هل تُطبق البصمة على طلاب الأزهر؟. رئيس الجامعة يحسم الجدل    جامعة بنها الأهلية تشارك في مؤتمر الجامعات الرقمية في العالم العربي بعمان    القليوبية ترفع درجة الاستعداد لانطلاق العام الدراسي الجديد    خريطة الأسعار اليوم: ارتفاع الزيت والأسمنت والذهب    التعليم العالي: مصر وألمانيا تطلقان مشروعا مشتركا لتعزيز سلامة الغذاء والصادرات    قرض ومنحة ب60 مليون يورو.. قرار جمهوري بشأن مركز التحكم الإقليمي بالإسكندرية    إطلاق مبادرة "صحح مفاهيمك" بالوادي الجديد برعاية المحافظ    جاهزية 75 قطعة أرض بمشروع «بيت وطن» لتوصيل الكهرباء في القاهرة الجديدة    بولندا: صاروخ أطلق من طائرة مقاتلة غربية هو الذي سقط على الأرجح على منزل أثناء التوغل الروسي    سوريا.. قوات الأمن تحرر مختطفين من السويداء    اتصال بين وزير الخارجية والمبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط    مصر ل"ويتكوف": الفلسطينيون باقون على أرضهم.. ولا تهجير    لويس دياز عن مفاوضات برشلونة: فضلت الانتقال لبايرن لتحقيق البطولات    ميسي يقترب من توقيع عقد جديد مع إنتر ميامي    فيريرا يطيح ب شيكو بانزا أمام الإسماعيلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة في الوادي الجديد    رسميًا.. توزيع درجات الثانوية العامة والبكالوريا للعام الدراسي الجديد    الإعلان عن موعد عرض أولى حلقتي مسلسل ولد – بنت – شايب على WATCH IT (فيديو)    "يارب أسعد حبيبي".. مريم منيب تطلب من جمهورها الدعاء لخطيبها الراحل    الاثنين.. استراحة معرفة- دبي تناقش رواية «سنة القطط السمان» لعبد الوهاب الحمادي    الصحة: المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة» تواصل تقديم خدماتها المتكاملة في مكافحة الإدمان    «الري»: خرائط لاستهلاك المحاصيل للمياه للوفاء بالتصرفات المائية المطلوبة    ميدو: مواجهة الزمالك والإسماعيلي فقدت بريقها.. وأتمنى عودة الدراويش    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    شبانة: وكيل إمام عاشور تخطى حدوده    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    معا من أجل فلسطين.. حفل خيري بريطاني يهدم جدار الخوف من إعلان التضامن مع غزة    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات الخميس    نائب وزير الصحة تشهد إطلاق ورشة عمل للإعلاميين حول الصحة الإنجابية والتنمية السكانية    وزير الدفاع الصيني يجدد تهديداته بالاستيلاء على تايوان لدى افتتاحه منتدى أمنيا    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    سكاي: مورينيو يوافق على تدريب بنفيكا    فرنسا تستعد لاحتجاجات واسعة وسط إضرابات وطنية ضد خطط التقشف الحكومية    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    آثار تحت قصر ثقافة ومستوصف.. سر اللقية المستخبية فى الأقصر وقنا -فيديو وصور    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    الصحة تشارك في مؤتمر إيجي هيلث لدعم الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع الصحي    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    تزامنًا مع عودة المدارس.. «الطفولة والأمومة» يطلق حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف والإساءة    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين فى حادث تصادم أتوبيس مع سيارة نقل بطريق مرسى علم    الأولى من نوعها.. مصر وإسبانيا توقّعان اتفاقية الشراكة من أجل التنمية 2025-2030    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    سعر الأرز والفول والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة أمريكية لإيجاد "إسلام ليبرالى"... فلماذا تريده أمريكا الآن؟ / المهندس عبد المعطي ذكي
نشر في محيط يوم 07 - 07 - 2011


محاولة أمريكية لإيجاد إسلام ليبرالى :
الإسلام الليبرالي... لماذا تريده أمريكا الآن؟


* المهندس عبد المعطي ذكي
المهندس عبد المعطي زكي

منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وتأهب أمريكا للسيطرة الكاملة على العالم رأى منظّروها أن العقبة الأساسية التي تعترض هذه الخطة هي الإسلام.

لأنه يملك الأيديولوجية الوحيدة التي تستطيع أن تتصدى للمنظومة الرأسمالية الليبرالية البرجماتية التي تقودها أمريكا.

وعندما أقول منظرو أمريكا فأنا لا أقصد ما اعتادت وسائل الإعلام ترديده من أن النظرة العدائية قد تصاعدت بوجه عام مع مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة .

من أمثال "ريتشارد بيرل" و"بول وولفويتز" مع الرئيس بوش ولكني أقصد المنظرين الكبار الذين يرسمون السياسات الأمريكية أياً كان القائمون على السلطة، جمهوريون أم ديمقراطيون،

خصوصاً الثلاثة الكبار هنتجتون وفوكوياما وبرنارد لويس فهؤلاء الثلاثة تحدثوا بلا مواربة بأن مشكلة أمريكا هي مع الإسلام نفسه .

وليست فقط مع الجماعات المنطلقة منه أو على حد قول هنتجتون في كتابه (صدام الحضارات): "أن المشكلة لا تتعلق فقط بالإسلاميين الأصوليين وإنما بالإسلام نفسه".

ويحدد فوكوياما هذه المشكلة في تصادم الإسلام مع مبدأ العلمانية الذي تحتم فرضه السيطرة العالمية للنظام الرأسمالي وذلك لتفريغ المجتمعات من القيم الخاصة بها وهو الأمر الذي يتطلبه هذا النظام لتصبح قيم السوق النفعية هي القيم الوحيدة الحاكمة.

ومن ثم تمثل الحل الأمريكي إما في القوة العسكرية وإما في تأويل الإسلام بالطريقة التي تفرغه من مضمونه الذي يتناقض مع العلمانية

، فالعلمانية في فحواها الأخير هي الاقتصار على العقل البشري وخبراته في تصور حقائق الوجود وتصريف شئون الحياة وهو الأمر الذي يعني التصادم الحتمي مع الإسلام، حيث ان مرجعيته في النصوص المقدسة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.

والذي يقول قرآنه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [1] ويقول أيضا: {.. مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ..} [2]

ومن ثم لزم تفريغ الإسلام من قواعده الأساسية ليتوافق مع هذه العلمانية تحت مسمى (الإسلام الليبرالي) ، ف (الإسلام الليبرالي) هو الإسلام المفتوح للتوافق مع كل المفاهيم والقيم الغربية.

أي الإسلام المتوافق مع العلمانية والديمقراطية والعلاقات التحررية بين الرجل والمرأة وقواعد حقوق الإنسان الغربية والمصالح الأمريكية النفعية والذي يمكن أن يتوافق مع كل شيء في الوجود إلا مع حقائق الإسلام نفسه.

ولقد كانت الخطوات الأمريكية متقدمة في هذا الموضوع فقد أعلن عالم السياسة الأمريكي ليونارد بياندر نظريته عن (الإسلام الليبرالي) في كتابة (الليبرالية الإسلامية) عام 1988 والتي ذهب فيها إلى أنه: "بغير تيار الليبرالية الإسلامية فإن الليبرالية السياسية لن تنجح في الشرق الأوسط".

ثم جاء عالم السياسة الأمريكي وليم بايكر عام 2003 ليكتب عن الإسلاميين المستقلين الليبراليين تحت عنوان ذي مغزى هو (إسلام بلا خوف).

أما التنظير الأكبر في هذا الموضوع فيتمثل في التقرير الإستراتيجي لشيرلي برنار العامل بلجنة الأمن القومي بمؤسسة راند المعروفة بصلاتها بالمخابرات الأمريكية عن الإسلام المدني الديمقراطي عام 2003.

وهي تقسم الاتجاهات الأساسية في العالم الإسلامي إلى أربع فرق: الأصوليون والتقليديون والعلمانيون والحداثيون وتقسم اتجاه الأصوليين إلى أصوليين تقليديين وتضرب لهم مثلاً بالوهابيين في السعودية وأصوليين راديكاليين (متطرفين) وتمثلهم الجماعات الجهادية المختلفة.

أما التقليديون فتقسمهم إلى تقليديين محافظين وهم الأكثر تعاوناً مع مؤسسات الدولة والقيم التقليدية للمجتمع وتقليديين إصلاحيين وهم الأكثر استعداداً للتنازل عن التطبيق الحرفي للنصوص حفاظاً على روح الشريعة

وهي ترى أن العلمانيين يعتقدون أن الدين ينبغي أن يكون مسألة خاصة منفصلة عن السياسة والدولة وأن التحدي الرئيسي يكمن في منع التعدي في أي من الاتجاهين وتضرب المثل في ذلك بالنموذج الكمالي ( نسبة إلى كمال أتاتورك ) في تركيا.

أما الحداثيون وهم الذين تعول عليهم الجانب الأكبر في تنفيذ خطتها، فهي تصفهم بأنهم الذين يسعون بنشاط إلى إدخال تنقيات هائلة في الفهم التقليدي للإسلام فهم يؤمنون بتاريخية الإسلام (أي أن الإسلام الذي كان يمارس في عهد الرسول لا يعكس حقائق ثابتة وأن ذلك يتعلق بالظروف التاريخية التي كانت ملائمة لذلك العصر ولكنها لم تعد صالحة اليوم)

أما لماذا يتم التعويل على هؤلاء الحداثيين بالذات فإن ذلك يرجع في الحقيقة لامتلاكهم القدرة الأكبر على التزييف والتضليل .

فهم بعكس العلمانيين التقليديين علمانيون متلونون يصرون على الاحتفاظ بالأطر والشعارات الإسلامية الشكلية الأمر الذي يمنحهم القدرة الأكبر على تدليس المفاهيم بالنسبة للجماهير الإسلامية التي تم تسطيحها بفعل أجهزة الإعلام المعولمة المسيطرة.

أما المضمون الداخلي لأفكارهم فهو مضمون علماني تماماً يجعل المرجعية النهائية لكل التصورات والمفاهيم والقيم والسلوك للعقل والمصلحة فقط لا غير ومسألة تاريخانية النصوص هذه لا يقصد منها سوى نزع القداسة عن النصوص ومن ثم فقدانها الثبات الحافظ لقواعد الدين.

وبذلك يسهل تفكيكه وإعادة تشكيلة بحسب المخططات العلمانية. ويوجه هؤلاء كل جهودهم الفكرية في تأويل الآيات والنصوص لتتفق مع هذه المعايير.

ومن الواضح هنا أن الخطة لم تعمل على صناعة هؤلاء الحداثيين من العدم ولكنها على علم بكل هؤلاء الذين يحملون هذا العوار ومن ثم فإن غاية الخطة هي العمل على دعمهم وعلى هذا فقد كانت مقترحات "شيرلي برنار" في دعم هؤلاء الحداثيين أولاً ويكون ذلك بالتزام المخطط التالي:

• نشر وتوزيع أعمالهم في شرح وطرح الإسلام بتكلفة مدعمة.

• تشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب.

• تقديم آرائهم في مناهج التربية الإسلامية المدرسية.

• إعطاؤهم مناصب شعبية للتواصل مع الجماهير.

• جعل آرائهم وأحكامهم التأويلية للقضايا الدينية الكبرى متاحة للجماهير على مستوى الفضائيات والإنترنت.

• وضع العلمانية والحداثة كخيار مضاد لثقافة الشباب الإسلامي التي يجب وصمها بثقافة العنف.

• تيسير وتشجيع الوعي بالتاريخ والثقافة قبل عهود الإسلام في وسائل الإعلام ومناهج الدراسة.

• تنمية المنظمات المدنية المستقلة لتدعيم الثقافة المدنية.

ومن السذاجة الإعتقاد أن المخططات الأمريكية على قناعة بقدرة هؤلاء على إيجاد بديل للفكر الإسلامي الحقيقي متمثلاً في (الإسلام الليبرالي) وإنما المقصود فقط هو صنع الخلخلة اللازمة لنفاذ الفكر العلماني البراجماتي الأمريكي إلى الجماهير،
ومن ثم فإن شخصيات (الإسلام الليبرالي) والتي كان يطلق عليها من قبل شخصيات الفكر الإسلامي المستنير تستخدم من قبل المخططات الأمريكية كخيال مآته يمكن الإشارة إليه .

كدليل على تعدد الآراء في الإسلام، ومن ثم إثارة البلبلة والفوضى التي يبنى عليها العلمانيون حجتهم في شرعية فرض أفكارهم برضى جميع الأطراف وإن كان في الحقيقة ضد جميع الأطراف.

وإن كان هذا هو المقصود، أي الاستفادة من الحداثيين في إطار الخطط الأمريكية لنشر (الإسلام الليبرالي) فهل يعني ذلك أن تلك الخطط ستترك باقي الفرق الأخرى دون استفادة؟ سؤال يحتاج إلى إجابة.


الليبرالية الجديدة = الليبرالية المتوحشة
في حين أن المدافعين عن النموذج الليبرالي الجديد قد طرحوا التغييرات التي أتوا بها كعقيدة دينية (أو حقيقة مطلقة)، وليس كنموذج أيديولوجي كما هو الأمر في الحقيقة، فإنهم قد بشّروا بها أيضا باعتبارها تغييرات "محايدة طبقيا".

بيد أن التوجهات الاقتصادية لهذا النموذج، أو أسسه الفلسفية والسياسية، لم تثبت أبدا أنها محايدة طبقيا (والحياد الطبقي في السياسات الاجتماعية أصلا فكرة وهمية)، بل الحقيقة إنه أكثر انحيازا لمصالح الرأسماليين الكبار مقارنة بالنماذج/المراحل السابقة للتنمية الرأسمالية.

فهذا النموذج لم يؤد فقط إلى إعادة هيكلة اقتصاديات العالم، ولكنه كذلك قام بتغيير ديناميات الدولة ومفاهيم المواطنة، والمجتمع، والفرد.

يؤدي بنا ذلك إلى الإجابة عن السؤال المحورى: هل يمكن إصلاح هذا النموذج من الداخل؟ .

الجواب المختصر هو لا. حيث أن الليبرالية الجديدة مع ما تنطوي عليه من تحيز "كلاسيكي جديد" وفهم مختزل للإنسان وظروفه ولدور الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على كل جانب من جوانب حياتنا، لا يمكن إصلاحها لتصبح "أكثر إنسانية".

لكن من المهم القول إنه كما أن تغيرات سابقة في الاقتصاديات الوطنية، والسياسة، والنظام الاقتصادي العالمي، أدت إلى صعود الليبرالية الجديدة، فإن تغييرات جديدة أخيرة في نفس هذه المجالات منحت الإنسانية فرصة للتغيير في اتجاه مضاد لليبرالية الجديدة.

فالأزمة المالية العالمية وفشل نموذج الليبرالية الجديدة/ الكلاسيكي الجديد في إنقاذ الاقتصاديات الوطنية من الأزمات المتتالية (المكسيك 1994، آسيا 1997، روسيا 1998، الأرجنتين 2001.

وأخيرا العالم بأسره 2008) أدت إلى اهتزاز الهيمنة الاقتصادية والتناغم الأيديولوجي لهذا النموذج، أي إلى تدميره بنيويا (في أساسه الاقتصادي)، وتدميره كذلك على المستوى الفكري (كفكرة ومفهوم)

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن سقوط الليبرالية الجديدة سيكون تلقائيا أو أنها ستستبدل بنموذج أقل قسوة بدون الجهود الصادقة الدءوبة من جانب الذين تضرروا بسببها، أي من جانب غالبية سكان العالم.

وكبداية، فإن هناك حاجة لعكس الاتجاه الليبرالي الجديد/ الاختزالي التكنوقراطي الكلاسيكي الجديد وإعادة تسييس المظاهر السياسية، أي تفسير المظاهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على حقيقتها، أي كانعكاسات لتوزيع السلطة وعلاقات القوة في المجتمع.

بعبارة أخرى، فإن المطلوب هو الابتعاد عن الهموم التكنوقراطية الصغيرة ، وإعادة التأكيد على العلاقات السببية الهيكلية المشتملة على تقسيم واستخدام الموارد وتركيز أو توزيع السلطة.

وثانيا، من المهم أن نتذكر أن جزءا من عولمة النموذج الليبرالي الجديد كان، على عكس عصور التنمية الرأسمالية السابقة، بسبب عدم وجود خطاب بديل يشكك في هذا النموذج، مثل الماركسية، أو حتى الخطابات الديمقراطية الاجتماعية التي كانت موجودة في سنوات الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات.

لقد ظهرت الليبرالية الجديدة في لحظة تاريخية لم يوجد فيها نموذج بديل آخر. ومن ثم، إذا كنا جادين بشأن استبدال الليبرالية الجديدة، يجب علينا أن نكون قادرين على توفير رؤية بديلة وفهم آخر للنظام العالمي.

وبالنسبة للماركسيين على سبيل المثال، الذين أعتقد أنهم الأفضل استعدادا لمثل هذه المهمة، فإن الرؤية لا ينبغي أن تقوم على قراءة عقائدية لتراثنا، ولكن على فهم حي لعالمنا المعاصر.

الأمر الأخير الذي أعتقد أن الليبرالية الجديدة وأزمتها الراهنة توضحه لنا هو أن الرأسمالية، ذلك النظام الذي أنتج النموذج الكينزي الأكثر اعتدالا ونموذج الليبرالية الجديدة الأكثر قسوة، عرضة للأزمات بطبيعتها.

ولم يكن لنموذج الليبرالية الجديدة أن يكون ممكنا بدون استنفاد النموذج الكينزي، وكذلك استنفاذ نموذج الدولة التنموية، الذين سادا في العالم بعد معاناة حربين عظميين وكساد كبير.

بالتالي، فإن فيما وراء الصورة الكينزية (اليسارية!) للرأسمالية، أو صورتها الليبرالية الجديدة اليمينية)، تكمن حقيقة أهم هي أن الرأسمالية ذاتها معطوبة ولا تحقق مصالح البشر، وأن النضال ضدها، سعيا إلى عالم أكثر إنسانية، هو أمر ضروري وممكن.

التمويل الغربي المشروط

كلنا يعلم أن مؤسسات التمويل الغربية تدفع بسخاء للدفع بالتيار الليبرالى وكلنا يعلم التمويل السخى الذى تدفعه مؤسسة "فريدرش نيومان" فى تمويل الشبكة الليبرالية العربية.

والجهود التى تبذلها الأحزاب الليبرالية فى تكوين الشبيبه الليبرالية والدفع بها إلى الحياه السياسية والجهود الغربية فى هذا الصدد تمت بناء على دراسات مفصله أجرتها مؤسسة راند الأمريكيةوغيرها من المؤسسات الغربية .

وهذا التمويل السخى زادت وتيرته بشدة بعد ثورة 25 يناير وإنهيار نموذج الدوله السلطويه الذى كان يمثله الرئيس المخلوع والطغمه الحاكمه وإنفتاح آفاق العمل السياسى المتمثل فى حرية تكوين الأحزاب وحرية التعبير وإنخلاع سطوة الأمن على الدوله والمجتمع .

مما أوجد حراكا سياسيا وفتح الافاق أمام كل القوى الفاعله حتى ممن كان ينبذ العمل السياسى كالأخوه السلفيين والذين بدأوا فى تكوين احزاب خاصه بهم .

وإذا أردنا أن نرصد تأثيرات هذا التطور السياسى والمجتمعى على فرص التيار الليبرالى فى المرحله المقبله فيمكن الحديث عن النقاط التاليه :

1 - التطورات الحادثه زادت من فرص التيار الإسلامي المتجذر أساسا فى التربه المجتمعية والذى كان حصار نظام مبارك المخلوع له يعطى فرصة إنتشار للتيار الليبرالى لم يحسن إستغلالها فى تكوين قواعد مجتمعيه بل إحتفظ التيار الليبرالى فقط بزخمه بين النخب وفى ساحة الإعلام

2- التيار الليبرالى لم يقاوم النظام السابق مقاومه حقيقيه لأن فكره الإقتصادى لا يختلف كثيرا عنه وبالتالى فإنه بعكس التيار الإسلامي لم يلاحق أمنيا وهذا أثر على شعبيته وسط عموم الناس

3-التناغم الواضح بين التيار الليبرالى ومؤسسات التمويل الأجنبيه والتى إختارت الإنحياز الواضح للتيار الليبرالى اثر بشده فى تقبل جموع الشعب لهذا التيار خاصة مع تقصير هذا التيار فى بناء قواعد شعبيه له.

مع الإعتراف بوجود رموز ليبراليه تحظى بقبول شعبى ولكن الأمر لا ينطبق على الليبراليين كتيار عام فى الساحه السياسيه

4- إن التيار الليبرالى سقط فى اول إختبار ديمقراطى له عندما صدم بنتيجة الإستفتاء التى لم يكن يتوقعها حيث صوت أكثر من ثلثى الناخبين بنعم وهو ما لم يكن يتوقعه وهو ما يكشف عن أنه لم يحسن قراءة الواقع المجتمعى جيدا حيث لم يكن التيار الإسلامى هو وحده الذى صوت انصاره بنعم.

وإنما صوت قطاع كبير من المصريين بنعم سعيا وراء الإستقرار ودوران عجلة الإقتصاد والعجيب أن التيار الليبرالى إعتبر أن هذا التصويت هو قرار غير راشد وإعتبر أنه يجب البدأ بوضع الدستور وتاجيل الإنتخابات البرلمانيه .

وكأن لسان حاله أن هذا الشعب لا يعرف مصلحته وأن لا إعتبار لإرادة الأمه التى هى مصدر السلطات وبدأ فى الدفع الإعلامى والنخبوى فى هذا الإتجاه وهذا سقوط سياسى يتنافى مع الليبراليه السياسيه التى تحترم إرادة الأغلبيه .

5 - أن التيار الليبرالى إعتبر أن معركته الرئيسيه هى مع التيار الإسلامى وخلق معارك وهميه أراد أن يسحب الإستقطاب الإعلامى والمجتمعى حولها كذلك الزخم غير المبرر عن الدوله المدنيه والدوله الدينيه والماده الثانيه من الدستور.

والتى تعتبر مبادئ الشريعه الإسلاميه هى المصدر الرئيسى للتشريع وهى معارك مختلقه لأن الإسلام لم يعرف أبدا ما يسمى بالدوله الدينيه التى عرفتها أوروبا والأقليات غير المسلمه شهدت أزهى عصور التسامح فى ظل الإسلام.

والجدير بالذكر أن التيار الإسلامى تعامل برشد وصبر مع هذه المعارك الوهميه وأخذ يلقن التيار الليبرالى دروسا فى ضرورة عدم الإلتفاف على إرادة الجماهير

6- أن التيار الليبرالى لا يريد أن يخوض إلى الآن معركة التغيير الحقيقيه والتى تستدعى تجاوز المرحله الإنتقاليه وبداية بناء المؤسسات ومحاصرة قوى الثوره المضاده ونقل الصلاحيات تدريجيا إلى مؤسسات منتخبه وهو ما يصر عليه المجلس العسكرى .

وهو أمر يحار فى فهمه العقلاء فالعسكريين على عكس ما يروج عنهم يريدون أن يعودوا إلى الثكنات ويتفرغوا لواجبهم المحورى فى حماية الوطن والليبراليين يريدون تمديد الفتره الإنتقاليه بحجة الإنفلات الأمنى وعدم إستعداد معظم القوى الأخرى بخلاف الإسلاميين لخوض الإنتخابات .

وهذا التوجه يجعل رجل الشارع العادى يشعر بتهافت هذا التيار وبعده عن الحس الجماهيرى وخوفه من المواجهه مع التيار الإسلامى .

7 - أن هذا التيار لا يسعى إلى توافق مجتمعى يتناسب مع ظروف المرحله ويصر على إستخدام الإسلاميين كفزاعه كما كان النظام البائد يفعل وهذا التوجه يضعف من صورته وسط عموم الناس حيث كان التيار الإسلامى هو قوة المعارضه الرئيسيه أيام نظام مبارك المخلوع

8 - أن التيار الليبرالى وأعوانه يخوضون حربا غير شريفه ضد التيار الإسلامى خاصه السلفيين منتهزا تعدد فرقهم وعدم وجود تنظيم جامع لهم ومعظم ما تم تلفيقه ثبت إعلاميا أنه كان مختلقا حتى اصبح الأمر مدعاة للسخريه على صفحات الشبكه الإفتراضيه.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ظهرت محاولات لإقحام السلفيين فى إيقاظ الفتنه الطائفيه النائمه بإشاعات مغرضه والمراقب للساحه الإعلاميه .

يلاحظ أن هذه الحمله المغرضه قد تكشفت معالمها وزاد وعى إخواننا السلفيين فيما يدبر لهم بل بدأوا فى دخول عالم السياسه وتقدموا لإنشاء أحزاب وتلك ملامح تطورإيجابيه للفكرالسلفى المحافظ كان من الأولى ان تحظى بالتقدير

9 - أنه من الواضح أن التيار الليبرالى يريد أن يقصى التيار الإسلامى من الساحه السياسيه لأنه لا يتوافق مع الأطروحات الإسلاميه التى تحظى فى مجموعها بقبول مجتمعى والتى يملك التيار الإسلامى القدره على الحشد المجتمعى لها .

وهو ما يقلق هذا التيار لأنه لا يتوافق فكريا مع المرجعيه الإسلاميه التى أساسها الوحى بينما الليبراليه مرجعيتها الفكر البشرى أو ما يسمى بالعلمانيه والتى تصر على تنحية الدين عن المجتمع وحصره فى الشعارات التعبديه وهو فكر غريب عنا وليس له قبول مجتمعى

إن خلاصة القول إن الليبراليه لا تقبل الإسلام كمنظومه فكريه أو فلسفه شامله لإصلاح الإنسان والمجتمع
إنها تريد ىخر غير إسلامنا إسلاما ليبراليا يتم تفريغه من مضمونه ليقبع فى الزوايا والمجتمع ويترك الفكر الليبرالى بمنظومته القيميه ليدير حياة الناس والمجتمع .

ولأنها لا تجرؤ على تحدى العقيده الجامعه لعموم الشعب فهى تحاول من خلال نخبها وجهازها الإعلامى العالى الصوت والتأييد العالمى وبالتحديد الغربى أن تمارس ضغوطا مجتمعيه وسياسيه لإنفاذ هذا المخطط غير عابئه بالصالح المجتمعى وعقيدة الغلبيه لأن هذا هو الفكر الذى تربت عليه النخب الليبراليه وهو فكرى غربى بالأساس وليس له قبول مجتمعى

إن الغرب الليبرالى يريد أن يطوعنا كمسلمين لتبنى مشروعه الليبرالى ولأنه يعلم انه من المستحيل على المسلمين أن يتخلو عن دينهم ولذلك يحاولون تطويع المسلمين بحيث يتبنو خطابا إسلاميا جديدا.

لقد قال(نيكولا ساركوزي) الرئيس الفرنسى يوم أن كان وزيرا للداخليه ( الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي ، وليس إسلاماً في فرنسا)

وهى عبارة ذات مغزى وهى تعنى بوضوح أن المشروع الليبرالى لا يمكن أن يتحقق له التمكين فى وجود المشروع الإسلامى ذو الأصول الربانيه والمحفوظ من فوق سبع سماوات ولذلك فإن تطبيقه بصورته الصحيحه يؤدى لا محاله إلى إعادة المسلمين إلى عصور التمكين

وذلك خط أحمر فى ظل فكر صدام الحضارات ونهاية التاريخ وأعود واقول لإخواننا الليبراليين إن أى فكر لا ينطلق من المنظومه القيميه المجتمعيه ومن الصالح الوطنى لعموم الناس محكوم عليه بالفشل .

فليس هناك ولا يمكن أن يكون هناك أو هنا إسلام ليبرالى هناك فقط إسلام واحد هو رسالة الله الأخيره إلى البشر إسلام صالح لكل زمان ومكان.

وهو الذى تعهد المولى عزوجل بحفظه إلى يوم القيامه وبتطبيقه وبآليات الاجتهاد والتطوير فيه يسعد الناس فى الدنيا ويحوزون الفوز فى الآخره.

إن مشكلة الليبرالية الحقيقية هى فى توجهها الإقصائى ولو كانت تؤمن بأصالة مشروعها لتركت للناس حرية الإختيار ولكن المشكلة أن الليبراليه فى كل أطوارها إرتبطت بالهيمنة الإستعماريه ثم فى طورها الأخير بالعولمه التى لا ترضى إلا بإقصاء كل المشروعات المنافسه من الساحه.

إن الإسلام يرضى بالمنافسه وترك الإختيار للناس ثقة فى مشروعه ولكنهم لا يرضون بذلك لأنهم لا يرضون بالهزيمه فاعتبروا يا أولى الألباب

________________

[1] (36) سورة الأحزاب.
[2] (38) سورة الأنعام

--------------------------

*كاتب وباحث مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.