في مثل هذا اليوم من عام 1966م توفي المؤرخ الكبير عبد الراحمن الرافعي بعد صراع طويل مع المرض ظل يداهمه قرابة العامين لينهي حياة مليئة بالزخم والنجاحات لشخصية حملت هموم وطنه وشعبه المغلوب على أمره على كافة الأصعدة. المولد والبداية ولد عبد الرحمن الرافعي في الثامن من فبراير عام 1889م ينتمي إلي أصول عريقة وأرسة يرجع أصولها للخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعملوا معظم أفرادها في القضاء. تربي الرافعي بين أشقائه في بيت علم، لمع من أخوته أمين الرافعي وهو أحد أهم صحفي عصره إلا أنه توفي في 27 من عمره، تخرج عبد الرحمن من مدرسة الحقوق الخديوية سنة 1908م وقت أن شهدت الحركة الوطنية نموا واضحا على يد مصطفى كامل، فتأثر بأفكارها، وانضم إلى الحزب الوطني بمجرد إنشائه، وفي سنة 1908م. اهتمامه بالقومية العربية انشغل الرافعي بعلاقة التاريخ بالوعي القومي وتطور القومية الحديثة، حيث يعتبر من أول من دعا إلي حركة تعاونية لتطوير الزراعة وتنمية الريف ورفع مستوي الحياة الريفية كشرط للنهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، كما اهتم بربط الريف بحركة التصنيع ونظام التعليم في منظومة متكاملة تستهدف تنمية شاملة لدعم الاستقلال السياسي. امتهن المحاماه عقب تخرجه، وبسبب علاقته القوية بالزعيم الراحل محمد فريد عمل محررا بجريدة اللواء التي كانت وقتها الناطقة بلسان الحزب الوطني ولكنه لم يستمر طويلا في الصحافة وعاد مجددا لممارسة مهنته الأصلية وافتتح مكتبا خاصا به للمحاماه. انشغاله بحقوق الشعب ألف الرافعي كتابه الأول "حقوق الشعب" عام 1912م وكان يهدف منه عرض حقوق الشعب والنظريات الدستورية ونظام الحكومات الصالحة وكيفية الوصول للديمقراطية ، ثم أعقبه سنة 1914م بكتابه الثاني"نقابات التعاون الزراعية" وأسس عام 1919م مع مجموعة من أصدقائه جمعية لمساعدة للفلاح المطحون. عندما شبت ثورة 1919م شارك فيها الرافعي بفاعلية كبيرة وناهض الاحتلال ولم يكتف بذلك بل حمل السلاح فيذكر الكاتب الراحل مصطفي أمين أن عبد الرحمن الرافعي كان عضوا مهما في الجهاز السري للثورة وشارك في المجلس الأعلى للاغتيالات وذلك لإجبار الاحتلال على مغادرة البلاد. البرلماني المحنك لم ينتهي المطاف بالرافعي عند هذا الحد بل كان برلمانيا محنك فقد شارك في في أول انتخابات أجريت حسب دستور 1923م وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على هدي مبادئ الحزب الوطني إلا أن المجلس لم يستمر بعد استقالة سعد زغلول من رئاسة الحكومة، ثم عاد الرافعي للبرلمان مرة أخري عام 1925 قبل أن يحل وتعطل الحياة النيابية نحو 8 أشهر. بروز نجم المؤرخ في ذلك الوقت بدأ طريق الرافعي المؤرخ حيث ألف سلسلة من الكتب التاريخية ولم تسلم كتبه من النقد كما اتهمه البعض بعدم إلتزامه الالتزام بالمنهج التاريخي الصارم بسبب انحيازه للحزب الوطني الذي ينتمي له، وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية، وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل. بالرغم من ذلك لم تحظ مؤلفات تاريخية بالشهرة وقوة المادة التاريخية كما نالت كتب الرافعي في وقت كان زاخر بأستاذة التاريخ العظام أمثال محمد شفيق غربال، ومحمد صبري السربوني، ومحمد فؤاد شكري، وأحمد عزت عبد الكريم. وألف حوالي 15 مجلد يؤرخ فيها منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حتى خمسينياته ومن أهم أعماله "تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر جزءان، عصر محمد علي، عصر إسماعيل ،الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي. العودة للحياة النيابة ظل الرافعي بعيدا عن الحياة النيابية قرابة 14 عاماً حتي عاد نائباً في مجلس الشيوخ بالتزكية وخلال هذه الفترة تولي وزارة التموين حكومة حسين سري الائتلافية سنة 1949م ولم يمكث في الوزارة سوي شهر. اتهامه بمسانده النظام كان موقف الرافعي من ثورة 23 يوليو ملئ بحسن الظن مما أهلهه للقرب من النظام الجديد وأولاه عنايته فأشركه في إعداد الدستور الذي فكر في إخراجه سنة 1953م وتم تعيينه نقيبا للمحامين سنة 1954م ولقي الرافعي انتقاداً شديداً لقبوله منصب النقيب والتصاقه بالسلطة. مع كل هذا الزحم لم ينس الرافعي الصحافة فكان له أعمدة بمقالاته في الصحف التي تعبر عن مواقفه من القضايا المطروحة على الساحة ومحاربته للاحتلال ومساندة القومية العربية ومطالبته المستمرة بها.