شهد اليمن في الفترة الأخيرة تجددا للحرب بين الجيش و بين تنظيم القاعدة علي أراضيه، وأعلنت الأجهزة الأمنية أن محاربة هذا التنظيم هي مسئوليتها بالكامل في نقد صريح موجه للتدخل الأمريكي الذي وصفته بأنه ينطلق من خوف مبالغ فيه وتضخيم غير مبرر لحجم عناصر القاعدة في اليمن. وقال مصدر يمني مسئول "إن مكافحة الإرهاب في اليمن ستظل مسئولية أجهزة الأمن اليمنية التي قامت بعمليات ناجحة في مواجهات القاعدة وأثبتت قدرة وكفاءة قوات الأمن اليمنية ونجاحها في التصدي للعناصر الإرهابية ومكافحة الإرهاب". وأشار عدد من الصحف الأمريكية إلي أن تنظيم القاعدة باليمن بات يمثل خطر الإرهاب الأكبر في العالم، وإلي أن خطورته تخطت خطورة تنظيم القاعدة في باكستان. أفغانستانالجديدة وكانت تقارير صحفية أمريكية قد وصفت اليمن بأنه أفغانستانالجديدة لما يمثله من أرض خصبة لنمو الإرهاب في ظل الأوضاع السياسية المتردية، واعتمدت التقارير علي تجدد العمليات الإرهابية النابعة من اليمن مثل عملية عيد الميلاد التي تم احباطها في مطار ديترويت في ديسمبر الماضي بالإضافة لمحاولة اغتيال السفير البريطاني في صنعاء مطلع هذا العام. وركزت القوات الامريكية الخاصة علي متابعة نشاط تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية وهو تحالف بين عناصر القاعدة في كل من اليمن والسعودية. و قام التنظيم بتعيين زعيم جديد له هو أبو بصير ناصر الوحيشي السكرتير الشخصي السابق لأسامة بن لادن و هو أحد الفارين من أحد السجون في صنعاء في فبراير عام 2006. يعرف أبو بصير ناصر الوحيشي بكنيته القتالية «أبو هريرة الصنعاني» ويعرف فرع التنظيم باليمن باسم القاعدة للجهاد في اليمن. ووصف أبو هريرة الصنعاني الصراع الحالي بأنه صراع بين الكفر و الإيمان، و هدد الحكومة اليمنية بملاحقتها لتعاملها مع من وصفهم بالصليبيين في حملتهم علي المسلمين و منع نصرة المجاهدين في العراق و تحكيم القوانين الكافرة التي لا تمثل شريعة الله و إنما قوانين "الطواغيت الظالمين". كما هدد الوحيشي بالاطاحة بالأسرة الحاكمة في السعودية و باستهداف المصالح الغربية في اليمن، وفي أغسطس الماضي، حاول عبد الله العسيري من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب اغتيال الأمير السعودي محمد بن نايف الذي يقود حملة مكافحة الإرهاب في السعودية. كما حذرت الصحف الأمريكية من تواجد عدد كبير من عناصر القاعدة علي أراضي محافظة شبوة اليمنية بجانب العديد من المعسكرات التدريبية الجهادية، كما حذرت أيضاً من تواجد أنور العولقي في نفس المنطقة، والعولقي هو رجل دين أمريكي من أصل يمني، ووصفته إدارة أوباما في إبريل الماضي بأنه الإرهابي الأول المطلوب علي قائمة الإرهابيين في الولاياتالمتحدة. وقالت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية في احدي افتتاحياتها الأسبوع الماضي إن أنور العولقي علي علاقة مع الطبيب الأمريكي من أصل فلسطيني الرائد نضال مالك حسن المتهم بقتل زملائه في قاعدة فورت هود العسكرية الأمريكية في ولاية تكساس، وان القاعدة في اليمن متورطة في تدريب العديد من مسلمي أمريكا لأغراض جهادية. مواجهة مزدوجة وبذلك تحول ملف القاعدة في اليمن إلي مواجهة مفتوحة مع عناصرها من ناحية، و مع الإدارة الأمريكية من ناحية أخري خاصة بعدما تردد حول اعادة الإدارة الأمريكية ترتيب حساباتها في مكافحة الإرهاب و اعادة صياغة استراتيجيتها في اليمن، وهو الأمر الذي أثار ردود أفعال يمنية غاضبة حول وصف بأنه تدخل أمريكي في السيادة اليمنية عن طريق تكثيف الاستخبارات الأمريكية في اليمن و استخدام عمليات بطائرات دون طيار علي غرار النموذج الباكستاني. في الوقت نفسه، أرجع البعض هذا التوجه الأمريكي إلي اقتراب موعد الانتخابات النصفية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي إلي نوع من الدعاية الإعلامية لتضخيم خطورة حجم الإرهاب، وبالتالي إلي محاولة تبرير استمرار سياسات الحرب علي الإرهاب والتي كبدت الخزانة الأمريكية مبالغ طائلة و أثارت انتقادات داخلية واسعة. حملة تكسير عظام القاعدة وأسفرت حملة الأجهزة الأمنية في اليمن علي تنظيم القاعدة عن احباط عملية انتحارية في محافظة أبين جنوب اليمن الأربعاء الماضي بعد أن تم ضبط شاب يدعي جهاد عبدالله الفقير وهو منتم لتنظيم القاعدة وبحوزته حزاماً ناسفا أثناء توجهه إلي مدينة لودر. وكشفت التحقيقات أن الانتحاري تلقي تعليمات بتنفيذ العملية من القيادي في القاعدة علي علوي السقاف. وكانت مدينة لودر بمحافظة أبين قد شهدت اشتباكات خلال الأيام الماضية بين القوات الحكومية اليمنية ومسلحي تنظيم القاعدة وانتهت بسيطرة القوات الحكومية علي المدينة بعد مقتل تسعة عشر عنصراً من عناصر تنظيم القاعدة فيما وصفه الجيش اليمني بأنه حملة تكسير عظام لأعضاء التنظيم. يذكر أن هذه الاشتباكات مستمرة بشكل متقطع منذ العام الماضي في العديد من المدن الجنوبية، غير أنها تكثفت بعد قيام تنظيم القاعدة بعدة عمليات هجومية علي مقار المخابرات والأمن العام. وجاء رد فعل القوات اليمنية أشد من العام الماضي بعد أن استخدمت الطيران الحربي في قصف مناطق داخل المدينة وعلي أطرافها، مما أدي إلي نزوح العديد من سكان المدينة البالغ عددهم 80 ألف نسمة هرباً من المواجهات. وأعلن نائب وزير الداخلية اليمني اللواء صالح الزوعري تطهير مديرية لودر من العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة بعد خمسة أيام من المعارك الدامية. القاعدة في أبين و مأرب وقال الباحث المتخصص في شئون القاعدة سعيد عبيد الجمحي لموقع الجزيرة ان مناطق محافظة أبين توجد بها عناصر القاعدة، وفيها عناصر متعاطفة مع القاعدة، كما يوجد بها كثير من الجماعات الجهادية. وأشار إلي أن محافظة أبين هي منطقة زعيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي ، وإلي أن"عناصر القاعدة هم من أبناء المنطقة، ومعظمهم شارك في القتال بالخارج وحتي داخل اليمن خلال حرب صيف 1994، ويتوافر بأيديهم سلاح وأيضا تجربة واسعة في حرب العصابات، وبالتالي تكتمل عندهم كل أساليب القوة". كما شهدت مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية موجة من الاشتباكات بين الجيش وبين تنظيم القاعدة. وشهدت محافظة مأرب موجة جديدة من استهداف القادة الأمنيين بعد تعرض نائب مدير البحث الجنائي المقدم محمد لمحاولة اغتيال قام بها مسلحون مجهولون الخميس الماضي. وكانت محافظة مأرب قد شهدت تصعيد مواجهات الحكومة مع تنظيم القاعدة بعد تفجير انتحاري ذهب ضحيته ثمانية من السياح الاسبان ومواطنين اثنين جوار معبد الشمس السياحي في يوليو عام 2007. العلاقة بين السلطة والقاعدة وأشار بعض المراقبين إلي وجود علامات استفهام حول العلاقة بين السلطة اليمنية و تنظيم القاعدة ربما تكون ناجمة عن صفقات سرية و ربما عن سوء تقدير من قبل السلطة اليمنية في محاولتها لاستقطاب هذه العناصر علي غرار النموذج الأفغاني الساعي لاستقطاب العناصر المعتدلة من طالبان. وقال طارق الشامي، رئيس دائرة الفكر والإعلام بحزب المؤتمر الشعبي العام، ان "محاولة الإيهام بوجود علاقة بين السلطة وعناصر القاعدة أمر غير منطقي وليس صحيحاً لأن اليمن متضرر من أي عمل إرهابي يسيء إلي سمعة البلاد وأمنها واستقرارها، وبالتالي يعوق عملية التنمية ويحد من الاستثمارات". وكشفت صحيفة الجارديان البريطانية أن نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن يزداد بشكل كبير خاصة بعد تغلغل عناصره بين القوي الأمنية اليمنية. وذكرت الصحيفة في تقرير عن التنظيم أن من الأسباب التي أدت إلي زيادة نفوذ القاعدة ربما يكون دعم حكومي حصل عليه التنظيم في بعض المراحل "حيث استفادوا بداية من الهزيمة التي ألحقها النظام اليمني بالاشتراكيين في الجنوب في تسعينات القرن الماضي، وهي شجعتهم علي دخول مناطق الاشتراكيين وبسط نفوذهم فيها". ونقلت الجارديان عن أحد المسلحين الذي رفض الافصاح عن اسمه قوله إنه تلقي ورفاقه وعوداً من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة دولة إسلامية، وهو ما فسر تشكيل المقاتلين في وحدات عسكرية خاصة تعمل مع الجيش اليمني، غير أن الرئيس أخل بوعده. أما فيصل الاشتراكي السابق فقد قال للصحيفة "لا تصدق الحكومة حين تقول إنها تحارب الجهاديين ، الحكومة تمولهم وتفاوضهم وتستخدمهم لتقاتل أعداءها، وثم تقول للأمريكيين: مولونا لكي نحارب القاعدة إنها مهزلة". توبة بعض عناصر القاعدة وفي مواجهة هذه التلميحات إلي تورط النظام اليمني بشكل أو بآخر مع تنظيم القاعدة، أعلنت الأجهزة الأمنية عن عملها علي استتابة بعض عناصر القاعدة التي لم تتورط في ارتكاب أعمال عنف بدعوتهم إلي تسليم أنفسهم وإعلان التوبة. وكان عضو تنظيم القاعدة في اليمن علي حسن التيس قد سلم نفسه إلي الأجهزة الأمنية وأبدي استعداده للتعاون من أجل الحفاظ علي الأمن وتحقيق الاستقرار. كما تعهد التيس إلي دعوة بقية العناصر التي غرر بها التنظيم إلي الاقتداء به في تسليم نفسها للأجهزة الأمنية والتخلي عن العنف والاندماج في المجتمع. ويعتبر علي حسن التيس أحد ثلاثة مطلوبين من قيادات القاعدة الذين سلموا أنفسهم في الأسبوعين الأخيرين بعد أن قام كل من حزام مجلي، القيادي في تنظيم القاعدة بمنطقة أرحب شمال صنعاء، و جمعان صافيان، الذي يعتبر المسئول الأول عن تنظيم القاعدة في محافظة الجوف بشرق اليمن، بتسليم أنفسهم. اليمن الذي يشهد هذه الحرب المفتوحة مع تنظيم القاعدة لا يزال تتهدده فوضي الحوثيين في الشمال وفوضي الانفصاليين في الجنوب لتكتمل بذلك عناصر انعدام الأمن والاستقرار السياسي الذي يتهدد البلاد جنباً إلي جنب تدهورالوضع الإنساني بسبب الفقر وتدني مستوي المعيشة بالإضافة إلي تعرض ما يقرب من 200 ألف شخص للتشريد من جراء الصراع في الشمال والمستمر منذ عام 2004. اعتقاد الجيش اليمني بأن استراتيجية تكسير العظام ستؤتي ثمارها ربما يكون فيه مبالغة خاصة وأن نفس هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها في احتواء تمرد الحوثيين في الشمال أو حتي في إلزامهم بالتمسك ببنود اتفاق السلام معهم.