مع اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية المتزايدة في صفوف جميع فئات الشعب من العمال والمزارعين والطلاب والتربويين وخاصة الفئات المحرومة والمعدومة والشباب في إيران، ساد الخوف في نظام الملالي برمته. يوم الثلاثاء الماضي أكد روحاني خلال كلمته في برلمان النظام نقلا عن خامنئي قوله: «عليكم أن تهيئوا أنفسكم لمواجهة المشاكل الاجتماعية» (كلمة روحاني في برلمان النظام- تلفزيون النظام الإيراني- الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016). تصريحات الولي الفقيه تدل على مدى خوفه من تداعيات «المشاكل الاجتماعية». نظرة عابرة إلى الحركات الاحتجاجية لمختلف فئات الشعب الإيراني خلال الشهور الأخيرة ومسار توسع هذه الحركات والمنحى التصاعدي له باتجاه أن تصبح أكثر جذرية بإمكانها أن توضح "خسائر فادحة لسلامة عقلية المجتمع" وتكشف عن أسباب كل هذا الخوف الذي اعترى النظام برمته. وفي هذا السياق هناك مكانة بارزة لحضور عشرات آلاف من المواطنين القادمين من مختلف محافظات البلد ممن اجتمعوا في "باسارغاد" حيث كان يهدف رأس النظام والمواصفات الرئيسية للنظام الفاشي الديني الحاكم في إيران. وشكل الشباب غالبية هذا الاجتماع الشعبي حيث كانوا يهتفون: «الموت للديكتاتور» و«نظام الملالي يعمل الظلم والحرب فقط » وغيره من الشعارات حيث هز النظام إلى حد تعترف وسائل الإعلام التابعة له وعناصره بان « باساغارد لم يكن إلا ذريعة والهدف هو كيان النظام». كما أن هناك اجتماعات أخرى من مختلف فئات الشعب رغم انه كانت غالبيتها في البداية طلبات مادية ومهنية إلا أن في استمرارها سرعان ما تحولت إلى طلبات سياسية تهدف النظام ومبادئها بما فيها المتضررون في أموالهم من قبل مؤسسات النظام، وهم كانوا يرددون: «مع كل هذه الاختلاسات، صارت إيران كربلاء» كما أنهم يتوعدون الملالي بالويل والثبور قائلا: «أيها الملالي الحاكمون الذين يأكلون السحت، انتهى الوقت، اكتناز المزيد من الأموال حرام عليكم!». ويمكن المشاهدة بوضوح أن الاحتجاجات الاجتماعية تجاوزت مسار الراديكالية خلال الأسابيع والشهور الأخيرة، حيث تحولت من هتافات مادية بحتة إلى هتافات بمضامينها السياسية من أمثال إسقاط الديكتاتور، وهذا هو نفس الحقيقة التي جعل خامنئي وغيره من قادة النظام متخوفين هكذا وإرغامهم على البحث عن مخرج لهم. ويأتي خوف النظام بشكل خاص لكونه قد خرج اتساع نطاق الاحتجاجات من الأماكن المحصورة إلى الشوارع والأماكن غير قابلة الخضوع للسيطرة ونقلها من الطلاب والجامعات إلى جماهير غفيرة من أمثال الشباب والعاطلين عن العمل. ويعرف النظام بأنه إذا اقتربت هذه النار إلى عشوائيات المدن والفقراء وجيش العاطلين عن العمل والناس الجياع الذين ليس لديهم شيء ليخسروه إلا آلامهم، ما هو إلا وصول لحظة موعودة ما يدور في بال الولي الفقيه من كابوس أثناء النوم واليقظة. لذلك نرى أن العدو الافتراضي في «مناورة مدافعي حريم الولي الفقيه» هم العاطلين عن العمل والعمال أنفسهم كما وصف موقع حكومي هذا الكشف بأنه "زلة عجيبة غريبة" وكتب: «من العجيب جدا أن يكون مدافعي حريم الولي الفقيه أعداء بوجه العمال العاطلين عن العمل والناس البسطاء ممن يطالبون بالعمل والعيش وأبسط الحقوق الإنسانية» (موقع هشدار نيوز الحكومي- الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016). ولكن في نفس الوقت تعتبر هذه الزلة حقيقة بامتياز والمعنى الحقيقي ما يكشفه خامنئي عندما يقول: "عدو! عدو!..." وهذا ليس الا «العمال العاطلين عن العمل والناس البسطاء». ولكن هل هذه الاجتماعات والمشاورات من قبيل ما يتم الإشارة إليه في بداية هذه السطور، تتمكن من مواجهة "العدو"؟ ان التصريحات التي أطلقها مسؤولو النظام تجيب بوضوح على السؤال رغم محاولتهم لتذليل أبعاد هذه الأزمة والإيحاء بانهم يمسكون الأوضاع. فعلى سبيل المثال روحاني وخلال كلمته الأخيرة في برلمان النظام أقر بوضوح بأزمة البطالة بمثابة أخطر وأشمل الأزمات في النظام التي اتخذت بعدا أمنيا قائلا: « نحن متخلفون جدا في ملف فرص العمل و... ان الحكومة غير قادرة على إيجاد فرص للعمل لأكثر من مليون شخص سنويا في الظروف الراهنة». وذلك في الوقت الذي يبلغ عدد العاطلين عن العمل إلى 7- 9 ملايين وحتى 15 مليون شخص أكثر من 60 بالمئة منهم الشباب، حسب إحصائيات بعض عناصر وخبراء النظام. ولا يمتلك النظام أي حل لهذه الأزمة الكبيرة للغاية التي تتفاقم وتحتدم يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة. وليس من الصدفة أن صارت « خيبة الأمل والتشاؤوم» السائدة في صفوف المواطنين حيال النظام كلاما شائعا على لسان رموز النظام من كلتا الزمرتين، حيث يجبر رفسنجاني على الإجابة لسؤال «ما هو أهم مخاوفكم لمستقبل النظام؟» قائلا: «شعور الناس بخيبة الأمل لا يؤدي إلى قلق لنظامنا فحسب، انما كان لأي نظام في الحكم» (وكالة إيرنا الحكومية- 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016)