أما و إني و الله في هذه الأيام أخبط كفا علي كف متعجباً مندهشاً مستغرباً ... من كل ما يحدث أمامي من عبث بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ... عبث أعاد ذاكرتي عاماً كاملاً مضي ... فرحت أتذكر أحداثه التي أوصلتنا لعبث اللعب بالوطن ... وطن ما كان يستحق كل ذلك العبث ... قبل عامٍ مضي ثار الشعب ثورة كبري علي نظام حكم حكمه عاماً واحداً فقط كانت كافية للشعب أن يثور عليه ليعلن عن رفضه الإستمرار تحت نير ذلك الحكم ... و إذ فجأة .. غطت عشرات الملايين من أبناء الشعب شوارع كل محافظات مصر لتعلن لكل قيادات الدولة الرسمية عدم تراجعها عن قرارها في إقصاء نظام الحكم بكل رموزه و هيئاته ... و في ذات اللحظة .. وجد قائد السلاح نفسه واقفاً بين قوتين .. قوة غضبة الشعب و ثورته .. و قوة مؤسسة الحكم و شرعيته ... لم يكن قائد السلاح كمثل رجل السلاح الأسبق البكباشي (المقدم) جمال عبد الناصر يقود فريقاً مجهولاً من شباب ضباط الجيش أصحاب الرتب العسكرية الصغيرة لينهي بهم حكم الطاغوت الملكي بإنقلاب عسكري علي الملك ... كذلك لم يكن قائد السلاح كمثل رجل السلاح الأسبق اللواء محمد نجيب الذي تصدي بشجاعة لتحمل مسئولية ثورة ضباط صغار علي ملك كانت رأسه ستكون أول الرؤوس الطائرة بسيفه لو فشلت حركة الجيش ... و كانت رحمة الله بمصر و شعبها هي التي سبقت فدفعت بقائد السلاح أن يكون اللواء محمد نجيب الثاني ... و كان إنحيازه لنصرة قوة غضبة الشعب و ثورته .. علي قوة مؤسسة الحكم و شرعيته ... فتحمل المسئولية و تصدي لها ... و هكذا وجد قائد السلاح الفريق أول عبد الفتاح السيسي نفسه ... قائداً لإنقلاب عسكري دون ترتيب هيئة حكم عسكرية من ضباط الجيش ... و أيضاً زعيماً لثورة شعبية دون تحريض لشعب علي ثورة ... لكنها كانت إرادة الشعب سبقتها رحمة رب الشعب ... و حين أراد الشعب أن يستكمل مسيرة الثورة كمثل ما حدث من ستين عاماً مضت فينصب قائده الجديد زعيماً لها ... و تبدأ مصر في إستعادة مجدها الذهبي كزعيم ثورات التحرر في العالم ... إذ به يفاجأ بألاعيب الديمقراطية و صناديق الإنتخابات الغربية الأميركية الأوروبية ... تضع "مشروع القائد" المصري الجديد الذي شكله و صنعه بيديه ... علي قدم المساواة وراء خط واحد مع كل من "يجي له مزاجه" الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ... و هكذا تساوي الجميع مع بعضهم البعض ... من قاتل بالسلاح في ميدان القتال ... مع من سدد التكلفة المالية لرسوم الترشح لرئاسة دولة مصر ... هنا يا سيدي ... كان ضرب الكفوف ... و التعجب ... و الإندهاش ... و الإستغراب ... علينا أن نسأل أنفسنا بضعة أسئلة بسيطة ... قد تحدد لنا إجاباتها معالم خطة مستقبل الوطن ... هل تحتاج "مصر" إلي دولة .. أم تحتاج إلي ثورة ... هل تحتاج "مصر" إلي إقامة نظام .. أم تحتاج إلي الثورة دائماً علي كل نظام و أي نظام ... هل تحتاج "مصر" إلي إستكمال بناء مستقبل حضارة كانت .. أم تحتاج إلي إستمرار العيش و الإسترزاق من حضارة كانت ... هل تحتاج "مصر" إلي الهدوء و الإستقرار .. أم تحتاج إلي حالة الحراك الثوري دائم الغليان الذي ينسف أي هدوء و أي إستقرار ... هل تحتاج "مصر" إلي إحترام القانون و تنفيذه .. أم تحتاج إلي التظاهر لإسقاط أي قانون و إستثناء بعض الأشخاص من تنفيذه ... هل تحتاج "مصر" إلي برنامج عمل .. أم تحتاج إلي إضراب عن العمل طالما لم يحقق مكاسب البعض علي حساب مكاسب الكل ... هل تحتاج "مصر" إلي فكر مستقبل قادم .. أم تحتاج إلي تكالب علي حاضر قائم ينسف أي أمل في غد أفضل لأجيال قادمة ... هل تحتاج "مصر" إلي رؤية و منهج و خطة .. أم تحتاج إلي مظاهرة و خطبة و حماسة و كلمة لا تقدم و لا تؤخر ... هل تحتاج "مصر" إلي إنتاج منتجات .. أم تحتاج إلي إنتاج شعارات و كلمات و خطابات و مؤتمرات و فعاليات و وقفات إحتجاجيات ... هل تحتاج "مصر" إلي قيادة عالمية ترفع قامتها بين الدول .. أم تحتاج إلي قيادة محلية حدودها داخل إطار التنظيم الحزبي ضيق الأفق ... هل تحتاج "مصر" إلي عِلم .. أم تحتاج إلي حِلم ... أسئلة يلخصها سؤال جامع ... بعد ثلاث سنوات تعطل فيها الوطن ... هل نحتاج "دولة" مصر .. أم نحتاج "شياخة" حزب ... ------------------------------- إنها "مصر" التي ... ---------------- "مصر" ...... التي تحارب الإرهاب العالمي وحدها ... فتقيم إنتخابات ديمقراطية ... "مصر" ...... التي تضحي كل يوم بشهيد من جنودها ... فيذهب أولادها إلي مدارسهم آمنين مطمئنين ... "مصر" ...... التي تحت وطأة متفجرات قنابل الإرهاب ... فتطلق قمراً صناعياً في الفضاء ... "مصر" ...... التي ينزج إليها الإرهاب من أرض سيناء ... فتقيم إحتفال ذكري تحرير سيناء ... "مصر" ...... التي تحاور بالعقل أصحاب سد النهضة ... فترفع بعض القوي العالمية تمويلها في بناء السد ... "مصر" ...... التي يهددها الأمريكان بقطع الدعم ... فتقيم مشروع مليون وحدة سكنية لشعبها ... "مصر" ...... التي لا تدعمها قيادات حركة حماس في حربها ... فتعقد تصالحاً بين حركة فتح و حركة حماس ... "مصر" ...... التي يفجر الإرهاب مديرية الأمن في محافظة ... فتقيم حفل تخرج دفعات من كلية الشرطة ... "مصر" ...... التي يكسو السواد ملابس الأرامل فيها مساءً ... فتصبح تعد الفطور و شنط المدرسة لأولاد الشهيد ... لا تتعجب ... إنها "مصر" التي ليس كمثلها إلا "مصر" ...