- " الجنس " هاجس كل عربي وافد إلى باريس! - زكي مبارك ينصحنا بأن نحمد الله على سذاجة المرأة الشرقية - كل الكتابات العربية عن باريس بما فيها طه حسين وسهيل إدريس عبرت عنها بسطحية! - جمال الدين بن الشيخ عمدة المفكرين العرب في باريس وصداقته لا تكتسب بسهولة - حجازي في فرنسا كان مقرباً من النظام العراقي وإقامته هو ومحمود أمين في باريس جغرافية فقط - محمود العالم كان منكفئاً على أفكاره الماركسية في قلب التيارات الفكرية الحديثة في باريس - محمد عابد الجابري : دخل قالباً ولم يخرج منه رغم أنه تقدمّي تحرري ديمقراطي كبير " نصيبي من باريس " كتاب جديد للروائي والكاتب المغربي : أحمد المديني " يضم 47 فصلاً تحكي كلها عشق المؤلف وغرامه ورحلاته إلى باريس، حينما كانت باريس فى الستينات قبلة كل مفكر وأديب عربي لا تكتمل رؤيته للحياة دون زيارتها. وفي الكتاب الصادر عن الدار "المصرية اللبنانية" تجد " دفتر الأصحاب " ويصّدره المؤلف بقول الفرزدق :أولئك أصحابي فجئني بمثلهم ... إذا ما جمعتنا يا جرير المجامع ووفق بيان الناشر : يتحدث الكاتب في كتابه عن صداقاته التي تعرف بها فى باريس كما يقول " وهؤلاء الذين أحب أن أتحدث عنهم بعض عمر عشته هنا، اكتفي بالإشارة، منهم أساتذة لي، وآخرون أدباء، وفيهم ناس أصلاء، ومنهم أطياف، ولكل واحد مكانه في القلب والعقل لو حازه "، ومن هذه الشخصيات : جمال الدين بن الشيخ، أحمد عبد المعطي حجازي، عبد الرحمن منيف، محمد باهي، محمد آيت قدوّر، محمد عابد الجابري، شاكر نوري ( الممرض )، عبد الواحد عوزري، عبد الرحيم الجلدي ( لمزابي ). أحمد المديني ، يبدأ رحلته في الكتاب بالكلام عن مولده ونشأته في " بلدة زاهرة بإقليم الشاوية الخصب في المغرب الأقصى، في عائلة ميسورة، وفي بيت علم وفقه ومحتد ذي أصل وفروع وزرع " وقت استقلال المغرب، ثم هجرته إلى الدار البيضاء ومنها إلى فاس – المعنونة آنذاك، كما يقول المؤلف - بالعاصمة العلمية لوجود جامعة القرويين : " وما كانت فاس إذاك منفى وإنما أقرب إلى مقام منكفئ على نفسه يراود الكلام، وليس له من صلة بالأنام إلاّ الضروري مما لاغنى عنه " كل ذلك في مدخل الكتاب من الجزء الأول وهو بعنوان : عتبات حياة، حيث تأتي هجرة المؤلف الثالثة إلى دولة الجزائر، والعودة إلى المغرب، وأول مرة يسافر فيها إلى باريس التي جعلها عنواناً لكتابه، وفي هذا السياق يرصد المؤلف التناقض الذي يعيشه العرب وهم يهاجمون الغرب ويلعنونه صباح مساءن ثم يحلمون بالسفر إليه والإقامة فيه : " هذا الغرب اللعين المحبوب والممقوت معاً، أي تناقض غريب ومشاكس هذا الذي عشناه، بل ما ننفك نحياه " التناقض يرصده أحمد المديني في الكتاب بقوله : " هي الحاجة المحرقة، عطش جهنمي، كبتنا المحموم، والفيض المتاح في الغرب، في باريس رمز العطاء في كل شيء، في الواقع والتصوّر، مقابل ما كنا فيه من حرمان وبؤس وتخلف وافتقاد لقيم الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية، أدركها هذا الشعب، هو نفسه الذي غزانا وأخضعنا بقيم ومُثُل أخرى، وها نحن نقبل عليه لينقذنا مما نعيشه من أهوال ومذلة". وفي هذا الجزء أيضاً يتحدث المؤلف أحمد المديني عن بعض الكتاب والأدباء الذين زارو باريس في مطلع القرن العشرين، وكتبوا عنها، ما يسميه المؤلف ببليوغرافيا طويلة تتوزع بين تعبيرات مختلفة رحلية سفارية، روائية وقصصية فاستطلاعية تحقيقية تراوحت بين الفهم والتقويم والوصف والذوق، صادرة عن أفراد مختلفي المشارب الثقافية متبايني المقاصد من رحلاتهم الغربية فإما هم فقهاء وعاظ ومربون ( رفاعة الطهطاوي، وأحمد فارس الشدياق )، أو سفراء حاملو رسائل إلى البلاطات ( محمد الحجوي )، أو مهاجرون مقيمون ( الشيخ سانوا أبو نظارة ) أو طلبة باحثون وهم كثر ( طه حسين، زكي مبارك )، أو مؤرخون وانطباعيون ( عبد الهادي التازي ) أو أدباء كتاب قصته ( يحي حقي، سهيل إدريس )، أو إعلاميون وهم كثر (محمد باهي ). وهنا يقف المؤلف طويلاً أمام طبيعة الكتابات العربية عن باريس والهواجس الجنسية التي تشغل أذهان الكتاب وخير من عبر عن ذلك زكي مبارك، يقول المؤلف أحمد المديني : أبرز هذه المستويات أو الوحدات : الجنس، من زاوية مقترب النظرة إلى الأنثى هنا مجال تعبير الحشمة وتغليب الخلق الديني بإسقاطه على الغير، أغلب الكتابات المعنية تعتبر الغرب، باريس رمزها، هي أنثى، أنثى مشتهاه، متبرجة، مبذولة، سهلة المنال، ولم لا : إباحية. مقابل المرأة العربية، المسلمة، الشرقية، منزهة عن " الفساد " محتشمة، وقور .. إلخ، وأصدق مثال على ذلك كتاب زكي مبارك " ذكريات باريس "، علماً كما يستدرك المؤلف، بأنه أقلها تحاملا وتشنيعاً على المرأة الغربية. بعد هذا التمهيد الطويل، يحكى لنا المؤلف بداية من فصل بعنوان " حرية واختيار "، رحلته هو الشخصية إلى باريس، والحي اللاتيني وما أدراك، وفي فصل " من الملكوت إلى الهلكوت " يقول : حينما غادرت المغرب بلدي حملت معي حسرات، ونويت أيضاً أن أخمد جمر أكثر من لوعة، لتشتعل في حياتي جمرات أقوى لهباً وأصفى اتقاداً ... وبحسب بيان الناشر : هو تصوّر كل مهاجر إلى باريس أو قادم إليها، وهي صورة ذهبية موروثة لم ينج منها جيل : لكن المرأة تملأ عيون وخيال القادمين إلى أوروبا، مشوشة عليهم إقامة علاقة عادية طبيعية ... وهي امرأة متخيلة، متوهمة، بخصائص مُسقطة أكثر منها واقعية تنسجها الرغبة واللهفة والاغترار .. ويقول المؤلف أيضاً واستثارنى الأفارقة الذين يتحولون أحياناً، وهم في الشارع، إلى عضو جنسي منتصب كتمثال .. ويعترف المؤلف على نفسه قائلاً : " لم أكن ملاكاً ولا بعفة الزاهدين، أعترف أن شبقي أعماني احياناً، إنما ليس إلى حد إهدار كرامتي والتحّول إلى هزء " وبعد المغامرات العاطفية التي قصها المؤلف، ولا يزال في الجزء الأول من الكتاب، يدخل إلى عالم المكتبات والمعرفة في باريس التي هي متاحة بأكثر مما يريد الباحث والمحب، والمكتبات تنافس البشر والفنون مبذولة للجميع، وفي الجامعة : " أنت واجد ما تحتاج إليه من مصادر ومراجع ومخطوطات لاتعاني كثيراً في تجميعها، والمشورة والغذاء المعرفي متوافر ومتنوّع في المدرجات، والأستاذة لا يبخلون بالمشورة والتوجيه، وما أكثر مايعدون الباحث خصوصاً زميلاً لا متتلمذاً ناقصاً، بل كامل تقريباً. ومع أن المهاجرين العرب والباحثين والوافدين إلى فرنسا يدركون أنهم ينتقلون إلى زمن آخر، مغرق في الحداثة، لكنهم مع ذلك يحاولون العيش في زمنهم السابق، زمنهم العربي : نما يقيمون في الحقيقة في أزمنة وأمكنة غير هذه التي يفترض أنهم فيها واقعاً ... نادراً ما تسمعهم يتكلمون الفرنسية، مستعملين المفردات والعبارات ذاتها التي جلبوها من صباهم وأحيائهم العتيقة، بلى يفعلون ذلك بإمعان ليثبت كل واحد لذاته ولسامعه أنه باق على العهد ولا تنال منه " بلاد النصارى "، أما علمه وخبرته فهما محزومان في حقيبته ولكل شيء أوان ". أما الجزء الثاني من الكتاب، والمخصص للشخصيات العامة التي التقاها المؤلف في باريس ويبدأه بشخصية جمال الدين بن الشيخ فيصفه المؤلف ب " يا ما أحب بن الشيخ باريس وهو الذي كتم أكثر من حب برى جسده، وكيف تحولت شقته إلى ملتقى للباحثين العرب والمفكرين الوافدين إلى باريس، أما أحمد عبد المعطى حجازي الشاعر المصري، فيحكى أحمد المديني قصته معه منذ تعرف إليه في المغرب، وهو يتحدث عنه برفقة صديقه محمود أمين العالم الذي يصفه المؤلف، يصف العالم : بانه وإن تميز بالدماثه، إنما بقى منكفئاً على أفكاره ومعتقداته الجامدة مثل جل الماركسيين العرب يومئذ. ويضيف أحمد المديني : والحق أني لاأعرف ماذا أفاد هو ولا حجازي نفسه من إقامتهما بفرنسا فكرياً وشعرياً، إذ أن هذه الاستفادة لابد أن تظهر ولابد في أعمال أصحابها بالتأثر والاقتباس وعك من الإشباع والتمثل. أما حجازى منفرداً، فيقول عنه أحمد المديني : ومعروف أن حجازي كان قومياً في عروبته، مقرباً من أدباء العراق وسياسيه الوطنيين، ومن النظام نفسه، يحظى في بغداد سنوات الإقامة الباريسية وبعدها بالترحاب كله، وفي باريس خاصة عاش برفقة اثنين من هؤلاء هما : فاضل الشاعر والشاعر سامي مهدي. أما المفكر عابد الجابري، في فصل بالعنوان نفسه فيصفه أحمد المديني بأنه رغم تقدميته لم يحاول مغادرة الخط الذي ارتضاه لنفسه فكرياً : الحق أني لم أعرف مفكراً ولا أدبياً دخل قالباً ولم يخرج منه مثل الجابري، كل هذا وهو متحرر وتقدّمي وديمقراطي كبير، وفوق هذا هو ابن رشد العرب في العصر الحديث، غير أنه كان مثل سكان الإيسكيمو الذين رغم قربهم من عالم المدنية الحديثة رفضوا تغيير نمط حياتهم " لكي لا ينهار عالمهم ". جدير بالذكر أن المديني صدرت له العديد من المؤلفات منها اثنتا عشرة رواية هي : زمن بين الولادة والحلم، وردة للوقت المغربي، الجنازة، حكاية وهم، طريق السحاب، مدينة براقش، العجب العجاب، الهباء المنثور، فاس، لو عادت إليه، المخدوعون، رجال ظهر المهزار، هموم بطة. كما صدرت له أثنتا عشرة مجموعة قصصية هي : العنف في الدماغ، سفر الإنشاء والتدمير، الطريق إلى المنافي، المظاهرة، احتمالات البلد الأزرق، رؤيا السيد سين، حروف الزين، هيا نلعب، امرأة العصافير، خريف، عند بوطاقية، طعم الكرز. وله في كتب الرحلات غير " نصيبي من باريس " : أيام برازيلية، وأخرى من يباب والرحلة إلى بلاد الله. وذلك غير النصوص الأدبية الحرة والدواوين الشعرية، مثل : كتاب الضفاف، نصوص الغربة، نصوص الولع، كتاب الذات ويليه كتاب الصفات، جمر بارد، أوراق وقتنا الضائع، كتاب النهايات، نصوص المحبة والزوال، برد المسافات، أندلس الرغبة، بقايا غياب.