«كانت لحظة الحلم بإمكانية تغيير وجه الحياة» هي الترف الاستثنائي الذي تمتع به أبناء جيل السبعينيات وحرمت منه الأجيال اللاحقة ومع ذلك لكل وضع ضريبة». كانت هذه كلمات المناضلة أروي صالح إحدي قيادات الحركة الطلابية المصرية في السبعينيات والتي جاءت بعد صيف ساخن لحركة التغيير في مصر، كثرت فيه المظاهرات والحركات الاحتجاجية التي جذبت مجموعات من الشباب من خلفيات سياسية مختلفة ليضعوا تاريخا مختلفا. نظم حزب التجمع ندوة احتفالا بذكري الأربعين للحركة الطلابية بمكتبة خالد محيي الدين شارك خلالها عدد من قيادات ومشاركي الحركة الطلابية في السبعينيات ومنهم د. سمير غطاس، الشاعر زين العابدين فؤاد، أحمد بهاء الدين شعبان، عزالدين نجيب، ومني عامر وشارك فيها كل من الشاعرين حلمي سالم وعيد عبدالحليم وأدار الندوة أحمد سيد حسن. في البداية أشار أحمد سيد حسن لظروف عصر الحركة الطلابية حيث شكلت هزيمة 67، ورحيل عبدالناصر وعي آلاف الطلاب المصريين وكانت مبادرة السادات بوقف حرب الإستنزاف جرس إنذار للجامعة وأضاف أن ما لا يعرفه الكثيرون أن الحركة الطلابية التي حدثت في السبعينيات شكلت عامل ضغط علي السادات وقتها ضمن عوامل كثيرة أدت لحرب أكتوبر. حيث كانت في تلك الفترة أهم المطالب هي الحرب وإذا قدر للطلاب وقتها رفع شعار واحد «الشعب يريد حرب» بجانب الشعارات الأخري والتي تركزت حول «خبز، حرية، عدالة اجتماعية» ومحاسبة الفاسدين والمتخاذلين.. وهي الشعارات التي أطلقتها مجددا ثورة 25 يناير. محور تاريخي تحدث المشاركون في الندوة عن تاريخ الحركة الطلابية في السبعينيات وكيف ظهرت وخرجت للنور وأسماء المشاركين فيها وأبرز قياداتها. حيث وصفها د. سمير غطاس بالتجربة الحقيقية إذ أنه رغم غياب حرية العمل السياسي في الجامعة وقتها لكنها مثلت عمقا مختلفا للفترة فبعد اكتشاف حجم هزيمة 1967 وتضليل النظام للشعب أفاق الجميع خاصة الطلبة علي مأساة وكانت لحظة الانفجار كما يقول غطاس في مصانع الطيران في حلوان ثم انتقلت شرارتها إلي الجامعة تحديدا كلية الهندسة بجامعة القاهرة وخرجت وقتها مظاهرة كبري منها بقيادة «محمد فريد حسنين» أحد قيادات الحركة وقادها إلي جامعة القاهرة وكان آخر المطاف مدرج 78 بكلية الآداب واعتلي وقتها المنصة خطباء عديدون. كان غطاس أحدهم واتفقوا علي عرض مطالبهم علي جمال عبدالناصر ولم تكن الحركة الطلابية وقتها تطالب بتغيير النظام من داخله أو إقصاء جمال عبدالناصر بل ارتأت التغيير بقيادته وروي غطاس عن مجئ سامي شرف مدير مكتب الرئيس وعدم تفهمه لمطالب الطلاب وتهديده لهم بالسجن وفي الصباح أدت شائعة اعتقال 11 طالبا لمظاهرات كبري في الجامعة إلي التحرير وخرجت مظاهرات عين شمس والتي تم إيقافها في رمسيس واعتقال بعض قيادات الحركة والمشاركين في 1968 وجاءت وثيقة المطالب التي وضعها الطلاب وهي نفسها التي بني عليها وثيقة 1972 . فيما أكمل أحمد بهاء الدين شعبان البعد التاريخي بحديثه عن مستوي الوعي الذي تميز به جيل الحركة والقدرة علي النفاذ لجوهر القضية، ففي إحدي الوثائق يتحدث الطلاب عن ثلاثة محاور للنضال الأول التحرر الوطني والثاني العدالة الاجتماعية والثالث الديمقراطية، وتذكر شعبان جملة أحد كبار الكتاب الفرنسيين عندما تحدث عن الحركة الطلابية قائلا: «علي امتداد العالم كله لم تعرف البشرية دولة لعب فيها الطلاب دورا مثل المشاركين من الحركة الطلابية المصرية».. وروي شعبان ذكرياته في الحركة وكان وقتها طالبا بهندسة أسيوط وكيف كانت هزيمة 67 لحظة فارقة في حياة الطلبة وكان انفجار الثورة الفلسطينية والتي بدأت في يناير 1965 ومعركة الكرامة نموذجا للفدائي الفلسطيني وهو يمثل النقيض للأنظمة العربية المتهاوية. أيضا تصاعد النضال الفيتنامي وملامح الهزيمة الأمريكية هناك واستشهاد تشي جيفارا أغسطس 1967، جميعها عوامل عول عليها شعبان لنضج الحركة الطلابية. الدروس التنظيمية تطرق المشاركون في الندوة إلي كثير من الدروس التنظيمية التي يمكننا الإشارة إليها وأسهمت في نجاح الحركة الطلابية حيث أكد الشاعر زين العابدين فؤاد أن تشكيل اللجنة الوطنية للطلبة كانت أهم عامل حيث اكتشف الطلبة بعضهم بعضا علي مدار فترات طويلة قبل بدء الحركة من خلال الأنشطة التي كانوا يشاركون فيها. مثلت هذه الفترة أيضا إثراء خاصا في الأنشطة الفنية لها والتي نظمها الطلاب وتحدث عن هذا المحور الكاتب والفنان التشكيلي عزالدين نجيب والذي تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1963 وعين بأحد قصور الثقافة. روي نجيب تجربة انتقاله للعمل في قصر ثقافة ومشاركته في الأنشطة وعمله علي تطويرها حتي أصبح مديرا لقصر الثقافة كفر الشيخ وكانت نقطة تحول حيث وجد نفسه أمام رموز الإقطاع القديم وهم أيضا رموز الكذب الجديد في الاتحاد الاشتراكي وفيما بعد وعبر بأنشطته الخاصة والمميزة تحول قصر الثقافة إلي مكان تجمهر الفلاحين بعيدا عن مبني الاتحاد الاشتراكي وبدأت المواجهة مع النظام، حيث كان نجيب يستضيف صلاح جاهين والأبنودي وسيد حجاب وكان الحضور يطالبهم بإلقاء القصائد السياسية لا الغنائية وفي إحدي الندوات حضرت المناضلة شاهندة مقلد فضجت القاعة بالتصفيق في حين لم ينتبه أحد للمحافظ وجري لوم عز الدين نجيب لحديثه عن حرب فيتنام. فيما نضجت وقتها حركة المسرح والشعر بقوة في الجامعة وقصور الثقافة وعرض الطلاب الكثير من المسرحيات الثورية منها «البعض يأكلونها والعة» والتي شارك فيها بالتمثيل أحمد سيد حسن ومحمد متولي ومخلص البحيري عام 1972 وحياة الشيمي وعنايات فريد. وكان الفن والمسرح روافد للحركة الطلابية، ويتذكر نجيب وقتها دخوله الحركة الطلابية عام 1972 بعد مؤتمر أقامه الفنانون والمثقفون ومنهم لويس عوض وفريدة النقاش، وكان عضوا في لجنة مناصرة الحركة الوطنية. الإسلاميون ولأن التاريخ يعيد نفسه دائما جاءت أحداث الحركة الطلابية مشابهة لأحداث جديدة الآن فالسادات استخدم الجماعات الإسلامية لضرب الحركة الطلابية اليسارية والتي كان لها صدي كبير، يقول أحمد بهاء الدين شعبان إن كتابات بعض قيادات الجماعة الإسلامية وقتها من الطلبة الآن تؤكد ذلك، بوجود صفقة بين السادات وبينهم لضرب التيارات اليسارية داخل الجامعة، منها ما رواه عبدالمنعم أبوالفتوح من طباعته لمنشورات رغم أنف الأمن ويكشف زين العابدين فؤاد ما قاله له أسامة الباز يوما ما عندما قال إن النظام إذا ألقي القبض عليكم داخل الجامعة فهو يصنع منكم أبطالا الصحيح هو خلق بؤرة يمينية داخل الجامعة لمواجهة البؤرة اليساريةويستنتج زين أن أسامة الباز هم منظر هذه الفكرة وهو ما حدث فعلا فمنذ 1972 وبعد إلقاء القبض علي اللجنة الوطنية مباشرة استخدم الدين لمحاربة القوي الطلابية وهو ما رآه غطاس مشروعا إمبرياليا ضخما يأتي بالإسلام السياسي كصفقة وهو ما حدث بتواطؤ سلطة مبارك والإخوان طيلة الفترة السابقة فأصبحت قيادات الإخوان الآن هم طلاب سابقون حصلوا علي حرية العمل السياسي داخل الجامعة في السبعينيات في حين قمعت الحركات الأخري. دروس مستفادة أنهي الجميع حديثه وذكرياته مؤكدين علي أهمية عودة الحركة الطلابية للجامعات المصرية لاستنهاض الحركة السياسية المصرية مستقبلا فضعف الأحزاب الآن نتيجة منع الجامعة من تفريغ أجيال جديدة لليسار ومهمة اليسار الآن هي البحث عن أوسع ائتلاف سياسي لتقصير عمر التجربة الإسلامية لأن الاستسلام لها سيكرس لهذه الحالة فالمتظاهر غدا لن يكون مخطئا بل كافرا، فيما رأي أحمد بهاء الدين شعبان أن القوي الثورية عجزت عن بناء تنظيمات حقيقية ويجب علي الحركات اليسارية تنظيم تحالفات سريعة مع بعضها البعض، وبناء تحالف يساري حقيقي. كوادر الحركة ترددت خلال الندوة أسماء قيادات الحركة الطلابية ومنهم محمد فريد حسنين ود. محمد السيد سعيد وأحمد عبدالله رزة أيضا القيادات النسائية منها سهام صبري والتي قال عنها أحمد بهاء الدين شعبان إنها كانت نموذجا للمناضلة الشجاعة والجريئة والمثقفة إحدي بطلات الجيل بلا منازع، أيضا أروي صالح وقالت مني عامر كيف لم تكن الجامعة تفرق بين ولد أو بنت واعتبرت أن ما حدث في ميدان التحرير كان امتدادا لاعتصام مدرج 78 والذي جمع حركة طلابية واحدة لم تفرق بين رجل وامرأة.