انطلقت امس ببغداد أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية تمهيدا للقمة العربية المنتظر عقدها غدا الخميس بحضور جد محتشم لممثلي الدول العربية . وتتلخص أعمال القمة الاقتصادية الثالثة من نوعها - بعد قمة الكويت في 2009 وقمة شرم الشيخ في 2010 – في مناقشة 3 ملفات هي : التعاون السياحي البيني ، الأمن المائي وأخيرا التعاون على الحد من أخطار الكوارث الطبيعية . وواضح من خلال هذه الملفات التي لا ترقى الى مستوى الاستراتيجيات بسبب طابعها الجزئي أن الدول العربية - ممثلة في مجلسها الاقتصادي والاجتماعي – لا تزال تعاني من ضعف النظر في رسم مستقبلها الاقتصادي ، ليس لأنها لا تملك الموارد اللازمة لتحقيق نهضة تنموية متينة ولكن لأن نمط الحكم فيها لا يسمح بالتفكير خارج حدود الريع والطبيعة . ومقارنة بسيطة بين التفكير الاقتصادي في دول الاتحاد الأوربي مثلا أو لدى مجموعة " أبيك " وتفكير مؤسساتنا العربية تجعلنا نقف على الفرق الحقيقي بين تفكير مبني على الأولويات في توازن الأسواق وحاجات السكان وتفكير مبني على نظرة مفككة للهم الاقتصادي العربي . ففي حين تستجيب الرؤية الأولى لسؤال النمو والتضامن التجاري ورفاهية المستهلك ، تقفز الثانية على أسئلة التشغيل ومحاربة الفقر وتحقيق التنمية المحلية لبلدان تجاوزت الخطوط الحمراء في موضوع التوازن .
ملفات خارج الموضوع العربي
كل الملفات المعروضة على قمة بغداد الاقتصادية ذات محتوى ريعي وشديدة الارتباط بالطبيعة وبالعامل الخارجي ، لا ملفا واحدا يخص الانسان من خلال محتواه البشري ، كما أن الملفات ذاتها لا تملك أدوات تفعيلها في الواقع بسبب المخاطر الأمنية التي تحيط بالمجموعة العربية . كيف يمكن تطوير قطاع السياحة قوميا وهاهي الحكومات العربية تفشل في اطلاق قطاعات سياحية مستديمة القيمة . ألم تتراجع السياحة في كل من مصر وتونس الى حدود العدم بمجرد أن تراجع الأداء الاقتصادي في منطقة اليورو ؟ كيف نفسر تراجع السياحة في سوريا بنسبة 70 بالمائة في عام واحد وهي الدولة التي ظللنا ليوم قريب نظن بأنها من أكثر الدول العربية استقرارا ؟ أما معضلة الأمن المائي ، فيكفي أن نقلب في وثائق الجامعة العربية لنكتشف المشكلة وتوصيفها وأرقامها وحدودها وآثارها والحلول اللازمة لادارتها ، ولنعرف بأنها معضلة يشترك في حلها العرب ودولة الكيان الصهيوني معا ، وأن حربا في لبنان دارت حول مياه نهر " الليطاني " ، وأن الكلام في الموضوع خارج الصراع العربي الاسرائيلي لا طائل من ورائه ، صراع مازالت المجموعة العربية تقف منه موقفا ممزقا ومفككا وغير منسجم مع إرادة الشعوب . ويأتي ملف التعاون على ادارة الكوارث الطبيعية ليؤكد الرؤية العربية المتشائمة لتحديات المرحلة ، وقد تناسى الجميع بأن الجزء الأكبر من تلك الكوارث ناجم عن سياسات قطرية متكاسلة في تأمين حياة الانسان العربي ، والأمر يتجاوز البنى القاعدية ومعايير السلامة في الانشاءات وخطط مواجهة التصحر والجفاف الى دور الحكومات ذاتها في ترقية الحس المدني للشعوب .
اهتمامات الشأن العربي
كان من المواتي أن تطرح قمة بغداد الاقتصادية استراتيجية الاتحاد العربي المبني على الصناعة والأمن الغذائي وتفعيل رأس المال العربي في اتجاه التنمية . وكان من الممكن استبدال الرأي السياسي بالرأي الاقتصادي القائم على حقائق الأسواق ومعيشة السكان . الرأي السياسي الذي نزل بالقمة العربية من مستوى الرؤساء والملوك الى مستوى الموظفين في وزارات الخارجية ، وهذه سابقة لم تحدث في التاريخ العربي منذ اطلاق مخطط سايس بيكو لتفتيت الجسم العربي في 1916 . وكان من المناسب أن يطرح ملف الاقتصاد العربي في ظل الحراك الثوري الذي عصف بالموارد المصرية والتونسية والليبية واليمنية والسورية حتى باتت أقرب الى وضعية " الأزمة " المستديمة . وكان من المواتي أن يتناول المشاركون ظاهرة " الفساد " المالي في دول عربية كثيرة تعيش بروزا متناميا للبرجوازية الصغيرة على حساب مستقبل شعوبها . وكان من المواتي أن تناقش القمة موضوع النظام الاقتصادي العربي الذي لا يزال يعيش على استثمارات حكومية بنسبة 60 بالمائة وعلى الريع بنسبة 70 بالمائة وعلى سوق داخلية لا تتجاوز 360 مستهلك ، وعلى سوق خارجية تستحوذ على 90 بالمائة من حاجياتها الصناعية ، وعلى فجوة غذائية لامست 40 مليار دولارا سنويا ، وعلى غياب كامل لسياسات الاندماج النقدي . نعم ، ستنفض قمة بغداد الاقتصادية كما انفضت قمتا الكويت وشرم الشيخ ، الأولى على قرارات لم نر منها شيئا على الأرض ، والثانية على أوضاع جديدة لدول " الربيع العربي " أقل ما يقال عنها أنها أوضاع " الأزمة " والتبعية للقروض والمساعدات الأجنبية . Messaitfa . [email protected]