اذا كان الدستور لا يوضع بغير توافق مجتمعى يشمل كل المواطنين بغير تفرقة سياسية او جغرافية او ثقافية او اقتصادية او دينية حتى يحقق ذلك الدستور روح المواطنة التى لا تفرق بين مصرى واخر لأى سبب قبل ان يحققها نصاً . ايضاً الدستور هو هذه الوثيقة التى تعكس كل القيم والمبادئ التى تحكم المرحلة الانية بهدف تحقيقها وتطبيقها مستقبلاً( وحتى تعديل هذا الدستور او تغييره) عن طريق منظومة التشريعات القانونية التى تضع هذه المبادئ موضع التطبيق . واذا كانت مبادئ ثورة يناير التى اجتمع عليها وحولها كل الشعب المصرى تتلخص فى عيش . حرية . كرامة . عدالة اجتماعية.
فهذه المبادئ تعنى المشاركة الحقيقة لكل مواطن مصرى ليس فى ثروات هذا الوطن وفى عائده القومى فحسب ولكن وهو الاهم تلك المشاركة فى اتخاذ القرار السياسى وهذا يعنى حق المواطن فى الترشح والانتخاب لأى موقع سياسى حسب القانون . ونظراً لما طرح من مشروع الدستور للنقاش العام ذلك النقاش الذى لا علاقة له بأى نقاش عام او مشاركة جماهرية .
فهذه المؤتمرات النقاشية التى تعقدها الجمعية التأسيسة هى مؤتمرات سرية لا يحضرها ولا يشارك فيها غير ما يريدون . هذا ناهيك عن عدم شرعية وقانونية هذه الجمعية لحين صدور احكام اخرى .
وما طرح فى اطار حق المشاركة السياسية للجماهير يتعارض كل المعارضة مع مبادئ يناير بل هى اسواء مما كان قبل يناير. فكيف يكون هناك حق للمشاركة السياسية فى ضوء الغاء نسبة ال 50 % عمال وفلاحين اضافة لتلك الشروط التى وضعت للترشح والتعيين بمجلس الشيوخ (الشورى المعدل).
ونسبة العمال والفلاحين اذا كانت قد وضعت فى مرحلة كانت تسعى لمشاركة هؤلاء فى اتخاذ القرار حيث ان الظروف السياسية والاقتصادية كانت تحول دون مشاركتهم . فأننا الان وفى كل الاحوال فالظروف المالية والسياسية والاجتماعية تحول بين العمال والفلاحين وبين مشاركتهم السياسية فى البرلمان والشيوخ .
والظروف الان هي اسواء بكثير عما كان قبل 52 لهذه الفئات . ولا حجه هنا بأنه يتم استغلال النسبة لغير العمال والفلاحين فهذه مشكلة التطبيق وليس المبداء. كما ان الغاء ال 50 % هو حرمان نصف المجتمع الفاعل والكادح والعارق من حق المشاركة النيابية فى اتخاذ القرار وذلك لصالح النخبة المسيطرة على مقدرات الوطن والمعزولة عن الجماهير .
ولا تبرير بأن النخبة قادرة على تمثيل العمال والفلاحين فهذا ادعاء والتفاف على الواقع . فلا يعبر عن العمال والفلاحين غير العمال والفلاحين فمشاكل العمال تتناقض مع مشاكل صاحب العمل والاجير فى الارض غير صاحب الارض فلا يعبر عن المشاكل غير من يعانى ويصارع هذه المشاكل .
اما الترشح لمجلس الشورى المعدل فقد اشترط ان يكون المرشح حاصل على مؤهل عالى . ولا نعلم ما علاقة هذا بذاك؟ فهل هو يسعى لنيل وظيفة ذات تخصص علمى ام هى مشاركة سياسة لا علاقة لها بالمؤهل بقدر علاقتها بالثقافة السياسية والوعى السياسى والموقف السياسى وقدرة المرشح على تمثيل الجماهير من خلال ثقتهم به وفيه؟ الا يعلموا هؤلاء النخبويون المتفلسفون ان مستوى التعليم الان جعل المؤهل العالى لا يعد الخريج لفك الخط فى كثير من الاحيان؟ وهل كل حاصل على المؤهل العالى لدية ثقافه وقدرة على تمثيل الجماهير ام هى سلوك النخبة المغرورة المتعالية ؟ كما انه تم استكمال الصورة من نخبة التاسيسية بجعل المعينين فى الشورى المعدل من مدير عام فما فوق ولواءات ووزراء وعلماء ولا نعلم ما وضع الحاصل على المؤهل المتوسط وقد اصبح مديراً عاماً ؟ مع العلم انه سيصبح من حق الشورى التشريع بما يعنى انه لا فارق كبير بين النواب والشيوخ غير التعالى على الجماهير وحرمانها من المشاركة السياسية.
فهل فى هذا تفعيل لمبادئ يناير ؟ هل هناك تغيير عما كان فى النظام السابق ؟ الا يعلم هؤلاء ان هناك عمال وفلاحين اصحاب مواقف وثقافة ووعى سياسى ولهم ادوارهم البرلمانية والتشريعية التى لا يملكها ولا يجيدها علماء ووزراء . فلم تقم الثورة حتى نسقط حق الجماهير فى المشاركة .
فلا وصاية لأحد على الجماهير ولن تعود الساعة للوراء والمشاركة اذا لم تأتى بالحق الدستورى فهي واردة وقادمة بالحق الثورى .