأنتيكات يجوبون القري والنجوع بحثا عن مثل هذه الأشياء الغريبة‏..‏ وأن أهل قريتها يتناقلون حكايات عجيبة عن الثراء الذي حل بجيران عثروا علي كنوز الآثار المصرية تحت الأرض‏..‏ فلماذا لا تكون هي واحدة منهم وتسعد زوجها الذي يشقي مثلها ويبيع عافيته وسط الحقول؟
كانت الألواح رسائل كتبت قبل ميلاد المسيح بنحو‏1300‏ عام أو تزيد وهي رسائل رسمية مرسلة إلي أخناتون من الملوك التابعين له ومن الحكام وقواد الحاميات في الممتلكات المصرية في آسيا‏.‏ باختصار شديد‏..‏ لقد عثرت المرأة الفلاحة علي مكتب الشئون الخارجية لأخناتون‏.‏
وتلقفت الألواح الغريبة الخربشات أيد كثيرة حتي وصلت بطريقة لا نعلمها إلي متحف اللوفر في باريس‏.‏
وتلقفت اللوحات أيدي العلماء الذين احتاروا فيها طويلا‏..‏ حتي أعلن عالم فذ اسمه فاجني أنها تمثل أحد الاكتشافات التاريخية المذهلة‏.‏
ولما سألوه‏:‏ أي اكتشاف تعني؟
قال‏:‏ إنها قصة الملك المحب المارق‏!‏
سألوه‏:‏ ومن هو هذا الملك المحب المارق؟
قال‏:‏ إنه أخناتون العظيم‏..‏ وهكذا كان أعداؤه يلقبونه مع رحيله عن الدنيا‏!‏
وتمثل هذه الألواح كما تقول المؤرخة الإنجليزية ونفرد هولمز في كتابها كانت ملكة علي مصر مجموعة مستندات شخصية ذات أهمية إنسانية وتاريخية منقطعة النظير‏,‏ وقد أدي حل رموز كتابات تلك الألواح التي كانت مكتوبة باللغة المسمارية التي كانت تستخدم في بابل وفي بلاد ما بين النهرين‏..‏ إلي الكشف عن مدينة أخناتون التي كانت قد اختفت من الوجود‏,‏ إذ ظلت مهجورة ومهملة وموقعها غير معروف علي وجه اليقين لعلماء الآثار المحدثين حتي ذلك الوقت‏,‏ وفضلا عن ذلك كانت السحب الداكنة تتجمع‏,‏ وكانت ظلالها تهدد بالفعل قصة الحب الشاعرية لأخناتون ونفرتيتي‏.‏
وقد تسألون وهذا حقكم‏:‏ ماهي قصة الحب الشاعرية بين نفرتيتي وأخناتون بين من تملك الجمال والدلال‏..‏ وبين من قالوا عنه إنه نبي ورسول أرسله الله إلي أهل مصر‏..‏ برسالة التوحيد‏..‏ وإن لم تذكره الكتب السماوية الثلاثة؟
‏..................‏
‏..................‏
نحن الآن في عام‏1375‏ قبل الميلاد‏..‏ يعني منذ‏33‏ قرنا من الزمان‏..‏
هاهو امنحوتب الثالث والد أخناتون قد ودع الدنيا ورحل إلي العالم الآخر‏..‏ وبقي ابنه أمنحوتب الرابع المعروف لنا باسم أخناتون الذي شارك إبان حكم البلاد عشر سنوات كاملة‏..‏ ليصبح ملكا علي البلاد‏.‏
ولكن ما كان يقلق أمه القوية الملكة تي وحبيبة قلبه نفرتاري تلك النظرة الجديدة المقدسة التي كانت تطل من عينيه‏..‏ نظرة الإله الواحد الأحد وأشعته ذات الضوء والحرارة كان بالنسبة لثلاثتهم مثل أعلي مدي الحياة‏..‏
وكانت المشكلة الأولي كما تقول ونفرد هولمز بالنسبة إلي أمنحوتب هي زواجه‏.‏
وكانت التقاليد تحتم عليه أن يتزوج من أخته سات آمون الوريثة الملكية الكبري‏,‏ ولكنها نفرتيتي هي التي كان يحبها ويثق فيها‏,‏ وقد عضدته تي في ذلك‏.‏ لقد أرادت له أن يكون سعيدا كما كانت هي سعيدة بزواجها من والده‏,‏ ذلك الزواج الذي قام علي الحب‏,‏ وقد رأت في نفرتيتي أيضا ذلك الوفاء الذي سوف يحتاج إليه ابنها ليحفظه ثابتا عند سيره في الطريق الثوري القاسي والإصلاح الديني‏.‏
ولكن أخناتون كان قد وقع لشوشته في حب نفرتيتي‏,‏ وقد حل الزمن المشكلة برحيل سات آمون إلي العالم الآخر‏.‏
وهكذا أصبح الفتي والفتاة اللذان كانا طوال حياتهما يلعبان معا زوجا وزوجة واستبدلا بملابسهما التي كانا لا يعنيان بها ملابس رسمية وغطي شعرهما الأسود أمام الناس بالتاجين وبأغطية الرأس التي ترمز إلي وضعهما نصف الإلهي‏,‏ كما تركا زورقهما الصغير المصنوع من سيقان البردي‏,‏ وأصبحا الآن يضطجعان علي الوسائد المريحة في السفينة الملكية المسماة آتون يضيء التي كانت تنساب فوق مياه بركة القصر ويقوم الأرقاء بتسييرها والتجديف فيها‏.‏
ما أجمل زوجته الصغيرة وما أجمل عينيها اللتين تشعان بالسعادة‏,‏ ولم يكن يحس بالخجل وهو يمسك بيدها أو يقبلها‏,‏ أو وهو يلمس وجنتها ويظهر حبه للدنيا كلها‏.‏
وكان شعرها يقص قصيرا جدا طبقا لموضة العصر‏,‏ ويعطي بمشط جميل له صفان من الأسنان‏,‏ فإذا كانت تستعد للظهور في مناسبة رسمية فإنها كانت تغطيه بغطاء الرأس الملكي الطويل ذي اللونين الأزرق والأحمر الذي تعلوه رأس الحية سيدة الحياة لتحميها‏,‏ بينما تتطاير من خلفها الشرائط الحمراء لتدل علي مكانتها الملكية‏,‏ وعندما تنتهي من كل شيء تلحق بأخناتون للإفطار‏,‏ وكانت المربيات يأتين بالأطفال ليدللهن ويلاعبهن‏,‏ ويتمتع بهما والداهما العطوفان‏.‏
وبعد ذلك يأتي دور ظهورهما أمام الشعب من نافذة خاصة‏,‏ حيث كانت الشمس تضيء في بهاء وتجعل حليهم الذهبية ومجوهراتهم تتلألأ‏,‏ ويرمي أخناتون بالزهور والعقود الذهبية إلي أتباعه الأوفياء الواقفين تحت النافذة وكان هذا الذهب لايزال يأتي إليه من جزية الجهات النائية من إمبراطوريته الواسعة‏.‏
وكان أخناتون ونفرتيتي يستيقظان كل يوم علي أنشودة من المديح‏,‏ ترتل في هدوء حتي يكون استيقاظهما رقيقا‏,‏ ثم يفترقان بعد ذلك فيذهب هو إلي سكنه الخاص‏,‏ وهي تذهب إلي حجرتها الخاصة في جناح الحريم ليغتسل كل منهما ويتزين‏.‏ وكانت خادمات نفرتيتي يقمن أولا بغسل جسدها بالماء المعطر ثم يدلكنها ويعطرن جلدها الزيتوني اللامع بالزيوت المعطرة المحفوظة في أوان مرمرية عظيمة القيمة‏,‏ فإذا كانت تتأهب للذهاب إلي احتفال خاص أو إلي وليمة كبري فإنها كانت تجلس إلي جوار نار من خشب الصندل والصمغ الزكي الرائحة والعطور لتبخر وتعطر كل جسمهما‏.‏
وكانت تخضب كفيها وقدميها بالحناء ذات اللون الوردي الأحمر‏,‏ وعندما يجفان كانت ترتدي ملابسها الكتانية البيضاء الشفافة تقريبا التي تضيق عند الخصر‏,‏ ثم تضع صندلها الرقيق الجميل في قدميها‏,‏ وتمسك بعدئذ بمرآتها البيضية المصنوعة من النحاس المصقول من يدها المصنوعة من العاج المحفورة‏,‏ وكانت تسوي بنفسها حاجبيها المقوسين بزوج من الملاقيط الدقيقة‏,‏ ثم تجمل عينيها بالكحل‏,‏ وهو صبغة سوداء فتعمل شرطة عند الركن الخارجي من كل عين‏,‏ وتعقر أهدابها وتضع قليلا من الكحل تحت الجفنين لتحمي العين من وهج الشمس والغبار المتطاير من الصحراء‏,‏ وتأخذ من أوان صغيرة الحجم‏,‏ صبغة حمراء لوجنتيها وشفتيها‏,‏ وتصبح بعد ذلك علي استعداد لأن تلبس مجوهراتها القلائد والخواتم والأساور والأقراط التي كانت تحضرها إليها السيدة المشرفة علي خزائن الملابس الملكية لتختار منها ما تشاء‏.‏
يا لجمال نفرتيتي قد أصبح أسطورة لأن الناس كانوا يحتشدون في جماعات لرؤيتها أينما ذهبت مع زوجها‏.‏
إنها كانت إيزيس الأم العظمي نفسها‏,‏ جاءت إلي الأرض متجسدة في صورة فتاة‏,‏ وكانت عقود الزهور تلقي عند قدميها الصغيرتين‏,‏ وكانت أجمل الفتيات يسكبن العطور النادرة علي رأسها ويمطرن العقد المكون من قطع علي شكل أوراق الزهور والمرصع بالجواهر الذي كانت تطوق به جسدها‏.‏
ولقد كان حبهما لبعضهما بعضا حبا عظيما مثل ضوء الشمس في الظهيرة‏,‏ فما الذي يدعو إلي إخفائه خلف قناع صناعي من التقاليد الملكية‏.‏
إن آتون الذي خلق العالم وحده كان يحب الحياة التي أودعها فيه‏,‏ ولهذا فإن كل مظاهر تلك الحياة أشياء مقدسة‏,‏ النباتات والزهور‏,‏ والحيوانات‏,‏ والطيور‏,‏ والحشرات‏,‏ والناس‏.‏ ومن أجل ذلك كله لن يسمح الملك الشاب بأن تعمل له تماثيل يتملقونه بها‏,‏ ولابد أن يصوره النحاتون والمصورون بأكتافه المنحدرة وأرجله الطويلة وذقنه المستطيل وعظام وجنتيه البارزتين‏.‏
لقد كان ابن آتون المختار‏,‏ ومن هنا لابد أن يفرح به آتون كما كان هو فرحا بآتون‏.‏ وكان هذا شأن نفرتيتي أيضا‏,‏ فلن يسمح بأن تصنع لها تماثيل غير حقيقية بغية تملقها هي أيضا‏,‏ ولكن لم يكن هناك داع لذلك‏,‏ فقد كانت أجمل بكثير من أن يحاول أي فنان شيئا يزيد علي حقيقتها‏!‏
‏.................‏
‏.................‏
تعالوا نقرأ معا ما قالته عالمة الآثار الإنجليزية الغارقة في حب مصر والمصريين التي أقامت زمنا ليس بالقصير بيننا في قصة حب عظيمة عمرها ثلاثة وثلاثون قرنا من الزمان‏:‏
كان شعرها يقص قصيرا جدا طبقا لموضة العصر‏,‏ ويعطر بمشط جميل له صفان من الأسنان‏,‏ فإذا كانت تستعد للظهور في مناسبة رسمية فإنها كانت تغطيه بغطاء الرأس الملكي الطويل ذي اللونين الأزرق والأحمر الذي تعلوه رأس الحية سيدة الحياة لتحميها‏,‏ بينما تتطاير من خلفها الشرائط الحمراء لتدل علي مكانتها الملكية‏,‏ وعندما تنتهي من كل شيء تلحق بأخناتون للإفطار‏,‏ وكانت المربيات يأتين بالأطفال ليدللهم ويلاعبهم‏,‏ ويتمتع بهم والداهما العطوفان‏.‏
وبعد ذلك يأتي دور ظهورهما أمام الشعب من نافذة خاصة‏,‏ حيث كانت الشمس تضيء في بهاء وتجعل حليهما الذهبية ومجوهراتهما تتلألأ‏,‏ ويرمي أخناتون بالزهور والعقود الذهبية إلي
أتباعه الأوفياء الواقفين تحت النافذة وكان هذا الذهب لايزال يأتي إليه من جزية الجهات النائية من إمبراطوريته المهملة‏.‏
ثم يذهبان لزيارة المعبد ويقومان بتقديم قرابينهما اليومية من الطعام والفاكهة والأزهار علي المذبح المرتفع المكشوف حتي يستطيع الإله أن يرسل ضوءه إليه ويتمتع بما يقدم إليه‏,‏ ويخرج الكاهن الأعظم ليقابل الفرعون ويغنون للفرعون النشيد الكبير الذي ألفه أخناتون‏:‏
أنت تطلع ببهاء في أفق السماء
يا آتون الحي يا من كنت بداية الحياة
عندما تشرق في الأفق الشرقي
تملأ كل البلاد بجمالك
وعندما تغرب في الأفق الغربي
تظلم الأرض كما لو كان حل بها الموت
ويخرج كل أسد من عرينه
وتخرج الزواحف لتلدغ
ويلف الظلام كل شيء
ويعم الأرض السكون
لأن الذي خلقهم يرتاح في أفقه
انك تطرد الظلمة
فيهب الناس من نومهم ويقفون علي أقدامهم
لأنك أنت الذي أيقظتهم
فيغتسلون ويلبسون ملابسهم
ويرفعون أذرعهم ابتهالا عند ظهورك
ويؤدون أعمالهم في كل أنحاء الأرض
وتستقر الحيوانات كلها في مراعيها
وتزدهر الأشجار والنباتات
وترفرف الطيور في أوكارها
وتمتد أجنحتها تعبدا إليك
وتتراقص الغزلان علي أرجلها
وعندما يصيح الكتكوت وهو داخل بيضته
فأنت الذي تمده بالهواء في داخلها لتبقيه حيا
وعندما تتم خلقه داخل البيضة تجعله يكسرها
ويخرج من البيضة يصوصو إذا ما حان موعده
ما أعظم أعمالك التي عملتها
إنها خافية علي الناس
أيها الإله الأوحد الذي لا إله غيره
لقد خلقت الدنيا كما شئت
ما أعظم أعمالك يا سيد الأبدية
إنك خلقت نيلا في السماء للأجانب
ولكن النيل ينبع من العالم الآخر من أجل مصر
ويعيش الناس بوساطتك
وتري عيون الناس الجمال
حتي تغيب أنت
فيترك كل الناس أعمالهم
عندما تغرب في الغرب
وعندما تشرق ثانية
يزدهر كل شيء لأجل الملك
ويأتي الرخاء في كل خطوة
ملك مصر العليا والسفلي
الذي يحيا في الحقيقة‏,‏ سيد الوجهين
ابن رع رب التيجان
أخناتون‏,‏ له العمر الطويل
وللزوجة الملكية الأولي‏,‏ المحبوبة منه
سيدة الأرضين نفر نفرو آتون نفرتيتي
عاشت منعمة دائما وإلي الأبد
وبعد أن ينتهيا من أداء الصلاة في المعبد والظهور أمام الشعب والغداء ونوم القيلولة يأتي الوقت الذي يستطيع أن يستريح فيه كل من أخناتون ونفرتيتي ويعتبر أنه ملك لهما ويمتعان أنفسهما بعيدا عن القيود الرسمية‏.‏
وعندما تخف حدة الشمس وتستطيل ظلال التلال فإنهما يخرجان في العربة الملكية‏,‏ يقودها أخناتون وهو واقف منتصب القامة‏,‏ بينما تمسك به نفرتيتي من الخلف وتمسك الأميرة الصغيرة بها‏.‏ وتحرك الجياد رءوسها فتحرك الريش المثبت في السيور التي حولها‏,‏ كما تحرك أعرافها كأنها تدرك أنها تحمل الزوجين الملكيين وتركض فوق الأرض وعلي طول الطريق الرئيسي في اتجاه منطقة الضاحية الجنوبية برو آتون حيث كان الفرعون وزوجته قد شيدا قصرا صيفيا وبحيرة وهناك كانا يتمعتان بالراحة تحت الأشجار‏,‏ وإلي جانب المياه الرطبة‏,‏ أو يجدفان في تراخ علي مياه البحيرة‏,‏ وعندما كانت نفرتيتي تغمس أصابعها في الماء كان خيالها يسرح في الصبي والفتاة اللذين كانا يفعلان ذلك قبل سنوات ليست بعيدة‏.‏
وكانا يحلمان بما يراود نفسيهما علي بعد أميال كثيرة في طيبة التي هجرها‏.‏
وكان سفراء البلاد الأجنبية‏,‏ أو المبعوثون الذين كان يرسلهم أحد الحكام الذين يحكمون إحدي الولايات التي تهددها القبائل المحلية‏,‏ يأتون إلي هذه المدينة وكان أخناتون يرحب ويحتفل بهم ويعطيهم الهدايا‏,‏ ولكنه لا يستطيع أن يفعل من أجلهم شيئا غير تلك الضيافة والاستقبال‏.‏
إنه لم يكن يهتم بأي شيء إلا بأخناتون ومحبوبته نفرتيتي وأطفالهما‏,‏ والجمال الذي خلقه آتون‏,‏ والذي أحاط به نفسه‏,‏ ولم تكن هناك أي دلالة علي تجمع السحب الداكنة فوق أفق آتون المضيء‏.‏
‏....................‏
‏...................‏
ولكن المؤامرات أسودت سحاباتها وهطلت أمطارا أشد ظلمة وسوادا‏..‏
وآن لقصة الحب الجميلة أن تكون لها نهاية حزينة‏..‏
فقد انتصر كهان آمون‏..‏ وحطموا كل شيء‏..‏ وحرر الموت أخناتون من هجمة الحقد والغل والكراهية‏..‏ ورحل‏..‏ ليترك أجمل جميلات عصرها‏..‏ نفرتيتي وسط دوامة حزن لاينتهي‏.{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.