"التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    هل تسقط احتجاجات التضامن مع غزة بايدن عن كرسي الرئاسة؟    بيني جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو لهذه الأسباب    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    عماد النحاس: نتيجة مباراة الأهلي والترجي «مقلقة»    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعد اكتشاف أحفاد "أوميكرون "، تحذير من موجة كورونا صيفية ولقاح جديد قريبا    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    حزب الله يستهدف عدة مواقع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا حدث؟    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زين العابدين فؤاد‏:‏السادات منعني من النشر في مصر بسبب الفلاحين

ولا ينبئك مثل ثائركيف يصبح العمر لحظة تحلم فيها بطلة شمس تمر لدقيقة فوق قضبان عنبر السجن‏,‏ وتقف طابورا طويلا لتصافح حلم وجهها‏..كيف يصبح قصيدة تمشي في عنبر كي تفر من السجن لتغرد في الميدان.
وتطلق صرختها الحجرية سؤالا‏:‏ مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟
يكبر السؤال علي إيقاع صوت الشيخ إمام‏,‏ فيصبح السؤال إجابة وشعارا وثورة‏,‏ ويصبح الشاعر ايقونه أو ثورة تمشي علي قدمين‏..‏ يتوكأ علي مئات القصائد المسفوحة كقربان ثوري للوطن‏...‏
زين العابدين فؤاد كتب قصيدة أسبوعية منذ‏1964‏ حتي منتصف نكسة يونيو في جريدة المساء‏,‏ ثم واصل الأمر في جريدة الجمهورية حتي‏1973,‏ قبل أن يصدر قرار سري بمنعه من النشر‏..‏ وعندما أصدر ديوانه الأول وش مصر اختار فقط بضع قصائد للنشر وترك القصائد الأخري وديعة لمن يأتي من بعده ويحسن القراءة وينصت لاختمار صوت الثورة في الطين نشيشا شعريا يتنبأ بما تأخر من منتصف الستينيات حتي انفجر الميدان‏.‏
تلك قصة النشيش الذي اختمرت به قصائد زين العابدين فؤاد لخمسين عاما‏.‏ في الحلقة الاولي توقفنا عند قصيدة التمرد في اواخر الستينيات التي التحم فيها نضال العمال والطلبة وقال لا لعبد الناصر‏.‏ واليوم نفتتح نشيد الانشاد الثوري بقصيدة التمرد ضد السادات في اوائل السبعينيات فإلي الحوار
‏*‏ كيف كانت العودة للجامعة بعد ثورة‏68‏ ؟
‏**‏ بعد أن عدنا إلي الجامعة في نوفمبر من عام‏1968‏ كانت هناك انتخابات اتحاد الطلبة‏,‏ وخضت هذه الانتخابات بقائمة‏,‏ حيث كان لكلية الآداب‏48‏ مقعدا‏,‏ وكانت قائمتي تضم‏74‏ مرشحا وكان لنا برنامج انتخابي‏,‏ وكان هذا أمرا جديدا في الانتخابات الطلابية وبدأنا عملا سياسيا وثقافيا واسعا في الكلية‏.‏ في وقت كانت السياسة فيه حكرا علي تنظيم واحد منذ‏1954‏ كما المحنا من قبل وربما كانت هذه الديمقراطية الطلابية مقاومة شبابية ضد تأميم السياسة
‏*‏ ادخلت الشيخ امام للجامعة في ذلك العام‏.‏ كيف كان ذلك؟
‏**‏ أنا فخور أني أدخلت الشيخ إمام لمدرجات الجامعة للمرة الأولي‏,‏ فقد كان الشيخ يغني في بيوت أصدقائه‏,‏ وقررت تنظيم امسية خاصة للمغني الثوري في الجامعة كنوع من النشاط الفني والثقافي الذي كنا ننظمه كنوع من التقدير لتجربة الشيخ في الغناء الثوري وعندما حضر الشيخ إمام لمدرج كلية الآداب همس في أذني متسائلا‏:‏ هو كم واحد حاضر؟‏.‏ فقلت له‏:‏ أكثر من‏50‏ بشوية بينما كان المدرج مكتظا بخمسة آلاف طالب‏.‏ استمتعوا بأداء الشيخ لاغنيات الاحتجاج الثوري‏.‏
وبعد الانتخابات شكلنا لجنة الوطنية التي لعبت دورا مهما للغاية في الحركة الوطنية حيث نجحت في قيادة طلاب الجامعة في مواجهة النظام الناصري والساداتي واستمر النضال في لجان ثقافية وفنية ولجنة مناصرة القضية الفلسطينية‏,‏ واستمر ذلك منذ‏1968‏ حيث تجددت الثورة الطلابية في نوفمبر من العام نفسه وكان هناك قمع أمني للثورة علي العكس من الثورة الاولي ولك النضال استمر حتي يناير من عام‏1972,‏ وقد نجحنا في أن نفرض علي الأمن الجامعي ان يبتعد عن نشاطنا
وفرضنا عليه عدم التعرض لمجلات الحائط‏,‏ فقالوا لنا إنهم سيقومون بالتوقيع علي قرار الموافقة علي نشرها فقط‏.‏ قلنا لهم‏:‏ فقط عليكم حراستها‏.‏
‏*‏ ما هو الدور الذي لعبته هذه المجلات في النضال الطلابي؟
‏**‏ لعبت مجلات الحائط دورا مهما في التعبير عن الحراك السياسي والثقافي والفني في الجامعة‏,‏ وقد أشار إليها عبد الناصر في أحد خطاباته‏:‏ أنا باقرا مجلات الحائط ومن المفارقات الساخرة التي عشناها بسبب مجلات الحائط أن الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور كان مطلوبا للاعتقال في تظاهرات‏1977‏ لأن إحدي مجلات الحائط في إحدي كليات جامعة أسيوط نشرت له قصيدته الشهيرة الناس في بلادي فظن المخبر الذي أرسل التقرير ان صلاح عبد الصبور طالب بالكلية‏..‏
‏*‏ كيف تم القاء القبض عليكم في‏72‏ ؟
في يناير‏1972‏ تم إلقاء القبض علينا في الكلية يوم الرابع والعشرين من يناير عندما وصلت المصفحات إلي الجامعة لإلقاء القبض علينا وكسرت القفل الذي اغلقنا به الباب اثناء اعتصامنا احتجاجا علي سياسة السادات‏,‏ ولما حضر الطلبة إلي الجامعة ولم يجدونا وعرفوا بقصة القبض علينا اندفعوا إلي ميدان التحرير وهناك اشتعلت ثورة الطلاب أيام الرابع والعشرين والخامس والعشرين والسادس والعشرين‏,‏ وشهدت حرب شوارع بين الطلبة الثائرين وأمن النظام‏.‏ وهي الثورة التي خلدها الشاعر الكبير أمل دنقل في رائعته الكعكة الحجرية‏:‏
أيها الواقفون علي حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة
سقط الموت‏,‏ وانفرط القلب كالمسبحة
والدم انساب فوق الوشاح
المنازل أضرحة
والزنازن أضرحة
والمدي أضرحة
فارفعوا الأسلحة
واتبعوني
أنا ندم الغد والبارحة
وقد انتقدنا السادات في خطابه الاول الذي ألقاه تعليقا علي أحداث التحرير وقال في الخطاب الثاني إن الجسد الطلابي بخير‏,‏ والمشكلة فقط في قيادات الطلبة‏,‏ وربما يكون السبب في تغيير خطابه حدوث احتجاجات شعبية‏,‏ حيث زارنا في السجن عدد كبير من الفنانين والصحفيين وأصدر اساتذة الجامعة بيانا يطالب بالإفراج عنا‏.‏ ثم أصدر الخمسة الكبار‏:‏ حسين فوزي وتوفيق الحكيم ولويس عوض وفؤاد زكريا ولطفي الخولي بيانا يطالب بالإفراج عنا‏,‏ وقد أرسلوا البيان إلي السادات عبر محمد حسنين هيكل‏..‏ ونجح هذا الضغط الشعبي‏,‏ وتم الافراج عنا مع أن السادات قال‏:‏ هاعصرهم زي البرتقال‏,‏ وعدنا إلي الجامعة‏.‏
وعندما تم الافراج عنا رفضت الذهاب الي الجامعة‏,‏ لان المتبع ان تفرج عنا النيابة فتحول أوراقنا إلي الجامعة لتوقع الجزاءات علينا‏,‏ ولكني رفضت العودة لأني لست محولا للتحقيق ولم اعد الا عندما ابلغتني الجامعةأن المدير رفض التحقيق مع الطلبة المفرج عنهم‏.‏
‏*‏ كيف كان سير التحقيق معكم خلال الاعتقال؟
‏**‏ كانت هناك خطة لاستنزاف قوانا‏,‏ وقد واجهت ثلاثة محققين كل واحد منهم يحقق معي لمدة‏8‏ ساعات‏,‏ بحيث أظل متيقظا‏24‏ ساعة‏,‏ وكان أحدهم يتركني ويذهب للصلاة ويطيل عمدا في ادائها‏,‏ وأظل جالسا بلا طعام أو شراب هكذا لساعات طويلة‏.‏
وأثناء التحقيق ذكر لي المحقق ان لي قصيدة هي مقاطع من الخميس الدامي منشورة في مجلات حائط ب‏46‏ كلية في مصر‏..‏ واتهمني بالتحريض ضد السلطة بهذه القصيدة‏,‏ فقلت له اطلب ضم العدد الاسبوعي لجريدة الجمهورية يوم الخميس‏21‏ فبراير عام‏1964‏ للتحقيق لان هذه القصيدة منشورة به علي صفحة كاملة‏.‏
‏*‏ كيف كان موقف الأساتذة معكم؟
‏**‏ كان هناك أساتذة يشاركوننا الاعتصام ومنهم نادر فرجاني‏,‏ وعبد الحميد غزالي الذي قدم نموذجا فذا في احترام الاختلاف‏,‏ فهو إخواني متدين‏,‏ والمعتصمون من اليسار‏,‏ ولما سأله الأمن‏:‏ كيف تعتصم مع الشيوعيين؟ قال‏:‏ هل هؤلاء شيوعيون؟ إنهم أفضل من في مصر‏,‏ وأنا أؤيدهم لأنهم مثال الوطنية المصرية‏,‏ ورفض أن يتخلي عن الطلبة‏,‏ وعندما تم ترحيلنا إلي السجن تم ترحيل فرجاني والغزالي معنا‏,‏ واكتشف الأمن وجود أساتذة فأفرجوا عنهما ولكن الأستاذين الرائعين رفضا‏.‏ الخروج من السجن إلا مع طلبتهما وقدم نموذجا رفيعا لما يجب أن يكون عليه الأستاذ الجامعي
‏*‏ كيف واجهتم لحظة الاعتقال؟
عندما تم اعتقالنا ذهبنا الي معسكر تدريب امناء الشرطة في طرة ورفعت شعارا هو ايديكم في ايدين بعض واقعدوا
‏*‏ لماذا؟
‏**‏ لأن الأمن في مثل هذه الظروف يدفع بمخبريه صغار السن وكأنهم طلاب ويخترقون صفوف المعتقلين ورفعنا شعارا ثانيا عندما سألونا عن أسمائنا فكتبنا جميعا اسمنا مصري‏.‏
‏*‏ الشيخ إمام غني عنكم في أغنيته الشهيرة أنا رحت القلعة وشفت ياسين؟‏...‏
‏**‏ الشيخ إمام كان خارج السجن هو والشاعر احمد فؤاد عندما تم القاء القبض علينا وعملوا الاغنية قبل ان يتم القبض عليهما بعد ذلك في التحرير حيث شاركا في ثورة الطلاب‏.‏ والأغنية كانت تقول أنا شفت شباب الجامعة الزين احمد وبهاء والكردي وزين يقصد المناضلين احمد عبد الله رزة واحمد بهاء الدين شعبان وشوقي الكردي وفي رواية اخري احمد وبهاء وعليمي وزين‏,‏ والعليمي هو عبد الحميد العليمي اليساري الرائع والد أحد أبطال ثورة‏25‏ يناير زياد العليمي‏.‏ الأكيد أن هناك ثلاثة هم أحمد رزة وبهاء الدين شعبان وزين العابدين فؤاد‏.‏
‏*‏ كيف تعامل معكم الصحافيون الكبار في محنتكم؟
قلت ذات يوم للكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين هناك كتاب نحترمهم بسبب ما يكتبونه‏,‏ وهناك كتاب نحترمهم بسبب ما لا يكتبونه‏,‏ وبهاء كان من الكتاب الذين لم يتورطوا في الهجوم علي الطلاب علي العكس من كثيرين مثل موسي صبري
‏*‏ وماذا عن الاستاذ هيكل؟
هيكل كتب مقالا عاما عن مطالب الطلبة‏,‏ ولكن بعد الإفراج عنا بدأ يكتب سلسلة مقالات عن الجيل الجديد وشباب‏68‏ ليهرب من الحكاية‏.‏
‏*‏ ماذا كانت مطالبكم الأساسية في اللجنة الوطنية؟
طالبنا بألا يكون هناك تنظيم سياسي واحد‏,‏ وطالبنا بالحرية لأنها مطلب حقيقي للشعب‏,‏ وانتقلت مطالبنا من الجامعة إلي الشارع وأدركنا بعد ثورة الطلاب أن الشارع يستطيع أن يفرض علي النظام ما يريده‏.‏ فقد تم الإفراج عنا بضغط من الشارع‏.‏
‏*‏ كيف سخر منكم السادات في خطابه؟
السادات سخر من أحمد عبد الله رزه وقال كيف يسافر طالب فقير الي أوروبا؟ مع أنه كان يعرف ان الطلبة الفقراء كانوا يفعلون ذلك للعمل هناك والحصول علي مصروفات دراستهم‏.‏ وقال عني ومنهم طالب مزمن دراسة يتنقل بين الكليات للإثارة السياسية‏..‏
‏*‏ بعد الثورة الطلابية والتخرج تم تجنيدك في الجيش‏.‏ كيف تم ذلك؟
لتجنيدي قصة طريفة فقد كان المفترض ألا يتم تجنيدي لأن العرف السائد كان حرمان من يتم سجنه أو اعتقاله من التجنيد‏,‏ ولكن الفريق صادق وزير الحربية آنذاك قال إذا ما كنتوش عارفين تربوه أنا هاربيه‏..‏ وتم تجنيدي سائقا انتقل من مكان إلي مكان‏,‏ إلي أن أوقعني حظي مع ضابط رائع للأسف الشديد لا اتذكر اسمه الآن‏,‏ رأي مجندا يحمل مؤهلا عاليا ويعمل سائقا‏,‏ وهو بحاجة إلي من يساعده في الأعمال الكتابية‏,‏ فقرر نقلي إلي أعمال أخري في كتيبته‏.‏ وعندما اكتشف أنني شاعر بدأت بيننا علاقة طيبة‏,‏ وحوار مستمر‏,‏ ورفض نقلي من وحدته حتي خرجت من الجيش في عام‏.1975‏
وعندما قامت الحرب في‏1973‏ كتبت قصيدة في يوم السابع من أكتوبر نشرت في صحيفة الجمهورية في اليوم التالي‏,‏ ورآها الضابط منشورة ففرح فرحا شديدا لأنه هو من سمح لي باستخدام تليفون الوحدة لإملائها للجريدة‏,‏ وفي يوم الخامس عشر من أكتوبر جاءني قائلا‏:‏ عندك أمسية شعرية غدا‏,‏ فقلت له‏:‏ كيف؟ قال‏:‏ أنا جبتلك تصريح من القيادة المركزية‏,‏ وهتكون هناك سيارة تحت أمرك تحضر الأمسية ثم تعود بها
ونزلت من الجبهة إلي القاهرة للمشاركة في أمسية شعرية كان يشارك فيها الراحل الكبير صلاح عبد الصبور‏,‏ والشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي‏.‏ وقرأ عبد الصبور قصيدته الرائعة عن الجندي الذي رفع العلم وجاء دوري‏,‏ فأستقبلت استقبال الفاتحين لأني كنت أشارك بالزي العسكري‏,‏ وبدأت أقرأ القصيدة‏:‏
الفلاحين بيغيروا الكتان بالكاكي
ويغيروا الكاكي بلون الدم
وعندما وصلت إلي جملة‏:‏ اتفجري يا مصر
‏..‏ اتفجري بالحرب ضد الجوع ضد التتار‏..‏
فوجئت بالسيدة جيهان قرينة الرئيس السادات تقوم من مقعدها بالصف الأول وتصرخ‏:‏ مفيش جوع في مصر‏..‏ ومعها قام رجل وقور هو سيد مرعي‏,‏ يخبط بيده علي خشبة المسرح‏,‏ وغادرا الصالة‏.‏ وظننت أن الأمر انتهي‏,‏ إلا أن الجمهور طالبني بقراءة القصيدة عدة مرات‏,‏ ولم يتمكن الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي من إلقاء شعره‏..‏
في هذه الليلة كما عرفت بعد ذلك صدر قرار سري بمنعي من النشر في مصر‏,‏ وكنت أنشر قصيدة كل أسبوع في ملحق المساء الثقافي الذي توقف بعد النكسة‏,‏ ثم واصلت النشر في جريدة الجمهورية بعد ذلك حتي عام‏1973‏ الذي توقفت فيه عن النشر‏.‏
وبعد خروجي من الجيش كنت نزيلا دائما للسجون‏,‏ حيث اعتقلت في‏1975‏ بسبب دعم المثقفين لمظاهرات يناير في حلوان‏,‏ وخرجت بعد ستة شهور‏.‏
وكانت‏1976‏ هي السنة الوحيدة التي لم ادخل فيها السجن‏.‏ وفي هذا العام شكلت لجانا وطنية لمناصرة الشعب الفلسطيني واللبناني ونظمت كذلك مؤتمرات شعبية للمناصرة‏,‏ شارك فيها الشيخ إمام‏,‏ ومن أسباب عدم اعتقالي في هذا العام أنه العام الذي شهد انتخابات‏1976,‏ والتي كانت الأفضل نسبيا في مصر منذ قيام ثورة يوليو‏.‏
قصة حب
‏*‏ في هذا العام الاستثنائي الخالي من المعتقلات تزوجت بسمة حلاوة الكاتبة الفلسطينية‏..‏ كيف كانت هذه القصة؟
عرفت بسمة حلاوة في العام‏1975,‏ حيث كانت لها علاقة بالجبهة الديمقراطية الفلسطينية‏,‏ ولي أصدقاء كثيرون في الجبهة‏,‏ وكانت تحضر لرسالة دكتواره في موسكو‏,‏ مع انها كانت مصابة بمتاعب شديدة في القلب ولذلك لم يكن ممكنا العمل في مناخ بارد كموسكو‏,‏ فحضرت الي مصر‏.‏ ورأيتها للمرة الأولي عند الشيخ إمام‏,‏ وكانت مغرمة بقصيدة الفلاحين ولم تكن تعرف أني كاتبها‏,‏ وتعارفنا وبدأت بيننا علاقة‏.‏ وقلت لها ذات يوم إني أخطط لإتمام الزواج بك بعد‏3‏ سنوات‏,‏ فردت بعصبية‏:‏ تقصد إنك ستتزوج امرأة أخري‏,‏ لأني بعد ثلاث سنوات قد لا أكون موجودة‏.‏ فقلت لها لنتزوج غدا‏.‏ وبالفعل عجلنا بالزواج وجاء والدها من نابلس ولم يكن رافضا للزواج‏,‏ ولكنه قال لي أهم شئ عندي هو صحة ابنتي‏,‏ ولذلك لابد ان اطمئن عليها وعلي مدي تأثير الزواج علي صحتها فذهبنا إلي طبيب شهير هو الدكتور محمد عطيةطبيب الرئيس السادات آنذاك‏,‏ فقال لنا لا مشكلة من الزواج‏,‏ ولكن غير مسموح لبسمة بالحمل لأن فيه مقتلها‏.‏
وتزوجنا في أغسطس من عام‏1976,‏ وبعد شهرين تقريبا حملت بسمة‏,‏ وأجريت لها عملية إجهاض وكانت فرحة تماما بالحمل‏,‏ وقالت لي علي الأقل دعني اترك لك طفلا‏.‏ لكني وافقت علي الاجهاض لأنقذ حياتها لأن الأطباء قالوا ان اتمام الحمل خطر علي صحتها
أجريت عملية الإجهاض في نوفمبر‏,‏ وتعرضت للاعتقال مجددا في تظاهرات‏18‏ و‏19‏ يناير الشهيرة والتي اندلعت بسبب قرارات القيسوني رئيس الوزراء برفع الاسعار ونزلت الملايين الي الشارع تحتج علي هذه القرارات‏,‏ وحدثت ثورة سرعان ما قابلها النظام بالقمع‏,‏ وتم القاء القبض علي بتهمة التحريض علي تلك الأحداث‏.‏ وكان المحقق معي هو وكيل النيابة عبد المجيد محمود النائب العام حاليا وواجهني المحقق بتهمة غريبة حيث قال لي‏:‏ قصائدك أخرجت الناس إلي الشارع‏..‏ فقلت له شكرا هذه اكبر مجاملة سمعتها في حياتي‏.‏ وعندما تعجب من إجابتي قلت له‏:‏ تقول لي ان قصائدي اخرجت ستة ملايين مصري الي الشارع‏..‏ وهذا ما لم يستطعه شاعر في التاريخ ولا شكسبير نفسه يستطيع ان يدعي ذلك‏..‏ وكلامك يجعلني من أعظم شعراء العالم‏.‏ وبقيت في السجن‏18‏ شهرا بلا اي اتهام حقيقي‏,‏ وفي إحدي المرات عرضت علي القاضي‏.‏ وكان المفترض أن أعرض علي المستشار صلاح عبد الحميد‏,‏ وكان معروفا بموقفه الشديد في رفض الحبس الاحتياطي‏,‏ وعندما جاء دوري فتح القاضي ملفي فوجد أوراقا بيضاء وهي حيلة امنية خبيثة لكي لا يجد القاضي قضية أمامه ويضطر لتأجيل حسم الامر وبالفعل تأجل نظر القضية أسبوعا‏,‏ وبالتالي نظرت القضية أمام دائرة أخري وقاض آخر يؤيد فكرة الحبس الاحتياطي وبذلك تجدد حبسي‏.‏ وخرجت في منتصف عام‏1978,‏ وتعرضت بسمة لوعكة صحية شديدة ودخلت المستشفي ولم نكن نعرف سببا للتعب وعدم هبوط معدل حرارة جسدها عن‏40‏ درجة‏,‏ وكان طبيبها حمدي السيد الذي رفض تقاضي أجرا عن متابعتها‏.‏
وبدأت أفكر في عمل إضافي لأكسب مالا وهنا بدأت تدريس اللغة العربية للأجانب‏(‏ وهي المهنة التي لازمتني حتي عام‏1995)‏
وأجرينا تحليلات لبسمة أكدت وجود فطر علي صمامات القلب‏,‏ وأرسلنا التحاليل الطبية إلي أحد الأطباء العالميين هو اللبناني الدكتور لبكي‏,‏ وكان يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وقد قابلته في القاهرة أنا وبسمة‏,‏ ووافق علي الطريقة التي يتعامل بها د‏.‏ حمدي السيد في علاج بسمة‏,‏ وقال انه لا مبرر لسفرها للخارج للعلاج‏.‏ لكن الدكتور حمدي السيد قال انه رغم ان العملية يمكن اجراؤها في مصر‏,‏ فإن التمريض في مصر ليس بمستوي الولايات المتحدة‏.‏ وقررنا السفر لأن صحتها كانت تنهار تدريجيا‏,‏ وقد استدنت كثيرا لتوفير نفقات سفرها ولم استطع السفر معها بسبب نشاطي السياسي حيث كنت ممنوعا من السفر‏.‏
وقررنا سفرها يوم الرابع والعشرين لكن لسوء حظها كان هذا اليوم يوم سفر الوفد المصري إلي كامب ديفيد‏,‏ وأخذت الرئاسة الطائرة التي كان مفترضا ان تسافر عليها زوجتي الفلسطينية‏,‏ وبذلنا مجهودا كبيرا لنقل السفر من مصر للطيران إلي الخطوط الجوية البريطانية‏.‏
سافرت بسمة‏,‏ وفي يوم سفرها تم إلقاء القبض علي مجددا‏,‏وكان مارس شهرا مؤثرا حيث تم القاء القبض علي في اجراء احترازي كان السادات يقوم به كلما هم باتخاذ بقرار سياسي او خطوة ما‏.‏ وفي هذا الشهر واثناء اعتقالي ماتت بسمة في الخارج وكان رحيلها مؤلما لأني لم استطع ان اسافر معها وكان اول شئ قمت به عندما خرجت من السجن رفع قضية لرفع الحظر المفروض علي سفري‏...‏
وكسبت القضية في أغسطس‏1981‏ بعد أكثر من عام من الجري في المحاكم لإلغاء حظر السفر والحصول علي جواز سفر‏.,‏ في أغسطس جاءني أحد المسئولين إلي البيت وقال لي‏:‏ روح استلم جواز سفرك‏.‏ فنزلت الي مدير الجوازات يوم‏21‏ أغسطس‏,‏ وما ان حصلت علي الجواز حتي توجهت إلي مكتب مصر للطيران وحصلت علي تذكرة إلي عمان
كان ديوان الحلم في السجن قد صدر في لبنان ولم أكن رأيته بعد‏,‏ وكنت أريد أيضا إصدار مجموعة قصصية لبسمة حلاوة كان نشرها متعثرا في العاصمة اللبنانية‏..‏ وبقيت في عمان اسبوعا ثم ذهبت إلي بيروت‏.‏ وهناك قابلني تاريخ آخر ليس بعيدا عن تاريخي الذي خضته في مصر منذ منتصف الستينيات
ماذا قابلت في لبنان؟ ولماذا بقيت هناك لسنوات؟
كان المفروض ان اعود الي مصر في الخامس عشر من سبتمبر من عام‏1981‏ وحجزت تذاكر السفر بالفعل بعد ان قرأت شعري في اكثر من امسية فنية في معظم مناطق لبنان ولكني غيرت كل ذلك بسبب مكالمة من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات جاءتني في الفجر تقريبا من يوم الخامس من سبتمبر قال لي فيها عرفات‏:‏ تعالي افطر معايا فأحسست من لهجته ومن توقيت الاتصال ان شيئا في الأفق غير طبيعي‏..‏ ذهبت إلي مقر اقامته فوجدت سميح القاسم ومحمود درويش ورأيت عرفات مهموما‏,‏ وسألني بعد الإفطار‏:‏ هل مازلت مصرا علي السفر الي مصر قلت له بسرعة وبحزم‏:‏ فعلا سأسافر بعد عشرة أيام فقال لي هل قرأت الأهرام اليوم فقلت له لا كيف أقرأ الجريدة في الفجر فقال لي هذه نسخة من الطبعة الأولي وفيها اسمك من المعتقلين في قرارات الرئيس السادات التي شملت المئات‏..‏ أخذت منه الجريدة فوجدت اسمي بين العشرة الأوائل من المتهمين بالفعل‏.‏ وأنقذتني مكالمة عرفات من الاعتقال‏,‏ وقررت البقاء في بيروت‏.‏
وهنا عايشت مقاومة شاركت فيها بقصائدي وأغنياتي التي شاركني فيها رفيق الدرب الراحل العظيم عدلي فخري‏..‏ وفي لبنان عرفت معني التلاحم بين الفن والنضال فقد كت أنا وعدلي ننظم أمسيات فنية في المستشفيات وأماكن وجود الجنود‏,‏ وقامت البي بي سي بإجراء حوار معنا عن هذه الأمسيات وشاهده بالمصادفة صديقي المناضل أحمد بهاء الدين شعبان فقام ببذل جهد كبير للاتصال بمن استمع الي اغنياتي وفخري عن بيرون ونجح بدعم من اصدقاء مشتركين في اصدار ديوان أغاني بيرون الذي لم أره إلا بعد الخروج من لبنان بعد خروج عرفات والفلسطينيين‏.‏
ما هي أهم ذكرياتك في لبنان؟
ذكرياتي في المقاومة اللبنانية لا يمكن اختصارها في هذا الحيز ولا يكفيها عشرات الدواويين وقد كتب درويش عنها وكتب سعدي يوسف وكتب حلمي سالم‏,‏ لكن تجربة المقاومة اللبنانية تستحق كتابة اكثر ولكني سأتوقف هنا عند نموذج واحد عرفت فيه كيف يهزم الغناء الطائرة
كيف حدث هذا؟
كنت قررت العودة لمصر بعد فترة مهما كانت النتائج وعزمت وحجزت تذاكر السفر مرة اخري‏,‏ ولكني دعيت لزيارة ملجأ للايتام الفلسطينيين في بيروت وفي اثناء الزيارة تعرض الملجأ للقصف الإرهابي الصهيوني وكانت هناك صبية فلسطينية ومجموعة من الأطفال الصغار الذين أصيبوا بهستيريا من البكاء بشكل كبير فما كان من الصبية الا ان خرجت واحضرت مذياعا وقدمته للضيوف من الكبار واحضرت ماء للصغار‏..‏ وجلست في ضوء شمعة تغني بصوت خفيض بعض الاغنيات الفلسطينية وبدأ نحيب الأطفال يخفت تدريجيا وبدأ صوت الغناء يعلو شيئا فشيئا وبدأنا نشارك الصغار الغناء‏..‏ لحظتها عرفت ان الشعب الفلسطيني لن يهزم مهما كان العدوان الاسرائيلي الوحشي‏,‏ وفي هذه اللحظة قررت البقاء في لبنان وقلت مجنون مين اللي يلاقي حرب ويهرب وبقيت وغنيت للمقاومة كما غنيت لها في مصر
للذكريات بقية من شموع النضال نوقدها مع زين في ميدان التحرير


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.