هو شاعر ثوري، ظلت تهمته "كتابة القصائد المناهضة لنظام الحكم" هكذا قالها وكيل النيابة عبدالمجيد محمود، قبل أن يصبح النائب العام، وهكذا ظل مسجونا لمرات ومرات رغم تبرئة المحكمة ساحته، لغضب السادات عليه، وقد عاصر حروبا وثورات عالمية، وكتب يوما أشهر كلمات تغنى بها الشيخ إمام تقول "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر". كما قال "ارحل يا جيش الظلام .. دي الخطوة ثورة وضي/ خلي ولادنا الصغار .. تكتب تاريخنا الجي / كل المظالم تموت .. والشعب وحده اللي حي" .. السطور التالية تحمل حديث "محيط" مع الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد . محيط : شاركت منذ شبابك في مظاهرات عارمة ومختلفة ، كيف تقارنها بثورة يناير ؟ - ثورة 25 يناير شاركت بها كافة طبقات المجتمع وأعطتها الزخم، ويوم 11 فبراير صباحاً كان هناك 20 مليون في ميادين مصر، وسبق ذلك كثير من الاحتجاجات والمظاهرات المكتومة وبالتحديد منذ عام 2002 حتى عام 2011، فقد كان هناك أكثر من 5000 إضراب ومظاهرة في مصر، واعتبر جزء منها أنه "بروفة جنرال" للثورة، حتى جاء 25 يناير، وخرج الناس في غضب شديد بعد التزوير الفج للانتخابات.
كذلك ساهم عنف السلطة وتفجر الدم يوم 28 يناير في خروج الشعب للتظاهر، وتدفق الأعداد في الميادين، فغباء النظام السابق السياسي ساعد الشعب في الخلاص من النظام، وأتصور أن خطاب مبارك إذا تم في بداية الاحتجاجات لكان انصرف الناس ولديهم شعور بالانتصار نتيجة المكاسب التي حققوها، منها إنهاء التوريث ووجود نائب للرئيس وطرد العادلي. كذلك الشعارات التي رفعها المتظاهرين في 25 يناير تختلف، فقد ردد الألتراس يوم 25 يناير شعارهم قائلين " ياللي واقف ع الرصيف..بكرة مش ها تلاقي رغيف"، كان هذا أول شعار اجتماعي، يوم 26 يناير كان لدي أمسية شعرية في دمنهور، لأسافر بعدها إلى كوسوفو يوم 28 يناير، لكن تملكني إحساس يوم 25 يناير أنها مظاهرة كبيرة وستختلف عن كل الاحتجاجات السابقة، ويومها قررت عدم مغادرة مصر. وأعتبر نفسي من المحظوظين لكوني من قيادات الحركة الطلابية عام 1968، وفي عام 1972 كنت صاحب فكرة تكوين اللجنة الوطنية العليا للطلاب التي قادت حركة 72 وما بعدها ، وقد اعتقلت كثيراً، وكانت التهمة هي الكتابة والتحريض على التظاهر، وفي عام 1977 كان اتهامي مكون من سطر واحد هو "دأب على كتابة القصائد المناهضة لنظام الحكم"، وحينها شكرت وكيل النيابة الشاب الذي يحقق معي وهو عبد المجيد محمود – النائب العام الحالي – وقلت له أنها طرفة ومجاملة أن يخرج 6 مليون مصري للتظاهر بسبب كتاباتي، ورغم حكم المحكمة ببراءتي والإفراج عني إلا أن رئيس الجمهورية السادات كان يملك حق الاعتراض على الحكم ومن ثم كان الإفراج لا ينفذ. محيط : ما هي أبرز المشاهد التي اختزنتها ذاكرتك من ثورة يناير؟ - من المشاهد التي لا تنسى "عم أحمد" الرجل الصعيدي القادم إلى ميدان التحرير من قنا، وحينما سألته قال "عشان ابني الثالث يعيش"، فقد غرق ابنه الأول في العبارة، والأوسط لقى حتفه حرقاً في قطار الصعيد، وجاء الرجل إلى التحرير لطرد مبارك من الحكم حتى يحافظ على حياة ابنه الأصغر، وقد بدأ الثورة الشباب ولكن انضم إليها البسطاء المظلومين الذين لا يعرفون "فيس بوك" ولا إنترنت. كذلك أذكر مشهدا طريفا لرجل من المنوفية – بلد الرئيس المخلوع مبارك – رأيته في الميدان يوم 3 فبراير يرفع لافتة يقول فيها " أنا منوفي، يا ناس دلوني حبيت أصلح نفسي، ومبارك خلعته يا ناس قولولي ربنا ها يقبل توبتي؟" في إشارة لإساءة مبارك لكل أبناء محافظة المنوفية بسبب أفعاله. محيط : البعض يخشى استمرار الحكم العسكري كما جرى بالخمسينات . ما رأيك ؟
- حتى إن أراد المجلس العسكري الاستمرار لن يسمح له الشعب، فأنا أراهن على الشعب المصري وحركته . الناس ستقاوم ومن ثم لن يستمر حكم العسكر في مصر، حتى في وجود ميدان العباسية أو ميدان مصطفى محمود، لأن بيوت مصر كلها ميادين. لكن على قوى الثورة الإشتغال بالسياسة وعدم الإكتفاء بميدان التحرير ، وليعمل كل منا من موقعه وعلى محيطه الصغير . وبشكل عام أرى أن الإخوان نجحوا في المرحلة الأولى لغياب الوعي السياسي عند المصريين، وقد استورد النظام السابق حالة من "الوهابية" نراها في الشارع ، لذلك لا أعوّل كثيراً على البرلمان القادم أو الذي يليه، ولكني متفائل بمستقبل مصر لأن الممارسة السياسية ستمكن المصريين من اكتشاف أخطائهم وإصلاحها، ومنها مثلا خطيئة التفتت وانقسام قوى الثورة، وتكالب الإعلام على الرائج، وانشغاله بمعارك وهمية كتعريف الليبرالية وهل العلمانيين كفار أم لا. محيط : التقطت في ميدان الثورة 15 ألف صورة في 18 يوما ..هل حلت الكاميرا لديك بديلاً عن القلم؟ - الكاميرا لازمتني من أجل تسجيل اللحظات التي تعذر عندي فيها الإمساك بالقلم، لكنها ليست بديلاً عن القلم، فقد كتبت قصائد عديدة عن الوضع الراهن، لكن الكاميرا مكنتني من رصد عنف النظام السابق ضد المتظاهرين فلدي ملف لم أضعه على "الفيس بوك" عنيف جدا يسجل الإصابات والقتل والحرق، وتمكنت أن أرسل تلك الصور إلى الخارج ليتعرفوا على شعبي في التحرير ويشاهدوا بالصور عنف نظام مبارك، وقد أرسل لي صديق في فرنسا رقم أستطيع به الدخول على الإنترنت دون تتبع حين قطعت الخدمة في مصر، واستطعت عبره إرسال تلك الصور للخارج، فكنت أرسل يومياً 200 صورة، وقد لازمتني الكاميرا منذ الثورة إلى الآن.
وأفكر في استخدام مجموعة من ملفات الصور التي أملكها لتعبر عن المبادئ فوق الدستورية، فقد رفع الميدان شعارات ولافتات لمبادئ نرغب في تطبيقها، كالعدل والمساواة والمدنية، وأن المسلم والمسيحي يد واحدة. محيط : "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر" ماذا تقول عن بيتك الشعري الآن ؟ نعم مصر محبوسة بالفعل، لأن الشعب رفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ولم يتحقق كاملاً، والشعب يريد كذلك محاكمة القتلة بشكل جدي، وهو ما لم يتم بشكل ناجح إلى الآن، كل هذا لن يتم في وجود المجلس العسكري المتقاعس.
محيط : صف لنا الوسائل التي ابتكرتها لدعم مقاومة اللبنانيين خلال العدوان الإسرائيلي 1982 ؟ - كان من المفترض أن أغادر بيروت يوم 5 يونيو 1982، لأعود إلى القاهرة عبر روما، وفي يوم 5 يونيو صباحاً شعرت بالغارة الإسرائيلية على مدينة "الرياضية" اللبنانية وقد استمرت خمس ساعات، وحينما استشعرت الحرب ألغيت السفر وقلت " مجنون مين اللي يلاقي حرب ويسيبها ويهرب؟!"؟ - وهو ما رددته كذلك في ثورة يناير- وبالفعل وصلت الغارة إلى بيروت يوم 13 يونيو، وحينها شعرت بأن دوري ليس الهرب بل المقاومة. وابتكرت طريقتين لمساعدة بيروت الأولى تطوعي للكتابة في الصحف اللبنانية، نظراً لرحيل عدد كبير من الصحفيين من بيروت، والثانية هي الكتابة فقد كانت بيروت بلا كهرباء أو إذاعات، لذلك تعاونت من الموسيقي والفنان المصري الثوري عدلي فخري من أجل الكتابة لبيروت، والمقاومة بالغناء، فقد كنت أكتب كل يوم أغنية ويلحنها ويغنيها عدلي ونرددها مئات المرات ليحفظها الناس، ومن هذه الأغنيات: في كل يوم حصار/ في كل يوم غنا/ هما بدوا الدمار/ احنا نبدي البنا/ احنا العشاق صبابة/ للوردة والربابة/ ولطفلة حبة حبة/ تتعلم الكتابة وكذلك أغنية "على بوابات بيروت" التي ندافع بها عنها ونقول: دا رصاص ودول شعرا/ بيرسموك أفراح/ ونموت، نعيش، ونموت/ ولا حد غصب يفوت/ من بوابات بيروت محيط : ولماذا منع السادات سفرك وغضب من أشعارك ؟ - بسبب قصيدة كتبتها عن الحرب يوم 6 أكتوبر 1973 حين كنت مجنداً، كتبتها يوم 7 أكتوبر وأمليتها من تليفون قائد الوحدة، وتم نشرها يوم 8 أكتوبر في جريدة الجمهورية، ويوم 16 أكتوبر ألقيتها في أمسية حضرتها جيهان السادات التي غضبت حين رددت هذا المقطع: إتفجري يا مصر/ إتفجري بالحرب ينفلق النهار/ إتفجري بالحرب ضد الجوع و القهر/ ضد التتار/ وإتسلحي للحرب بالحرية، حينها صرخت قائلة أن مصر لا جوع بها، وغادرت القاعة. وكانت النتيجة منعي من النشر حتى أن السادات قال: "لن ينشر حرفا في مصر طالما أنا على قيد الحياة"، ونشرت ديواني "الحلم في السجن" في بيروت، وأنتظر صدور الطبعة الأولى منه في مصر عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر". محيط : وماذا عن مدرسة الرسم التي أقمتها باليمن ؟ - أثناء إقامتي في اليمن لسبع سنوات كنت أطالع توقيعات الأطفال على رسومهم ، بعد أن أقمت مدرسة للرسم مخصصة لهم، وأذكر أنني دربت أكثر من 2000 معلما على استخدام الفن في التعليم، وأقمت مسرحاً للعرائس لأول مرة. وهؤلاء الأطفال نراهم اليوم يقودون ثورتهم لذا فأنا متفائل رغم الظروف القبلية الصعبة باليمن، وقد أسقطوا التوريث وستنتصر ثورتهم.