يصل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، العاصمة السودانية الخرطوم غداً الثلاثاء، في زيارة نادرة، تباينت آراء الخبراء حول مدى ترسيخها لعملية السلام المتعثرة في جنوب السودان، البلد الذي كان على مدار ثلاثة عقود مسرحاً للحرب بالوكالة بين البلدين. وستتناول الزيارة التي تستمر ليومين "الجوانب الأمنية والأوضاع في جنوب السودان"، حسبما أفادت به الخارجية السودانية. والعلاقة بين الخرطوم وكمبالا، متوترة منذ سنوات الحرب الأهلية السودانية بين الشمال والجنوب (1983 – 2005 )، حيث كانت السودان تتهم أوغندا بدعم المتمردين الجنوبيين. وبعد اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، والذي مهد لانفصال الأخير عبر استفتاء شعبي في العام 2011، استمر التوتر بين البلدين، حيث تتهم الخرطوم كمبالا، بأن لها أطماعا توسعية في الجنوب، وتسعى لتعكير علاقته بالشمال، حتى تحل بديلاً له في السوق الجنوبي. وتعمق هذا الخلاف عند اندلاع الحرب الأهلية بين القوات الموالية للرئيس سلفاكير ميارديت من جهة، والقوات الموالية لنائبه السابق رياك مشار، في ديسمبر كانون الأول 2013. وبينما نشرت كمبالا بشكل علني قوات عسكرية لمعاونة سلفاكير، في خطوة انتقدتها دول الجوار الأعضاء في منظمة "إيغاد" التي تولت عملية الوساطة، كانت جوبا تتهم الخرطوم بدعم مشار. وكانت السودان الدولة الأكثر امتعاضاً من نشر القوات الأوغندية في جنوب السودان، بطلب من سلفاكير، الأمر الذي أثر سلباً في محادثات السلام، التي توجت الشهر الماضي، باتفاق نهائي بعد التدخل المباشر من واشنطن، عندما زار الرئيس باراك أوباما أديس أبابا، وعقد لقاءات مع زعماء الدول المجاورة لجنوب السودان. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية، صلاح الدومة، لوكالة "الأناضول"، إن من دوافع زيارة موسفيني أن "الولاياتالمتحدة طلبت بشكل صريح من الخرطوم وكمبالا، التدخل الإيجابي لتسوية النزاع في جنوب السودان". ورغم التنافس بين الخرطوم وكمبالا في السوق الجنوبي حيث تستورد جنوب السودان وهي دولة نفطية، غالبية حاجياتها من البلدين، يرجح الدومة أن "يتعاون البلدان في تعزيز السلام لصالح مكاسب أكبر". ولا يقتصر توتر العلاقة بين السودان وأوغندا على جنوب السودان، حيث يتبادل البلدان أيضاً الاتهامات بدعم كل منهما للمتمردين على الآخر . فالخرطوم تتهم كمبالا وجوبا معاً بدعم متمردين يحاربونها في إقليم دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وثلاثتها مناطق متاخمة لجنوب السودان، بينما تتهم كمبالا الخرطوم بدعم "جيش الرب" المتمرد عليها. و"جيش الرب" هو حركة تمرد مسيحية في شمال أوغندا، ترجع جذورها إلى امرأة تدعى أليس لاكوينا، وقد تأسست كمعارضة من قبائل الأشولي في الثمانينات، وبالتحديد في عام 1986 على يد جوزيف كوني. واستندت الحركة في تحرّكها على دعاوٍ بإهمال الحكومات الأوغندية للمناطق الواقعة شمالي البلاد، وبدأ نشاطها منذ عام 1988 من هذه المناطق نفسها، إلا أن مقاتليها أخذوا بالانتشار في أطراف شمال شرقي الكونغو الديموقراطية، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان منذ عام 2005. ويسعى "جيش الرب" إلى هدف رئيسي وهو الإطاحة بنظام موسفيني، فضلاً عن إقامة نظام ثيوقراطي (حكم ديني) يتأسس على الكتاب المقدس/العهد الجديد، والوصايا العشر. وكوني، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، لا يُعرف له مقر إقامة بعينه، وتصنف واشنطن مجموعته كمنظمة "إرهابية". وبشأن المطالبات المتكررة من الخرطوم لكمبالا بطرد المتمرديين السودانيين من أراضيها كشرط لتحسين العلاقات، قال أستاذ العلوم السياسية، صلاح الدومة: "هذه مسألة عرض وطلب، ويمكن أن ترى أوغندا أن من الأفضل لها تحجيم علاقتها مع المتمردين لصالح حكومة الخرطوم". وفي فبراير/شباط الماضي، قال وزير الدولة بالخارجية السودانية، عبيد الله محمد عبيد الله، إن كمبالا طردت متمردين سودانيين من أراضيها قبل زيارة قام بها نائب الرئيس السوداني، حسبو عبد الرحمن، وعدد من القادة الأمنيين من بينهم مدير جهاز المخابرات إلى أوغندا ولقائهم الرئيس موسفيني. ووقتها قال عبيد الله الذي كان ضمن الوفد السوداني: "وجدنا تفهماً من الرئيس موسفيني الذي قال لنا إنه يعرف أن السودان الآن ليس له علاقة بجيش الرب المتواجد الآن في أفريقيا الوسطى". واتفق الجانبان السوداني والأوغندي، خلال الزيارة نفسها على "تشكيل آلية فنية لمناقشة القضايا الأمنية والعسكرية"، دون الكشف عن التفاصيل حول آليات عملها. بالمقابل، يستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، محمد نوري، أن تسهم زيارة موسفيني للخرطوم، في تحسين العلاقة بين البلدين، أو تسوية النزاع المسلح في جنوب السودان. وقال نوري للأناضول: "موسفيني لا يريد إنهاء الحرب في جنوب السودان، لأن من مصلحته استمرارها، وتوتر العلاقة بين الخرطوموجوبا". ويمضي نوري أبعد من ذلك في معرض وصفه لتقاطع المصالح بين الخرطوم وكمبالا قائلاً: "سلفاكير في يد موسفيني تماماً، لكن لا يمكن أن نقول أن مشار في يد البشير". ومراراً نفت الخرطوم اتهام جوبا لها بدعم مشار الذي كان حليفا للشمال إبان الحرب الأهلية، حيث انشق عن "الحركة الشعبية" التي كانت تقود التمرد في جنوب البلاد، ووقع اتفاق سلام عام 1997، قبل أن يعود للتمرد بعد أعوام قلائل. ويعتقد نوري أن الزيارة "لن تحدث تحولاً، لأن تعارض المصالح لا يزال قائماً".