مع نهاية العام 2010 وبداية عام 2011 شهدت العديد من الدول العربية ثورات شعبية واحتجاجات تطالب بإصلاح سياسي ومزيد من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وبدأت أولى الثورات في تونس في 18 ديسمبر من العام 2010 ثم انتقلت إلى مصر في 25 يناير 2011 وليبيا في 17 فبراير 2011، وتلا ذلك خروج احتجاجات شعبية في البحرين وسوريا واليمن وغيرها من الدول العربية.. وبالرغم من اختلاف التوقيت بين انطلاق الاحتجاجات في الدول العربية إلا أنها اتفقت على شعار واحد وهو "الشعب يريد إسقاط النظام" وهو ما دفع بعض الكتّاب والمحللين إلى إطلاق تسمية "الربيع العربي" أو "ربيع الشعوب العربية" أو "التمرد العربي" على هذه الثورات.. وهذا المصطلح ليس صناعة عربية فقد ظهر هذا المصطلح منذ مئات السنين . في القرن التاسع عشر: وقبل سنوات من نهاية العقد الرابع من النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي وبالتحديد في عام 1848م حدثت موجة من الثورات والاحتجاجات في العديد من الدول الأوروبية أطلق عليها "Völkerfrühling"، وهي كلمة ألمانية تعني بالإنجليزية "Springtime of Peoples" وبالعربية تعني "ربيع الشعوب". وقد كانت أفكار الليبرالية القومية والديمقراطية هي التي ألهمت الطبقة الوسطى الأوربية المتظاهرة عام 1848 ولكن اختلفت أهدافها في كل بلد أوربي على حدة، ففي المجر طالب المتظاهرون بالاستقلال عن النمسا، وفي ما يُعرف حالياً بألمانيا كانت الثورات تهدف إلى توحيد الشعوب الناطقة باللغة الجرمانية في دولةٍ واحدة. وفي فرنسا كان هدف الاحتجاجات هو الإطاحة بالملكية، بينما في بعض البلدان تحوّلت الثورة إلى صراعات عرقية، وتم إحباط بعضها الآخر عبر التدخل الخارجي. في القرن العشرين في العقد الأخير من تسعينيات القرن العشرين وبالتحديد في عامَي 1989 و1990 ظهرت ثورات وحركات تحررية في دول أوروبا الشرقية، بدأت في بولندا وامتدت إلى المجر وألمانيا الشرقية وبلغاريا وتشيكسلوفاكيا وغيرها من الدول الاشتراكية والتي انتفضت للخلاص من الشيوعية، وظهر مصطلح "ربيع الشعوب" إلى الساحة مرة أخرى ولكن بتغيير طفيف حيث أطلق البعضُ على هذه الاحتجاجات (Autumn of Nations) أو "خريف الشعوب". في القرن الحادي والعشرين لفتت الثورات العربية التي نجحت في إسقاط الأنظمة الاستبدادية أنظار العديد من المراقبين والمحللين من كل أنحاء العالم، وقد اندهشوا من نجاح هذه الثورات الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة من جديد مصطلح "ربيع الشعوب"، وقد تم تعديله ليتوافق مع طبيعة الثورات العربية وأصبح "الربيع العربي" هو التسمية التي أطلقت على هذه الثورات في محاولةٍ للمقارنة أو تشبيه الثورات العربية بالثورات التي ظهرت في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين. في يوم 15 يناير 2011 وهو اليوم التالي لهروب زين العابدين بن علي من تونس؛ الأمر الذي اعتُبر إعلاناً رسمياً عن نجاح الثورة التونسية، تناولت صحيفة "كريستيان ساينس مونتر" الأمريكية في تحليل إخباري - نقل ملخصه موقع إيلاف في اليوم التالي- أحداث تونس واستطردت في التحليل والتعليق على الأحداث، مركزةً على دلالاتها الأبعد مدى إزاء قضية الديمقراطية وشكل الحكم عموماً في المنطقة العربية. و تساءلت الصحيفة عمّا إذا كان رحيل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بوادر "ربيع عربي" أم "شتاء عربي". وقالت إن هذا هو الخيار المطروح على الحكام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما هم يتابعون بقلق انتفاضة شعبية تطيح بزعيم بلد من أصغر بلدان المنطقة لكنه كان من أكثرها استقرارا. وكان يوم 26 يناير من العام 2011 هو اليوم الذي تم فيه استخدام مصطلح "الربيع العربي" للمرة الثانية وكانت الصدفة الغريبة أنه ذُكر مرتين، مرة عن طريق كاتب أوروبي ومرة عن طريق شخصية مصرية. ففي هذا اليوم كتب "دومنيك مويزي"، وهو كاتب سياسي فرنسي شهير، مقالاً بعنوان "أهو ربيع عربي؟" في صحيفة " Project Syndicate"، تحدّث فيه عن الثورة الشعبية في تونس وطرح "مويزي" تساؤلاً حول مدى إمكانية اعتبار ما تشهده تونس - في هذا التوقيت - بمنزلة سقوط أول أحجار دومينو الأنظمة الاستبدادية العربية؟ أم أنها حالة فريدة ولا ينبغي لنا أن ننظر إليها كسابقة سواء في العالم العربي عموماً أو المغرب العربي بصورة خاصة؟ مشيراً إلى أن الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة سعت إلى التهوين من أهمية "ثورة الياسمين"، وتنبأ بأن الشرارة التي بدأت في تونس قد تنتشر- وربما في غضون أشهر أو أعوام- إلى العالم العربي بالكامل. وأكد الكاتب الفرنسي "أن جدار الخوف قد انهار، وتحدث الناس، وقد يكون الربيع العربي قريباً، فقد كانت الرسالة من تونس واضحة، حتى الآن على الأقل: إلى الأنظمة الفاسدة والمستبدة".. وحذّر الأنظمة العربية بأنها إذا لم تسرع إلى الإصلاح العميق فإن أيامها معدودة. أما في العالم العربي فقد كان الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق لوكالة الطاقة الدولية هو أول مَن استخدم مصطلح "الربيع العربي" وذلك في حواره مع صحيفة ديرشبيجل الألمانية يوم 26 يناير، ونشرت صحيفة المصري اليوم ملخصاً له حيث أكد البرادعي أن خروج المصريين للشوارع يوم 25 يناير هو بمثابة كرة الثلج التي ستتحول إلى انهيار جليدي، مؤكداً على أن العالم العربي يشهد الآن البوادر الأولى "للربيع العربي". بعد ذلك تردّد المصطلح على نطاق واسع في العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية بصورة جعلت من الضرورة التفكير في السيناريوهات المستقبلية للربيع العربي التي يمكن ان تكون علي النحو التالي: السيناريو الاول : هو ان تنجح هذه الثورات العربية في احداث تحولات ديمقراطية طفيفة لا تتناسب مع حجم التوقعات التي حلمت بها الشعوب العربية والتي خرجت الي الشوارع من أجل المطالبة بها أخذا في الاعتبار الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي ستتعرض لها اقتصاديات هذه الدول نتيجة تراجع الاستثمارات وهروب رؤوس الاموال الاجنبية وتعد تونس هي الاقرب الي هذا النموذج يليها مصر بدرجة او باخري كما ان هناك تخوف من تبعية هذه الدول لدول كبري مثل امريكا وغيرها بالرغم من انها تنكرت للثورات العربية في بادئ الامر. السيناريو الثاني: ان تعود الديكتاتورية الي هذه الدول بشكل او باخر حيث ان الانفلات الامني الذي هو السمة الغالبة المرتبطة بهذه الثورات وكذلك حدوث خلافات وصراعات بين القوي السياسية الناشية وبعضها من جهة وبينها وبين القوي القديمة من جهة أخري الامر الذي يؤدي الي حالة من التشرذم السياسي وتصبح البيئة مهيأة لديكتاتور قد يكون من العسكر غالبا للسيطرة علي الحكم وبسط نفوذه علي كامل الدولة بحجة ان الانفلات الامني يحتاج الي قبضة حديدية حتي يتم استعادة الامن والاستقرار وكانك "يا بوزيد ما غزيت" خاصة مع ظهور بعض الاصوات التي تشبه الثورات التي شهدها العالم العربي بتلك الاحداث التي شهدتها اوروبا في منتصف القرن التاسع عشر حيث كانت جميعها ثورات سريعه وتخللها عنف دامي ، ولم تنجح في تحقيق اهدافها في كل البلاد وهنا فان احتمال التبعية للخارج يظل قائما حيث ان رؤية الفرد الحاكم هي التي ستم فرضها علي الشعب باعتبار ان ما يراه الحاكم في صالح بلاده هو ما يجب أن يُنفذ. السيناريو الثالث: وهو أن تنجح هذه الثورات في احداث تغير ديمقراطي حقيقي ووضع دساتير جديدة تنص علي قدر أكبر من الحرية وحقوق الانسان وتنجح شعوب هذه الدول في اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة بعيدة عن التخوين والاتهامات المتبادلة بالعمالة وهذا السيناريو يتساوي مع السيناريو الأول في احتمالية حدوثه في حين يظل السيناريو الاوسط هو الأبشع والأكثر سلبية ، فهل يشهد عام 2011 نجاحا عربياً في التحول نحو الديمقراطية و القضاء على الأنظمة المستبدة في باقي الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية مثل سوريا واليمن؟ والتجربة تؤكد نجاح الشعوب العربية في أفريقيا وتحديداً في الشمال الأفريقي في إزاحة ثلاثة أنظمة مستبدة ما كان لها أن تزول لولا إرادة الله تعالى وتصميم هذه الشعوب.