: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية إعداد: حسين علي بحيري*
مقدمة
خلال السنوات الخمس الأخيرة، تمكن تنظيم القاعدة من أن يستغل اليمن جيداً، ويتوارى في المناطق التي تقل فيها السيطرة الأمنية للدولة، إضافة إلى الكثير من العوامل الاجتماعية والجغرافية التي تُسهِم في مساعدة تلك العناصر على إيجاد واقع مستقر للتنظيم. لكن الخصم الحقيقي للقاعدة لم يكن حيث توجد، وكل المعارك التي تنشب بين عناصر التنظيم وبين القوات اليمنية، إنما تأتي في سياق الدفاع عن النفس وكنوع من المواجهة التي تهدف لضمان استقرار التنظيم وإبراز قوته.
ولكن مع تتابع أحداث الثورة اليمنية استطاع تنظيم القاعدة أن يحصل على مزيد من الفرص لتقوية شوكته، وقد ازدادت عملياته بشكل ملحوظ ضد الجيش اليمني، ليصل إلى بسط سيطرة شبه كاملة على بعض القرى والمراكز اليمنية، ومؤخرا أعلن التنظيم عن قيام إمارة إسلامية في محافظة شبوة، كما أعلن سيطرته الكاملة على زنجبار منذ شهر مايو 2011، واستطاع التنظيم أن يقيم معسكرا تدريبيا في منطقة زندان بمديرية أرحب يضم ما يزيد على 300 عنصر يتلقون تدريبات مكثفة على أسلحة ثقيلة ومتوسطة.
وسعى التنظيم خلال انشغال الجيش اليمني في أحداث الثورة أن يواصل بناء ترسانة عسكرية من خلال استيلائه على بعض معدات الجيش اليمني إضافة إلى أن انتشار السلاح في اليمن يُعد أمراً طبيعياً للغاية. كل ذلك الواقع الجديد جعل تنظيم القاعدة يتجه سريعاً ليسابق الزمن قبل أن تستعيد السلطة اليمنية قوتها وتعود لمحاولة بسط سيطرتها على المناطق التي باتت تحت سيطرة القاعدة، لكن الأزمة التي يواجهها التنظيم تتمثل في أن الثورة اليمنية قد أفقدته مبررات العمليات التي كان يقوم بها في الداخل اليمني، إضافة إلى أن نموذج التغيير الذي قاده الشباب في الثورة اليمنية أفقد القاعدة شرعيتها على مستوى الأهداف وعلى مستوى الوجود وفي هذا الإطار يتناول البحث نشأة تنظيم القاعدة في اليمن ودور التنظيم في اليمن قبل اندلاع الثورة اليمنية وتطور هذا الدور بعد الثورة. وذلك من خلال قسمين، الأول:يتناول نشأة تنظيم القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية. أما القسم الثاني: يتناول تطور دور التنظيم في اليمن قبل الثورة وبعدها من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية، وهي عمليات الإختطاف وضرب أهداف عسكرية، واستهداف المدنيين.
القسم الأول: التعريف بتنظيم القاعدة في اليمن
أولاً: نشأة تنظيم القاعدة في اليمن:
لتنظيم القاعدة جذور عميقة في اليمن، فهو مسقط رأس أجداد "بن لادن". كما كان مصدراً رئيسياً للمقاتلين في الألوية الإسلامية المعادية للسوفييت في أفغانستان في الثمانينيات، والتي أنتجت القاعدة. كما يعد اليمن بموقعه الجغرافي عند أقصى الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية نقطة وصل هامة بين معاقل القاعدة في شرق إفريقيا وطريق تسلل إلى داخل السعودية التي تريد القاعدة إسقاط حكومتها.
وقبل الإعلان عن تشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في عام 2009م ، لم يكن للقاعدة في اليمن إطار تنظيمي وهيكلي موحد، وكان عملها يتسم بالغموض وتعدد الأجنحة والخلايا المنفصلة عن بعضها، حيث عملت القاعدة تحت عدة أسماء وتنظيمات بدأت ب "جيش عدن" أبين الذي أسسه "أبو الحسن المحضار" عام 1997م. كما كانت هناك مجموعة سمت نفسها كتائب "جند اليمن" التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تبنت الإعتدائين اللذين استهدفا السُياح البلجيك، وكذلك حادث استهداف سُياح أسبان الذين قتلوا في مأرب في يوليو 2007. وعملت أيضاً تحت مسمى"كتائب التوحد"، وظهر أيضاً تنظيم "الجهاد الإسلامي" الذي تبنى عدة عمليات للقاعدة.
معنى ذلك أن تنظيم القاعدة في اليمن سابق في وجوده على أحداث سبتمبر 2001، ففي أكتوبر عام 2000 أعلن تنظيم القاعدة المسئولية عن تفجير المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في ميناء عدن وفي نفس الشهر محاولة تدمير الناقلة الفرنسية "ليمبورج". ثم أعقب ذلك في نهاية العام هجمات عدة على الأجانب السُياح في اليمن وعلى بعض البعثات الأجنبية في صنعاء. وإن لم تصب أحد، إلا أنها سجلت حضوراً قوياً في الساحة. ثم ما لبثت وأن أعادت تنظيم نفسها من خلال السياق العام الذي أحدثه التنظيم العالي وفق أحداث سبتمبر فعزز ذلك رفع المعنويات الأمر الذي ساعدها في تجنيد الكثير من الشباب ضمن التجمعات القبلية التي يحتمون بها.
ويمكن اعتبار أن التسجيل الصوتي للقيادي في تنظيم القاعدة في السعودية "نايف القحطاني" بعنوان "هيا إلى اليمن" المُوجه لأعضاء القاعدة في السعودية في مارس 2008 عبر مواقع للقاعدة، والذي دعا فيه عناصر التنظيم المتواجدين في السعودية للتوجه إلى اليمن، مؤكداً لهم في نفس التسجيل عدم القلق من الجوانب المالية، كان تحولاً استراتيجياً هاماً بإتجاه نقل القيادة للتنظيم من السعودية إلى اليمن بعد تضييق الخناق عليهم في المملكة، حيث نفذت عدة عمليات للقاعدة قبل الإعلان عن دمج تنظيمي القاعدة في السعودية واليمن في يناير 2009، في محاولة للإستفادة منالخبرات والتمويل للفرع السعودي والكوادر البشرية للفرع اليمني، وظهر ذلك واضحاً في تطوير التقنيات والأسلحة والمتفجرات المستخدمة في العمليات اللاحقة التي استخدمت فيها السيارات المفخخة وكميات أكبر من المتفجرات. حيثاختار "الظواهري" و"بن لادن اليمن لتكون محطة لإستقبال وتدريب عناصر القاعدة الذي أطلق على الأفواج الأولى منها اسم "طلائع الفتح". لقد أرسل "الظواهري" نائبه العقيد "محمد مكاوي" لتجهيز المسرح اليمنى لإستقبال الوافدين، وقد ساعد وجود عدد من الأفغان اليمنيين الذين يتمتعون بنفوذ واسع لدى القبائل اليمنية على السماح ل "مكاوي" ومن معه بالبدء في إنشاء المعسكرات. وفي منطقة جبل "المراقشة" الذي تُسيطر عليها قبائل "حاشد" حيث تحكم وتتحكم الأعراف الصارمة بعيداً عن القانون، وبمساعدة من "طارق الفضلي" أحد أبناء آخر سلاطين اليمن استطاع تنظيم القاعدة إقامة أول ثلاثة معسكرات في المنطقة العربية وهى "بدر – القادسية – المراقشة" وسرعان ما توافد المئات من عناصر القاعدة من أفغانستان وباكستان وإيران والسعودية للتدريب في هذه المعسكرات.
ويُعد الجهادي السوري "أبو مصعب عمر عبد الحكيم" صاحب كتاب (مسئولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم)، أهم المنظرين السياسيين لتنظيم القاعدة، وأهم المقربين من زعيم التنظيم الذي يكن هو الأخر رؤية خاصة تجاه اليمن، ويعد هذا الكتاب بالنسبة للقاعدة بمثابة "رؤيتها الجيوسياسية" تجاه اليمن، ومن هنا يتبين لنا قضية الإهتمام الزائد باليمن من قبل القاعدة. ومن خلال قراءة أهم محاور كتاب "أبي مصعب" السوري التي بنا عليها استنتاجاته بأهمية اليمن بالنسبة للقاعدة، يأتي العامل الديني في مقدمة الأولويات والذي تمثل بعدد من الأحاديث والبشارات النبوية المتعلقة باليمن والتي تجعل من اليمن بمثابة المنطلق الرئيسي للجهاد فضلاً عن الموقع الجغرافي الإستراتيجي لليمن. وكذا العامل الديموغرافي الذي يُميز اليمن بكثرة سكانها وخاصة في الفئة العمرية الشابة التي يتراوح أعمار شبابها بين الخامسة عشر والثلاثين عاما.
ومن خلال تتبع مراحل الإهتمام القاعدي باليمن يتضح لنا أنها تنقسم إلى ثلاث مراحل تبدأ الأولى منذ ما قبل الوحدة ولكنها أجلت إلى فترة ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية حتى عام 1994م الذي شهد حربا طاحنة بين الحزب الإشتراكي اليمني وحليفه في تحقيق الوحدة المؤتمر الشعبي العام. أما الفترة الثانية فهي تمتد منذ عام 1994 حتى 2006، وخلال هذه المرحلة تم الإعلان عن تدشين مرحلة الجهاد العالمي تحت مسمى "الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين" في فبراير 1998م وهي ما تعرف اليوم بالقاعدة، والتي أعلن عنها من خلال إعلان إنضمام جماعة الجهاد المصرية بقيادة "أيمن الظواهري" مع مجاميع الجهاديين تحت إمرة "أسامة بن لادن" الذين تم إعدادهم بعد إنتهاء الجهاد الأفغاني بإنسحاب السوفييت من أفغانستان.
المرحلة الأولي لتواجد القاعدة في اليمن :
وتمتد هذه المرحلة إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية، ولكن ظروف وتحضيرات الإعلان عن قيام الوحدة بين الشطرين ساهما في تأخير مبادرة "بن لادن"، وخطته بالسعي نحو إعلان الجهاد في الجنوب اليمني، والتي كان يُعد لها العدة ولم يبق إلا مرحلة التنفيذ وهي التي تأجلت لاحقاً إلى ما بعد إعلان قيام الوحدة([i]).
وبحسب القيادي الجهادي والمُنظر الفعلي للقاعدة السوري "أبو مصعب" في كتابه الإلكتروني "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" الصادر في يناير 2004، فإن المشروع الجهادي ل"أسامة بن لادن" كان يقتضي إحداث حركة جهادية كبرى في جنوب اليمن وخاصة بعد الأحداث الدامية في يناير 1986. إلا أن هذه الخطة أو المشروع قد تم تأجيله بإنتظار إقناع قيادات الصحوة الإسلامية في اليمن من الإخوان والسلفيين للدخول في هذا المشروع إلا أنهم جميعا لم يصلوا إلى نتيجة في هذا الخصوص وخاصة مع الخطوات الإجرائية السريعة التي أدت إلى إعلان قيام الوحدة في مايو 1990.
وقد مثلت فترة ما بعد الوحدة والتي دخل فيها الإسلاميون في تجمع الإصلاح في صراع أيديولوجي حول مسألة إسلامية الدستور اليمني، فترة هامة بالنسبة للقاعدة التي كانت تبلور حينها فكرة كفرية الدستور وكفرية الدولة التي تعمل به ومن ثم وجوب مقاتلة هذه الدولة ورئيسها وهو ما يمكن تمييزه هنا بتحول المشروع الجهادي لدى "بن لادن" من إسقاط نظام عدن الماركسي إلى مشروع الإستيلاء على اليمن الموحدة كلها بفعل هذا الدافع الشرعي الذي توفر من خلال كفرية هذه الحكومة.
إلا أن إستراتيجية "بن لادن" حينها كانت قد تبلورت في إتجاه أخر يقتضي التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام في صراعه المرير مع خصمه وشريكه في إعلان الوحدة وهو الحزب الإشتراكي اليمني الماركسي، والذي شهد خلال تلك الفترة عمليات تصفيات وإغتيالات واسعة طالت العديد من قياداته وأنصاره كالعقيد "ماجد مرشد" والوزير "عبد الواسع سلام" وغيرهم. وكل هذه الإغتيالات كان يقف خلفها عناصر جهادية كانت موالية ل"أسامة بن لادن" الذي كان قد دعا أنصاره فيما بعد إعلان الوحدة اليمنية وإنتهاء الحرب الأفغانية إلى التوجه إلى اليمن بعد أن تم تدريبهم وإعدادهم للحرب والجهاد في معسكرات خاصة أنشأت لهذا الهدف كمعسكر "خوست" في أفغانستان، وهو ما تمثل بدخول المجاميع الجهادية العائدة من أفغانستان في المعركة إلى جانب الجيش اليمني الشمالي في حرب صيف 1994.
المرحلة الثانية لتواجد القاعدة في اليمن :
وتمتد هذه المرحلة في الفترة من (1995 – 2006) وهي المرحلة التي تم خلالها الإعلان عن الشكل الرسمي للجهاد العالمي من خلال الإعلان عن تشكيل ما بات يُعرف بالقاعدة أو قاعدة الجهاد والتي تشكلت في فبراير 1998 في أفغانستان تحت مسمى "الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبين".
وتعد هذه المرحلة حالة جديدة في شكل وأطر العمل الجهادي للجهاديين العائدين من أفغانستان والذين عرفوا بالأفغان العرب ومن ضمنها اليمنيون وفي هذه المرحلة نشط المشروع الجهادي في اليمن ولكنه كان من خلال إستراتيجية أخرى ومختلفة هذه المرة من خلال التركيز على محاربة رأس الأفعى كما يسميها "أسامة بن لادن" - ويُقصد الولاياتالمتحدةالأمريكية -، وفي هذه المرحلة كان يقتضي الجهاد ضد الأمريكيين وعدم الإنجرار في مواجهات مع عملاء الأمريكيين، وهم من تقصد بهم الحكومات العربية.
ويذكر "أبو مصعب" أن في هذه المرحلة كان قد إشتد الصراع ضد الجهاديين من قبل الحكومة اليمنية التي بادرت فيما بعد حرب صيف 1994، إلى إعتقال العديد من الجهاديين الذين شاركوا الجيش اليمني في معاركه ضد الإشتراكيين، إلا أن الرئيس اليمني اضطر إلى إطلاق سراحهم بعد أن تلقى رسالة تهديد شخصية من قبل "أسامة بن لادن" تذكره أن معركة القاعدة - التي لم تكن قد عرفت بهذا الإسم حينها - ليست مع الحكومة اليمنية وأنه بإمكانها أن تجعلها كذلك([ii]).
ويُعد "أبو الحسن المحضار" مؤسس ما عرف بجيش "عدن أبين الإسلامي" أواخر عام 1997، أبرز رجال المرحلة الثانية للقاعدة في اليمن حيث سعى هذا الرجل الذي يقال أنه لم يتلقي قط ب"أسامة بن لادن" إلا من خلال إتصال هاتفي سُجِل لهُ. وقد سعى "أبو الحسن زين العابدين المحضار" إلى تكوين جيش "عدن أبين" بتجنيد الشباب وتدريبهم على مختلف أنواع السلاح في منطقة المراقشة محافظتي شبوة وأبين، حيث إنضم إليه في هذا المعسكر أكثر من مئتي شاب وبدأو أول عملياتهم بإختطاف 16 سائحاً غربياً إلى منطقة المراقشة، مُطالباً الحكومة بإطلاق سراح عدد من الجهاديين المحتجزين لدى السلطة مقابل إطلاق سراح هؤلاء السياح.
إلا أن الحكومة لم تخضع له وأصرت على إطلاق سراحهم بالقوة وهو ما أدى إلى الإشتباك الذي خلف وراءه مقتل أربعة من السياح البريطانيين وإطلاق الباقين فيما تم إعتقال "أبو الحسن المحضار" الذي قدم للمحاكمة بعدها وتم إعدامه في عام 1999. وبعد إعدام "أبو الحسن" تم تعزيته من قبل "أسامة بن لا دن" الذي لم يلتق مع "أبي الحسن" ولكنه أشاد به وبأعماله الجهادية حينها في اليمن وتم الإنتقام ل"أبي الحسن" من خلال تدمير المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" قبالة سواحل عدن في أكتوبر 2000.
وبإعدام "أبو الحسن" يكون العمل الجهادي في اليمن قد دخل مرحلة أخرى تماماً تمثلت بتنفيذ عمليات جهادية كبرى كعملية المدمرة "كول ولامبرج" الفرنسية بل إشتداد المواجهة مع الحكومة إلى ذروتها وخاصة مع العملية الكبرى للتنظيم الدولي للقاعدة المتمثلة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي أدت إلى دخول اليمن شريكاً فاعلاً في محاربة الإرهاب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما ترتب عليها إنتقال "بن لادن" من أفغانستان إلى اليمن وبدأ هذا الترتيب من خلال دعوة "بن لادن" للمجاهدين العرب بالتوجه إلى اليمن للإستعداد للمرحلة القادمة من المُواجهة مع الأمريكيين وحلفائهم ولكن "بن لادن" تأخر عن القدوم إلى اليمن ليسبقه إليها الكثير من أنصاره وأعضاء تنظيمه.
ومع إشتداد الصراع بين القاعدة وخصومها الذين غدا النظام اليمني أبرزهم في هذه المرحلة، بدأت أبرز المواجهات بمقتل "أبو علي الحارثي" الذي عرف حينها كالزعيم الأول للقاعدة في اليمن والذي تم التخلص منه من قبل طائرة أمريكية قيل أنها بدون طيار في نوفمبر 2002، في صحراء مأرب وهي العملية التي ردت عليها القاعدة بإستهداف ناقلة النفط الفرنسية "لامبرج". لكن الملاحظ أن بعد عملية مقتل "أبو علي الحارثي"، تمت بعدها العديد من العمليات الناجحه ضد أعضاء القاعدة من خلال إلقاء القبض عليهم واحد بعد الأخر ك"أبي عاصم الأهدل" المسؤل المالي للتنظيم الذي إعتقل بعد ذلك في العاصمة صنعاء.
المرحلة الثالثة لتواجد القاعدة في اليمن :
وهي المرحلة التي استمرت حتى قبل اندلاع الثورة في اليمن، والتي بدأت من خلال عملية الفرار الكبرى من سجن الأمن السياسي في العاصمة صنعاء في فبراير 2006، لعدد من أعضاء القاعدة من خلال عملية الحفر للنفق الذي قيل حينها أنهم فروا من خلاله. ويشير بعض المراقبين إلى أن هذه العملية قد تمت بعد أن تمكن هؤلاء الشباب من إعادة هيكلة التنظيم، وتشكيل قيادة جديدة له في خلال مدة بقائهم في السجن، حيث أن هؤلاء الفارين بدءوا بتأسيس مرحلة جديدة من عمل التنظيم من خلال التدريب والتنظيم للأعضاء الجدد أو العائدين من جبهات المعارك في العراق والصومال وغيرهما من المناطق التي تتواجد فيها القاعدة، حيث أعلن مصدر رسمي في تنظيم القاعدة باليمن أنه تم تشكيل قيادة إقليمية جديدة لتنظيم القاعدة لبلدان الجزيرة العربية، بزعامة "أمير يمني" وتعيين معتقل سعودي سابق في غوانتنامو نائبا للأمير([iii]).
وخلال هذه الفترة نشط التنظيم ووسع من عملياته التي بدأت تستهدف هذه المرة أهداف عسكرية يمنية ولم تقتصر على إستهداف المصالح الأجنبية فحسب بل تم ضرب حقول النفط ومعسكرات الأمن في "مأرب" و"حضرموت" وتنفيذ عدد من العمليات ضد السفارة الأمريكية ومجمع سكاني للخبراء والمهندسين الأجانب في العاصمة "صنعاء". ورغم كل هذا النجاح من قبل التنظيم في إستعادة ترتيب أوراقه إلا أن السلطات اليمنية استطاعت أن تلقي القبض على عدد منهم وقتلت قائدهم المدبر لعلمية الخروج الكبيرة من سجن الأمن وهو "فواز الربيعي" فضلاً عن ملاحقة عدد منهم وتسليم عدد منهم أيضاً لأنفسهم إلى الأجهزة الأمنية.
إلا أن أبرز نشاطات التنظيم في هذه المرحلة، ما تم الإعلان عنه مطلع عام 2009، عن تشكيل قيادة إقليمية جديدة للتنظيم تحت مسمى " تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" تحت قيادة الشاب "أبو بصير ناصر الوحيشي" 30 عاماً، والذي ينتمي إلى محافظة "أبين". ومن خلال تتبُع تطورات الأحداث بالنسبة للقاعدة في اليمن يلاحظ أنها تأخذ مساراً مختلفاُ ومتداخلاً مع محيطها السياسي والاجتماعي الذي يأخذ طابعاً محافظاً يلتقي مع كثير مما تطرحه القاعدة من أفكار راديكالية تستثير حماسة الشباب المدفوعين بالفراغ والبطالة والفقر، الذي يُسهل مهمة التجنيد عند القاعدة كثيراً أفضل من أي بيئة اجتماعية أخرى، فضلاً عن حالة انسداد أُفق التغيير السياسي الذي يُحطم طموحات وآمال هؤلاء الشباب بمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. ثانياً: الأفكار الحاكمة لتنظيم القاعدة في اليمن:
إن الأفكار الحاكمة لتنيظم القاعدة في الجزيرة العربية وفي اليمن هي نفس الأفكار الحاكمة لتنظيم القاعدة الأم وهي (الحاكمية – الجهاد – حتمية المواجهة – جواز قتل السائحين والأجانب). بالإضافة إلى هذه الأفكار الرئيسية للتنيظم الأم، فتنظيم القاعدة (الأم) له أساس فكري وعقائدي تكون في سنوات سابقة حيث المواجهة مع السوفييت في أفغانستان، وحينذاك كانت التعبئة الفكرية تتخذ شرعيتها من النظم السياسية العربية وموافقة الإدارة الأمريكية. ثم في مرحلة التسعينيات تعرض أعضاء التنظيم للإهمال من الولاياتالمتحدةالأمريكية والنظم العربية مع الإحتفاظ بتنظيماتهم وترابطاتهم بين الداخل والخارج. فقد استند التنظيم فكرياً لأيدولوجيا سلفية مغرقة في محاربة الآخر الغربي، وفقاً لكونه مُغاير دينياً وكونه مُعادياً للمسلمين. وهنا تم التمييز مرحلياً بين المعاداة الكاملة للمعسكر الإشتراكي في إطار الحرب مع أمريكا ضد السوفيت في أفغانستان، وقدمت تبريرات لذلك بأنه التقاء مصالح مؤقتة تخدم المسلمين في حربهم ضد الشيوعيين.
إن تطوير التنظيم فكرياً كان يعتمد بشكل أساسي على إيجاد عدو جديد وبالتالي تطوير نفسه فكرياً للمواجهة مع هذا العدو. ولقد مر التنظيم بأربعة مراحل فكرية منذ نشأته حتى وقتنا هذا وبدايةً في كتابه "فرسان تحت راية النبي" قام "أيمن الظواهري" القائد الميداني لتنظيم القاعدة بتقسيم العالم إلى حلفين، الأول: يضُم القوى الغربية المعادية للإسلام (على حد زعمه) ومعها روسيا والحكام التابعين لهم في الدول العربية والإسلامية، والثاني: حلف إسلامي يضُم حركات الجهاد في بلاد الإسلام المختلفة([iv]). ثم ما لبث أن غير تنظيم القاعدة وجهته نحو الأمريكيين بإعتبارهم معادين للمسلمين والعرب ومحتلين للأراضي المقدسة (إشارة لتواجدهم في الخليج وخاصة السعودية حيث الأماكن الدينية المقدسة). واشتهر "بن لادن" في خطابه عام 2000 بضرورة الجهاد لإخراج الكفرة من الأراضي المقدسة، ولاتزال الأيديولوجية الوهابية وتلويناتها الفقهية والفكرية تُشكل سنداً لهذا التنظيم الذي طور أفكاره وأنتج منظومة فقهية من خلال زعمائه الجدد الذين تشكلوا وفق تجربة نضالهم في أفغانستان.
كما تستند الأفكار الحاكمة لتنيظم القاعدة في اليمن أيضاً على مبادئ رئيسية وهي الإيمان التام بضرورة "إخراج المشركين من الجزيرة العربية" من اليمن إلى العراق، ومن الخليج حتى البحر الأحمر. استناداً إلى الآية التاسعة عشرة من سورة التوبة، "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين"... انطلاقا من عدم القبول بوجود دين آخر غير الإسلام في الجزيرة العربية.
كما ينطلق الفكر الأساسي لهذا التنظيم في محاربة العدو البعيد أولاً، ثم العدو القريب. فقبل الثورة في اليمن كان العدو البعيد يتمثل في الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين، ومن هنا جاء تدمير "المدمرة كول" في أكتوبر 2000، عندما قام أعضاء من تنظيم القاعدة في اليمن بقصف بالصواريخ على المدمرة "يو أس أس كول" في هجوم انتحاري، مما أسفر عن مقتل 17 جندياً أمريكياً وتدمير المدمرة، وهي في الميناء. بعد نجاح هذا الهجوم الجرئ، بدأت قيادة القاعدة في التحضير لهجوم على الولاياتالمتحدة نفسها، وبعد ذلك انتقل الصدام مع الحكومة اليمنية بعد الثورة بشكل أكبر مقارنة بما قبل الثورة. وتتمثل أهم الأفكار الحاكمة لتنظيم القاعدة في اليمن فيما يلي:
(1) الحاكمية:
فالتيارات الجهادية دائماً ما تتبنى مفهوم الحاكمية (دون التعرُض لحقيقة المفهوم ودلالاته الصحيحة)، ويقصد بهذا المصطلح وتصرفه، إلى الحاكم الذي لا يحكُم بالشريعة الإسلامية على أنه كافر ومرتد عن الإسلام، ومن هذا المنطلق فإن التيارات الجهادية تُكفِر معظم حُكام الدول العربية والإسلامية لأنهم لا يُطبقون الشريعة الإسلامية ويتحاكمون إلى القوانين الوضعية ولو في شيء يسير([v]).
(2) الجهاد:
وهذا المفهوم هو أهم ما يُميز التيارات الجهادية، وهذه التيارات بطبيعة الحال ترى أن الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافها المنشودة، وكما هو مذكور في ميثاق تنظيم القاعدة، فإن الجهاد في سبيل الله هو طريق العزة والسيادة في الدنيا وهو طريق السعادة في الآخرة والجهاد هو وسيلة إظهار الدين([vi]).
(3) حتمية المواجهة:
من أهم المعتقدات الفكرية للتيارات الجهادية هو حتمية المُواجهة أي أنه يجب أن تحدُث مواجهة بين هذه التيارات وبين الأنظمة الحاكمة، وكذلك المُواجهة مع العالم الغربي لأن هذه التيارات حسب اعتقادهم يرون أنهم أصحاب قضية عادلة وعدالة القضية تعني حتمية المُواجهة المُسلحة مع الأخر، وأنه ليس هُناك أي بديل شرعي آخر يُحقق المصالح والأهداف التي تسعى لتحقيقها سوى المُواجهة.
(4) جواز قتل السياح والأجانب:
من الأمور التي تُجيزها التيارات الجهادية وتؤكد عليها جواز استهداف الأجانب والسُياح، حيثُ برزت هذه الظاهرة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. فتارة كان استهداف الأجانب والسُياح يحمل رسالة إلى الدول التي يتبعها هؤلاء الرعايا وتارة كانت الرسالة موجهة إلى الدول التي تقع على أرضها هذه العمليات، وفي كل الأحوال كان الهدف واحداً ويتلخص في الضغط على هذه الدولة أو تلك لتغيير بعض سياساتها التي يرى مُنفذوها، أنها ظالمة أو خاطئة واستند القائمون بهذه العمليات على مُقدمات ظنوها صحيحة فولدت النتيجة الخاطئة، وتلك المُقدمات تتلخص في أمرين، الأول: هو أن هؤلاء الأجانب سواء كانوا خُبراء أو فنيين أو سائحين مُحاربين دخلوا دار الإسلام، أو دار الحرب والأصل استباحة دمائهم، والأمر الثاني: أن هؤلاء الأجانب لا يصح الأمان الممنوح لهم لأن أركان الأمان الشرعي غير قائمة لأسباب أهمها أن هذا الأمان صدر من حكومات غير شرعية أو أنه صدر مما لا يصح أمانه([vii])، بمعنى أنه لا يجوز للحكومات القائمة التي تتصف بأنها غير شرعية - من وجهة نظر القاعدة - أن تمنح أو تعطي الأمان للأجانب.
(5) جواز قتل رجال الشرطة والجيش:
وهذه التيارات في رؤيتها لرجال الشرطة والجيش في الدول التابعين لها ترى بعض هذه التيارات أنهُم كُفار ويجوز قتلهم لكُفرهم، مثل بعض التيارات الجهادية في الجزائر كالجماعة السلفية للدعوة والقتال وكتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومنهم من يرى أنهم مُسلمون ولكن يجوز قتلهم لأنهم يُساندون الحاكم الكافر ويحمونه وينصرونهُ، ومن ناحية أُخرى وتحت مُسمى ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإنه لا يُمكن الوصول للحاكم والقضاء عليه إلا بعد القضاء على رجاله وأعوانه وهما رجال الشرطة والجيش ومن هذا المُنطلق جاز قتلهم.
على الصعيد الأيديولوجي، ربما واجه تنظيم القاعدة صعوبات في سد الفجوات الكبيرة في المجتمع اليمني. ففيمايو2009، أعلن" الوحيشي" دعمه لشعب جنوب اليمن في كفاحه من أجل الإنفصال عن نظام الرئيس اليمني "عليعبد الله صالح". وعلى الرغم من أهمية تصريحات" الوحيشي"، إلا أن هذا الأخير حافظ على إطار مرجعي جهادي صريح، وشدد على أن الشريعة الإسلامية هي السبيل الوحيد للجنوبيين من أجل التغلب على ظلم النظام. وأضاف آخريشتبه بإنتمائه إلى القاعدة في جزيرة العرب، وهو "غالب عبدالله الزيدي"، أن اعتماد الشريعة كان ضرورياً للحصولعلى المساعدة الجهادية في الجنوب: إذا ما واصلوا اعتماد الأفكار الإشتراكية أو الشيوعية، فإننا لن ننضم إليهم([viii]).
وفي اليمن كما في غيره من الدول العربية، عاد ما سُمي بالأفغان العرب إلى بلدانهم بعد إنتهاء المعركة أثر انسحاب الجيش السوفيتي من أفغانستان وسيطرة طالبان على السلطة. بعد عودتهم لم يتمكن المجتمع من هضمهم ولم يتمكنوا هم من الإندماج في المجتمع فلم تكن لديهم سوى خبرات القتال وصنع المتفجرات. وكانت اعتقاداتهم الفكرية والعقدية توجههم نحو بناء الخلافة الإسلامية، ومخاصمة الواقع المعاش وبعد فترة سكون وجيزة أعادت هذه المجموعات تنظيم نفسها ورفع جاهزيتها، خاصة وأن النظام السياسي اليمني استعان ببعض هؤلاء في أعمال تصفية لخصومه بل والحرب معه في صيف عام 1994.
هنا أيضاً ظهر العديد من الفقهاء ومنتجاتهم من الفتاوى غالبيتهم يعيشون في السعودية واليمن ومصر وبلاد المغرب العربي إضافة إلى فتاوى (تتعلق بالجهاد) قادمة من مجموعات تعيش في أوروبا خاصة بريطانيا. بشكل عام نحن هنا أمام أيديولوجيا ماضوية تُخاصم الواقع المعاش، تُقسم العالم إلى قسمين بينهما حرب يجب أن تنتهي لصالح المسلمين وفق رؤية هذا التنظيم (والمسلمين هنا هم أعضاء التنظيم ومن يُناصرهم ويتبع أهوائهم).
إن البنية الإجتماعية القبلية في خدمة تنظيم القاعدة، فمن المعلوم أن اليمن مجتمع تقليدي يتسم بقوة البنية العصبوية (القبيلة) ومنظومتها الثقافية علاوة على جغرافية قاسية ووعرة غالبية السكان تعيش في الريف حيث تنخفض مظاهر الحداثة اقتصادياً واجتماعياً. وهو مجتمع متدين زد على ذلك شيوع الخطاب السلفي منذ ثمانينيات القرن الماضي. كل ذلك شكل بيئة ملائمة لتنظيم القاعدة استفاد منها في الحماية والإخفاء لعناصره والتجنيد من الشباب العاطل والفقير والمستوى الثالث الدفع المالي لأفراد القبائل. كل ذلك شكل آلية فاعلة في الحماية والدعم (الجدير بالذكر أن غالبية القبائل في شمال وشمال شرق اليمن الحرب بالنسبة لها وسيلة اقتصادية يحترفونها أكثر من العمل المُنتج)([ix]).
* · باحث بوحدة الأمن الإقليمي وحل الصراعات - المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية. الهوامش ([i] ) تاريخ القاعدة في اليمن، نبيل البكيري http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=37632
([ii]) تاريخ القاعدة في اليمن، المرجع السابق.
([iii]) تنظيم القاعدة في اليمن يعلن تشكيله قيادة موحدة للجزيرة العربية أميرها يمني ونائبه سعودي: http://www.al-tagheer.com/news.php?id=7475
(4) عبدالرحيم علي، ظاهرة أجيال القاعدة وتوجهاتها، مؤتمر تطور أجيال القاعدة ومخاطر الإنتشار الإقليمي لقواعد الإرهاب في المنطقة وأساليب المواجهة، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، القاهرة، 27 يناير 2010.
(5) علي بكر، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الخطر القادم، سلسلة قضايا، القاهرة، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، عدد 83، نوفمبر 2011، ص 12.
([vi]) سعيد علي عبيد، تنظيم القاعدة النشأة- الخلفية الفكرية - الامتداد، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2008. ص 485.
([vii]) علي بكر، مرجع سابق، ص 15.
([viii] ) سارة فيليبس، اليمن: على شفا الهاوية، ماذا سيحدث في اليمن؟ تنظيم القاعدة والقبائل وبناء الدولة، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، برنامج الشرق الأوسط العدد 107، مارس 2010.