جاء حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية انحصار اثبات الطلاق في الاشهاد والتوثيق ليعيد فتح ملف الثغرات التي تضمنها قانون الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 والتي تستوجب اعادة النظر في القانون بتأن وروية خاصة وان الضجة الكبيرة التي صاحبت صدور هذا القانون جعلت المشرع المصري يتعجل اصداره دون حسم بعض القضايا مثل سفر المرأة بدون اذن زوجها وتوثيق الطلاق علي يد مأذون وما اذا كان ذلك يعني وقوع الطلاق اللفظي في حال عدم توفيقه أم لا بالاضافة إل الكثير من المشكلات التي صاحبت تطبيق الخلع والتفرقة بينه وبين الطلاق للضرر كما ان التركيز علي مناقشة مادة الخلع التي استغرقت معظم الجهود في ذلك الوقت جعل الانظار تغفل عن بعض الثغرات الاخري التي تضمنها القانون. وقد بررت المحكمة الدستورية حكمها بان قصر الاعتداد في اثبات الطلاق عند الانكار علي الاشهاد والتوثيق الذي تضمنته المادة 21 من قانون تنظيم اجراءات التقاضي في مسائل الاحوال الشخصية مخالف للدستور كما انه يتصادم مع ضوابط الاجتهاد والمقاصد الكلية للشريعة الاسلامية فضلا عن تقييده للحرية الشخصية اذ انه يجعل المطلقة في حرج ديني شديد ويرهقها اذا ما وقع الطلاق وعلمت به وانكره المطلق. وترجع بداية القصة إلي الطعن الذي تقدمت به محكمة القاهرة للاحوال الشخصية بعدم دستورية المادة 21 التي تلزم بان يتم اثبات الطلاق علي يد مأذون وبناء علي ذلك قررت وقف نظر دعوي اثبات طلاق اقامتها زوجة واحالة هذه المادة للمحكمة الدستورية العليا للطعن في دستوريتها واكدت المحكمة ان الزوجة استندت في دعواها لاثبات الطلاق علي اقوال الشهود الذين حضروا واقعة إلقاء يمين الطلاق في الوقت الذي تراجع الزوج عن هذا اليمين وأنكره وبالتالي اجبرت الزوجة علي الحياة مع زوج طلقها بالفعل بما يؤكد مخالفة هذه المادة للشرع. ويعتبر حكم المحكمة الدستورية عودة إلي الاصل لان الطلاق الشفوي يقع مثله مثل الطلاق الموثق تماما لكن يجب ان تتمسك الزوجة بتوثيق الطلاق الشفوي قبل ان يراجعها زوجها في حالة الطلاق الرجعي حتي لاينكر الزوج وقوع الطلاق وتضطر للعيش معه في الحرام لان وقوع الطلاق بيد الزوج ولو انكر فلن يستطيع القاضي التفرقة بين الزوجين حتي لو كانت الزوجة طلقت ثلاثا كما ان القاضي لا يستطيع انزال عقوبة بالزوج لانكاره لان العقوبة في هذه الحالة دينية وليست دنيوية. ويجب ان نعرف ان الاشهاد في الفقه الاسلامي مسألة خلافية بين العلماء فالبعض ذهب إلي ضرورة توافر الاشهاد لوقوع الطلاق في حين قال البعض ان الطلاق قد يكون غيابيا ويقع دون اشهاد ونظرا لان هذه القضية ليست قطعية لذلك استند قانون الأحوال الشخصية إلي الرأي الفقهي الذي يوجب الاشهاد وتجاهل الرأي الآخر الذي يأخذ الاشهاد علي سبيل الندب والجواز. ومع ذلك فقد انطوي القانون علي اشكالية تمثلت في تلك القضية التي نظرتها محكمة الاحوال الشخصية بالقاهرة وطعنت عليه بسببها فالطلاق لم يقع قانونا لكنه واقع ديانة لذلك عندما لمست المحكمة تلك الإشكالية وتنبهت إلي ان بعض الازواج قد يطلقون زوجاتهم ولا يوثقون الطلاق عند المأذون أوقفت الدعوي ولجأت إلي الطعن بعدم دستورية المادة التي تنص علي ضرورة اثبات الطلاق علي يد مأذون كما ان الزوجة أرادت ان توضح للمحكمة ان زوجها طلقها وان هناك ضررا واقعا عليها واحضرت الشهود في حين انكر الزوج ولما رأت المحكمة الجدية دفعت بعدم دستورية تلك المادة. واذكر ان الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الازهر السابق كان اول من طرح اقتراحا علي اعضاء مجمع البحوث الاسلامية بان يكون الطلاق مثل الزواج لا يتم إلا بحضور شاهدين وبوثيقة رسمية واستند في كلامه إلي الكثير من الادلة الشرعية واوضح ان ذهاب الزوجين إلي المأذون لايقاع الطلاق واحضار الشهود يؤكد رغبتهما الحقيقية في ايقاع الطلاق اما ان يحلف الزوج بالطلاق في بيع أو شراء أو في مشاجرة أو جدال فهذا ينبغي الا نلتفت إليه لكن علماء المجمع رفضوا الاقتراح وقالوا ان هذا الكلام يخالف الحرية الشخصية للمرأة وللرجل ويخالف الاجتهاد وتم حذف هذا الاقتراح من مضبطة المجمع. وخلال مناقشة مشروع قانون الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 كان هناك اتجاهان لهما اسانيد في الفقه الإسلامي: ?? الاول: كان سائدا قبل صدور القانون ويري ان الاشهاد علي الطلاق دليل إثبات وسنة لكن الطلاق يقع حتي ولو لم يكن هناك اشهاد وحتي ولو لم تعرف الزوجة. ?? الثاني: يأخذ به الشيعة الإمامية ويري ان الاشهاد علي الطلاق شرط صحة مثل الاشهاد علي الزواج وبالتالي فكل طلاق بغير اشهاد لا يقع لأن الاشهاد هنا شرط صحة وليس دليل إثبات. ورغم صدور حكم المحكمة الدستورية فسوف تظل المشكلة قائمة وسوف يظل الخلاف بين الذين يطالبون بتوثيق الطلاق وبين الذين يرفضون التوثيق لكن المسألة في النهاية تعتمد علي ضمير الزوج فاذا كان تقيا ورعا فلن يقبل ان يعيش في الحرام أما اذا كان غير ذلك فلن يستطيع القانون بوضعه الحالي ان يمنع انحرافه وفساده لذلك يجب تضمين القانون فقرة تنص علي وقوع الطلاق في حالة وجود شهود حتي لو انكر الزوج كما حدث في القضية التي نظرتها محكمة الاحوال الشخصية بالقاهرة وكانت سببا في الدفع بعدم دستورية المادة 21 من قانون الاحوال الشخصية.