أصوات صاخبة وطبول زاعقة تلوم علي المتهمين في قضية القرن و هيئة الدفاع عنهم ، يتباكي كثيراً من الأدعياء بمرارة علي متهمون يخرجون من القفص ليمثلوا أمام عدالة المحكمة ليبسطوا دفاعهم ويقدموا برهانهم علي براءتهم من قتل المتظاهرين أو الفساد المالي والسياسي ، وتقوموا الدنيا ولا تقعد عندما يتعرض دفاعهم للمساس بمجريات أحداث ثورة يناير 2011 ، كأن المفروض علي هؤلاء أن يسلموا أمرهم ويعلنوا نزولهم حتي عن أن يقفوا في محراب العدالة لينطقوا بكلمات تعرض وجهة نظرهم في ما حدث في الثورة وحقيقة ما الصق بهم من اتهامات لهم كامل الحق أن يعتبروها جائرة ظالمة .. وحقيقة المؤامرات التي حاكها طيور الظلام من دولاً وافرداً وجماعات لإسقاط الوطن . وتمادى البعض من هواة الطبل والزمر فعمدوا لتصويب سهامهم الطائشة لهيئة الدفاع التى وكلت للدفاع عنهم ، جهلاً من اغلبهم أن المحامى الذى يقف للدفاع عن متهم يلزمه واجبه المهني والأخلاقي أن يجتهد كل الجهد ، بل أن لا يألو فوق الجهد جهد في تفنيد الدليل الذي ضمنته النيابة العامة عريضة الاتهام .. ولا يقبل حتي في مجتمع يدرج في أول مدارج التحضر أن يُشن علي هيئة الدفاع عن المتهمين حملة شعواء تنعتهم بأسوأ الصفات وتجعلهم في مصاف مردة الشياطين ، ولينزعوا عنهم ثياب الطهر ويجردوهم من رداء الوطنية ، وينعتوهم بأحط وأزرى الصفات ، بلا وعي أو فهم لطبيعة دورهم والتزامهم المهني والأخلاقي . يا سادة ، دفاع المتهم في أي قضية و مهما كانت طبيعة الجريمة لا يدافع عن الجريمة ذاتها ، لكنه يدافع عن متهم بمقارفة جريمة على ضوء أدلة تقدمها في لائحة الاتهام النيابة العامة من خلال تحقيقاتها .. الدفاع عن المتهم رسالة سامية جليلة مهما كانت التهم المسندة إليه ، فالقاعدة الذهبية الشرعية والقانونية الراسخة في ضمير الإنسانية وجميع المواثيق الدولية : المتهم بريء حتى تثبت إدانته .. والأمر والأشد صعوبة أن يكون المتهم حبيساً فى قفص الاتهام لا يملك تصرفاً أو حراكاً. فيأتي هؤلاء المشوشون ليندبوا ويشقوا الجيوب علي أن يسمح لهؤلاء ودفاعهم أن يدرؤوا عن أنفسهم ما يعتقدونه انه ظلم بين وقع عليهم يسود صحائفهم وتاريخهم .. وهو ما يخالف ما تواضعت عليه كافة القوانين الحديثة والشرائع السماوية على كفالة حق الدفاع المقدس بكل صوره فلا يلام متهم أو محام علي ما يبسطه في دفاعه عن نفسه .. وتظل المحكمة الموقرة هي صاحبة القول الفصل في تفنيد كل ما يبسط بساحتها .. بعيداً عن التضليل والبهتان . الدفاع جزء أصيل من المحاكمة العادلة التي تبتغي الوصول إلي الحقيقة الناصعة ، والدفاع المقصود هنا هو الدفاع الحقيقي المهنى المنتج البعيد عن الترهيب والوعيد الذي يسهم في وصول هيئة المحكمة إلي العدالة .. لا مجرد الدفاع الصوري الذي لا يفند الدليل و يتحول إلي مجرد ديكور ينزع عن المحاكمة العدل والمهنية . وهذه المعاني والمبادئ سبق وأرستها محكمة النقض المصرية الموقرة ، حيث وصفت حق المتهم فى الدفاع بأنه : حق مقدس يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية.. و رسخت مبدأ هام يقع عبئه علي المحكمة التى تنظر أمامه الدعوي الجنائية : الأصل أنه متى عهد المتهم إلى محام بمهمة الدفاع فإنه يتعين على المحكمة أن تستمع إلى مرافعته و أن تتيح له الفرصة للقيام بمهمته. كما رسخت محكمتنا العليا : أن الأصل هو أن المتهم حر في اختيار من يتولى الدفاع عنه. وحقه فى ذلك مقدم على حق المحكمة فى تعيين المدافع. فإذا اختار المتهم محامياً فليس للقاضي أن يعين له محامياً آخر ليتولى الدفاع عنه .. واستمرت محكمة النقض الموقرة في تأكيد وترسيخ قدسية حق الدفاع عن المتهم أمام المحكمة الجنائية، فاشترطت بصراحة اللفظ : وجوب أن يكون هذا الدفاع الذى يبديه المحامى الحاضر مع المتهم دفاعاً حقيقياً وجدياً وكافياً يُعين المتهم فى محنته.. وكم من أحكام أصدرتها دوائر جنائية عادت و نقضتها محكمتنا العليا لمجرد أن الدفاع عن المتهم كان تافهاً أو لم يكن سوى دفاع شكلى يقصر عن بلوغ غايته .. واهتمت محكمة النقض لبلوغ هذه الغاية بالكفاءة الفنية لهيئة الدفاع .. فاستوجبت أن يكون المحامى الذى يتولى الدفاع عن المتهم قادراً على هذا الدفاع، وأن يكون قد حضر بشخصه أو بمن ينوب عنه جميع إجراءات محاكمة المتهم من أولها حتى نهايتها. ثقتي بمنصة القضاء المصري الشامخ بلا حدود .. ويقيني لا حدود له بإيمان وعدالة ومهنية الهيئة الموقرة برئاسة القاضي الجليل محمود كامل الرشيدي ، وأنهم لا ترهبهم الحملات المضللة ، وأنهم يتحرون القضاء بما يوافق ما يستقر في ضمائرهم النقية من يقين راسخ يستظهرونه من أوراق الدعوي والدفاع والدفوع بها ، وأنهم يضعون نصب أعينهم قوله تعالي : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون .. صدق الله العظيم .