بمناسبة الاحتفال بمئوية صاحب نوبل نجيب محفوظ أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة كتاب "نجيب محفوظ وتحولات الحكاية:اللص والكلاب نموذجاً" للكاتب والناقد شريف صالح. ويعد الكتاب أول دراسة من نوعها، إذ تستقصى نص "اللص والكلاب" بدءاً من الحكاية التي تأثر بها محفوظ والتي نشرتها الصحف مطلع الستينيات عن سفاح الإسكندرية، مروراً بنشرها في رواية، وصولاً إلى استلهامها في فيلم سينمائي ثم في مسلسل. ينطلق صالح في دراسته من فرضية أساسية بأنه ليس للإنسان وجود خارج الحكاية، فهو يستوعب ذاته ضمن حكاية أبدية كبرى تبدو لانهائية. ويحاول البحث أن يستوعب الحكاية في تجلياتها المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة، كيف تشتغل وما هي مكوناتها الرئيسية؟ كيف تصاغ وتتطور؟. في نص حادثة سفاح الإسكندرية محمود أمين سليمان الذي نشرته الصحف في مارس وإبريل عام 1960 نتعرف على سفاح عمل في مهن كثيرة، كما كان بارعاًَ في التنكر، وقادراً على المراوغة والهروب بين مدن كثيرة كالقاهرة والجيزة والإسكندرية. ومن تلك الشخصية الثرية والمثيرة استلهم محفوظ شخصية "سعيد مهران" في "اللص والكلاب التي صدرت عام 1961، وإذا كانت أسطورة السفاح بدأت عقب هروبه من السجن، فإن أسطورة سعيد مهران بدأت عقب خروجه من السجن. و كثف محفوظ أحداث الرواية في حدود أسبوعين بدلاً من شهرين. كما اختزل أماكنها الموزعة على عدة محافظات مكتفياً بالقاهرة الكبرى، وبدلاً من التركيز على حي محرم بك باعتباره مركز الأحداث، أدخل محفوظ سعيد مهران عالمه الأثير وتحديداً أحياء القاهرة القديمة حول القلعة. ومن بين حوالي 90 مكاناً ورد ذكرها في الحكاية الصحفية، اختزل محفوظ خريطة اللص في حوالي 20 مكاناً. وبينما حفلت الحكاية الصحفية بأكثر من 150 شخصية، نصفها من رجال الشرطة والنيابة والقضاء، فإن الرواية قلصت العدد إلى حوالي 40 شخصية. لكن الملاحظة الأساسية أن معظم الشخصيات في الحكايتين كانت معارضة لسعيد مهران ومهددة لوجوده. وفي عام 1998 قدم المخرج أحمد خضر مسلسل "اللص والكلاب"، ويقع في 17 حلقة، وعلى عكس الرواية والفيلم اللذين كثفا عدد الشخصيات، فإن المسلسل جاء مشابهاً للحكاية الصحفية في ضخ عشرات الشخصيات الثانوية في مجرى الحكاية. تكشف قراءة الحكايات الأربع عن عدم تطابقها على مستوى بنائها وشخصياتها وأزمنتها وأماكنها ورؤيتها لشخصية البطل. فالحكاية إذن مفتوحة على احتمالات كثيرة في إنتاجها، وكذلك في تلقيها، وخير مثال على ذلك تباين قراءات النقاد للرواية فهناك من صنفها باعتبارها رواية قصيرة (أنور المعدواي)، أو قصة قصيرة طويلة (يحيى حقي)، أو قصة متوسطة الحجم (ماهر فريد شفيق). وبالنسبة إلى الاتجاه الفكري والجمالي، فإن البعض اعتبرها "قصة كلاسيكية القالب رومانسية المضمون" (لويس عوض) فيما نسبها آخرون إلى الاتجاه الوجودي، فأزمة سعيد مهران وجودية من وجهة نظر أنور المعداوي، وغالي شكري وإبراهيم فتحي. الحكاية تبقى مفتوحة إلى الأبد إنتاجاً وتأويلاً وإعادة إنتاج، كما تبقى متشابكة مع تاريخ لا نهائي من الحكايات. وتلك المساهمة البسيطة هي محاولة لإدراك عملية بناء النص الروائي لدى محفوظ وتحولاته، وتعميق الوعي به انطلاقاً من مقولة بسيطة جداً مفاداها "لا أحد ينزل نهر الحكاية مرتين".