عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية ليس مقاطعة. المقاطعة هي أسلوب تلجأ إليه الأحزاب والقوى السياسية ،احتجاجاً على اجراءات أو قوانين أو تشريعات تخص العملية الانتخابية أو الإشراف عليها .. الخ. المقاطعة إذاً أسلوب جمعي أما العزوف فهو أسلوب فردي. لكن ما هو سبب العزوف ؟ سؤال واحد له اجابات متعددة ، حين تسأل أحد الذين أحجموا عن النزول في الانتخابات ،لكن الاجابات على تعددها تصب في خانة واحدة وهي "الإحباط". الإحباط الذي أصابنا حين رأينا رموز النظام الفاسد الذي خرج الشعب ضده يعودون في ثوب أكثر خبثاً وبجاحة وهم يتحدثون عن الثورة والحرية والعدالة الاجتماعية. الإحباط الذي أصاب ملايين العاطلين عن العمل بعد أن رسموا لمستقبلهم الخطط وظنوا أن العدل سيجد مكانه بيننا بعد ثورتين ونظامين .. فيجد نفسه محاط بالفساد والرشاوى والأحلام المقتولة. الإحباط وخيبة الأمل الذي أصب كل أب وكل أم في مقتل حين ظن أن ابنه سيجد فرصة عمل شريفة تعوضه ما ضاع من عمره في تعليم ابنه وبنته لينتهي به الحال في طابور العاطلين أو يبيع خضار وفاكهة في سوق التلات. الإحباط وفقدان الرغبة الذي تسببت به نخبة فاسدة ما بين اعلاميين يزيفون الحقائق ويضخمون الانجازات وتجار دين يستغلون البسطاء ليتسلقوا على أكتافهم نحو قبة البرلمان. علمنا أساتذتنا ف كلية الاقتصاد والعلوم السياسية "أن السياسة لم تخلق لجائع" فالجوعان لا يهمه من يجلس تحت قبة البرلمان لأنه مشغول بقوته وقوت أولاده .. وقد نجحت حكوماتنا المتعاقبة في أن تجعلنا نلهث وراء رغيف الخبز لدرجة أننا ننشغل عن تربية أولادنا بسسبب البحث عن العيش الحاف .. ولك ان تنظر حولك لترى عدد المواطنين الذين يعملون في أكثر من وظيفة لتلبية متطلبات أولادهم. الإحباط يا سادة هو ان تجد نفسك من قاطني محافظة الجيزة وتختار قائمة تمثل شمال ووسط وجنوب الصعيد.. ما هذا الهراء ومن المسئول عن هذه القوانين المشوهة التي تفقد الانتخابات معناها ومغزاها. الإحباط هو أن تسمع مرشحين يتحدثون عن توسيع صلاحيات رئيس الدولة رغم أن وظيفة البرلمان الأولى هي التشريع والثانية هي الرقابة على السلطة التنفيذية. الإحباط هو أن تجدك مجبراً على الاختيار ما بين السيئ والأسوأ لأن من يعتقدون أنهم الأفضل تراجعوا وخلوا الساحة لغيرهم لأنهم جبنوا عن المنافسة .. ولو أنهم أفضل فعلا لدخلوا الانتخابات وقدموا للناس ألواناً متعددة وأطياف متباينة من الفكر والعمل بدلاً من الإنزواء والجلوس على مقاعد المتفرجين. الإحباط هو ألا تجد في المرشحين - إلا ما ندر- من يمثل المعارضة المستنيرة الوطنية التي تعمل لصالح الوطن لا لصالح الأهل والعشيرة أو جماعة بعينها. الإحباط هو أن يكون البرلمان القادم أخطر برلمان في تاريخ مصر ويكون هذا تعاملنا معه العزوف والكسل والمقاطعة والانشغال بالرزق. أعتقد أن المجلس القادم سيكون عمره أقصر من عمر برلمان الإخوان وسيرتكب أكبر خطأ اذا ما أقدم على تعديل الدستور فيما يخص صلاحيات الرئيس لأن المناصب لا تدوم لشخص ولنتذكر حين غير السادات الدستور ليتيح له الترشح مدى الحياة ، فكانت من نصيب مبارك . فاصلة يحكى أن الإمام مالك بن دينار وعظ الناس في خطبة فأبلغ في وعظه حتى بكى الناس من الخشوع والتأثر، كان له مصحف خاص يقرأ فيه وقد وضعه على جدار المنبر ، ولما فرغ من صلاته بحث عن مصحفه فلم يجده فقال لهم : ويحكم كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟ وهذا ما وصلنا إليه فكلنا يبكي على الحرية والديمقراطية والعدالة التي ماتت ولا ندري من الذي قتل الحلم.