حذر المفكر والعالم المصري د. أشرف البيومي من توظيف أحزاب معارضة ومنظمات أهلية وقوى إسلامية لغضب الشارع لتحقيق مصالحها الذاتية المتناقضة مع صالح الوطن . وقال الالبيومي أن ثورة يناير كسرت حاجز الخوف لدى المصريين، لكنها تجاهلت في بداياتها مطلب عودة السيادة الوطنية وركزت على مطالب الحرية والعدالة والتغيير. وبمزيد من التفصيل، أشار الالبيومي إلى أن هناك قوى محلية وإقليمية وأجنبية توظف غضب الشارع لصالحها، رغم أنها كانت تساند السلطة في الماضي، وأهمها أحزاب المعارضة التي سقطت مصداقيتها بسبب انتهازية قياداتها ، وكذلك القوى البراجماتية المستغلة لشعار "الإسلام" فكانت متناسقة مع انتهازيتها التاريخية من عهد فاروق الذي نادت به خليفة للمسلمين، وعبد الناصر الذي أيدته في إلغاء الأحزاب، والسادات الذي كانت سندا أساسيا لسياساته، ومبارك الذي أتقنت معه لعبة القط والفأر. ومن بين القوى الخارجية المؤثرة في المشهد ، الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني ودويلات البترول ؛ حيث تستخدم قدراتها الإعلامية والمالية والمخابراتية لتحقيق مآربها بإعادة إنتاج النظام بمسحة ديمقراطية، وضمان الالتزام بمعاهدة "السلام" مع إسرائيل وبسياسات السوق الحرة. الإخوان والمجلس العسكري يعتبر د. البيومي أن المجلس العسكري سيستخدم التيار الإسلامي وغلبته الانتخابية حتى يكون الحكم العسكري بديلا أفضل في نظر الليبراليين. ولم يكن من المستغرب أيضاً استخدام المجلس العسكري للانتخابات المستعجلة لسحب البساط من متظاهري التحرير وجذب انتباه الجمهور نحو عملية الانتخابات. وكان من الواضح منذ البداية علاقة الإخوان والمجلس العسكري فكلاهما يستخدم الآخر، فالإخوان يريدون انتخابات سريعة وهم في أوج شعبيتهم وقبل أن يتعرف الناخبون بشكل أفضل علي برنامجهم وبرامج الآخرين، والمجلس العسكري يستخدمهم في مواجهة شباب التحرير. أما القوي الأجنبية فهدفها الأساسي هو تحقيق" استقرار" سريع، والتحكم في مسار الغضب الشعبي (إدارة الثورة حسب تعبير مسئولين أوروبيين) حتى لا تفلت زمام الأمور وتتحول إلي ثورة حقيقية. ولفت المفكر المصري لعدم اعتراض الإدارة الأمريكية علي دور المؤسسة العسكرية المحوري رغم تصريحاتها العلنية بضرورة تسليم السلطة للمدنيين، لكنها فقط تفضل أن يكون هذا الدور من وراء ستار، ولا ننسى الأموال التي تغدقها أمريكا عليهم من بوابة "المعونات العسكرية" والتي لا تخضع لأي رقابة أو محاسبة. كما أعلنت الإدارة الأمريكية رسميا ومرارا عن عدم اعتراضها علي وصول إسلاميين "معتدلين" للسلطة ما داموا قد أعلنوا التزامهم بشروطها وعلي رأسها ضمان "السلام" مع إسرائيل والاستمرار في سياسة السوق "الحر". لكن صانعي القرار في أمريكا أبدوا توجسا من اكتساح التيار الإسلامي في الجولة الأولى من الانتخابات وأظهروا انزعاجا من نجاح السلفيين الغير متوقع، هذا الانزعاج لا يرجع إلي تشدد السلفيين وتبنيهم الوهابية؛ وإنما لأن معظمهم من الطبقات الكادحة والتي تبدي نفورا شديدا (مبرر جزئيا) من النيوليبراليين وخطابهم وسلوكهم وكذلك عدم ارتياحها للإخوان. وتسعي الإدارة الأمريكية لضمان دور مهم للنيوليبراليين باختلاف ألوانهم باعتبارهم أقرب شريحة لها. وعن الصعود الإسلامي، يعتبر د . البيومي أن السادات ومبارك فتحا المجال لهذا الاتجاه بالعمل في الأحياء الفقيرة لتقديم خدمات تقاعست عنها الحكومة وفي الجامعات والجوامع، كما سمح للتيار الإسلامي الحصول علي تمويل هائل والتنظيم تحت عنوان السمع والطاعة، في حين عمل حثيثا على بعثرة القوى الأخرى بشتى الطرق وضيق عليها الخناق أمام أي نشاط سياسي أو ثقافي أو إعلامي. إذاً ليس هناك مجالاً للدهشة لغلبة الأحزاب الدينية بينما المفروض أن الدستور المصري لا يسمح بأحزاب علي أساس ديني. استمرار الثورة يقول د. البيومي أن الضمان الوحيد لاستمرار الثورة والتي حققت إنجازات هامة هو التواجد الشعبي في الميادين والضغط المستمر حتى تتحقق كل وليس جزئيات من مطالب الثورة. ويمكننا الآن تعريف فريق الثورة بالمؤمنين حقا بقوة الضغط الشعبي، أما فريق أعداء الثورة والإصلاحيين الذين يكتفون بإصلاحات جزئية أو هامشية فهؤلاء بوعي أو بدون وعي يجهضون الثورة. وهو يعتبر أن المجلس العسكري والتيار الديني تشغلهم مصلحتهم الذاتية، فقد قبل الإخوان الحوار مع عمر سليمان رغم رفض الملايين أيام الثورة ، وسارعوا ومعهم العسكر في الاستفتاء على التعديلات الدستورية لجني مكاسب سياسية رغم أن قوى المجتمع لم تكن مشاركة في صنعها . مضيفا : لا ننسي تصرفات الإخوان السابقة فهم الذين شجعوا وأيدوا إلغاء الأحزاب في 52 كما أنهم كانوا ضد فكرة الأحزاب واعتبر الكثير منهم أن الديمقراطية فكر مستورد. أمريكا تدعم الديكتاتورية يقول البيومي : الإستراتيجية الأمريكية المتبعة ليس فقط في الأمة العربية وحدها بل في أماكن عديدة من العالم بما في ذلك أمريكا نفسها. تعتمد مبدأ "الدمقرطة" وهي تبني وجها ديمقراطيا يخفي هيمنة سياسية واقتصادية علي الشعوب لفترة أطول و بدرجة أعمق وتقلل من احتمالات ثورات شعبية جذرية. هذه السياسات تؤدي حتما لإفقار القطاع الأوسع من الشعب لحساب فئة صغيرة تملك الثروة (واحد في المائة من الأمريكيين يملك أكثر من 15 في المائة من الثروة)، والاعتماد علي جهاز أمني كبير للحفاظ علي "الأمن" و"الاستقرار" ولكنه في الواقع حماية "النظام". وفي هذا الصدد يجدر الإشارة بما قالته سٍاندرا داي أوكونرز القاضية بالمحكمة الدستورية العليا الأمريكية وهي من المحافظين سياسيا عندما تركت منصبها "إن أمريكا تتجه حثيثاً نحو الدكتاتورية". وتستمر السياسة الخارجية العدوانية والحروب الإجرامية من قبل أمريكا وحلفائها حتى أصبح لكل رئيس أمريكي حروبه ( ريجان في جرانادا و بوش في العراق وبنما والصومال وكلينتون في يوغسلافيا وبوش الإبن في العراق وأفغانستان وأوباما في ليبيا وكثير منها تحت عباءة التخلص من دكتاتور والمساعدة الإنسانية ومحاربة الإرهاب) وتوقع د. البيومي أن النظام الرأسمالي سيحشد كل وسائل زعزعة الاستقرار الممكنة من الضغوط الاقتصادية والمالية إلى التهديد العسكري في مصر. وسيدعم القوى الرئيسية القادرة على التأثير وخاصة الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب الحرص على دعم وتطوير وتمويل الحركات الليبرالية ذات الصلة الوثيقة بالنظام الرأسمالي عموماً، وبالولاياتالمتحدةالامريكية على وجه الخصوص من أمثال البرادعي وزويل، إلى جانب الرموز السياسية الليبرالية من كبار رجال الأعمال أو رأسمالية الكومبرادور، مع الأخذ بعين الاعتبار حرص الولاياتالمتحدة على ابقاء الصراع قائماً بين الجيش وجماعة الاخوان المسلمين في إطار تنافسهما على السلطة ، ضماناً لانصياع الطرفين لسياساتها. لذا يدعو المفكر العربي لاستعادة القوى اليسارية ثوريتها الحقيقية ضد التحالف الامبريالي الصهيوني وعملاءه في بلادنا.
يذكر أن د. أشرف البيومي يعمل أستاذا للكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية، وكان سابقا يعمل بجامعة ميتشجان الأمريكية ، وله نظرات هامة في الأوضاع العربية منشورة بوسائل الإعلام المختلفة .