بقلم: موسى راغب راعني ذلك المشهد الذي رأيت فيه عناصر من الجيش السوري يجبرون مواطنا على القول بأعلى صوته (معاذ الله) : "لا إله إلاً ...". وما راعني أيضاً مشهد القذائف التي كانت تتساقط على المآذن فتدمرها، ومشهد انتهاكات رجال الجيش وقوى الأمن وما يسمون بالشبيحة لحرمة المساجد ليعيثون فساداً في مقتنياتها، ويقتنصون- بالقتل أو التعذيب أو الاعتقال- أعداداً من المصلين، لا يعرف أحد مصير (الأحياء) منهم غير الله سبحانه وتعالى. وكانت حجة هذا النظام في كل ما ارتكبه ويرتكبه من جرائم، أن ثمة عصابات مسلحة تنتمي لجهات خارجية تعمل على الإطاحة بالنظام، وبما يسميها "عقيدة المقاومة أو الممانعة" التي جعل منها مبرراً شرعياً للجرائم التي يرتكبها بحق الشعب السوري المكلوم. وإذا اعتقد بشار بأن هناك من يصدق ادعاءه بوجود هذه العصابات، فهل يُعقل أن يصدق أحد بأن تلك العصابات تعمل (أيضاً) من أعالى المآذن، ومن داخل المساجد ضد عناصر جيشه وقوات أمنه وشبيحته؟!. كلنا والعالم أجمع شاهدنا وما زلنا نشهد الدبابات وهي تقصف العديد من المآذن، وفي كل المدن والقرى والبلدات السورية دون استثناء طيلة شهر رمضان المبارك وقبله وبعده، وبخاصة في ليلة السابع والعشرين منه!!، فهل هذا السلوك المشين من جيش النظام وقواه الأمنية، يمكن أن يجعل من بشار محل ثقة فيما يدعي؟!!. هنا يجد الإنسان العربي المسلم نفسه مرغماً على البحث عن الدوافع التي تسمح لهذا النظام بارتكاب تلك الفظائع ليس بحق المواطنين فحسب، بل وبحق المحرمات التي ينهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف والديانات السماوية الأخرى بل والوضعية أيضاً!!!. ليس من المعقول أن نصدق بأن هذه الدوافع الفاسدة والمفسدة، تهيمن على عقول كل جنود الجيش السوري، ذلك أن التجنيد في سوريا إجباري ولا يستثني طائفة أو دين أو مذهب أو حتى اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا. فإذ قبلت فئة من هذا الجيش بمثل هذه الدوافع القميئة، فهذا بالقطع لا ينسحب على باقي الفئات. والدليل على ذلك تلك الانشقاقات التي حدثت وما زالت تحدث بوتيرة متزايدة بين الضباط والجنود السوريين بمختلف طوائفهم، والذين رفضوا الجرائم التي ارتكبتها قطاعات من الجيش بحق المتظاهرين المسالمين، وبحق المدن والبلدات والقرى السورية. فإذا سلمنا بهذه الحقيقة، فمن المؤكد أن إقدام هذه الفئة الضالة من النظام على ارتكاب الجرائم البشعة بحق المتظاهرين الذين يرفضون العنف بكل أشكاله .. لا بد أن يكون وراءه دوافع تجمعها خاصَّة واحدة، وهي بعدها عن القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية والمشاعر الإنسانية بُعد السماء عن الأرض؟. نعرف أن الدافع المادي لمن يرتكب هذه الجرائم، يتمثل في المقابل الذي يحصل عليه كالمال والعطايا والهبات والمنح وما شابه ذلك، وهذه دوافع سرعان ما تزول بزوال هذا المقابل. والشيء ذاته ينطبق على الدافع المعنوي (إذا وجد) والذي يقوم على مقابل يرفع من مكان الفاعل في أعين الغير، كالحصول على مركز اجتماعي رفيع أو وظيفة مرموقه أو نفوذ. فهذا الدافع سرعان ما يزول (أيضاً) بزوال منافعه. لكن الدافع الذي يتصف بقناعة تنبع من عقيدة تسيطر على الفاعل، تعتبر الأخطر بالنسبة لتوجيه سلوكه نحو الآخر الذي يرى فيه عدوا لما يعتقد. وهنا يظهر مضمون ما يمكن أن نطلق عليه (مجازاً) مصطلح "العقيدة"، كدافع قوى للفعل الذي يدفع معتنقه للقيام بأعمال قد تكون خيرة أو شريرة. وهذا ما يمكن أن ينطبق على فئة ضالة من عناصر الجيش والقوى الأمنية التابعة للنظام السوري في المرحلة الراهنة .. ولكن باتجاه فعل الشر. فقد شاهدنا عناصر من هذا الجيش وقوى الأمن ترتكب جرائم يندى لها الجبين، وشاهدنا- في المقابل- عناصر أخرى انشقت عن الجيش احتجاجاً على ما ترتكبة تلك العناصر (الشريرة) منه بحق المتظاهرين. أضف إلى ذلك وسائل التعذيب المروع الذي مارسته تلك العناصر بحق الأطفال الذين اعتقلتهم، والذي أدى لاستشهادهم بعد تشويه جثثهم. فهذه الممارسات الإجرامية التي تتم بدم بارد لا يمكن أن تصدر عن أناس حتى لو كانوا من المجرمين بطبيعتهم، وإنما تصدر عن أفراد يملأ الحقد صدورهم، ويأتون بأفعال تنبع عن قناعة ورغبة مريضة تدفعهم لارتكابها بدم "مثلج" وليس بارداً ضد من يعارضهم. هنا نجد أن من حق المراقب لما يجري في سوريا على يد نظام الأسدين، أن يجزم بأن هذا النظام هو المسئول الأول والأخير عن اختيار هذه العناصر (مسبقاً) وتوظيفها في قمع المتظاهرين على النحو الذي يقومون به. وبقول آخر:(يعتبر هذا النظام المسئول الأول والأخير عن زرع تلك "العقيدة .. الجرثومة" (إذا جاز التعبير) في نفوس تلك الأعداد المختارة من أفراد الجيش وقوى الأمن والشبيحة الذين يرتكبون تلك الجرائم، دون وازع من دين أو ضمير). ولعل ما أعلنه المحامي "عدنان البكور" الذي يعتلي قمة أعلى سلطة قضائية في مدينة حماة، (والذي أعلن استقالته من داخل سوريا .. عما ارتكبه ويرتكبه النظام السوري من اعتداءات صارخة على المتظاهرين .. لأبرز دليل على وجود تلك "العقيدة .. الجرثومة". فقد اتهم النظام بأنه قام بتصفية (72) سجيناً من المتظاهرين المسالمين والنشطاء السياسيين الذين كانوا نزلاء في السجن المركزي بمدينة حماة، وأمر بدفنهم في مقابر جماعية قرب بلدة "الخالدية" التي تقع بجانب "الأمن العسكري" في تلك المدينة. كما اتهم النظام بقتل ما يزيد عن 420 مدنيا ودفنهم في مقابر جماعية في الحدائق العامة بحماه، كما طالبه النظام بإعداد تقرير عن تلك الواقعة يفيد بأن هؤلاء المغدورين قتلوا على يد عصابات مسلحة تعمل لحساب الخارج، وليس على أيدي جنوده وقواه الأمنية وما يسمون ب "شبيحة" النظام. وقد برر "البكور استقالته"، بأن هناك نحو 10.000 مواطناً تم اعتقالهم عشوائياً .. تعرضوا لشتى أنواع التعذيب، وأن النظام قد طلب منه التصريح بدفن 17 جثة من الذين قضوا نتيجة تعذيبهم في "مقبرة الخضراء" في بلدة تدعى "السريحين". هذا فضلاً عن قوله بأن الجيش قام بقصف البيوت في حي الحميدية وحي القصور بقذائف الدبابات، وهدمها فوق رءوس قاطنيها، والذين بقوا تحت الأنقاض مدة طويلة قبل أن يتمكن الأهالي من انتشالهم وقد تحللت جثثهم. ليس من شك أن تصريحات "البكور" هذه، نزلت على النظام كالصاعقة، ما دفع بقواه الأمنية والجيش لمداهمة العديد من البلدات التي يعتقدون بأنه يختبئ فيها .. فما زال البحث عنه جارياً حتى اللحظة. الواقع أن المراقب لما يجري في سوريا اليوم يخلص لنتيجة مؤداها، أن هذا النظام يسير وفق أسلوب ممنهج في محاولة قمع المتظاهرين، ما يفسر تكليف أعلى قياداته في تنفيذ خطط القمع هذه التي يبدو أنها وضعت مسبقاً. وهذا ما يؤيده قول "البكور" بأن: وزير الداخلية السوري "محمد شعار" هو الذي أشرف على الحملة العسكرية التي شنها الجيش السوري على حماه التي استغرقت نحو عشرة أيام، وبخاصة أن "البكور" أكد في تبرير استقالته أن 13 عضوا من مكتب المخابرات العسكرية والشرطة السورية في محافظة حماة، ارتكبوا مجازر ضد المدنيين العزل. ليس من شك أن شهادة البكور- إضافة للمشاهد المروعة التي تبثها الفضائيات عن أساليب القتل والتعذيب التي يمارسها الجيش وقوى الأمن السورية بحق المتظاهرين، وكذلك التقارير التي يعدها الناشطون في مجال حقوق الإنسان .. تًعد وثيقة دامغة لما ارتكبه ويرتكبه النظام السوري بحق المواطنين العزل، والذي ينطوي على اعتراف واضح بأن الأسلوب الذي ينتهجه النظام في محاولاته قمع المظاهرات، إنما يرتكز على عقيدة ثابتة تسمح بقتل أي مواطن مهما علا شأنه، إذا ما دعا أو حاول إسقاط النظام أو أن يمس من سمعة رموزه. هنا لا بد للمرء أن يتساءل عن منبت هذه الجرثومة، وما حجم توطنها في عقول حامليها ووجدانهم، وما أهدافها الآنية والمستقبلة؟. ليس من شك أن هذه " الجرثومة" بدأت تعمل- في عهد الأسد الابن- على نخر عظام الوحدة الوطنية في سوريا بشكل لافت. فقد رمى هذا النظام برقع الحياء تماما، فلم يعد يهمه أن يدرك السوريون أو غيرهم (أن الغرض الرئيس من ارتكاب جرائمه، هو البقاء في الحكم ليس إلاََّ، وإنه لن يتردد في إثارة "فتنة طائفية"يكون وقودها أبناء الشعب السوري بكل أطيافه السياسية ومذاهبه وأعراقه ودياناته وطوائفه، بما فيها الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار وأعوانه. كما من غير المتوقع أن يتراجع هذا النظام عن إثارة هذه الفتنة حتى لو أدى الأمر إلى دفع كل الطائفة العلوية في أتونها .. فالمهم بالنسبة له، هو بقاء عائلة الأسد في سدة الحكم إلى ما شاء الله كما ذكرنا). لا أشك أن من رأى مشهد الهجمة التتارية على مسجد عبد الكريم الرفاعي في الفضائيات، وشاهد جنود النظام وهم يعتدون على المصلين الذين كانوا يحيون ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، بالضرب المبرح بهدف إخراجهم، (حيث قضى أحدهم وجرح ثلاثة آخرون، كما تعرًّض الشيخ أسامة الرافعي وهو أحد علماء دمشق الموقرين والمعروفين، للضرب على رأسه بالعصي بهدف قتله لولا تدخل تلامذته وإنقاذهم له في الوقت المناسب ،،، ،،، لا أشك أن من رأى تلك المشاهد، بات على يقين لا يتزعزع، بأن هذا النظام لا يمكن أن يكون ملتزما بأية قيم دينية أو أخلاقية أو إنسانية، وأن العناصر التي تقوم بتنفيذ تلك الجرائم، لا يمكن أن يكون لديها أي وازع من ضمير أو دين يمنعها من الاعتداء على المواطنين. ذلك أن ما التزم ويلتزم به نظام الأسد الابن، يبدو أنه عقيدة ثابتة مؤداها: ( أن استخدام أقصى درجات العنف في التعامل مع المتظاهرين، وكذلك هدم المساجد وقتل المصلين وتعذيبهم، وتدمير الجوامع حتى في شهر رمضان المبارك، وهدم البيوت على رؤوس سكانها والتمثيل بجثث الضحايا .. هو أمر مباح ومبرر إذا ما أحس النظام بأن ثمة خطراً يهدده أيا كان مصدره). وبصورة أوضح نقول: إن منبت تلك "العقيدة .. الجرثومة"، هو الاعتقاد الذي يهيمن على آل الأسد وأتباعه من الطائفة العلوية بالدرجة الأولى، والمستفيدين من سائر الطوائف .. بان من حق عائلة الأسد التفرد بحكم سوريا إلى ما شاء الله، وأن تفعيل السقف الأعلى من الخيار الأمني للحفاظ على هذا الهدف، هو الوسيلة الوحيدة التي تكفل لها البقاء في الحكم!!. قد يقول قائل بأن "شرعنة" قمع التظاهرات وحتى التعذيب والقتل أمر عادي بالنسبة لمثل هذه الأنظمة الاستبدادية. وهذا صحيح. لكن من غير الصحيح "شرعنة" التمثيل بالجثث على النحو الهمجي الذي عرضته الفضائيات والتي لم تسلم منه جثث الأطفال، ناهيك عما يقال عن اغتصاب الحرائر والقيام بمداهمات مستمرة للبيوت بغرض نهبها وهدمها وإرهاب سكانها. ولا نعتقد أن أي مجرم في هذا الكون يسمح لنفسة بارتكاب هذه الجرائم، إلا إذا كانت لديه مثل تلك العقيدة الفاسدة والمفسدة. هنا نقول لشيوخ الطائفة العلوية وروساء عشائرها ومثقفيها بخاصة، إن عليكم اليوم عبئاً ثقيلاً أعانكم الله عليه، وهو العمل بكل قوة على الخلاص من آل الأسد وزبانيته. فأنتم تعلمون أن جميع النافذين والقادة في الجيش السوري وقوى الأمن والمخابرات والمؤسسات الهامة في الدولة هم من الطائفة العلوية أو من يوالونهم .. يدينون بالولاء لنظام الأسدين الذي أثبت على مدى أربعين عاماً، أنه لا يقيم وزنا لا لطائفته ولا للشعب السوري بكل أعراقه وطوائفه، وإنما جل ما يهمه هو أن يبقى معتلياً سدة الحكم كي يتحكم في البلاد والعباد لسبب لا يعلمه إلا الله. وليس من شك أن هذا النظام يحاول أن يوهمكم بأن ما يرتكبه من جرائم ضد الشعب السوري إنما يستهدف الحفاظ على مكانة الطائفة العلوية واستمرار بقائها في قمة السلطة، كما يحاول إيهام الطوائف الأخري في سوريا بأنكم تدعمونه وتويدونه في كل ما يرتكبه من جرائم ، وهو- بلا شك- في هذا الادعاء كاذب. وتعلمون أيضاً أن هذا النظام فقد أية مشاعر إنسانية كما فقد شرعيته، وهو على استعداد لأن يرتكب أكبر الكبائر من أجل بقاء نفوذه واستمرار تسلطه على أقدار الشعب السوري. وهذا أمر لا نعتقد بأن أي عاقل في الطائفة العلوية أو غيرها يقبل به. فهل هناك في هذا الكون من يعقل تعذيب المعتقلين حتى الموت بسبب تظاهرهم ضد الظلم والفساد؟!!. للحق نقول أن تعدد الطوائف والمذاهب والأديان والأعراق في سوريا، لم يكن يوما يدعو لإثارة النعرات الطائفية، كما لم نقرأ في تاريخ الشعب السوري العريق بأن أحداً من هذه الطوائف- بما فيها الطائفة العلوية- قد عمل على إثارة فتنة طائفية في تلك البلاد. بل لم نسمع أو نقرأ (أصلاً) قيام مثل هذه الفتنة في سوريا، حتى عندما كانت سوريا الكبرى التي تضم فلسطين والأردن ولبنان إضافة لسوريا الحاضرة، قائمةً. (نحن نعلم والطائفة العلوية وجميع الطوائف في سوريا تعلم، أن ما يفعله نظام الأسدين إنما يستهدف "إثارة فتنة طائفية" يستطيع من خلالها البقاء في الحكم، بعد أن فشل الخيار الأمني الذي لجأ إليه في قمع المظاهرات وإسكات المتظاهرين عن المطالبة بإسقاط بشار وزبانيته. وهذا ما دفعه للاستعانة بفرق الموت التي ييدو أنه أعدها مسبقاً، والتي تضم القتلة والمنحرفين والمرتشين والباحثين عن المال والنفوذ، ليقوموا- نيابة عنه- بالتصدي لأية حركات معادية له كما الحال الآن). لذا فإن جميع الطوائف في سوريا مدعوة للعمل على إسقاط هذا النظام، وعليها أن تدرك جيداً، أن الفشل في تحقيق هذا الهدف، يعني الاستسلام لعمليات الإذلال والمهانة التي كان يمارسها بشار وزبانيته وما زالوا، بحق السوريين دون استثناء".