إذا كانت الحركة الثقافية العربية عامة قد فقدت الكثير برحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري منتصف الأسبوع الماضي, فان الساحة العقلانية العربية فقدت الركن الركين لها خاصة أنه كان يمثل ديدبانها الذي يستشرف المستقبليات التي يدفع إليها العقل العربي من جهة وينظر من خلالها إلي التراث العربي يحاوره ويحركه لمواكبة الحركة العقلانية, اليوم خاصة إذا كانت المسألة تتعلق بمسيرة الحضارة بين الشرق والغرب. وقد خلف الجابري علي المستوي الاجتماعي4 أولاد لكنه ترك حصاد رحلة مدتها75 عاما وهي أهم بنات أفكاره أو أبناء عقله مؤلفات كثيرة معظمها في نقد العقل العربي متلمسا نهج ابن خلدون في رؤيته للتاريخ العربي من حيث الزمان والمكان فمن باكورة أعماله العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي إلي مدخل إلي القرآن الكريم الجزء الأول يمكننا أن نعرف الدور الذي لعبه الجابري في الواقع العربي وجذب المنظرين والعاكفين أو العازفين عن المجتمع إلي معالجة الواقع المجتمعي الذي يعد الساحة التي تطبق نظرياتهم النابعة أساسا منها رحلة فكرية قدم فيها الجابري31 مؤلفا تضمنت فيما تضمنت تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة وقراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي والخطاب العربي المعاصر وتكوين العقل العربي ثم بنية العقل العربي, والدين والدولة وتطبيق الشريعة وقد القي الضوء علي دور المثقفين في الحضارة العربية الإسلامية من خلال محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد وكأنه بعد هذه الرحلة الفكرية الطويلة من خلال عطاءاته يريد أن يضع في ختامها نهجا للإصلاح الذي نتحدث عنه ليل نهار في جميع أقطارنا العربية فقدم لنا كتابه في نقد الحاجة إلي الإصلاح ثم إذا به يختتم عطاءه ويلفت انتباه المسلمين جميعا إلي أن ذلك الإصلاح بين ايديهم وينظرونه ويناديهم ولا يجيبونه وذلك بختام مؤلفاته مدخل إلي القرآن الكريم. وعلي المستوي الاجتماعي الشخصي لا ننسي حفريات في الذاكرة وهي سيرة ذاتية عن مرحلة الصبا وحتي سن العشرين, تلك الحفريات التي تناولها الكاتب أحمد المديني بقوله في تقاليد السيرة الذاتية المكتوبة في الأدب المغربي, نجد المدينة أو الحواضر تتبوأ المكان الأول عند عبدالمجيد بن جلون في الطفولة وعبدالكريم غلاب سبعة أبواب ومحمد شكري زمن الأخطاء الخ.. أما الجابري فهو ابن الهامش, ابن الصحراء, ومدينة الواحة وفجيج مسقط رأسه ومرتع طفولته. ويقول إن الجابري يقدم عن نفسه ومسلكيته ومثله طيلة المحطات المرصودة صورة مثالية لا تشوبها شائبة والحب نفسه الذي يعترض طريق كل فتي أو شاب عنده هو معيب أو محتشم, وليس ذلك تكلفا منه أو تزيدا, ولكنه خلق متأصل في منشأ وحياة الرجل وهو ما يبدو مثيرا ومفارقا حقا حين يقارن بقيم وأخلاقيات هذا الزمن. وقد نال الجابري جوائز عديدة أهمها جائزة بغداد للثقافة العربية وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي وجائزة الرواد وميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة.