أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن المنطقة العربية تشهد تحولات جذرية وتواجه تحديات جسيمة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية .. مؤكدا ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولي لمواجهتها. وقال الرئيس السيسي في كلمته خلال أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وإفريقيا "دافوس" تحت عنوان "إيجاد إطار إقليمي للرخاء والسلام عبر التعاون بين القطاعين العام والخاص" - إنه يجب الوقوف على تحليل أسباب تلك التحديات وسبل التغلب عليها للمساهمة في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية. وفيما يلي نص كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي:- "بسم الله الرحمن الرحيم صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية.. السيد الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي.. أصحاب السمو والمعالي.. السيدات والسادة.. اسمحوا لي في البداية أن أعرب لكم عن سعادتي بتلبية الدعوة للمشاركة في هذا المحفل الهام، والذي يتميز اليوم باستضافة المملكة الأردنية الهاشمية له وبالرعاية الكريمة لأخي جلالة الملك عبدالله الثاني. إن المنطقة العربية تشهد تحولات جذرية وتواجه تحديات جسيمة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.. ويتطلب عمق وخطورة هذه التحديات.. أن تتكاتف جهود المجتمع الدولي لمواجهتها، وذلك جنبا إلى جنب مع الجهود الوطنية ذات الصلة، والتي لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا بتعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل تحليل أسباب تلك التحديات، والوقوف على سبل التغلب عليها، للمساهمة في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في التقدم والتنمية. ولعلكم تتفقون معي على أنه لا يمكن فهم طبيعة التحولات في المنطقة من خلال رؤى خارجية أو أفكار مسبقة، ولا ينبغي بالتالي أن يسعى أي طرف، من داخل أو من خارج المنطقة، إلى استغلال حالة السيولة التي قد تصاحب مرحلة التحولات بهدف فرض رؤى محددة على دول المنطقة أو لإخضاعها لفكر أو رأى معين، فالحاضر تصنعه الشعوب وحدها بما لديها من إرادة ووعي، والمستقبل ملك للشباب ولن يرسم معالمه أحد سواه من خلال طموحاته وقدراته. إن تعزيز دور الشباب لم يعد من قبيل الترف، وإنما أضحى ضرورة لا غنى عنها، لاسيما في الدول والمجتمعات التي تضم نسبة كبيرة من الشباب بكل ما يمثلونه من أمل في المستقبل، وطاقة دافعة يتعين استثمارها وتوجيهها نحو الإطار الصحيح للاستفادة منها في دفع عجلة الإنتاج وإحداث التطور الحضاري والتنموي المنشود، فتوافر فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل يعد أهم سبل الحفاظ على الشباب واستثمار طاقاتهم، وذلك تلافيا للتداعيات الناجمة عن إهمال هذا القطاع الحيوي من المجتمع، وتركه فريسة للتطرف والإرهاب أخذا في الاعتبار أن قسما كبيرا من الشباب يجيدون استخدام وسائل التكنولوجيا والتواصل الإلكترونية الحديثة، التي يتعين العمل على الحيلولة دون استغلالها لنشر الأفكار المتطرفة ومنع انحرافها عن غايتها الحقيقية الرامية إلى نشر الثقافة والمعرفة وتحقيق التواصل البناء بين مختلف الشعوب والحضارات. إن التحدي الذي يطرحه موضوع الاستثمار في الشباب ليس مجرد أحد الموضوعات على جدول أعمال الحكومات وحدها، لكنه قضية رئيسية ينبغي أن تكون محل تعاون وتكامل في الجهود ما بين الحكومات وقطاع الأعمال، فالكل في قارب واحد، ولن يتحقق الازدهار الذي ننشده جميعا ولن يسود السلام أو الاستقرار اللازمان لاستدامة التنمية إلا من خلال ذلك التعاون والتكامل بين الحكومة والمؤسسات الخاصة في منطقتنا، وأيضا فيما بينها وبين باقي الدول والأقاليم، فالتهديدات في عالم اليوم باتت عابرة للحدود ولم يعد أحد منا يمتلك ترف التقاعس عن التعاون والتنسيق حتى يمكن القضاء عليها. إن الجمود الفكري الناجم عن التطرف والغلو الديني أو المذهبي تزداد حدته جراء اليأس والإحباط وتراجع قيم العدالة بمختلف صورها، وبالتالي فإن جهودنا للقضاء على التطرف والإرهاب لابد أن تتواكب معها مساع نحو مستقبل تملؤه الحرية والمساواة والتعددية، ويخلو من القهر والظلم والإقصاء، لكن تلك المساعي لا يمكن أن تكتمل دون أن تمضي بالتوازي معها خطط مدروسة للقضاء على الفقر تجسد الشق الآخر للحقوق الأساسية للإنسان في منطقتنا، فمن غير المقبول أن يستمر الفقر سببا لمعاناة جزء كبير من شعوبنا رغم الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تذخر بها دولنا، ولن يتحقق القضاء على الفقر إلا من خلال تنمية اقتصادية وصناعية قوية وشاملة.. مرنة ومستدامة.. تضع ضمن أولوياتها رعاية الصناعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة باعتبارها أحد أهم عناصر تحقيق التنمية الشاملة، والتي يمكن أن تفجر طاقات الإبداع والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعمل على توفير وظائف جديدة لاستيعاب جزء كبير من العمالة ومواجهة ظاهرة البطالة، خاصة في أوساط الشباب. لقد واجهنا في مصر خطر محاولة فرض الرأي الواحد وإقصاء كل من يخالفه، واستطاع شعبنا أن ينتصر على تلك المحاولة وأن يواجه الترويع والعنف الذي صاحبها بكل شجاعة من أجل تأمين مستقبل الأجيال القادمة في مصر، ونعايش اليوم في المنطقة مخاطر مشابهة تستقي أفكارها من ذات المصدر، وتسعى من خلال الإرهاب إلى هدم بنيان الدول وتفتيت الشعوب، وتستغل في ذلك الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي لتجنيد وتعبئة الشباب الذي كان ضحية في مراحل سابقة لضعف الاستثمار في قدراته ومواهبه.. إننا في مصر ندرك كدولة غنية بشبابها ضرورة بل وحتمية أن نصنع مستقبل بلادنا ومنطقتنا بدءا من الحاضر، كما نعي أن لدينا نافذة ديموغرافية ممتدة حتى عام 2050 للاستفادة من طاقات وقدرات الشباب في سن العمل خلال تلك الفترة، وهو ما يدفعنا بكل قوة لتنفيذ مشروعات جادة وطموحة للاستفادة من تلك الطاقات، وفي هذا الإطار.. بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج شامل للتنمية حتى عام 2030، يهدف إلى جذب الاستثمارات وتشجيعها للعمل في مناخ آمن ومستقر، ويرتكز على القيام ببرنامج للإصلاح الاقتصادي وتطوير مناخ الاستثمار من خلال مراجعة كافة التشريعات المتعلقة به، بهدف دفع حركة الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال، وقد توجت تلك الأعمال بإصدار قانون جديد للاستثمار الذي ستصدر لائحته التنفيذية قريبا، كما تم إجراء بعض التعديلات التشريعية مثل تنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وقانون الشركات، وقانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة. كما أطلقت الحكومة المصرية العديد من المشروعات التنموية الضخمة، وفي مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة، الذي يعد بمثابة قفزة اقتصادية وتجارية هائلة على الصعيدين الوطني والدولي، وكذلك مشروعات تنمية منطقة المثلث الذهبي الذاخر بالاحتياطيات المعدنية، وتنمية الساحل الشمالي الغربي وظهيره الصحراوي، ومشروع شرق العوينات، فضلا عن إعداد مشروعات أخرى من المنتظر الانتهاء منها خلال الفترة المقبلة على رأسها إنشاء مركز لوجيستي عالمي لتخزين الحبوب، إلى جانب العديد من المشروعات الإنتاجية التي تساهم في توفير فرص عمل حقيقية للشباب. وقد أتيحت لنا الفرصة لإلقاء الضوء على تلك الجهود خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مدينة شرم الشيخ خلال شهر مارس الماضي، والذي شهد مشاركة دولية كبيرة من الدول والقطاع الخاص العالمي، وأسفر عن توقيع العديد من الاتفاقيات لإطلاق مشروعات اقتصادية كبرى، شملت مشروعات هامة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، فضلا عن التوجه نحو الاعتماد على وسائل الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يتيح الفرصة للتوسع في الأنشطة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات في المجالات المختلفة، كما تعمل الحكومة المصرية على تطوير شبكات الضمان الاجتماعي والدعم لحماية الفقراء ومحدودي الدخل، وإطلاق برنامج "كرامة وتكافل" بالتعاون مع شركائنا في التنمية، بهدف دعم شبكات الأمان الاجتماعي في مصر، وتوسيع نطاق هذه الشبكات استنادا لآليات ومعايير تتسم بالشفافية والكفاءة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه من الفئات الأضعف وتحسين مستوى الخدمات المقدمة إليهم. لقد حققت مصر تحسنا اقتصاديا ملحوظا خلال الفترة الماضية.. وهو ما تشهد به تقارير المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية وتوقعاتها الإيجابية حول أداء الاقتصاد المصري وارتفاع مستوى الثقة فيه، لاسيما مؤسسات التصنيف الائتماني التي عدلت توقعاتها ونظرتها للاقتصاد المصري ورفعت التصنيف الائتماني من "مستقر" إلى "إيجابي"، وبالتوازي مع النجاحات المحققة على الصعيد الاقتصادي، لا يزال التزامنا ثابتا بالتنفيذ الكامل لخارطة المستقبل السياسية التي تم إقرارها عقب ثورة 30 يونيو 2013، حيث تم الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية بمشاركة شعبية واسعة وفي ظل أجواء اتسمت بالنزاهة والشفافية، ويجري بالفعل اتخاذ الإجراءات الخاصة بعقد الانتخابات البرلمانية، استكمالا لبناء مؤسسات الدولة. إنني على ثقة من أن ما سيشهده هذا المحفل من حوارات بناءة وتفاعلات مثمرة سيقوي علاقات العمل القائمة بين المشاركين كما سيضع أسس علاقات جديدة وممتدة تستفيد من الأفكار التي تطرح خلال الاجتماعات وحلقات النقاش، وانطلاقا من حرص مصر على الإسهام في تعزيز وتوثيق تلك العلاقات وفي إتاحة الفرصة للمزيد من تبادل الرؤى والانفتاح على الأفكار الخلاقة، فإنني أعلن عن استضافة مصر للاجتماع القادم للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مايو 2016 في مدينة شرم الشيخ، وأدعوكم جميعا إلى المشاركة فيه بمزيد من الطموح والتطلع إلى المستقبل من خلال الفكر والعمل الجاد الذي تمتاز به اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي. أتطلع للقائكم مجددا على أرض مصر وأرحب بكم ضيوفا أعزاء وشركاء أوفياء.. لتحقيق مصالح مشتركة تصب في خدمة رفاهية واستقرار شعوبنا... شكرا".