على الرغم من تاريخهم الطويل الذى يصل إلى 98 سنة، فإن التيارات السلفية وأتباعها لم تظهر كقوة سياسية إلا بعد ثورة 25 يناير، ولم تتأثر بالاتهامات التى لاحقتها بالقفز على الثورة، ونجحوا فى تقديم أنفسهم باعتبارهم أقوى تيار دينى سياسى فى مصر تليهم جماعة الإخوان المسلمين، عندما حصدوا أكثر من 25% من مقاعد مجلسى الشعب والشورى فى أول مشاركة سياسية، مما أهّلهم لأن يكونوا «الحصان الأسود»، وتجلت براعتهم فى القدرة على حشد الناس والتأثير فيهم، وكان الاستفتاء على التعديلات الدستورية أكبر دليل على ذلك. ينتشر السلفيون فى كل أنحاء مصر، ولا يشكلون تنظيماً هرمياً متماسكاً مثل «الإخوان»، بل هم متفرقون فى مجموعات يتبع كل منها شيخاً من المشايخ، ومتعاونون فيما بينهم، والهدف النهائى الذى يُجمعون عليه بكل تياراتهم هو إنشاء دولة تحكم بما أنزل الله وتطبق أحكام الشريعة الإسلامية. منتصر الزيات، محامى الجماعات الإسلامية، يرى أن تعداد السلفيين فى مصر أمر غير مهم والأهم أن لهم ملايين من المحبين والأتباع، استطاع دعاة هذا التيار أن يتواصلوا معهم عبر المساجد والمنابر ومن خلال القنوات الفضائية وتشكيلهم جمعيات أهلية فى القرى والنجوع تعمل فى المجالات الخيرية وتقدم الخدمات العامة للأهالى، ويبلغ عدد الأعضاء المنتمين للتيار، بحسب تقدير «الزيات»، مئات الآلاف من الملتزمين العاملين. وعلى الرغم من وحدة أصل ومنهج التيار السلفى فإن له روافد كثيرة، أهمها مدرسة «الدعوة السلفية» الحاضنة الفكرية لحزب «النور»، و«الجبهة السلفية» التى تضم العديد من رموز السلفيين، و«الحركة السلفية» وهى المرجعية الفكرية لحزب «الأصالة»، ويشمل التيار السلفى أيضاً جماعة «أنصار السنة المحمدية» و«الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة» و«مجلس شورى العلماء» الذى تأسس من كبار دعاة السلفية بهدف توحيد الصفوف. بدأت مدرسة «الدعوة السلفية» فى جامعة الإسكندرية منذ منتصف سبعينات القرن الماضى، وأشهر قادتها محمد إسماعيل المقدم وسعيد عبد العظيم وأحمد فريد وياسر برهامى وأبو إسحاق الحوينى، ومن أشهر دعاتها فى الوقت الحاضر الشيوخ: محمد حسان ومحمد حسين يعقوب والحوينى وبرهامى ومصطفى العدوى. وتعتبر دروس العلم وحلقاته هى الوسيلة المفضلة لتربية الأتباع ونشر المنهج السلفى. بعد ثورة 25 يناير أسس الشيخ خالد سعيد «الجبهة السلفية» التى تضم عدة تيارات، واكتسبت شعبية كبيرة فى وقت قصير، وانتشر أعضاؤها فى كثير من المحافظات، ولا تهدف الجبهة -حسب بيانها التأسيسى- إلى تكوين حزب سياسى، وتعتبر نفسها رابطة تضم تيارات دعوية مختلفة، وليس لها هيكل تنظيمى، ولا تشترط بيعة، وتستهدف الدفاع عن حقوق المسلمين عامة والإسلاميين خاصة، وتقديم خطاب إسلامى «سلفى جديد» لا يخل بالثوابت الشرعية ويتماشى مع الواقع المصرى. وتعتمد الجبهة فى تنفيذ أهدافها عدة وسائل؛ أهمها التظاهرات والاعتصامات السلمية وخطب الجمعة والدروس فى المساجد، وتدعم بعض الأحزاب الإسلامية دعماً كاملاً، ولا تجد غضاضة فى التحالف مع أحزاب غير إسلامية. لم يختلف موقف جماعة «أنصار السنة المحمدية» -أكبر ذراع دعوية للتيار السلفى من العمل السياسى- بعد الثورة، فهى تعد نفسها جماعة «دعوية» أنشأها الشيخ محمد الفقى عام 1926، ولا تختلف عن باقى روافد التيار السلفى فى وجوب الحكم بالشريعة، ولكنها لا تعمل بالسياسة وتلتزم العمل الدعوى عن طريق مساجدها المنتشرة فى جميع محافظات مصر، ويتجاوز عدد العاملين فيها 10 آلاف. «الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة»، الذراع الدعوية الثانية، أسسها الشيخ محمود السبكى فى نهاية القرن التاسع عشر، وسجلها رسمياً عام 1913، وتنتشر فروعها فى جميع المحافظات، ولها 26 معهداً لإعداد الدعاة و600 مسجد وزاوية، ولم يتغير موقفها بعد ثورة 25 يناير، إذ تتبنى العمل الدعوى والخيرى فقط. رافد آخر للسلفيين أنشئ فى القاهرة بالتوازى مع الدعوة السلفية، يصر أتباعه على تسميته «السلفية الحركية»، على الرغم من رفض مشايخ هذا التيار تلك التسمية، ومن أبرز دعاته ورموزه الدكتور محمد عبد المقصود، والدكتور سيد العربى والدكتور نشأت عبد المقصود، والشيخ فوزى السعيد، ويعد مسجد «التوحيد» فى شارع «رمسيس» أشهر مساجد هذا التيار، الذى يقصده كثير من السلفيين للاستماع إلى دروس وخطب مشايخهم. ويتبنى دعاة هذا التيار ضرورة الحكم بما أنزل الله، لكنهم لا يعتمدون العمل المسلح لمقاومة الحاكم، وعلى الرغم من ذلك فإنهم تعرضوا لحملات اعتقال فى عهد النظام السابق. ويبلغ أتباع هذا التيار مئات الآلاف، ويعد رموزه من المرجعيات الفكرية لحزب «الأصالة» الذى تأسس بعد الثورة واستطاع أن يفوز بعدد من مقاعد مجلسى الشعب والشورى بعد دخوله فى تحالف مع حزبى «النور» و«البناء والتنمية» التابع للجماعة الإسلامية.