زكى مبارك محيط - مي كمال الدين "يا ذاهبا بالشباب مهلا / أسرعت أسرعت بالذهاب/ رفقا بصب هواه يطغى/ فيمزج الهزل بالصواب" ولد الشاعر والمفكر زكي مبارك في الخامس من أغسطس، ورحل مخلفا على مدار حياته 45 كتاباً بجانب عدد من الدواوين الشعرية التي تفيض عذوبة ورومانسية وأشهرها "مدامع العشاق"، إلى جانب إبداعاته النثرية التي زخرت بها الصحف والمجلات.
رأيتُ ومن يعش ما عشت يشهد خطوباً في عواقبها iiخطوبُ رأيتُ النيل في هوج iiمخيف تراع به المشاعر iiوالقلوب هديرٌ مزعج الصرخات ماض إلى ما لا يرام ولا iiيطيب
شهدت قرية سنتريس بمحافظة المنوفية مولد زكي مبارك 1892، وفي القرية حفظ مبارك القرآن في الكتاب، وعمل مع الفلاحين في الغيط ومستمعاً إلى المداحين وعاشقاً للمواويل، وحفظ في طفولته ما يزيد على ثلاثين ألف بيت من الشعر العربي. عقب إلتحاقه بالأزهر عام 1908 لقب مبارك "بشاعر الأزهر"، وتخرج حاصلاً على ليسانس الآداب عام 1921، أعقبها بالحصول على ثلاث درجات دكتوراه متتالية الأولى عام 1924 في "أخلاقيات الإمام الغزالي" من جامعة السوربون الفرنسية، ومن نفس الجامعة حصل على الدكتوراه الثانية له في 25 أبريل عام 1931 عن "النثر الفني في القرن الرابع الهجري"، ثم حصل على الدكتوراه الثالثة من الجامعة المصرية وكانت عن "الفلسفة الإسلامية والصوفية في الإسلام" عام 1937، والتي تطرق فيها إلى أصل كلمة "صوفية" ومن هنا لقب ب "الدكاترة زكي مبارك". لم يكتف زكي مبارك بالجانب العلمي أو الشعري في حياته فكان الوطن يحتل مكاناً كبيراً بقلبه فشارك في ثورة 1919، وتميز بقصائده وبلاغته المثيرة للحماس، وترتب على ذلك اعتقاله من قبل السلطات البريطانية التي ألقت القبض عليه في ديسمبر عام 1919. تولي زكي مبارك في حياته مسئولية المحرر الأدبي لجريدة البلاغ في عام 1923، ورأس تحرير جريدة الأفكار، وعمل مفتشاً للغة العربية بالمدارس الحكومية ، وخلال حياته كثرت معاركه الأدبية مع كل من د. طه حسين، وعباس محمود العقاد، وإسماعيل القباني، وإبراهيم عبدالقادر المازني، وغيرهم، مما شغله عن تولي مناصب أخرى تليق به كمفكر وأديب وشاعر، كذلك فضل الابتعاد عن التيارات الحزبية والموالاة للقصر.
كتب يقول: سلامٌ على عهد الهوى iiوتحية من الشاعر الصداع والمغرم iiالصب سأسقى الفؤاد النار بعد صدودكم لينسى الذي قد كان في زمن القرب لقد شاب رأسي شاب من هول iiجوركم ونار الجوى المكتوم تزفر بالشيب أواجه في المرآه شعري فأنثنى فخورا بأني شبت بالمجد والمحب
ومن أشعاره يقول:
رجعتُ إلى رؤى الماضي رجعتُ أسائل رسمها عما iiفقدت رجعت أطوف يسبقني فؤادي إلى ما قد عرفت وما iiجهلت رجعت إليك بعد العتب iiأبكى قواضب قسوتي فيما بكيت إذا الدنيا تراءت في iiصباها ورنّ لحليها في الكون iiصوت فأنت غناؤها في صمت iiقلبي وأنت وفاؤها فيما جحدتُ جمالك في طهارتها iiقتولٌ وعرفُ الزهر إزهاقٌ وموتُ
ومن أشعاره نقرأ : رويدك أيها القلبُ فقد أودى بك iiالحبّ وقد أصبحت لا تسلو فلو أمسيت لا تصبو وبين القلب والعين سجالاً كانت iiالحرب فتذكيه ويبكيها لعمرك إنه خطب لقد أسرفت في حبي كذلك يفعل iiالصب وأصفيت الهوى حبّا له من دله iiحجبُ فمنه الصد والبعد ومني العفو iiوالقرب فلو عاتبته يوما لزاد عناده iiالعتبُ
أثرى مبارك الساحة الأدبية والثقافية على مدار حياته وإلى الأن بالعديد من المؤلفات القيمة والتي تنوعت ما بين النثر والشعر فقدم 45 كتاباً منهم كتابين باللغة الفرنسية عندما كان في فرنسا، وله دواوين شعرية شديدة الرومانسية، كما كان ينشر إبداعاته النثرية والشعرية في المجلات والصحف، وآخر مقالاته التي داوم على نشرها "الحديث ذو شجون"، كذلك نذكر من مؤلفاته "العشاق الثلاثة، عبقرية الشريف الرضي، ألحان الخلود، الموازنة بين الشعراء" وغيرها، وتناول في كتابه "أخلاقيات" الكيفية التي بها يكون المجتمع الإسلامي كما رآه الإمام الغزالي، كما ألف رواية واحدة سميت "دموع العشاق".
توفي زكي مبارك بعد حياة حافلة في الثالث والعشرين من يناير عام 1952 بعد سقوطه في شارع عماد الدين والذي نتج عنه شج رأسه فتوفى بعدها بساعات قليلة. نظراً لمكانته الأدبية والفكرية الكبيرة توج زكي مبارك بوسام الرافدين في عام 1947 والذي منحته له دولة العراق.
أنت في البال يا غريبا بدار لا يذوق الحياة فيها iiغريب إن قبرا حللت فيه لروض فيه من كل زهرة ما iiيطيب عجز الطب عن شفائك iiآها من جراح يحار فيها الطبيب رمضان أتى وأنت iiبعيد وسعير الأحزان منى iiقريب إن عيني لم تبق فيها iiدموع في حنايا الفؤاد دمع iiصبيب يفتح الحزن للمدامع iiبابا فتذوب الأحجار فيما تذوب ما سألنا اللحاد يوما iiعليكم دلنا عنكمو هنالك طيب