دخلت قناة السويس الجديدة، اليوم السبت، مرحلة التشغيل التجريبى، باستقبالها أول 3 سفن حاويات، وصبيحة هذا الحدث التاريخى، تحتفل مصر بمناسبة تاريخية أخرى، حيث تمر غدا الأحد الذكرى التاسعة والخمسين لتأميم قناة السويس، تلك المناسبة التى تمر على المصريين هذا العام بمذاق خاص، حيث تتزامن وعلى بعد مسافة زمنية قصيرة مع الموعد المقرر لافتتاح قناة السويس الجديدة فى 6 أغسطس القادم، لتضيف صفحة جديدة فى سجل انتصار إرادة المصريين. ففى 26 يوليو عام 1956 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر، من ميدان المنشية بالإسكندرية، قرار تأميم شركةقناة السويس، بعد أن سحبت الولاياتالمتحدة عرض تمويل السد العالى بطريقة غير مناسبة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولى، وقدمت بريطانيا إثر هذا القرار احتجاجا رفضه ناصر مؤكدا أن تأميم القناة عمل من أعمال السيادة المصرية. وصاحب هذا القرار ممارسة إنجلتراوفرنسا وأمريكا ضغوطا نفسية واقتصادية على مصر لكى تتراجع عن قرار تأميم شركة قناة السويس، حيث قامت بتجميد الأموال المصرية شاملة أموال شركة القناة وأموال الحكومة، والتى قدرت عند تاريخ التأميم بنحو 135 مليون جنيه إسترلينى، وحوالى 43 مليون دولار، حتى تتضح الأمور بشأن مستقبل شركة قناة السويس. وبهذا بلغ إجمالى الأموال المصرية التى تقرر تجميدها فى إنجلتراوفرنساوالولاياتالمتحدة ما يزيد على القيمة المالية لشركة قناة السويس، كما قررت الولاياتالمتحدة وقف تقديم أى مساعدة مالية أو فنية لمصر، وضغطت كل من فرنساوإنجلترا على سويسرا لتتعاون معهما فى تجميد الأموال المصرية لديها، ولكنها لم تستجب لذلك. وأوزع مدير شركة قناة السويس "الأجنبى" إلى جميع اتحادات أصحاب السفن بأن يدفعوا رسوم المرور فى القناة إلى شركة قناة السويس وليس للحكومة المصرية، وبلغت نسبة الرسوم التى دُفعت إلى الحكومة المصرية منذ التأميم وحتى إغلاق القناة 35% تقريباً والباقى دُفع لشركة قناة السويس، وقدر ذلك بأكثر من خمسة ملايين جنيه مصرى، وهو المبلغ الذى تقرر خصمه من مجموع التعويض الذى دفعته الحكومة المصرية للشركة أثناء مفاوضات التعويض. وتمثل الرد الدبلوماسى فى محاولة تعبئة الرأى العام الدولى ضد مصر، وإقناعه بأن تأميمها لشركة قناة السويس، خالف المواثيق والصكوك الدولية وحطم مبدأ حرية المرور فى القناة، وهدد السلام والأمن فى منطقة الشرق الأوسط. وفى 2 أغسطس من العام نفسه اجتمع وزراء خارجية فرنساوإنجلتراوالولاياتالمتحدة، وأصدروا بيانا أكدوا فيه أن قرار التأميم الصادر من جانب الحكومة المصرية يهدد حرية الملاحة فى القناة، ويهدد الأمن فيها، وفى ذلك مخالفة لأحكام اتفاقية القسطنطينية، لذلك يرون ضرورة إقامة مؤتمر تدعو إليه الدول المنتفعة بالقناة، وهى الدول التى وقعت على معاهدة القسطنطينية، أو التى حلت محلها فى الحقوق والالتزامات وهى "مصر، فرنسا، إيطاليا، هولندا، إسبانيا، تركيا، بريطانيا، الاتحاد السوفيتى" ودول أخرى باعتبارها من مستخدمى القناة، وهى "النمسا، سيلان، الدانمارك، إثيوبيا، ألمانيا الغربية، اليونان، الهند، إندونيسيا، إيران، اليابان، نيوزلندا، النرويج، باكستان، البرتغال، السويد، الولاياتالمتحدة". وجاء رد الفعل على هذا البيان برفض الحكومتين المصرية واليونانية الاشتراك فى المؤتمر، وموافقة الهند على الاشتراك بشرط ألا يمس اشتراكها الحقوق والسيادة المصرية، ولا يتخذ المؤتمر أى قرار نهائى إلا بموافقة مصر، ووافقت الحكومة السوفيتية مع المطالبة بتوجيه الدعوة إلى مجموعة أخرى من الدول منها الدول العربية والاشتراكية. وعقد المؤتمر خلال الفترة من 16 إلى 23 أغسطس عام 1956، وأسفر عن التصويت بالأغلبية على المشروع الأمريكى الذى تضمن اقتراحا بإقامة منظمة دولية تقوم على نمط الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة لتشرف على إدارة القناة، وعارضت هذا المشروع كل من "الهند والاتحاد السوفيتى وإندونيسيا وسيلان"، وتم عرض المشروع على مصر ورفضه عبد الناصر. وإزاء هذا الرفض، أعلن رئيس وزراء إنجلترا فى مجلس العموم البريطانى، إنشاء هيئة جديدة باسم هيئة المنتفعين تكون ذات طابع مؤقت وتكون مسؤولة عن تنسيق المرور فى القناة، وتحصيل رسوم المرور. وفى شهر سبتمبر من العام نفسه استضافت العاصمة البريطانية لندن، مؤتمرا استهدف وضع القانون الأساسى لتلك الهيئة، وأصدر مجلس الأمن قراره فى 13 أكتوبر 1956، وتضمن الاعتراف بهيئة المنتفعين التى ستُكلف بالإشراف على القناة، إلا أن هذا القرار لم يفز وقت الاقتراع عليه إلا بتسعة أصوات واعتراض صوتين، أحدهما صوت الاتحاد السوفيتى المتمتع بحق الفيتو. وأمام فشل السياسة الاستعمارية فى تحقيق مآربها عن طريق الضغط الدبلوماسى، تقرر استعمال القوة العسكرية وكان العدوان الثلاثى على مصر الذى حققت فيه مصر نصرا مجيدا.