من بين الاكتشافات التي تُعيد فتح نوافذ الماضي أمام أعيننا، تبرز قطعة صغيرة لكنها شديدة التعبير؛ رأس تمثال لفتاة استطاعت أن تحتفظ برقتها وبهائها رغم مرور ما يقرب من أربعة آلاف عام. اكتُشفت في سقارة عام 1860، وتُعد واحدة من أروع نماذج النحت الخشبي في مصر القديمة خلال الدولة الوسطى. اقرأ أيضاً| إقبال غير مسبوق على المتحف المصري الكبير يُعرض في المتحف رأس تمثال لفتاة من الخشب الملوّن يعود إلى عصر الدولة الوسطى، الأسرة الثانية عشرة، وهي فترة اشتهرت بازدهار الفنون الدقيقة وارتقاء الحِرف الملكية والشعبية على حدٍّ سواء، وقد عُثر على هذا الرأس خلال حفائر سقارة عام 1860م، في منطقة عُرفت بكشف نماذج خشبية مميزة تعكس الحياة اليومية وعالم النساء في ذلك العصر. رأس تمثال الفتاة وثيقة بصرية تظهر ملامح الفتاة بنعومة لافتة، إذ اهتم الفنان بتحديد تفاصيل الوجه بدقة: العينان الواسعتان، والانحناءة الرقيقة للفم، والملامح التي تمزج بين البساطة والجمال، أما الألوان التي تغطي الخشب، فتُظهر مهارة الفنان المصري في استخدام الصبغات الطبيعية لإضفاء حياة ودفء على القطعة. هذا الرأس ليس مجرد نموذج فني، بل وثيقة بصرية مهمة تُخبرنا عن ذوق الدولة الوسطى، وعن موقع الخشب في الفنون المصرية، حيث استُخدم لصنع التماثيل الصغيرة ونماذج المقابر التي كانت تُوضع لخدمة المتوفي في حياته الأخرى. اليوم، تقف هذه القطعة الشديدة الحساسية داخل المتحف شاهدة على مهارة الفنان المصري القديم وقدرته على تحويل قطعة خشب بسيطة إلى وجه يحمل روحًا لا تزال نابضة بعد آلاف السنين.