النائب فريدي البياضي: مشروع قانون الإيجار القديم ظالم للمالك والمستأجر.. وهذه هي الحلول    هل تعاود أسعار السيارات الارتفاع في الصيف مع زيادة الطلب؟ عضو الشعبة يجيب    ب«الزي الرسمي»... أحمد الشرع والشيباني يستعرضان مهاراتهما في كرة السلة (فيديو)    هل هناك بنزين مغشوش.. وزارة البترول توضح    بعد هبوطه في 6 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 6-5-2025    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بعد الارتفاع القياسي بجميع الأعيرة    وسائل إعلام: ترامب لا يشارك في الجهود لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس    غارات إسرائيلية تستهدف سلسلة جبال لبنان الشرقية وبلدة طيرحرفا في جنوب لبنان    الحوثيون: ارتفاع ضحايا قصف مصنع بغربي اليمن إلى قتيلين و 42 جريحا    باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير    كانت متجهة للعاصمة.. الدفاعات الجوية الروسية تسقط 19 مسيرة أوكرانية    رونالدو يتصدر تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد في الدوري السعودي    السيطرة على حريق شب داخل محل نجف بمصر الجديدة    «شغلوا الكشافات».. تحذير من الأرصاد بشأن حالة الطقس الآن (تفاصيل)    إحالة مرتضى منصور للمحاكمة بتهمة سب وقذف خالد يوسف وزوجته شاليمار شربتلي    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصفين الأول والثاني الإعدادي بالجيزة    رفضته ووصفته ب"المجنون"، محمد عشوب يكشف عن مشروع زواج بين أحمد زكي ووردة فيديو)    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    تطيل العمر وتقلل الوفيات، أخبار سارة لعشاق القهوة وهذه عدد الأكواب اليومية لزيادة تأثيرها    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    ضبط مبلط بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في المنيا بعد استدراجه بمنزل مهجور    الأزهر ينفي ما تم تداوله بشأن اقتراح وكيله بتشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    الزمالك يستكمل اجتماع حسم مصير بيسيرو عصر اليوم    ترامب: لست متأكدا مما يرغب رئيس وزراء كندا في مناقشته خلال اجتماع البيت الابيض    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    مصرع طالب إثر انقلاب دراجة بخارية بقنا    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    زيزو أحد الأسباب.. الزمالك مهدد بعدم اللعب في الموسم الجديد    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفيون وآفاق المشاركة السياسية (حالة مصر)
نشر في محيط يوم 03 - 10 - 2012


مركز " محيط" للدراسات الساياسية والإستراتيجية
بقلم د. كمال السعيد حبيب

سوف نشير هنا إلى «السلفيون» على أنهم تلك القوى السياسية التي دخلت إلى ساحة العمل السياسي المصري بعد ثورة 25 يناير وتمايزت عن بقية القوي الإسلامية الأخرى باعتبارها تعبيراً عن السلفية، ولن يكون الإخوان هنا معبرين عن التيار السلفي، كما لن يكون المنتسبون للتيار الجهادي - ممثلين بالجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد - داخلين في معنى التيار السلفي، وهما يؤسسان لحزبين سياسيين: أحدهما اسمه «البناء والتنمية» وقد رفضت لجنة شؤون الأحزاب تسجيله مؤخراً، والثاني: «السلامة والتنمية» وهو لجماعة الجهاد ولم يستكمل توكيلاته بعد[1].
ويمكننا القول: إن التيار السلفي في مصر تعبر عنه المدرسة السلفية في مدينة الإسكندرية الساحلية، وقد أسس حزبَ النور وتم قبوله من جانب لجنة الأحزاب، كما أنهم أصدروا جريدة باسم الحزب.
وهناك حزب آخر يعبر عن التيار السلفي واسمه «حزب الأصالة» ويعبر عما يمكن أن نطلق عليه تجاوزاً المدرسة السلفية في القاهرة، ونشير إلى أن حزب الأصالة كان انشقاقاً عن حزب الفضيلة بسبب خلافات بين مؤسسيه حول طريقة إدارة الحزب وطبيعة تحالفاته وتحركاته. ولا يزال حزب الفضيلة حتى اليوم لم تكتمل أوراقه للتقديم إلى لجنة الأحزاب[2].
وإن تأخرت المشاركة السلفية في ثورة 25 يناير لبعض الوقت فإنهم سرعان ما دخلوا لساحة العمل السياسي والتعاطي معه بسرعة، وجاوزوا المقولات القديمة التي كانت تتحفظ على العمل السياسي؛ وخاصة تأسيس الأحزاب السياسية والدخول في البرلمانات والترشُّح لها والنضال السياسي حول الاستحواذ على قَدْر من المقاعد البرلمانية.
ويمكن القول: إن سقوط نظام مبارك قد مثَّل فرصة تاريخية للحركة الإسلامية المصرية بجميع تياراتها وفصائلها ونقَلَها من الحظر والمنع إلى الوجود والشرعية والمشروعية[3].
سوف تلتزم هذه الورقة بالعناصر المحددة والمقترحة من المؤتمر ومن ثَمّ فإنها ستعالِج العنوان من خلال العناصر الآتية:
أولاً: حدود المشاركة في الواقع السياسي:
يعني مفهوم المشاركة السياسية: الاهتمام بالشأن العام والانخراطَ فيه عبر المؤسسات السياسية المختلفة كالانتماء للأحزاب، كما يعني المشاركة في التصويت وفي النقابات المهنية وفي النوادي والمشاركة في جمعياتها العمومية التي تقرر مسيرتها واهتمامها وتوجهاتها، وتُعَد المشاركة السياسية في تقديرنا هي التعبير المعاصر عن مفهوم «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؛ خاصة لو ذهبنا إلى أن ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المفهوم المعاصر تتم من خلال المؤسسات وليس عن طريق العمل الفردي.
وكما هو معلوم فإن السلفية تمتعت بشرعيتها لدى الجماهير في مصر والعالم العربي من خلال قيامها بالعمل الدعوي والاحتسابي والتربوي والتزكوي، ومن ثَمَّ فإن المشاركة في العمل السياسي يجب أن تكون بالقدر الذي لا يطغى على العمل الدعوي والتربوي والتزكوي[4].
ولذا فإن المدرسة السلفية في الإسكندرية التي يمثلها الشيخ ياسر برهاني والشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ محمد إسماعيل المقدم ترى أن حزب النور هو ذراعها السياسي.
وفي ظل التاريخ القصير نسبياً لحزب النور فإن المدرسة السلفية تعبر عن القوى التي تكاد تحرِّك الحزب وترسم توجهاته، وهو ما يطرح إشكالية العلاقة بين العمل الدعوي والعمل السياسي وطبيعة كلٍّ منهما التي تختلف عن الآخر، فبينما يتجه العمل الدعوي للإفصاح عن الحق والبيان الذي ربما لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، فإن العمل السياسي قد يسلك مسالك مختلفة حول الأخذ في الاعتبار الواقع السياسي وأنه قد يؤخر بعض البيان، كما قد يجري عامل المصلحة التي هي جوهر السياسة الشرعية، وقد يذهب إلى إعمال المقاصد واعتبار المآلات وأخذ العرف والعادة والاستصحاب في اعتباره، وهنا أحد التحديات الكبرى، وهي: كيف يمكن إدارة العملية السياسية ومواجهة تحديات الواقع؟
كما أن إدارة الواقع السياسي سوف تعني بالضرورة أن يعبر الفاعلون السياسيون المنتخَبون عن عموم الأمة وليس عن التيار الذي يمثلونه، ومن هنا فهناك فرق بين مفهوم الجماعة أو المدرسة وبين مفهوم الحزب السياسي الذي يعبر عن معنى أوسع قد يدخل ضمنه مخالفون للجماعة السلفية في العقيدة؛ كما هو الحال في العلاقة مع الأقباط في مصر مثلاً. كما أن الفاعلين المنتخَبين من المفروض أنهم يعبرون عن الأمة كلها بدرجة من الدرجات وليس فقط عن أولئك الذين ينتمون للجماعة السلفية وحدها[5].
وهذا في الواقع أحد التحديات التي تواجه التيار السلفي؛ فهو تيار يقوم على التماثل العقدي بينما السياسة تقوم على التعدد وربما التخالف في الرؤى السياسية، والتيار السلفي يقوم على التوحد في الرؤى بينما السياسة تقوم على التعدد والتنوع، والتيار السلفي يقوم على الثقة في مشايخه واتباع ما يرونه بينما السياسة قد تعني مناكفةً ومغاضبةً وجدالاً.
ويواجه التيار السلفي اليوم - خاصة حزب النور والمدرسة السلفية التي تقف خلفه - مشكلة التحالف السياسي والانتخابي مع أحزاب عَلمانية؛ وذلك حتى لا يواجه الإسلاميون الواقع وحدهم؛ وإنما تكون هناك مظلة مشتركة مع قوى عَلمانية قد تخفف الضغط عليهم في مواجهة قوى العَلمانية الداخلية وقوى الضغط الخارجية، وبينما لا يشعر التيار السلفي بالراحة لهذا التحالف لأسباب متصلة بما يعتبره التيار السلفي حماية لنفسه من التلوث السياسي من ناحية، كما أن قواعده تضغط عليه باتجاه عدم التحالف مع تلك القوى العَلمانية.
وهنا فإن أبواب المشاركة قد فُتِحَت بينما حدودها ومجالاتها وقواعدها وضوابطها لا تزال غائمة بَعْد لم تتحدد بالنسبة للتيار؛ وهو ما يُعَد أحد التحديات التي تواجه هذا التيار بتقديرنا.
وحتى الآن فإن حزب النور يستنكف من المشاركة مع التحالف الديمقراطي بسبب ما يعتبره اتجاهات عَلمانية لا يجوز العمل معها. أما حزب الأصالة فإنه يبدو وكأنه ليس لديه تصورات واضحة عن طبيعة العمل السياسي بسبب غياب المخططين ومراكز البحوث، كما أنه يفتقد للمؤسسات والعناصر التي تقوم على بناء هذه التصورات.
ثانياً: العمل السياسي والفرص الضائعة:
إحدى أهم الفرص الضائعة بالنسبة لدى الإسلاميين في ما يتعلق بالعمل السياسي، هي موقف الإسلاميين من الدولة المصرية؛ فمنذ عام 1954م وعدم إدراك الإخوان المسلمين أن عبد الناصر ومن معه بعد أن أصبحت الدولة في أيديهم لم يعودوا أولئك الفاعلين ضمن حركات اجتماعية خارج السلطة، ومن هنا فإن شعور الدولة التي أصبح يملكها عبد الناصر بالتهديد من الإخوان جعله ومن معه يستخدمون إمكانيات الدولة في مواجهة الحركة الإسلامية.
وهنا دخلت مصر في نفق المواجهة بين الدولة والحركة الإسلامية، ولذلك فإن المسؤولية تقع على الدولة والحركة ممثلة في الإخوان وقتها، كان يمكن أن تكون هناك صيغة توافقية تفتح الباب لما نطلق عليه «الإسلام المشارك» وليس «الإسلام المواجه».
وبالطبع تطور الصراع بين الدولة المصرية والحركة الإسلامية؛ فظهر اتجاه سيد قطب وتحولت فكرة جاهلية الدولة والمواجهة معها إلى إحدى مسلمات الحركة الإسلامية في مصر.
حاول الإسلاميون أن يبنوا عالماً خارج الدولة موازياً لها، وأصبحت الدولة رجساً من عمل الشيطان يجب مقاومتها والخروج عليها والثورة في مواجهتها عبر المواجهة المسلحة التي كلفت الإسلاميين كثيراً.
ضاعت فرصة أخرى من الحركة الإسلامية في السبعينيات حين حاولت الدولة المصرية أن تفتح الباب لحوار مع الإخوان وشباب الإسلاميين الجدد ذوي التوجه السلفي، بَيْد أن رفض الإخوان من ناحية وغياب مرجعية هادية لدى الشباب في ذلك الوقت بالإضافة للتحولات غير المنطقية للدولة المصرية في سياستها الخارجية نحو التصالح مع العدو التقليدي والأبدي لعالم العرب والمسلمين وهو الكيان الصهيوني فتح الباب لمواجهة جديدة مع الدولة المصرية عام 1981م، ثم المواجهة المسلحة بين الدولة المصرية وحركات الجهاد السلفية المصرية وهو ما حرم مصر من بناء تقاليد لمشاركة ودمج الإسلاميين في السلطة وفرض أن يبقوا محظورين خارجها[6]، وبعد ثورة يناير فإن هناك فرصة تاريخية للحركة الإسلامية عامة وللتيار السلفي خاصة للتأسيس للإسلام المشارك الذي يصبح جزءاً من الدولة وليس عنصراً خارجها أو مواجهاً لها كما هو الحال - مثلاً - في الحالة التركية التي ناضلت على أساس أن الحركة الإسلامية هي جزء من الدولة وأن استئثار العَلمانيين بالدولة لن يكون سهلاً، ومن ثَمَّ رأينا ظاهرة الأفرع الإسلامية داخل الأحزاب السياسية المعارضة للكمالية.
وبعد ثورة 25 يناير فإن هناك فرصة كبيرة لدى التيارات السلفية لتصبح جزءاً من الدولة المصرية، وهناك تحديات لا بد من أخذها في الحسبان. أهم تلك التحديات هي:
1 - قدرة التيارات السلفية على بناء خطاب جامع يعبِّر عن آمال المواطنين المصريين في الكرامة الإنسانية وفي العدل الاجتماعي وفي الحرية السياسية.
2 - قدرة التيارات السلفية على بناء خبرتها السياسية الجديدة القائمة على الرشد والعقلانية والتوفيق باعتبار أن السياسة في النهاية هي العمل في إطار الممكن من ناحية وأخذ التناقض والتنوع في الاعتبار لتحويله لقوة سياسية واجتماعية.
3 - قدرة التيارات السلفية على بناء تحالفاتها داخل المجتمع وَفْق برامج الحد الأدنى التي تحقق للمجتمع قدراً من التماسك وتخفيف الاستقطاب داخله.
4 - أخذ التيارات السلفية للعامل الخارجي في حسبانها وهي تتحرك على الساحة السياسية، ومن ثَمَّ فإن العامل الداخلي يجب النظر إليه في ضوء تأثير العامل الخارجي عليه.
5 - التعامل مع السياسة باعتبارها تدبير أمور الناس وتحسين معاشهم وأخذ إدارة أمور حياتهم اليومية في الاعتبار؛ وأن ذلك سيكون مدخلاً مهمّاً لتعزيز ثقة الناس في التيارات السلفية من ناحية، كما سيكون السبيل نحو رغبة الناس للتحاكم إلى الشريعة.
6 - إرسال خطاب تطمين للقوى الاجتماعية والسياسية في المجمتع وأخذها في الاعتبار؛ وخاصة في حالة وجود أقباط في الحالة المصرية وفي حالة وجود تيارات ليبرالية وعَلمانية علينا أن نفرق داخلها بين الأصوليين المتطرفين وبين الذين يحترمون الدين وأهله ويسعون لبناء جسور معه.
7 - بناء مصادر القوة السياسية عبر التحالف مع الإسلاميين الآخرين وإن كانت هناك بعض الاختلافات وعدم الشعور بالغرور والقوة الذاتية؛ فمصر اليوم بحاجة إلى تحالف إسلامييها جميعاً في الانتخابات البرلمانية القادمة؛ وأن تكون هناك رؤية إسلامية موحدة بين تلك القوى ليس في الانتخابات فقط وإنما في ما بعدها؛ حيث تحتاج المرحلة لوحدة الصف والرؤية الإسلامية كسباً لثقة الناس التي منحتها للإسلاميين والسلفيين منهم خاصة.
8 - التركيز على البرامج التي تحل المشكل الاقتصادي والاجتماعي لمصر من منظور إسلامي، والتركيز على العمل التزكوي والدعوي والتربوي للأخذ بيد الناس من قِبَل الدعاة إلى الخير تمهيداً وتهيئة وحرثاً يفتح الباب واسعاً لعودة الدولة الإسلامية التي تحكمها الشريعة الإسلامية.
9 - التحول من الرؤى البسيطة إلى الرؤى المركبة عبر البحث والدراسة ومن ثَمَّ فإن الحديث عن قوة للإسلاميين وقوة غيرهم يجب أن تكون محسوبة على أسس علمية وليست وصفية وكلامية أقرب لروح الاستهتار وعدم أخذ الأمر بجدية؛ فسياسة الدول غير سياسة الجماعات وتحمُّل مسؤوليات الملايين من الخلق غير تحمُّل مسؤوليات العشرات أو المئات المنتمين للجماعات.
10 - الأحزاب والجماعات هي وسائل لتحقيق الأهداف السياسية وليست غاية في ذاتها؛ ومن ثَمَّ فإنه لا ينبغي أن يكون الولاء والبراء قائماً على أساسها؛ فهي أشبه بخطوط وهمية للتعريف أو التمييز دون أن تكون تعبيراً عن تترس خلفها في مواجهة مبادئ إسلامية حاكمة مثل اختيار الأكفأ والوقوف خلف الأمناء من خارج تلك الأحزاب والجماعات.
ثالثاً: مراعاة الواقع والضرورة:
يشير ابن القيم إلى علاقة الواجب بالواقع وأن نعطي الواجب حقه من الواقع كما نعطي الواقع حقه من الواجب؛ فمراعاة الواقع هي الفضاء الذي يتحرك فيه الفاعلون لتطبيق الأحكام أو يتحركون فيه من أجل تهيئته لتطبيقها نحو مزيد من الإسلام والاقتراب من الشريعة وَفْق قواعد المصالح والمفاسد التي تقول بدفع أعلى المفسدتين وإن تحققت أدناهما وتقول بتحقيق أعلى المصلحتين وإن فاتت أدناهما.
كما لا بد من مراعاة العرف والعادة وإعمال مبادئ الاستصحاب والاستصلاح كمداخل رئيسية في العمل السياسي.
وهنا فإن الحديث عن تطبيق الجزية على النصارى المعاصرين قد يواجَه بتحديات لا بد من أخذها في الاعتبار وإعمال المصلحة الشرعية بالقول بإسقاط الجزية إذا التزم غير المسلمين بالمشاركة في الخدمة العسكرية، باعتبار أن الجزية هي بدل عن الدفاع عنهم ومن ثَمَّ فإن مشاركتهم في الدفاع ومع جيش المسلمين فإنها تسقط[7].
كما أن القول بعودة نظام الخلافة الإسلامية بمعناه القديم الذي كان يقوم على أساس وجود خليفة هو جوهر السلطة المركزية بينما تبدو السلطات الأخرى غير واضحة بالنسبة له، ومن ثَمَّ فإن ذهاب التوجهات السياسية إلى نظم تقيد سلطة الحكام لصالح مؤسسات البرلمان ومؤسسات القضاء ومؤسسات المجتمع الأهلي قد يكون مفيداً اليوم[8].
كما أن القول برفض الأحزاب السياسية باعتبارها تعبيراً عن التجزئة والتفتت لم يعد مقبولاً اليوم، وأن هذه الأحزاب هي أدوات للتدبير وأنها مؤسسات لا يخلو مجتمع منها ومن ثَمَّ فإنها تقوم بوظائف مثل التثقيف السياسي والتنشئة السياسية والحشد والتعبئة، ومن ثَمَّ فلا بد من القبول بالصيغ الجديدة للمؤسسات التي لم تكن موجودة في الاجتماع العربي القديم وأذكر أنني كنت أحضر في المحكمة الإدارية العليا تضامنا مع الجماعة الإسلامية في رد محكمة الأحزاب لحزبهم (البناء والتنمية) ووجدت المحكمة بهيئتها وأمامها المحامون وإلى جانبها جلس مفوض الدولة فقلت لمن يجلس إلى جواري: هذا الشكل من المحاكم هل عرفه التاريخ الإسلامي؟ فقال لي: لا. وأظنه كذلك، ومن ثَمَّ فإن الأشكال المؤسسية الجديدة التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية وتنجز للمظلومين حقوقهم وتراقب سلوك الإدارة المتسلطة لتضعها في مكانها منحازة لحقوق الأفراد والجماعات في مواجهة دولة قومية تميل للاستبداد والعسف... هذه الأشكال المؤسسية تتوافق مع قواعد الشريعة الإسلامية ومقتضيات قواعد أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية ومآلاتها، ومن ثَمَّ فإنه لا معنى لأن يضع الإسلاميون السلفيون أنفسهم في خصام معها؛ لأن النظام السياسي الإسلامي يقوم على المقاصد ومراعاة الواقع وفهم الضرورات والمآلات، كما أن قواعد السياسة الشرعية التي تُعمِل مصلحة الخلق وتدبيرهم هي المفتاح الحقيقي للاجتهاد في هذه المسألة، وعلينا متابعة ما أشار إليه ابن قيم الجوزية في كتابه القيم «الطرق الحكمية» من أن السياسة هي تدبير شؤون الخلق؛ بحيث يكون أمرهم أقرب إلى الصلاح منه إلى الفساد وإن لم ينزل بذلك نص أو وحي[9]، وذكر أبو يوسف في كتابه الخراج أبا حنيفة يقول: من أحيا أرضاً ميتة فهي له إذا أجازه الإمام ، فأضاف إلى النص ما يضبط تحقُّقه في الواقع ويدفع الفساد والاقتتال بين الناس، فهو هنا أضاف ما يعطي للنص وظيفته الواقعية بمنع الفساد بين الخلق وضبط سلوكهم؛ بحيث لا يدفعهم التنافس إلى الاقتتال والفوضى[10].
ومن ثَمَّ فإن مسائل التحول في المجتمعات من حالة البداءة الأولى والفوضى والتردي التي هيأتها لهم النظم الاستبدادية إلى المجتمع الإسلامي سيكون أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد، ولن يكون هيناً، ومن ثَمَّ فإن التسلح بفهم جيد للواقع والتزود بوعي يقدر الضرورة ويرعاها هو أحد أهم المفاتيح المطلوبة للتعامل مع فترة الانتقال في مصر نحو نظام سياسي مدني (غير عسكري)، ثم فترة الانتقال نحو نظام سياسي يتحاكم إلى الشريعة الإسلامية.
وهنا نستحضر الحوار الذي دار بين الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك حين قال له: ما لك يا أبي تبطئ في إنفاذ الأمور؟ فوالله ما أبالي أن القدور غلت بي وبك في الحق فقال: لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة واحدة فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة، وفي موضع آخر قال: يا بني إن قومك شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا على فتقاً تكثر فيه الدماء، والله! لزوال الدنيا أهون عليَّ من أن يراق بسببي محجمة من دم، أو ما ترضى ألا يأتيك على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعه ويحي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين، وقال: إني أروض الناس رياضة الصعب، فإن أبقاني الله مضيت لرأيي وإن عجلت على منية فقد علم الله نيتي، إني أخاف إن بادهت الناس بالتي تقول أن يلجئوني إلى السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف[11].
وهنا نقول بوضوح: إن الدخول إلى معترك السياسة وتدبير شأن الخلق يختلف عن اعتراك الفتاوى والكلم والجدال، فمعترك السياسة والتدبير يحتاج إلى وعي المدبر وحنكة السياسي وخبرته، ومعترك الفتاوى والكلم والجدل يستدعي مزيداً من الكلم وعمق الجدال وربما تشدُّد الفتاوى.
رابعاً: تأخر التأصيل الشرعي عن مواكبة التطورات السياسية:
التطور السياسي هو تعبير عن انخراط قطاعات جديدة من الشباب الغاضب في السوق السياسي، وهو ما يفسر لنا نشوء حركات اجتماعية جديدة تطالب بمطالب ذات طابع متصل بما يطلق عليه تحسين الحياة اليومية أو everyday-life ثم ظهور حركات اجتماعية جديدة تطالب برفض التمديد والتوريث كحركة كفاية في مصر والحركات الشبابية التي ظهرت في مصر بعد عام 2004م وحتى عام 2007م؛ حيث ظهرت للوجود حركة 6 أبريل، ثم حركة الدفاع عن حقوق الإنسان مثل «كلنا خالد سعيد»، ولم يكن هناك تحرُّك واضح من التيار السلفي تجاه هذه الحركات على مستوى المشاركة فيها أو على مستوى التأصيل الشرعي للمشاركة فيها، واكتفى التيار السلفي بتأصيل شرعي حول عدم الانخراط في البرلمان باعتباره يعبِّر عن مؤسسة التشريع ومن ثَمَّ فهو يناقض العقيدة لأن الله هو المشرع، كما أصَّل التيار السلفي لرفض الأحزاب السياسية وظل يمارس العمل الدعوي والتربوي.
وبدت الثورة وكأنها فاجأت التيار السلفي الذي تأخر في إعلان انحيازه للثورة أو التأصيل الشرعي لها؛ حتى بدأ السلفيون في مصر يلتحقون بالثورة في أواخرها وربما بعد نجاحها في إزاحة نظام مبارك.
تبدو برامج الأحزاب السلفية - ومنها حزب النور على سبيل المثال - أقرب للكتابة الإنشائية وليس فيها عمق يعبِّر عن تصوُّر شرعي مؤصِّل للبرنامج، ومن هنا فإن السلفية تأخرت في التأصيل الشرعي حول مقاومة فساد مبارك والخروج عليه والدعوة إلى الثورة، وكان يمكن في تقديرنا لو وضعت السلفية عينها على مقاومة فساد مبارك والتأسيس لقيادة الخروج عليه عن طريق العصيان المدني أو عن طريق الخروج الجماعي في مظاهرات عبر الفتاوى والتأصيل الشرعي لأمكن للثورة المصرية أن يكون لها مسار مختلف.
وتواجه التيارات السلفية اليوم أسئلة كثيرة حول الموقف - مثلاً - من تدخُّل الناتو في ليبيا، وحول التدخل الغربي في سورية، وحول المرأة في مصر، وحول الأقباط في مصر، وحول التعامل مع الكيان الصهيوني، وحول السياحة وحول الفنون وحول البنوك والاقتصاد. وحول الموقف من الدول العَلمانية كتركيا والتعامل معها، وغيرها من القضايا التي تحتاج لنوع من التأصيل الشرعي.
خامسا: الأحزاب السلفية... عوامل النجاح والإخفاق:
لأول مرة في تاريخ مصر يكون هناك حزبان سلفيان ضمن بنية الدولة المصرية التي لم تقبل أبداً بمشروعية وجود الإسلاميين ضمن مؤسساتها، وهو ما قاد إلى مواجهات عنيفة بين الدولة والإسلاميين من التيارات الجهادية السلفية.
وبعد ثورة 25 يناير قبلت لجنة الأحزاب حزبان سلفيان، هما: (حزب النور) الذي تدعمه المدرسة السلفية في الإسكندرية، و (حزب الأصالة) وهو الحزب الذي يدعمه الداعية السلفي المعروف الشيخ محمد عبد المقصود ويترأس الحزب أخوه الذي كان لواءً في وزارة الداخلية بمصلحة الجوازات كما أنه كان عازفاً للموسيقا لمستويات دولية.
وفي الواقع فإن انشقاق حزب الأصالة عن حزب سلفي آخر هو حزب الفضيلة يشير إلى أحد التحديات الكبرى التي تواجه الأحزاب السلفية وهي القدرة على بناء تفاهمات داخلية تركز على المشترك العام أكثر من التركيز على مسائل الخلافات.
ولا يزال في الطريق حزب متعثر بسبب الخلافات بينه وبين الأصالة وهو حزب الفضيلة كما توجد أحزاب أخرى لم تستكمل توكيلاتها، مثل حزب الإصلاح.
أولاً: عوامل نجاح الأحزاب السلفية:
هناك عوامل لنجاح هذه الأحزاب يمكن إيجازها في الآتي:
أولاً: وجود قاعدة سلفية كبيرة في الشارع المصري تثق بدعاة هذا التيار وتعتبره تياراً نقياً يمكن منحه الفرصة ليجرب حظه في عملية السياسة والإصلاح السياسي بعد الثورة.
ثانياً: أن هناك وجوداً سلفياً حقيقياً شبه منظم هو نتاج الجهد السلفي العلمائي والدعوي إبان فترة حكم مبارك، وأن هذا الوجود يشعر بالرغبة في العمل السياسي وتوظيف الفرصة التي أتاحتها الثورة لهذه الأحزاب.
ثالثاً: دعم دعاة التيار المشهورين لهذه الأحزاب؛ فقد كان الشيخ محمد حسان يدعم حزب النور ودعاة مدرسة الإسكندرية يدعمونه، كما أن دعاة القاهرة دعموا حزب الفضيلة والأصالة، ولهؤلاء الدعاة تأثير كبير على القطاعات السلفية الشعبية، وأكبر دليل على ذلك أن الأصالة استطاع بعد انفصاله عن الفضيلة أن يأتي بخمسة آلاف توكيل في وقت قصير.
رابعاً: هذه الأحزاب يبدو أنها تمتلك قدرات مالية وتنظيمية لا بأس بها ومن ثَمَّ فقد استطاع حزب النور في وقت قصير أن يكون له مقر في العاصمة ومقرات في العديد من المحافظات الأخرى، كما استطاع أن يخرج جريدة له هي جريدة النور.
خامساً: اشتغال التيار السلفي بالعمل الدعوي والعلمي والخدمي في المناطق المحلية لوجوده من ناحية وعدم انخراطه في العمل السياسي أو أعمال العنف التي ذهبت إليها التيارات الجهادية حفظت له قوته وعافيته، كما حفظت له سمعته وهيبته في نفوس عامة المصريين، ومن ثَمَّ فإن هذا أحد مصادر قوة الأحزاب السلفية.
ثانياً: عوامل إخفاق الأحزاب السلفية:
عوامل النجاح السابقه يقابلها أيضاً تحديات قد تمثِّل عوامل للإخفاق نذكرها في ما يلي:
أولاً: الشعور بالقوة الزائدة لدى الأحزاب السلفية التي لم تختبر قوتها بعد، والشعور الزائد بالقوة في السياسة والحرب قد يكون عامل خطر على من يتملكه.
ثانياً: ضعف الخبرة لدى الأحزاب السلفية؛ فهي لم تمارس العمل السياسي من قبل، ومن ثَمَّ فإن أدوات العمل السياسي ومرانه ومكره لم تملكها هذه الأحزاب.
ثالثاً: قلة العناصر المدربة لدى الأحزاب السلفية؛ فأغلب العناصر القادمة إلى عالم السياسية غالب خبرتها هي في الدعوة والعمل في المساجد وفي أوساط المتدينين.
رابعاً: تأثر الرؤية السلفية بمنطق العقيدة القائم على التوحد والوحدة والإجماع بينما الرؤية السياسية والحزبية قائمة على التنوع والاختلاف وربما التضاد والتناقض.
خامساً: عدم إعطاء منطق التدرُّج والتغيير مكانته في العقل السلفي؛ فالتغيير دفعة واحدة يأباه منطق التحول الاجتماعي والسياسي، والشريعة الإسلامية يحتاج تطبيقها أولاً إلى تغيير في عقل ونفس الإنسان المصري وتهيئة تستدعي عملاً دعوياً وتربوياً كبيراً.
سادساً: تركيز العقل السلفي على مناطق الاختلاف أكثر من تركيزه على مناطق التوافق والمشتركات، وهو ما قد يُفْقِده القدرة على بناء التحالفات السياسية أو الانتخابية، وهي إحدى المطالب الرئيسية للعمل السياسي والحزبي.
سابعاً: غياب خطة واضحه لدى الأحزاب السلفية لإدارة ما نطلق عليه التنوع داخل الحركة الإسلامية؛ بحيث تقوم هذه الخطة على الاعتراف بالتعدد والعمل على إثرائه وتوظيفه لصالح صدقية الأحزاب السلفية عند جمهورها؛ وذلك بعدم إظهار التناقضات الداخلية للإسلاميين على العامة وعدم مواجهة الإسلاميين لبعضهم في المواقع التي يجب أن يتحدوا فيها مثل الترشيح في الانتخابات مثلاً.
ثامناً: غلبة العاطفة على الأحزاب السلفية، بينما السياسة تقوم على الصرامة والدراسة الجادة للواقع ومن ثَمَّ تقديم الكفاءات وليس أهل الثقة والولاء، وقد حدثت انتخابات داخلية في بعض المناطق السلفية لاختيار مرشحين وقف فيها المنتخبون خلف أبناء مناطقهم وقرابتهم رغم عدم كفاءتهم وتركوا الكفاءات، بل إن حشد الناخبين تم بطريقة هي أقرب لطرق الحزب الوطني، كما أن طريقة الانتخابات لم تراع المعايير الموضوعة.
تاسعاً: جدة العمل الحزبي في المحيط الدعوي السلفي الذي لم يتعود على انتماءات داخلية ذات طابع سياسي، ومن ثَمَّ فإن إعادة تحديد الحدود والعلامات والانتماءات داخل المحيط السلفي كله يحتاج إلى نوع من الجهد؛ بحيث لا يؤدي العامل الحزبي إلى ارتباك داخل الساحات السلفية القائمة على فكرة الترابط المجاوز للعمل الحزبي.
عاشراً: ارتباك العلاقة بين العمل الدعوي والحزبي؛ فهناك أحزاب تبدو وكأنها جزء من عمل الدعوة كما هو الحال في علاقة حزب النور بالمدرسة السلفية في الاسكندرية، ومن ثَمَّ قد يضعف ذلك من قدرة الحزب على المنافسة والمنازلة السياسية واتخاذ ما يراه من خطوات عبر قراراته هو، لا شك أن الدعوة السلفية وقادتها أعطوا زخماً في مرحلة التأسيس للأحزاب، بَيْد أن المراحل التالية تفترض أن تستقل الأحزاب عن العمل الدعوي بسبب الطبيعة المختلفة لكل من المجالين من ناحية، وحتى يمكن بناء خبرة حزبية مستقلة لهذه الأحزاب وحتى لا تتحمل الدعوة الممارسات السياسية والحزبية.
حادي عشر: عدم وضوح القيود الإقليمية والعالمية في التفكير السلفي؛ بحيث يبدو العامل الداخلي هو الأكثر تأثيراً في تشكيل الواقع السياسي؛ بينما في حالة دول رخوة كمصر فإن العامل الدولي والعامل الإقليمي لا بد أن يتم أخذه بعين الاعتبار وبقدر كبير من الصرامة والجدية، وهذا يتطلب عقلاً سياسياً كبيراً ومحنكاً لا تأسره العاطفة ولا تغرُّه اللحظة الحاضرة؛ وإنما يفكر ويدبر للمستقبل، كما لا تستهويه الكلمات والخطب الرنانة؛ وإنما يحكمه التخطيط المحكَم والعمل المضني والتنفيذ الصارم.
خاتمة:
التوصيات والمقترحات العملية:
هناك فرصة جديدة للتيار السلفي لخوض غمار العمل السياسي، وهناك ظاهرة جديدة في مصر تتشكل لأول مرة في تاريخها، وهي: تحوُّل الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة إلى جزء من الدولة المصرية لاختبار إمكانية قدرة الإسلاميين على ممارسة الإسلام المشارك وليس الإسلام المواجه وفي هذه السياق نطرح هذه التوصيات والمقترحات العملية:
أولاً: تدريب العناصر السياسية السلفية عن طريق دورات سياسية جادة في المعاهد والكليات المتخصصة في ذلك ككلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومعاهد العلوم السياسية؛ بحيث يمكن لهذه العناصر أن تتعرف على العالم المعاصر وأن تعرف المنطق الذي يسيطر عليه والقوانين الذي تحكمه للتعامل معها بمهارة واقتدار.
ثانياً: توسيع مشاركة السلفيين مع بقية القوى السياسية؛ وأن لا يمارسوا وحدهم العمل السياسي دون الآخرين؛ فكلما كانت المشاركة عبر التحالفات في مرحلة الابتداء ممكنة ذهب السلفيون إليها.
ثالثاً: الوعي داخل التيار السلفي بأن هناك تطوراً كبيراً يواجهه هذا التيار، وهو: أنه ينتقل من مرحلة الجماعة إلى مرحلة الدولة وأن مرحلة الدولة تفترض دراية وخبرة لمواجهة مشاكل مجتمعات معقدة ومن ثَمَّ فإن ذلك يتطلب خبرة ودراية.
رابعاً: بناء عناصر سلفية عبر العمل من خلال المجالس المحلية التي تعبِّر عن فضاء يبني القدرة على التعامل مع مشاكل الناس على المستوى المحلي، واعتبار أن ذلك أهم بكثير من المستويات العليا على المستوى القومي، والتجربة التركية هنا مهمة.
خامساً: التركيز على العمل الدعوي واعتباره العمل الرئيسي للتيار، والتركيز على العمل الاجتماعي والحقوقي، وعدم الاندفاع غير المحسوب إلى عالم السياسية؛ وإنما يكون التعامل معه بقدر من الحذر والمحاسبة والحساب؛ لأن السياسة ليست وحدها هي أداة تغيير المجتمعات بقدر ما يتوازى معها عمل لمجتمع قوي وطبقة وسطى واسعة.
سادساً: محاولة تطمين القوى السياسية المعادية؛ وخاصة العلمانية والقبطية والغربية والتي تأثرت بالدعاية المضادة من قِبَل أعداء الإسلاميين في مرحلة الاستبداد وفي مراحل علو الأصولية الإنجيلية والمحافظين الجدد.
سابعاً: التركيز على إدارة التنوع داخل الحالة الإسلامية؛ بحيث يكون ذوو القربى من الإسلاميين بينهم تفاهماتهم وتحالفاتهم الخاصة التي تحميهم من تقلبات التحالفات خارجهم من العلمانيين وغيرهم، وتجاوز الانتقادات التي كانت تطلقها التيارات الإسلامية ضد بعضهم بعضاً، والبحث عن مشتركات وتفاهمات حول نقاط الخلاف؛ بحيث يتم تعريف العدو الرئيسي والصديق الرئيسي، وبحيث تبنى التحالفات بناء على أولويات واضحة بعيداً عن العاطفة والتخبط.
ثامناً: خوض التجارب الإعلامية؛ وذلك عن طريق بناء مصادر إعلامية مستقلة للإسلاميين والسلفيين؛ بحيث تكون هذه التجارب بعيدة عن الشخصية والمشاريع الخاصة التي تعود بالربح على أصحابها دون مشروع السلفيين والإسلاميين. وهنا لا بد أن تكون تلك المشاريع قائمة على التخطيط والمعرفة والعلم ومشاركة واجتذاب عناصر يمكن أن تمثل غطاءً يحمي الفاعلين السياسيين؛ بحيث تكون الكفاءة والمهنية والرقابة هي المعايير التي تؤهل للقيادة والترقي.
تاسعاً: خوض تجارب المراكز البحثية والأكاديمية التي تقوم على الاحتراف والعمل السياسي الحقيقي، وليست تلك المراكز المترهلة التي لا تجمع بين المتابعة السياسية اليومية وبين التأصيل العلمي السياسي للمشاريع المتوسطة وطويلة الأجل، وأن تكون تلك المراكز أوسع أفقاً ورحابة؛ بحيث تعبِّر عن رؤى للدولة وللإقليم وللعالم وليست رؤية للتيار السلفي وحده.
عاشراً: بناء الأوقاف والمشاريع الاقتصادية التي تحرر الأحزاب الإسلامية والمشاريع الدعوية والإعلامية من الحاجة إلى الأموال؛ وخاصة أن الأموال هي الرافعة في مثل هذه المشاريع، وأن يكون دعم هذه المشاريع غير مشروط متى علم الداعمون أنها تعمل في المسار الصحيح وأنها تبتغي رفع راية الإسلام في صراعه الطويل مع أعدائه.
*******************
هوامش

[1] البناء والتنمية: حزب للجماعة الإسلامية المصرية التي انتهجت العنف في مواجهة الدولة المصرية في ثمانينيات وتسعينات القرن الماضي، ثم قامت بعمل مراجعات فكرية انتهت فيها إلى عدم استخدام العنف، ومراجعة فقه الجماعة القديم في كتب عديدة بلغت ثلاثين كتاباً، وبعد الثورة حدث انشقاق داخل الجماعة بين الفريق الذي قاد المراجعات داخل السجن والفريق المعارض له وحدثت انتخابات داخلية جاءت بمجلس شوري جديد ترأسه عصام دربالة وأسس لحزب البناء والتنمية. أما الفريق الآخر والذي يقوده كرم زهدي وناجح إبراهيم فقد أكد أنه سيعمل بالدعوة ولكنه سرعان ما أعلن أنه يؤسس حزباً جديداً اسمه حزب الأمة الجديد وكيل مؤسسيه اللواء سامي حجازي.
[2] تقارير صحفية كثيرة تحدثت عن الخلافات بين الحزبين السلفيين، ونقد أعضاء من حزب الفضيلة الطريقة التي يدار بها الحزب بما في ذلك سيطرة الشيخ محمد عبد المقصود على الحزب من خارجه، وعدم التزام معايير الكفاءة في تقديم القيادات.
[3] مقال كمال حبيب: عصر جديد للإسلاميين، ومقال كمال حبيب: سلفيون وثوار وقد كتبه إبَّان ثورة التحرير وكلاهما على الشبكة العنبكوتية.
[4] هناك آراء في مصادر عديدة لكاتب هذه السطور تقول: إن مهمة التيار السلفي الرئيسية يجب أن تكون في مهام الدعوة والتربية والتزكية والاحتساب، وأن السياسة يجب أن تكون بالقدر الذي لا يتسع إلى حد طغيانه على وظيفة الدعوة السلفية الرئيسية.
[5] في الواقع يجب أن نميز بين مستوى الجماعة ومستوى الدولة؛ ففي مستوى الجماعة نجد أن العقيدة الواحدة والخطاب الواحد هو الذي يتم اعتماده أسلوباً للتربية، بينما في حالة الدولة فإن هناك عقائد أخرى ضمن الدولة ومنهم غير المسلمين، ومن ثَمَّ فإدارة الشأن العام هنا تتطلب ما نطلق عليه في العلوم الاجتماعية society؛ أي العقد القائم على المصلحة بينما الجماعة تعبر عن ال community. وراجع في توضيح هذه المعاني كمال السعيد حبيب: الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية، مكتبة مدبولي، 2002م، ط1.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.