عندما روج البعض من هواة إطلاق الشائعات ان السيد المرحوم اللواء عمر سليمان - نائب رئيس الجمهورية ومدير المخابرات العامة - قد فر الي خارج الوطن ظللت متردداً في تصديق تلك الشائعات والتي ساعد في تفشيها بمجتمعنا الصمت من قبل الفقيد الراحل ، والذي لم يوضح للرأي العام أسباب تواجده طوال الأسابيع الماضية بعيداً عن وطنه ويبدو ان الرجل سافر للخارج لأسباب قاهرة ،ولم يرد ان يشغل أنصاره ومحبيه بها ،تاركاً الجميع يتكهن ويخمن بشأن مبررات سفره،ومن بينهم الفقير لله ،وقع في تلك الخانة للأسف ،والبعض الآخر يتطاول عليه كيفما يشاء،وقبيل ان يتماثل الرجل للشفاء ويعود للوطن الذي أحبه وأعطي عمره كُله له ،شاءت إرادة الله ان ينتقل اللواء عمر سليمان أمس الي رحابه . والذي يكتب إليكم يعرف عن اللواء عمر سليمان حقائق يوم تكشف سيندم ندما شديداً كل من قرأ الظاهر من الأمور وتطاول علي هذا الرجل العظيم ورماه بما ليس فيه من سب وقذف واتهامات نهي عنها الله ورسوله ،لأن اللواء عمر سليمان كان رجلا يعرف الله جيداً ،وكان يؤم المصلين بنفسه في مسجد المخابرات بمبناها الرئيسي ،وبشكل شبه مستمر كان يتردد علي بيت الله الحرام لزيارته،وأعطي لمصر ما لم يعطي لها أحد عمل في هذا الجهاز مثله ،ولولا ان امن مصر القومي هو الباقي ووطننا هو المستمر ونحن جميعا سنمضي الي رحاب الله ،كنت ذكرت جانب من إعمال سليمان ،لكن لأن العدو يتربص بنا ويحلل كل معلومة سنحرمه من اي معلومة ونترك ذلك للتاريخ يوم يكون نشر تلك المعلومات متاح ومباح بدون أية إضرار علي أمننا القومي.
وللأسف اللواء عمر سليمان أخلص للوطن وأخلص لكل من عمل معهم منذ كان ضابطاً صغيراً بالجيش ،وعلي الرغم من ذلك تعرض للظلم من الجميع ،وعلي سبيل المثال علي الرغم من تفانيه في الحفاظ علي امن مصر القومي ،وعلي نظام حكم مبارك،وهذا واجبه ،إلا أنه تعرض للظلم من قبل مبارك ومن قبل أسرته ،عندما ضن عليه الرئيس المخلوع بمنصب نائب الرئيس ،ولم يمنح المنصب له إلا قبيل سقوطه بأيام وبعد ان عرضه علي السيد المشير محمد حسين طنطاوي ورفضه ،ولأن أسرة مبارك كانت تكن لهذا الرجل كراهية شديدة دبر له جمال مبارك وشلته بأمن الرئاسة محاولة اغتيال أفسدها رجال المخابرات في اللحظات الأخيرة .
وكانت السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس المخلوع حسني مبارك تدخل علي الطاغية زوجها في مكتبه أحيانا وتجد عنده عمر سليمان يعرض عليه بعض التقارير الأمنية ،وعند دخولها كان اللواء عمر يصمت ولا يتحدث ،وكان هذا الأسلوب يجعلها تشعر بغيظ شديد ،وتنفجر في الرئيس المخلوع مطالبه إياه بتصفية جهاز المخابرات ،والاكتفاء بتقارير المخابرات الأمريكية والإسرائيلية التي كانت ترد لمبارك من اجل حمايته من كل المكائد التي تدبر ضده ،وكان مبارك يرد عليها قائلاً جهاز المخابرات لايمكن ان يلغي ياسوزان، فتبدي امتعاضا ونوع من الاشمئزاز والقرف جراء هذا الرد.
ولذلك كان جهاز المخابرات العامة المصري من أكثر الأجهزة الأمنية التي تصدت لمخطط التوريث ولنفوذ سوزان مبارك وحذر الجهاز مراراً حسني مبارك من مخاطر تحركات جمال مبارك ووالدته علي نظام حكمه ،إلا ان حسني مبارك لم يستمع نهائياً لتلك التحذيرات ،وكثيراً ما غضب اللواء عمر سليمان والتزم بيته وقدم استقالته،وفي كل المرات كان مبارك يسترضيه ،ويعود الي عمله ،وعندما شعرت سوزان بخطره مع نجلها ومستشاري التوريث أوعزوا لمبارك كالشياطين ان يسند إليه الملف الفلسطيني ويرسله الي "إسرائيل" في العلن وليس في السر ،وعلي الرغم من ذلك تنامت شعبيته وتمتع بنوع من الكاريزما بين الناس العاديين.
ومضي مبارك في ظلمه للرجل حني آخر لحظة تواجد فيها بالسلطة عندما كلفه بمخاطبة الجماهير من اجل الدفاع عن نظامه ،وكانت تلك التكليفات اقسي أنواع المظالم التي واجهها اللواء عمر سليمان علي مدار حياته حيث رفضه الثوار وأهانوه إهانات نعتبرها غير مستحقة ،واعتبروه امتدادا لمبارك ونظام حكمه ،في وقت كان رجاله ينتشرون وسط الثوار ويطلقون شعار الجيش والشعب إييد واحدة ومن خلال خيوطهم العنكبوتية يرتبون كل الأمور .
ولعل أكثر ما أصاب اللواء عمر سليمان بحزن شديد موقف جماعة الأخوان المسلمين منه فلقد وقف الرجل الي جانب الجماعة ونسق معها علي مدار عقدي حكم مبارك الماضيين ،وكان مهندس التحالف الإسلامي بين الإخوان وحزبي العمل والأحرار منتصف العقد قبيل الماضي ،ونصح مبارك في تقارير المخابرات مراراً ان لايستخدم العنف ضد الإخوان وان يتوقف عن معاملتهم كملف امني ،لكن لأن مبارك كان يخطط لتوريث الحكم لنجله ،تجاهل تقارير المخابرات ،وعندما تفجرت الثورة وكلف مبارك اللواء عمر سليمان للقيام بمسئولياته كان أول قرار اتخذه عمر التحاور مع الأخوان وإدماجهم بالحياة العامة .
إلا أن عمر سليمان فوجئ عند ترشحه علي موقع رئيس الجمهورية،بجماعة الإخوان تشن حملة مرعبة تستهدفه واتهموه بالقتل والفساد والسرقة وممارسة الإرهاب ،وكانت اتهاماتهم مرسلة ،ولم يقدموا دليل واحد عليها للرأي العام ،وانضم الي الجماعة في ترديد تلك الاتهامات قطاعات واسعة من الثوار،ولم يقتصر الأمر علي ذلك الهجوم بل فوجيء ايضاً اللواء عمر بعناصر من المؤسسة التي خرج منها عناصر نافذة ومؤثرة تنحاز لأحمد شفيق وترتب ملعوب للتخلص منه ويتم استبعاده من الترشيح تحت ذريعة نقص بعض التوكيلات ،بينما تم الزج بشفيق رغم صدور قانون من مجلس الشعب بعزله الزج به في تلك الإنتخابات .ومن الملفت للانتباه ان المخابرات الأمريكية والصهيونية والفرنسية أبلغت دوائر نافذة بمصر عن رفضها لترشح عمر سليمان ،والذي كانت كل المؤشرات تؤكد فوزه حال خوضه الإنتخابات .
وما لم يستوعبه المرحوم عمر سليمان ان المناخ في مصر كان مناخ ثورة ولايمكن ان يقبله الثوار ،والفلول عن بكرة أبيهم ومعهم المفسدين وبقايا حكم مبارك كلهم التفوا حوله ،الثوار هنا اعتبروه ثورة مضادة ،وضاعت كل أصوات المخلصين لإقناعهم ان عمر سليمان شخص يصلح لفترة انتقالية تبني خلالها المؤسسات لكون ان اللواء عمر بني إستراتيجيته علي الاستعانة بالفلول لكي يصل للموقع الرئاسي ،وذلك بعد ان خذ له الأخوان والذين كان يراهن عليهم وهاجموه وتخلوا عنه تماماً ،ودخل علي الخط من وتر الأجواء بين الرجل وبينهم .
ومن جهتنا حثي لايحدث ما نراه الآن ،وحتي لايصل شخص مثل شفيق لموقع الرئاسة كُنا نفضل اللواء عمر سليمان كرئيس لفترة انتقالية تبني خلالها المؤسسات ،لكن كُنا نفضله في إطار تفاهم مع الثوار ومن بينهم الأخوان طبعاً وليس تفاهم مع الفلول كما اجبره الإخوان علي ذلك ،لكن للأسف نالنا من الحب جانب وتعرضنا لشتائم لم نراها في حياتنا بسبب دعمنا لسليمان ،تعرضنا نحن ايضا للشتائم من الإخوان أيضا والذي دافعنا عنهم وتصدينا لما واجهوه من مظالم علي امتداد حياتنا الصحفية ،وهو ما جعلنا نفقد الأمل ونسحب تأييدنا لعمر سليمان يرحمه الله قبيل ان تستبعده لجنة الإنتخابات الرئاسية بأيام ليس كرها في الرجل إنما لأننا رأيناه يجبر علي اللجوء الي الفلول للوصول للموقع الرئاسي وكان هذا أمر يصعب علينا تقبله .
وعلي كل ،ربما الخيرة فيما اختاره الله لمصر ،وقد تم استبعاد اللواء عمر لأن أجله اشرف علي الانتهاء، لكي يفوز الرئيس الدكتور محمد مرسي أيضا لسبب قدره الله له ولمصر ويعلمه الله ،لكن احسبه سبب فيه من الخير الكثير لهذا البلد العظيم ،ومن هنا فأننا نري مصر الآن في اشد الحاجة للمصالحة والتوحد والوفاق ،وهي القيم التي عمل لها اللواء عمر سليمان طوال تاريخه ،وهذا هو دور الرئيس محمد مرسي أن يوحد أبناء الوطن الشرفاء والذين لم تلوث أيديهم بالقتل والفساد .
رحم الله فقيد الوطن اللواء عمر سليمان ،واتمني ان يسير تلاميذه علي منهاج الخير الذي وضعه في قلوبهم من اجل الحفاظ علي امن كريمة الأديان مصر العظيمة .