حلال وحرام كلمتان خفيفتان علي النطق باللسان، لكنهما ثقيلتان في الميزان عند الله يوم القيامة ،فقد أصبحا اليوم علي لسان كل إنسان ينطق بهما بعلم وبدون علم، هكذا أصبح حالنا اليوم نفتي ونتكلم ولا نسمع وكأننا علماء ولا نعطي فرصة لأحد أن يحدثنا فيما يعلم، مع العلم أن من قال في شيء لا يفقه الله أعلم فقد أفتي ونجي من ذلك. ظهرت في الآونة الأخيرة فتاوى تحرم التطعيم ضد مرض شلل الأطفال بحجة أن هذا قضاء الله وقدره وانه ابتلاء من الله، ولا يصح أن نقف أمام قضاء الله، هكذا هو الحال في بعض بلاد العالم الإسلامي مثل (باكستان ، وأفغانستان ، ونيجيريا) والتي قال فيها رجال منظمة الصحة العالمية أن هذه الدول هي الوحيدة في العالم التي ينتشر فيها المرض.
لم يجد وفد مكتب منظمة الصحة العالمية لإقليم الشرق الأوسط أمامه سوي مشيخة الأزهر الشريف لاستطلاع الرأي الفقهي في تلك الفتوى العجيبة وذلك لما للأزهر من مكانة كبيرة في الشرق الأوسط من الناحية الفقهية والدينية .
والتقي وفد منظمة الصحة برئاسة الدكتور حسين عبد الرازق الجزائري مدير المنظمة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وعرض الوفد عليه أوضاع مرض شلل الأطفال علي مستوي العالم.
وقام الوفد بإيضاح مضاعفات المرض الخطير الذي يؤدي إلي العجز والشلل وأحيانا الوفاة، وشرح وفد المنظمة للأمام الأكبر أن المرض أمكن استئصاله من علي وجه الكرة الأرضية باستثناء الثلاث دول المذكورة .
وأشار الوفد إلي أن القيادات الدينية في هذه الدول الثلاث تقوم بنشر بعض المعلومات والفتاوى المضللة في أذهان البسطاء من الناس مما يجعلهم يمتنعون عن اخذ اللقاح، بزعم انه قد يؤدي إلي العقم وان المواد المستخدمة فيه لا تكون مقبولة من وجهة النظر الشرعية، علي حد قولهم.
بينما من الناحية الدينية ثبت علميا أن هذه الدعاوي لا أساس لها من الصحة علي الإطلاق وان إعطاء هذه اللقاح بشكل واسع سينقذ أطفال الأمة من مخاطر ومصير مؤلم.
وهنا جاء دور الأزهر الشريف الذي دائما نجد فيه الحل الصحيح الذي يتناسب مع العصر الحديث بالاستناد إلي القرآن والسنة النبوية، حيث حسم الأزهر الأمر بأن أفتي بحرص الدين الإسلامي علي جلب المصلحة العامة ودرء المفسدة وان تناول هذا اللقاح ينطبق علي مقاومة مرض شلل الأطفال.
وأكد الأزهر انه أصبح معلوما بشكل علمي ويقيني أن اللقاح ضد هذا المرض يمثل الوسيلة الوحيدة للقضاء عليه، خاصة أن تكاليفه قليله اقتصاديا، موضحا أن تناول هذا اللقاح يقي الأمة من الإصابة بمرض الشلل أو الوفاة، فضلا عن الإعاقة التي لا قدر الله قد يصاب بها الطفل وبالتالي تؤدي إلي أثار مؤلمة نفسيا واجتماعيا.
لم يكتف الأزهر بفتواه فحسب، بل دعا إلي عقد جلسة طارئة لمجمع البحوث الإسلامية لحسم الموقف الديني والفقهي من تلك الفتاوى التي تعرض أبناء الأمة الإسلامية للمخاطر التي تهدد حياتهم.
ودعا مجمع البحوث في جلسته التي عقدها الأسبوع الماضي جموع المسلمين بعدم الانسياق وراء تلك الفتاوى التي تحرم التطعيم، مستندا إلي قوله تعالي ((قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم))، وقال أيضا ((ولا تقتلوا أولادكم)) ويقول النبي صلي الله عليه وسلم (( ما من داء إلا وله دواء)).
ويقول الدكتور الأحمدي أبو النور عضو مجمع البحوث الإسلامية ووزير الأوقاف الأسبق، أن الإسلام يستهدف في تشريعاته المحافظة علي الإنسان من كل داء ومنها الأطفال والعناية بتنشئتهم الصحية التي تمنع عنهم الأمراض.
أما الدكتور طه أبو كريشة عضو مجمع البحوث، فيري أن هناك مبادئ عامة تتعلق بتكوين الإنسان بحيث يكون قادرا علي أداء رسالته في الحياة التي خلق الإنسان من اجلها مستدلا بقوله تعالي ((يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم)) وأيضا قول النبي (ص) ((المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف)).
ونحن هنا نستنتج من خلال التوجيهات القرآنية والنبوية أن ما يقوم به أهل الذكر من الأطباء والمتخصصين يؤدي إلي بناء الإنسان وتكوينه تكوينا صحيحا بدون سقم أو علة مرضية، إلي جانب التحذير من الأمور الأخرى التي تؤدي إلي ضعف الإنسان، ومما لا شك فيه أن التطعيمات التي يشير إليها الأطباء المتخصصين تؤدي إلي البناء وتنشئة الإنسان خال من الأمراض.
لذا يجب علي الأسرة والمجتمع حماية الأطفال من أي ضرر يمكن أن يؤثر علي الناحية البدنية أو العقلية أو النفسية، مصداقا لقول الله تعالي(( ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة)).
ويجب علي الجميع أن يتمثل لهذه النصائح والإرشادات التي تؤدي إلي الطريق الصحيح، وعدم الانسياق وراء تلك الفتاوى المضللة التي تحرم التطعيم، وأن يعلم أن الإعراض عنها يعد آثما.
كذلك يجب علي المجتمع من خلال الوسائل المتعددة وعلي رأسها الإعلام أن تشارك في ذلك من خلال التوعية ونشر الوعي الصحيح والقيام بعمل حملة إعلامية طبية بالتعاون مع وزارة الصحة لتوعية المواطنين علي مستوي الشرق الأوسط لإنشاء أمة خالية من الأمراض.