الموقف الإسرائيلي من الاستيطان يحتاج إلي دراسة.. ذلك أن الاستيطان جزء لا يتجزأ من المشروع الصهيوني والعقيدة الصهيونية. منذ عام 4381، يدعو الحاخام يهودا الكالاي »8971/8781« إلي إقامة مستعمرات يهودية في فلسطين لكي تكون مقدمة ضرورية لما أسماه »الخلاص المنتظر« في كتيب نشره بعنوان »إسمعي يا إسرائيل« وطالب ذلك الحاخام باستنهاض الهمم »لافتداء الأرض المقدسة« عن طريق كسب عطف السلطان العثماني، ثم نشر في عام 3481 كتابه عن »الخلاص الثالث«، ويقصد به تشجيع الاستيطان في فلسطين بهدف تعمير »الأرض الخراب« وإعدادها بصورة تدريجية لما أسماه »العودة الجماعية« التي ستكون بمثابة »بداية للخلاص الذي وعد به الأنبياء« وتكهن الحاخام الكالاي بفتح فلسطين بحد السيف واقترح، في أحد نداءاته، تأسيس شركة علي غرار شركات التأمين ضد الحريق أو شركات السكك الحديدية لكي تتوسل إلي السلطان العثماني لكي يعيد إلي اليهود »أرض أجدادهم« مقابل إيجار سنوي »!« وما إن يطلق اسم اسرائيل علي تلك الأرض.. حتي يهرع كل اليهود لمساعدة تلك الشركات بكل ما ملكت أيديهم من وسائل.. واستعان الحاخام كالاي بالتوراة لكي يقول ان يعقوب توجه إلي مدينة شكيم وابتاع حقلا نصب فيه خيمته وهو في طريقه إلي والده اسحق.. وقال الحاخام إن يعقوب لم يكن يعتزم السكن هناك، ولكنه قام بهذا العمل لكي يعلم نسله أنه يجب شراء تربة الأرض المقدسة من ماليكها غير اليهود«.. ويوجه الحاخام النصح إلي اليهود قائلا إنه يجب عليهم ألا يذهبوا جميعا إلي »الأرض المقدسة« في وقت واحد، وإنما بالتدريج وإنه من المهم والضروري أن يبقي عدد كبير من اليهود في أرض الشتات لبعض الوقت حتي يساعدوا المستوطنين الأوائل في فلسطين. إذن المطلوب أن يتوجه اليهود إلي الأرض التي يزعمون أنها إرث آبائهم، فهناك يجتمع شمل »المنفيين« من أطراف العالم الأربعة »لكي يصيروا كتلة واحدة«. وعندما تأسست جمعية رعاية الاستيطان اليهودي في فلسطين عام 0681 في فرانكفورت علي نهر الأودر إنضم إليها الحاخام، »زفي هيرش كاريشر« »5971- 4781« واستمد من أهدافها بواعث كتابه »السعي إلي صهيون« الذي ظهر عام 2681 الذي أعلن فيه أن بداية الخلاص هو انتهاج طريق التطوع للذهاب إلي فلسطين بقصد الاستيطان والاقامة الدائمة، ونجح الرجل في حمل مجموعة من اليهود علي شراء أرض في ضواحي يافا عام 6681 حيث قامت جمعية الأليانس الاسرائيلية، التي تأسست في فرنسا عام 0681، بإنشاء المدرسة الزراعية لتشجيع شراء الأرض واقامة المستوطنات الزراعية، ولم يخف الحاخام المذكور أن الهدف الذي يسعي إليه هو تثبيت دعائم الاستعمار الصهيوني، الذي كان يصفه بأنه الامتحان الصحيح والبداية الطبيعية للخلاص، حيث ان الخالق سوف يعجل بهذا الخلاص المرتقب حينما يري إقبال اليهود علي الذهاب إلي فلسطين وتطوعهم للاستيطان هناك، وكان الحاخام »زفي هيرش كاريشر« يعتبر أن استعمار فلسطين سوف يتيح لليهود الفرصة لتطبيق الوصايا الدينية..! واعتبر كاريشر أن »علي التائهين في أرض آشور والمنفيين في أرض مصر أن يتوجهوا إلي الجبل المقدس في أورشليم ليسجدوا للرب حتي تزدهر اسرائيل وحتي ينفذوا الأوامر السماوية التي تأمرهم بالذهاب إلي فلسطين لكي يرثوا الأرض وينعموا بخيراتها في أحضان صهيون«! أما المفكر الألماني الصهيوني »موسي هس« »2181- 5781« فقد اعتبر الوضع العالمي في زمانة مواتيا لتشجيع إقامة المستوطنات اليهودية علي الفور »عند قناة السويس وعلي ضفتي الأردن«! وقال إنه من الضروري أن تبعث »الأمة اليهودية« إلي الحياة مرة أخري، وأن هذا الانبعاث سيكون عبر تأسيس المستعمرات »في أرض الأجداد« وقد تمتد هذه المستعمرات - في رأيه- من السويس إلي القدس ومن ضفاف نهر الأردن إلي البحر المتوسط، ومرة أخري يردد هذا المفكر اقتراح تقديم حفنة من الذهب إلي تركيا لتقوية عزيمتها الواهنة بشرط أن »تعيد اليهود إلي وطنهم« حتي يجعلوا من هذا الوطن مركز اتصال عظيماً بين القارات الثلاث ويحملون الحضارة إلي شعوب لا تعرفها«! ولم يكن الصهيوني الروسي »بيريتز سمولنسكين« »2481-5881« أقل تطرفا من الحاخامات، فقد راح يدعو إلي الهجرة الجماعية وينادي بضرورة الاستيطان اليهودي في فلسطين التي يمكن ان تستوعب وتطعم »41 مليونا« من الناس، وحث علي شراء الأراضي والاشتغال في الزراعة والتجارة والصناعة، واقترح علي المستوطنين بناء مصانع للزجاج والمنتجات المرتبطة به »لأن رمل البلاد من النوعية الجيدة«! وحذر ذلك الصهيوني الروسي اليهود من الذوبان في المجتمعات التي يعيشون فيها، لأن هذا الذوبان يعني اعتناق دين آخر! وأكد الداعية الصهيوني »موشي لايب ليلنبلوم« »3881-0191« علي ضرورة ان يشتري أغنياء اليهود العقارات في أرض فلسطين، حتي لو لم يرغبوا في العيش فيها »!« علي أن يتوجه إلي هناك اليهود الفقراء العاطلون للعمل في الأرض التي تم شراؤها. واقترح الزعيم الصهيوني الروسي »ياهوذا ليوبنسكر« »1281-1981« تأسيس شركة مساهمة من الرأسماليين لشراء أراض تتسع لعدة ملايين من اليهود لكي يسكنوا فيها مع مرور الزمن حتي لو كانت في الولاياتالمتحدة أو في ولاية تابعة للباب العالي في الدولة العثمانية! وفي يونيو عام 6981 توجه »تيودور هرتزل« مؤسس الصهيونية الحديثة »0681-4091« إلي الاستانة لكي يعرض علي الصدر الأعظم تقديم المساعدات المالية مقابل السماح بقيام دولة يهودية في فلسطين، وفي 51 أغسطس في عام 9981 قدم هرتزل للمؤتمر الصهيوني الثالث صياغة صهيونية لمشروع الاستيطان وللمصرف اليهودي للاستعمار، وفي أبريل 3091 التقي مع »اللورد كرومر« في مصر لمناقشته في مشروع استعمار العريش! وعندما طرح للنقاش الاختيار بين فلسطين أو الأرجنتين لإقامة الدولة اليهودية، أعلن هرتزل أن فلسطين هي »وطننا التاريخي.. ومجرد اسمها يشكل صرخة جامعة عظيمة.. وسنقيم هناك جزءا من حائط لحماية أوروبا في آسيا يكون بمثابة حصن منيع للحضارة في وجه الهمجية«! وقال هرتزل »لو كان بإمكاننا إرسال عشرة آلاف يهودي لكي يستعمروا فلسطين كل سنة، فهذا يعني أن المسألة اليهودية ستحل بعد 009 عام، وهذا مستحيل »ومن هنا جاء مسعي هرتزل للتفاهم مع الكبار في الساحة العالمية لتوطين اليهود بشكل جماعي. من هنا يتضح أن الوسيلة الرئيسية التي استخدمها الصهاينة لاغتصاب أرض فلسطين هي الاستيطان ومعني ذلك أنه لا يمكن اقتلاع الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة بدون التصفية الكاملة لجميع المستوطنات التي أقيمت علي أراضي 5 يونيو عام 7691، وخاصة أن فكرة الاستيطان لدي دولة الاحتلال لا تنفصم عن خطة تهجير الشعب الفلسطيني من علي أرضه واستئصاله من جذوره، وربما لم يشهد تاريخ العالم خطة جهنمية طويلة المدي تستغرق عشرات السنين، وربما أكثر من قرن كامل، مثل هذه الخطة للاستيلاء علي أراضي شعب آخر وإحلال أجانب غرباء بدلا منهم تحت دعاوي أساطير دينية تحاول تقديم مبررات لجريمة تشريد شعب بأكمله وغطاء لتكريس الاحتلال إلي ما لا نهاية.