كانت الإدارة الأميركيّة السابقة في عجلة من أمرها للتدخّل في العراق عام 2003 في أسرع وقت، بحجّة إخفاء النظام لأسلحة الدمار الشامل وإمكانية مدّه الجماعات الإرهابيّة عبر العالم بها. الإدارة الحالية، تبدو عشية الإنتخابات الرئاسية الوشيكة، غير مستعجلة أبداً للتدخّل في سوريا، إلا أنّها عمدت وبشكل متزايد في الآونة الأخيرة لإعادة صياغة مقاربتها الإستراتيجية للموضوع السوريّ في ضوء اشكالية أسلحة الدمار الشامل، وبالأخص الترسانة الكيماوية، راسمة لهذه المقاربة خطوطاً عريضة، أوّلها طبعاً أنّ استخدام هذه الأسلحة في سياق "الحلّ الأمني" الذي يتبعه النظام ضد الثورة، أو في إطار الحرب الأهلية المستعرة، أو في الإقليم، هو خطّ أحمر يوجب تدخلاً عقابياً مباشراً من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها. وثاني هذه الخطوط هو مراقبة مواقع تخزين هذه الأسلحة الكيماوية والإطمئنان الى عدم انتقالها إلى "حزب الله" أو الى جماعات تتفرّع أو تشبه بيئة "تنظيم القاعدة".
وتأتي مواقف الرئيس الأميركيّ باراك أوباما بهذا الصدد، في أعقاب اعتراف النظام السوريّ بامتلاكه هذه الترسانة، وتهديده باستخدامه في حال تعرّضه لتدخّل خارجيّ. وهذا اختلاف بيّن عن الحالة العراقية، حيث تبيّن أنّ منظومة أسلحة الدمار الشامل كانت قد اضمحلت بالفعل.
وفي المقابل، فإنّ بعضاً مما حدث بعد التدخّل الأميركيّ في العراق يدفع إلى القلق بشكل جديّ في الولاياتالمتحدة حيال هذا الموضوع. صحيح أّن منظومة أسلحة الدمار الشامل كانت قد اضمحلت بعد سنوات من وضع العراق تحت وصاية المراقبين الدوليين، إلا أنّ كمية وافرة من المتفجّرات الخطيرة جدّاً كانت قد حفظت إلى حين سقوط النظام، وقد جرى تهريب أطنان منها. إذاً، الحالة العراقية ليست ببعد أحاديّ لجهة الدروس والعبر التي يمكن أن يستفاد منها لمقاربة الحالة السورية، من وجهة نظر دفاعية استراتيجية أميركية.
لأجل ذلك، لا بدّ من متابعة دقيقة لمسار التعاطي الأميركيّ والغربيّ مع هذا الموضوع العسكريّ العلميّ، أوّلاً لأنّ تحريك هذا الموضوع هو مؤشّر أساسيّ لمدى تصلّب الموقف الأميركيّ والغربي حيال نظام آل الأسد، ووجوب انهاء حالته الدمويّة الكارثية في أقرب وقت، وثانياً لأنّ تحريك موضوع الترسانة الكيماوية قادر على مضاعفة التهمة الموجّهة للنظام السوريّ، حيث لا يعود فقط قاتلاً لشعبه، ومهدداً لسلامة محيطه، إنّما يصير، بامتلاكه هذه الترسانة، وهو على ما هو عليه من مروق، نظاماً يهدّد الأمن والسلم العالميين، ما يفتح المجال لثغرات جديدة يمكن أن تفضي بالمجتمع الدوليّ إلى تذليل كلّ العقبات، الروسية وغير الروسية، التي تمنع اللجوء إلى "الفاصل السابع".
إلا أنّ هذا شيء، وطريقة تناول باراك أوباما للموضوع شيء آخر. فحين قال اوباما إن الكيمياوي "خطّ أحمر" بدا كما لو أنّه يجيز استخدام النظام السوريّ للطيران الحربيّ، أو هكذا على الأقل فهم هذا النظام. لكن هنا أيضاً هذا مطبّ، بصرف النظر عن هشاشة موقف اوباما نفسه.
لأنّ النظام السوريّ كلّما كان يتورّط باستخدام الطيران الحربيّ بشكل أوسع، ودون أن يحقّق نتائج عملية من هذا الإستخدام، كلّما كان يفتح لنفسه ملفاً جديداً، قادر هو أيضاً على تعبيد الطريق لتدخل مساند للشعب السوريّ والثوار.
فإذا كان النظام يفهم من تحذير اوباما له باستخدام القنبلة الكيماوية، أنّ الطيران الحربي مسموح، فإنّ الأميركيين يمكنهم، بحسب اللحظة، وما بعدها، أن يعمدوا الى قياس مختلف: الانتقال من التعبئة ضدّ استخدام النظام لسلاحه الكيمياوي الى التعبئة ضد استخدام النظام لطيرانه الحربيّ.
كذلك، لا يمكن أن نغيب عن البال، أنّ اعتبار الكيمياوي خطاً أحمر، وليس القصف الجويّ للمدن والقرى السورية، قد يكون توطئة لتزويد الثوار السوريين بما يلزم من صواريخ مضادة للطائرات.
هناك، باختصار، شقّ علميّ تكنولوجيّ عسكريّ بحت من المقاربة الأميركية والغربية للموضوع السوريّ، وهي تتصل بالأسلحة الكيماوية، وغازي الأعصاب والخردل بالدرجة الأولى. من الضرورة متابعة هذا الشقّ بشكل يوميّ، وعدم التوهّم بأنّ الأميركيين والغربيين حين يكثرون الحديث عنه انما يديرون ظهرهم للثورة السورية، وان كان الأميركيون والغربيون حتى الآن لم يستطيعوا تقديم أفضل ما عندهم لحماية الشعب السوريّ. هاتان مسألتان مختلفتان. مواد متعلقة: 1. 100 قتيل جراء تجدد الاشتباكات بين الجيشين النظامي والحر في سوريا 2. وكالة: الرئيس المقبل للولايات المتحدة يفضل الخيار العسكري تجاه "إيران" و"سوريا " 3. جورج صبرا الأقرب لرئاسة الحكومة الانتقالية بسوريا