اختتمت الاثنين الماضي بالجزائر أعمال الملتقى الدولي الثاني لجامعة الوادي في موضوع " واقع التكتلات الاقتصادية زمن الأزمات " بحضور 9 دول منها 6 جامعات عربية والقاء 100 بحث كامل في اشكاليات عدة . وجاء تنظيم الملتقى متزامنا مع زيارة كاتبة الدولة للخارجية الأمريكية لدول المغرب العربي حيث بدا واضحا اهتمام مراكز الجذب الصناعي في العالم بأسواق جديدة بالنسبة لها بسبب المعطيات الطارئة في دول المحيط وتحت ضغط الصعوبات التي تجتازها حاليا دول التكتلات الكبرى في العالم ولاسيما منطقة اليورو. وفي نفس الوقت الذي انعقد فيه الملتقى يجري التحضير لقمة أوربية كبرى نهاية الأسبوع الجاري لبحث آليات أخرى لدعم الاستقرار في منطقة الاتحاد الأوربي . فهل وفق الملتقى في التوفيق بين الجدل الدائر في الدوائر البحثية الخارجية بشأن مستقبل التكتلات من جهة ومستقبل الدول النامية ومنها العربية من جهة ثانية ؟ وما هي الحلول الواجب اتباعها كي تحظى تلك الدول بموقع متقدم على خارطة الجغرافيا الاقتصادية الجاري تشكلها ؟ اشكاليات عدة وموضوع واحد تناول الملتقى الدولي الثاني حول " واقع التكتلات الاقتصادية زمن الأزمات " اشكاليات عدة تدور حول موضوع واحد : أي مستقبل للرقع المنظمة اقتصاديا في ظل اتجاهات الأزمات ، ولكن الحوار العلمي دار بشكل مركز حول ظلال أزمتين اثنتين على اتجاهات العولمة الاقتصادية هما أزمة الرهن العقاري 2008 ، وأزمة اليوروزون 2011 ، وهو أمر طبيعي بحكم الصدى العالمي الذي أحدثته الأزمتان على مستوى الأسواق وقرارات الدول . تكلم الباحثون في اشكاليات تاريخ ومحتوى الأزمات ، أسواق المال ، الصدمة النفطية المرتقبة ، المؤسسات المصرفية والمالية الاسلامية في زمن الأزمات ، اتجاهات أزمة الديون السيادية ، مشكلات التكامل العربي ، واقع التكتلات الاقتصادية في كل من أمريكا وآسيا ، مكونات النظام الاقتصادي العالمي ، وأخيرا الآليات المتبعة لاحتواء الأزمات العالمية من منظور التكتل الاقتصادي . اشكاليات تتمتع بمحتوى فكري راق وتطرح أسئلة الحاضر : هل حقيقة تتمتع التكتلات الاقتصادية في العالم بمحتوى نظري يرقى الى أدبيات الاقتصاد السياسي ؟ هل تعبر الأزمات التي تجتاح العالم الاقتصادي حاليا بشكل متسارع عن اخفاقات النظام الاقتصادي المبني على النظرية التقليدية أم أن الأمر يتعلق بدوران الحياة في الموضوع الاقتصادي ؟ وأخيرا ما الدروس المستفادة من اتجاهات الاقتصاد المبني على التكتل سواء بالنسبة لدول المركز الرأسمالي في كل من أمريكا وأوربا وآسيا أو بالنسبة لدول المحيط المتشابكة هي الأخرى مع دول المركز والمبعثرة على الخارطة الاقتصادية العالمية ومنها البلاد العربية؟ الأجوبة العلمية لبس النقاش في الملتقى الدولي الثاني عن " واقع التكتلات الاقتصادية زمن الأزمات " لبوسا علميا صرفا ، وجاءت الاجابات عن الأسئلة المطروحة منسجمة مع ما درسه الدارسون في موضوعات الاقتصاد : العالم يحصد حاليا نتائج سياسات حكومية اقتصادية ومالية تفتقد الى النجاعة لأنها تفصل بين الاقتصاد الحقيقي المبني على الثروة والاقتصاد الاسمي المبني في جله على المضاربة . وأن الحكومات في مراكز الجذب الرأسمالي تثير الطلب الداخلي خارج حدود الناتج الداخلي ما جر الموازنات الى حالة العجز ومن ثمة الى الحلول المبنية على الاقتراض وهو المدخل الرئيس لأزمة الديون السيادية في الدول الصناعية . أسواق المال لم تعد تعمل بقاعدة الافصاح وبات " التوريق " وبيع الديون طريقا الى تراكم رأسمال كبديل عن الانتاج في القطاعات المنشئة للثروة مثل الزراعة والصناعة . الطلبات الورقية على النفط زاد حجمها في أسواق الطاقة بحافز من الطلب الصناعي ما دفع بالدول المستهلكة الى تحمل أعباء جديدة ومصطنعة وبالدول المنتجة الى حفز سياسة العرض في أسواق الطاقة ، والنتيجة على الجانبين ضررها أكبر من نفعها : زيادة الأسعار الصناعية ، وسوء تخصيص الموارد . الفوائد البنكية والرهونات العقارية جرى توظيفها بشكل سلبي في اتجاه تضخيم السيولة وسوء تقييم الأصول ودخلت المجتمعات الصناعية في حالة من الخوف من المستقبل الاقتصادي والمعيشي للعائلات . العرب على خط الأزمات اتفق المشاركون في الملتقى الدولي عن التكتلات الاقتصادية في زمن الأزمات على أن اشكالية هذا اللقاء العلمي يجب أن تؤدي الى توصيات في مستوى التحدي الذي تصنعه الأزمات على خارطة التكتلات الاقتصادية . وهذا مطلب مشروع حيث لا يمكن صناعة الحلول خارج مخابر البحث كما هو الحال في حالة العلوم الدقيقة . وفي ذات الاتجاه يشكل الاقتصاديات العربية ساحة خصبة لاختبار جدوى التكتل في الاطارين العربي والمغاربي من جهة ومدى قدرة تلك الاقتصاديات على امتصاص حالة الصدمة سواء أتعلق الأمر ببنية الاقتصاد المفتقدة للتنوع أو بايرادات انتاج النفط . مؤشرات الاقتصاد الكلي في الدول العربية ظلت متشابكة بشكل قوي مع اتجاهات الأزمة في مناطق التكتل الصناعي و أزمة 2008 أدت الى تراجع ايرادات الخزينة في كل الدول العربية وفي تراجع مداخيل العائلات وتراجع الاستثمار . نعم ، تقع البلاد العربية على خط الأزمات الدورية في الاقتصاد العالمي لأنها متشابكة سلعيا بشكل قوي مع مراكز الجذب الصناعي في القارات الثلاث : أمريكا ، أوربا وآسيا . وفي انتظار حدث تاريخي كبير يسمح بانتقال المراكز المذكورة الى مناطق جغرافية أخرى تعطينا مزايا تنافسية أكبر يظل الرهان الحقيقي المتاح لنا متمثلا في صناعة الظرف التاريخي المناسب لتحويل ما منحه الله لنا من امكانيات الى رأسمال حقيقي في مجال : المورد البشري أي التعليم والتكوين الراقي ، المورد السياسي أي الحكم الصالح والمورد الاقتصادي أي الادارة الراشدة . فهل يحدث هذا على نحو ما أم تظل توصيات ملتقى الوادي حبرا على ورق ؟ [email protected]