«الثروة الحيوانية»: انتشار الحمى القلاعية شائعة ولا داعٍ للقلق (فيديو)    مجلس الشيوخ الأمريكى يتوصل إلى اتفاق مبدئى لإنهاء الإغلاق الحكومى    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    تطبيقات غير مشهورة تتجسس على واتساب.. احذرها!    عاجل نقل الفنان محمد صبحي للعناية المركزة.. التفاصيل هنا    لمواجهة ارتفاع الأسعار.. التموين: طرح زيت طعام 700 مللي ب 46.60 جنيه في 1060مجمعا استهلاكيا    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    الاتحاد الأفريقي يعرب عن قلقه البالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في مالي    وزير الزراعة: خسائر الحمى القلاعية طفيفة.. وتم توفير 8 ملايين جرعة لقاح    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    وزير المالية: نسعى لتنفيذ صفقة حكوميه للتخارج قبل نهاية العام    "مصر تتسلم 3.5 مليار دولار".. وزير المالية يكشف تفاصيل صفقة "علم الروم"    غارات جوية أمريكية تستهدف تنظيم القاعدة في اليمن    رعب في بروكسل بعد رصد طائرات مسيرة تحلق فوق أكبر محطة نووية    سيلتا فيجو ضد برشلونة.. ليفاندوفسكي: علينا التحسن بعد التوقف الدولي    برشلونة يحقق فوزًا مثيرًا على سيلتا فيجو برباعية    طارق قنديل: الدوري لن يخرج من الأهلي.. وتوروب يسير بخطى ثابتة    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    متى ستحصل مصر على الشريحتين الخامسة والسادسة من قرض صندوق النقد؟ وزير المالية يجيب    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    عمرو أديب عن نهائي السوبر بين الأهلي والزمالك: «معلق المباراة جابلي هسهس»    مفتى الجمهورية يشارك فى مناقشة رسالة ماجستير بجامعة المنصورة.. صور    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    هدوء ما قبل العاصفة.. بيان مهم بشأن تقلبات الطقس: استعدوا ل الأمطار والرياح    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية بالمرحلة الأولى (رابط)    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    انقطاع التيار الكهربائي عن 19 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    الصحة ل ستوديو إكسترا: 384 مشروعا لتطوير القطاع الصحي حتى عام 2030    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    عمرو أديب عن العلاقات المصرية السعودية: «أنا عايز حد يقولي إيه المشكلة؟!»    حضور فني ضخم في عزاء والد محمد رمضان بمسجد الشرطة بالشيخ زايد.. صور    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    نجل عبد الناصر يرد على ياسر جلال بعد تصريح إنزال قوات صاعقة جزائرية بميدان التحرير    فوائد زيادة العضلات بالجسم بعد الأربعين    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    بث مباشر.. صدام النجوم المصريين: مانشستر سيتي يواجه ليفربول في قمة الدوري الإنجليزي    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عابد الجابرى.. قامة فكرية فارعة

أليس غريباً أن الصحافة المصرية بكل أطيافها عدا «المصرى اليوم» لم تهتم كما ينبغى بنبأ وفاة محمد عابد الجابرى، المفكر العربى النهضوى، الذى أضاء الفكر العربى فى العقود الثلاثة من القرن الماضى، وفيما مضى من سنوات هذا القرن. والجابرى يكاد يضارع فى قامته محمد زكى نجيب محمود وفؤاد زكريا ويقترب من الرواد الأوائل: لطفى السيد وطه حسين والعقاد وسلامة موسى.. والجابرى ينتمى إلى المغرب العربى ولكنه أضاء سماء الوطن العربى كله من أقصاه إلى أقصاه.
غادر محمد عابد الجابرى دنيانا فى بداية الأسبوع الماضى، ومن المصادفات العجيبة أننى فى ذلك الوقت كنت أتحدث مع طالبة سورية تريد أن تعد رسالة للدكتوراه فى الفكر العربى التنويرى، وقلت لها إن كتب محمد عابد الجابرى هى «العُمدة» لمن أراد أن يكتب كتابة عميقة فى هذا الموضوع.
سبحان الله.. حقاً إن أمثال محمد عابد الجابرى لا يموتون وإنما يغادرون بأجسادهم فقط، ويبقى فكرهم وعلمهم شامخاً مرفرفاً ومضيئاً سماءنا العقلية التى لحقها كثير من الظلام والتخلف إذا قارنَّا السنوات الأخيرة من القرن الماضى وبدايات هذا القرن بما كان عليه حالنا فى بدايات القرن الماضى أيام محمد عبده وزملائه وتلاميذه.
وقد توثقت علاقتى بالمفكر الكبير من خلال اهتمامنا المشترك بقضايا التنوير فى الوطن العربى، ومن خلال لقاءاتنا الكثيرة فى رحاب مركز دراسات الوحدة العربية.
وأذكر وأنا سعيد أنه خلال زيارة له إلى القاهرة وكانت كثيرة ومتعددة فى الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضى دعوته مع مجموعة من العروبيين لزيارة قريتنا التى تقع على بعد ثمانين كيلومتراً شمال القاهرة على الضفة الشرقية لفرع رشيد فى مركز من مراكز محافظة المنوفية الشهداء وقد كان شرفاً كبيراً لهذه القرية كفر حجازى أن تطأها قدما المفكر العربى الكبير محمد عابد الجابرى يرحمه الله.
وكم كان أهل القرية سعداء مثلى بهذه الزيارة خاصة ابن عمى «سعد»، المثقف والقارئ وزميل الصبا والشباب.
وقد مر الجابرى فى حياته الفكرية الحافلة بمحطات واضحة، كلها يؤدى إلى بعض، وكلها يخدم قضية العقلانية، والربط بين التراث الصحيح والنظر العقلى المستقيم والمنهج العلمى برباط وثيق.
كانت محطته الأولى مع ابن خلدون ونظرية السلطة وربطها بفكرة العصبية أو «التغلب»، على حسب تعبير أرسطو. واللافت للنظر أن عابد الجابرى اختار ابن خلدون موضوعاً لرسالته للدكتوراه فى جامعة الرباط، وهو ذات الموضوع الذى اختاره طه حسين قبل الجابرى بأكثر من نصف قرن ليكون موضوع رسالته للدكتوراه فى السوربون.
وكانت المحطة الثانية والأكثر عمقاً وعقلانية واستنارة هى محطة الفيلسوف العربى الكبير ابن رشد، حيث عكف الجابرى على دراسته وعاش مع مصنفاته ومؤلفاته ومعاركه الكثيرة مع فلاسفة الشرق ومفكريه، خاصة أبوحامد الغزالى، وقد هاجم الغزالى ابن رشد فى كتابه «تهافت الفلاسفة»، ورد عليه ابن رشد بكتابه «تهافت التهافت»، كانت معارك ثرية ودسمة ولها دلالة على أن العقل العربى الإسلامى كان ينضج يوماً بعد يوم نتيجة هذا الصراع وهذا التلاحم بين المدارس الفكرية المختلفة، وذلك قبل أن ينتكس العقل العربى ويتراجع فى الوقت الذى استطاع فيه ابن رشد أن يضىء الفكر الأوروبى ويدفعه إلى الخروج من ظلمات القرون الوسطى.
وكانت معاشرة الجابرى لابن رشد وحياته مع معاركه وأفكاره هى المقدمة الطبيعية لمحطته الأخيرة التى تمثلت فى موسوعته عن «العقل العربى» فى أربعة أجزاء كبيرة.
وقد خصص الجزءين الأول والثانى من هذه الموسوعة الضخمة لتشريح وتحليل بنية العقل العربى ودراسة نظم المعرفة فى الثقافة العربية، وبعبارته هو «أسس الفعل المعرفى وآلياته وموجهاته فى الثقافة العربية».
أما الجزء الثالث من هذه الموسوعة فقد خصصه لتحليل العقل السياسى العربى، وفى هذا الجزء يعالج الجابرى التفكير العربى فى النظام السياسى وعلاقة المواطن بالسلطة، وبعبارته أيضاً هو عقل «سياسى»، لأن وظيفته ليست إنتاج المعرفة بل ممارسة السلطة، سلطة الحكم وبيان كيفية ممارستها.
أما الجزء الرابع والأخير من موسوعة «نقد العقل العربى»، فهو عن العقل الأخلاقى العربى، وهو عبارة عن دراسة نقدية «لنظم القيم» فى الثقافة العربية.
ومع أن هذه الموسوعة بأجزائها الأربعة ليست سهلة التناول وما أظن أن المثقف العام قادر على استيعابها وهضمها فقد كانت هذه الموسوعة التى طبعت طبعات متعددة فى المغرب وفى المشرق بالذات فى بيروت من أكثر الكتب انتشاراً وإقبالاً من القراء حتى إن طبعاتها كانت تنفد ثم يعاد طبعها، وهو الأمر النادر بالنسبة لكتاب فى هذا العمق. أنا أعلم أن هذا المقال ليس هو مكان تحليل مفصل لفكر محمد عابد الجابرى،
ولكن هذا المقال هو مجرد تحية لرجل عظيم ومفكر قومى عربى مبدع، حمل هموم هذه الأمة وساهم فى إنضاج مشروعها النهضوى الذى بدأ فى القرن التاسع عشر على يد كثيرين، قد نذكر منهم رفاعة الطهطاوى وخيرالدين التونسى وعبدالرحمن الكواكبى وفرح أنطون، ثم انتقل بعد ذلك إلى طه حسين والعقاد وساطع المصرى وقسطنطين زريق وغيرهم من المفكرين العرب فى المشرق والمغرب.
وإذا جاز لى أن أوجه تحية خاصة بهذه المناسبة فإنى أوجهها لذلك الصرح العربى الشامخ الذى مازال صامداً يضىء وينير «مركز دراسات الوحدة العربية» ببيروت، الذى يوشك أن يكون الآن هو الموئل الوحيد للعروبة والعروبيين، والذى احتضن كل كتابات الجابرى وأعاد طبعها مرات.
رحم الله المفكر العربى الكبير محمد عابد الجابرى رحمة واسعة ونفع العقل العربى بعلمه وفكره.
ملحوظة: كتبت هذا المقال قبل أن أقرأ ما كتبه الدكتور حسن نافعة والدكتور أيمن عبدالهادى فى «المصرى اليوم» وأعتذر لهما وأحييهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.