في عام 1799 وبعد أن كان نابليون بونابرت قد وجه دعوته إلي اليهود طالباً منهم أن يساعدوه علي احتلال القدس قام حاخام اليهود الأكبر في القدس وكان اسمه (ارون ليفي) بدوره هو الآخر بتوجيه نداء إلي اليهود لإعادة بناء أسوار المدينة اليتيمة وهو الاسم الذي كان يطلقه اليهود علي القدس ويرون أنها سوف تظل يتيمة إلي أن يعود إليها أبوها وأمها من جديد يتلقفونها في أحضانهم العبرانية الدافئة، كما طلب أرون ليفي سرعة بناء معبد للرب حتي يلتفت إلي رعاياه اليهود بدلاً من استغراقه في ملاعبة الحوت كذلك حث حثاً شديداً علي تشجيع الهجرة إلي فلسطين وليس في أي مكان أخر، ولو لم يكن صناديد العرب نائمين نوماً عميقاً وقتها لأدركوا أن ذلك النداء القديم كان معناه ومبناه أن اليهودية الصهيونية قد ربطت منذ لحظتها الأولي بين إقامة الدولة الصهيونية العنصرية وبين لغة السلاح والعنف والعدوان علي أن يكون ذلك منطلقاً من عباءة الكهنوت وممسوحاً بمباركة من الحاخامات ولنعاود قراءة سطور من ملف تيودور هرتزل المؤسس الأول للحركة الصهيونية السياسية مما اورده في كتابة الدولة اليهودية حيث قال (إن علي اليهود أن يحملوا السلاح ضد بحار من المشكلات التي سوف تفجرها محاولات بناء الدولة اليهودية إذ إن التصدي لهذه المشكلات المتوقعة هو الذي يقرر نهايتها. ومما عجز العرب عن قراءته في كتاب هرتزل بسبب اميتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والعقائدية ولا أقول الهجائية كما أصموا آذانهم عن كل تحذير حذرهم به الناصحون والذي كان بمثابة الإطار السميك في بناء الدولة اليهودية بل كان بمثابة الأعمدة الخرسانية للبناء الصهيوني المقترح ما ذكره هرتزل بالنص حيث قال أنه (إنه اردنا نحن اليهود أن نقوم بتطهير بلد من الوحوش الضارية فلن نحمل القوس والرمح ونذهب فرداً فرداً لتعقب تلك الوحوش والدببة، كما كان يحدث في القرن الخامس الميلادي بل إن الواجب المقدس يملي علينا أن نقوم بتنظيم قافلة صيد جماعية ضخمة مجهزة وتطرد الحيوانات ونرمي وسطهم قنابل شديد الانفجار بشرط أن يقوم بهذا الصيد جيش منظم من الرجال الذين هم أفضل رجال الغزو. ×× ولقد أكدت لي كثرة قراءاتي في الشأن الصهيوني أن كل المفكرين الصهاينة دون الاستثناء قد اتخذوا من (نيتشة) رائداً وأستاذاً لهم واعتبروا نظرية (نيتشة) في (القوة) دستوراً لهم واطلقوا عليها اسم (التوراة الثانية)، وفي هذا الصدد يقول (ميخائيل بيرديسفيسكي 1865 1931) وهو من غلاة دعاة الصهيونية: هناك توراة مقدسة أخري لم تسقط فوق رءوسنا من السماء وانما صنعتها أيامنا المعذبة وتمزقنا الذي دبروه لنا وتقطيع أوصالنا البيولوجية والتي يجب أن تلتحم بالتوراة الجديدة التي تعني الثورة العنيفة جداً التي هي الوسيلة الوحيدة لإنشاء اسرائيل وأن علي الأمة اليهودية التي لم تختف من الوجود يوماً واحداً أن تولد وتعيش بالسيف وليس بالكتابة وأن يكون السيف اليهودي ليس هو تلك الكلمة المجردة ولا يكون بمنأي عن الحياة بل يكون تجسيداً مادياً للحياة في أرقي أشكالها.. لنكن إذن كلنا (نيتشوبين) حتي الثمالة!! إذن فهذه التي تربض علي حدودنا والتي يشرب سفيرها صباحاً ومساء من نيلنا هي دولة مصنوعة مفتعلة بدأت منذ اصطناعها وافتعالها بالقوة والعنف والسلاح حاملة تعاليم نيتشة أو التوراة الثانية كما قالوا ورددوا!!