«الشعوب باتت أكثر ثقة ووعيا وتنظيما من النخب الحاكمة».. بهذه العبارة فسرت آن ألكسندر، أستاذة علم الاجتماع السياسى فى مركز البحوث الفنية والاجتماعية والإنسانية بجامعة كامبريدج البريطانية، الثورات والحركات الاحتجاجية التى اندلعت العام الماضى، موضحة أنها لم تتوقع انطلاق كل هذه الاحتجاجات بهذا الشكل والسرعة. ألكسندر، التى أجرت العديد من الأبحاث حول الحركات الشعبية والعمالية فى الشرق الأوسط، لاسيما مصر، تؤكد فى حوار مع «الشروق» أن الثورتين التونسية والمصرية وفرتا آلية مقاومة لكثير من شعوب العالم التى كانت تعانى منذ سنوات، ولكن تفتقر للقدرة على الاحتجاج.
كما تتحدث عن الدور الذى تلعبه وسائل الإعلام الحديثة فى الثورات والحركات الاحتجاجية، والدور الذى لعبته بشكل خاص فى 2011، وتوقعاتها لاستمرارية الثورات والاحتجاجات الحالية، ومدى إمكانية انتقالها إلى دول أخرى فى العام الجديد.. وإلى نص الحوار.
● بداية.. ما تعليقك على حركات الاحتجاج التى اجتاحت العالم فى 2011؟ أعتقد أن العيش فى سياق حركات احتجاجية كبيرة أمر ليس جديدا على الغرب، إذ شهدت العديد من الدول الغربية منذ عشر سنوات موجات من الحركات الاحتجاجية ضد الحرب على العراق، وتحركات أخرى معادية للعولمة ومناهضة للقمم السنوية التى تعقدها مجموعة الدول الثمانى الكبار (G8).
لكن الجديد هو أننا شاهدنا ثورتين عربيتين حقيقيتين فى تونس ومصر، إضافة إلى الثورات والاحتجاجات الأخرى فى المنطقة، ما يدشن لعصر جديد، لاسيما مع بدء انتقال نموذج الثورة المصرية بشكل خاص إلى عدد من دول العالم.
● هل يتوافر إحصاء بعدد هذه الحركات الاحتجاجية؟ لا يوجد لدى إحصاء دقيق، ولكنى أعتقد أن العالم قد شهد مثلا أكثر من 900 إضراب فى يوم واحد، وهو منتصف أكتوبر، فما بالك بعدد الإضرابات والاحتجاجات التى اجتاحت العالم على مدار العام، من المؤكد أنه رقم كبير.
● لم تفرق حركات الاحتجاج بين دول نامية ودول متقدمة.. فما تفسيرك؟ لأن كلا منهما كان يعانى على طريقته، ففى الوقت الذى كانت تتعطش فيه الدول النامية إلى الحرية والديمقراطية، كانت الدول المتقدمة تعانى من أزمة اقتصادية ومالية حادة، وسط محاولات الحكومات الأوروبية لمعالجتها عبر اتباع سياسات تقشفية صارمة تنال من المواطن الأوروبى العادى، ما جعله يشعر بأنه ضحية السياسات الاقتصادية الخاطئة، إلا أنه لم يكن يمتلك أى آلية للمقاومة، وهو أمر بدأ يظهر بعد الثورتين التونسية والمصرية. بل إن عددا من النشطاء النقابيين فى بريطانيا يعملون الآن وفقا للنموذج المصرى لمقاومة وحشية النظام الرأسمالى.
● هل يعنى هذا أن الحركات الاحتجاجية كانت متوقعة؟ بالنسبة لى لم أتوقع اندلاع كل هذه الاحتجاجات على مستوى العالم وبهذا الشكل والسرعة، فحينما رأيت الثورتين التونسية والمصرية وبدأ عدد من العواصم العربية الأخرى يثور شعرت بأن ما يحدث هو بداية لعصر من الثورات والاحتجاجات فى العالم العربى. توقعت أن تنتقل العدوى إلى الدول النامية، ولكنى لم أتوقع قط أن يتكرر المشهد فى عدد من الدول الأوروبية، بل وإلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. لعل السبب فى ذلك هو عمق الأزمة الاقتصادية التى تعصف بعدد من الدول الأوروبية، لاسيما إسبانيا واليونان، فضلا عن أن الثورات العربية وفرت درجة من الوعى الفكرى لدى الرأى العام الأوروبى، فنجاح الثورتين التونسية والمصرية دفع القيادات النقابية والرأى العام العالمى إلى التحرك.
● هل يمكن تصنيف هذه الحركات الاحتجاجية؟ لا.. أعتقد أنه من الصعب جدا تصنيفها نظرا لتشابك وتداخل الأسباب المؤدية لكل احتجاج، لاسيما وأن الأسباب السياسية والاقتصادية هما وجهان لعملة واحدة من وجهة نظرى. ففى إسبانيا، كشفت الأزمة الاقتصادية وارتفاع البطالة عند الشباب عن عدم وجود ديمقراطية حقيقية فى البلاد، وهو ما دفع الشعب إلى الاحتجاج. وفى مصر سنجد أن الإضرابات ذات الأهداف الاقتصادية، التى اندلعت طيلة السنوات الثلاثة الماضية، لعبت دورا مهما جدا فى إسقاط حسنى مبارك، وهى نتيجة سياسية. فالاعتصامات التى قام بها مئات الآلاف من العمال فى الشوارع قدمت نموذجا احتجاجيا شعبيا للمصريين نجح فى كسر حاجز الخوف لديهم، فنزلوا إلى الشوارع، وكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير.
● وما تقييمك للثورتين الأكثر نجاحا فى الربيع العربى؟ من المؤكد أن الثورة المصرية تفوقت على نظيرتها التونسية من حيث إمكانية تواصل العالم مع الثورة، خاصة عبر وسائل الإعلام غير الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعى، مثل «فيس بوك» و«تويتر». بل إنه رغم عدم اكتراث الكثيرين فى الغرب بما يحدث فى الشرق الأوسط، إلا أنهم اهتموا بمتابعة الثورة المصرية، وكانوا سعداء بنجاحها. إلا أن هذه الثورة ما كانت لتندلع وتنجح لولا أن المصريين استمدوا قوتهم من الشعب التونسى، الذى نجح فى إسقاط حاكمه المستبد، فأهم شىء فى ثورة تونس كان سقوط زين العابدين بن على، ولم يكن مطلوبا من أحد معرفة الكيفية التى سقط بها الرئيس المخلوع.
● هل تعتقدين أن الربيع العربى لعب دورا فى نشر الحركات الاحتجاجية حول العالم؟ بالفعل.. أرى أن احتجاجات 2011 كانت نتيجة مباشرة للثورتين التونسية والمصرية، فالأولى نجحت فى نقل احتجاجات الشعوب إلى الشارع، فيما قدمت الثانية نموذجا احتجاجيا يتم استنساخه فى عدد من دول العالم.
أعتقد أن الثورة المصرية ستكون فى المستقبل نموذجا مهما جدا، خاصة فى مجال العدالة الاجتماعية، ففى الوقت الذى يطالب فيه المصريون بتثبيت عشرات الآلاف من الشباب فى وظائفهم، وزيادة ميزانية الصحة والتعليم، وإعادة الشركات التى تم خصخصتها إلى القطاع العام، وهى مطالب ليست فئوية بل إنسانية لابد من الاستجابة إليها، خرج المواطنون فى أوروبا للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة إجراءات التقشف والبطالة والأزمة الاقتصادية بشكل عام.
● فى رأيك هل اختلف أداء الحركات الاحتجاجية فى الغرب رغم أنها جميعا مثلت ثورة غضب ضد الرأسمالية؟ بالتأكيد فالبيئة المحلية تلعب دورا مهما فى مثل هذه الحركات، فرغم تأثر الحركات الاحتجاجية فى إسبانيا وبريطانيا والولاياتالمتحدة بالثورة المصرية، إلا أننى أظن أنهم اختلفوا عن بعضهم البعض. ففى إسبانيا انتقلت فكرة الاعتصامات الكبيرة مباشرة من ميدان التحرير إلى ميادين إسبانيا التى شهدت سلسلة اعتصامات واسعة، ولكن هؤلاء الذين شاركوا فى الاعتصامات لم يكونوا متعاونين مع النقابات وقياداتها التقليدية التى خذلتهم فى احتجاجات 2010، عبر صفقة بينها وبين الحكومة، وهو ما دفع المحتجين الإسبان لمنعهم من دخول الميدان فى عام 2011. أما فى بريطانيا فقد كانت النقابات جزءا من الاحتجاجات. وأرى أن الاعتصامات الإنجليزية قد تشكل نواة لحركة عمالية ونقابية أكبر وأشمل ضد تغيير نظام المعاشات وارتفاع نسب البطالة وسياسات التقشف. وهو نفس الشىء فى الولاياتالمتحدة، حيث نجد أن حركة «احتلوا وول ستريت» كانت على اتصال مع النقابات، التى حمت الحركة من قمع الشرطة.
● وما هى الطريقة المثلى للتعامل مع تلك الحركات الاحتجاجية؟ الطريقة المثلى فى رأيى هى التفاوض وفتح باب الحوار مع المحتجين على أن يتم هذا بشكل ديمقراطى.
● تجرين مشروعا بحثيا حول العلاقة بين وسائل الإعلام الحديثة والنشطاء السياسيين بالتطبيق على ثلاثة أجيال (الأربعينات، والسبعينات، والألفية الجديدة).. فإلى أى مدى يمكن القول إن وسائل الإعلام الحديثة، لاسيما «فيس بوك» و«تويتر»، لعبت دورا فى إشعال الحركات الاحتجاجية؟ كنت قد بدأت هذا البحث مع زميل لى متخصص فى الشئون الأفريقية بجامعة كامبريدج قبل الربيع العربى، وقد اكتسب البحث أهمية كبيرة بعد الثورات العربية. وأرى أن وسائل الإعلام لا يمكن أن تصنع وحدها ثورة، لكنها تلعب دورا مهما فى نشر الحركات الاحتجاجية. وأختلف مع بعض المراقبين فى بريطانيا والولاياتالمتحدة الذين يدعون أن التغييرات التكنولوجية هى سبب قيام الثورات، كما أرفض تسمية الثورات التى قامت هذا العام بثورة «فيس بوك» و«تويتر».
● وهل نستطيع القول إن ظهور أى تكنولوجيا جديدة فى وسائل الإعلام والاتصال يستتبعه حركات احتجاجية؟ قد يكون هذا صحيحا، فوسائل الإعلام توفر درجة من الوعى لدى الشعوب، كما أن الأنظمة الحاكمة لا تدرك خطورة هذه الوسائل فى بدايتها، وهو ما يتيح لها هامشا أوسع من الحرية، ففى سبعينيات القرن الماضى مثلا لعبت شرائط الكاسيت دورا مهما فى الثورة الإيرانية يمكن أن نشبهه بالدور الذى لعبه «فيس بوك» و«تويتر» هذا العام، فالمعارضة الإيرانية كانت تنسخ شرائط الكاست المسجل عليها ندوات وخطب للخومينى، ويتم نقلها من يد إلى أخرى بكل سهولة، ما مهد لاندلاع ثورة 1979، لاسيما مع صعوبة سيطرة الدولة على هذه الشرائط.
● إلى أى مدى يمكن تفسير الحركات الاحتجاجية التى اجتاحت العالم فى ضوء نظرية المفكر الأمريكى جوزيف ناى حول مستقبل القوة فى القرن الحادى والعشرين، حيث يرى أن القوة تنتقل عبر طريقين، الأول من الغرب إلى الشرق، والثانى من الدولة إلى الجهات الفاعلة غير الرسمية، كالشعب والمجتمع المدنى؟ أعتقد أن الحركات الاحتجاجية الشعبية التى شهدها العالم فى 2011، لاسيما فى العالم العربى، أثبتت أن توازن القوى بين الأنظمة والشعوب تغير لصالح الشعوب، خاصة أنها باتت أكثر وعيا وثقة وتنظيما من النخب الحاكمة. أما فيما يتعلق بالغرب والشرق، فأعتقد أن هناك أزمة سياسية كبيرة جدا لدى العديد من الأنظمة الغربية ناجمة عن وجود أزمة فكرية فى قلب النظام الرأسمالى، فالليبرالية الجديدة فشلت، وفى قول آخر حينما نجحت فشلت، فقد كانت تدعى أنها ستحل جميع المشكلات الاقتصادية للشعوب، إلا أن هذا لم يتحقق أبدا، بل إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء أخذت فى الاتساع. هذا الفشل تسبب فى أزمة فكرية لدى الحكومات التى أصبحت تعانى من شلل جراء الأزمة الاقتصادية والمالية التى تهدد الاتحاد الأوروبى وعملته الموحدة، خاصة مع عدم وجود خطة إنقاذ واضحة.
● ماذا عن توقعاتك للحركات الاحتجاجية فى العام الجديد.. هل ستخفت أم ستنتقل العدوى الاحتجاجية إلى مزيد من دول العالم؟ أعتقد أن اللحظة الثورية ستستمر فى منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة نسبيا قد تمتد إلى سنوات، فقد دشن العام الماضى لمرحلة جديدة من الاحتجاجات الشعبية ضد النخب. إلا أننا قد لا نرى فى المستقبل نفس نموذج الحركات الاحتجاجية الذى شهدته دول الربيع العربى. وأظن أن الأزمة الاقتصادية التى تعصف بالقارة الأوروبية قد تتسبب فى نقل العدوى الاحتجاجية لمزيد من الدول فى الغرب.
● ما هى الدول والمناطق المرشحة أكثر من غيرها لاستقبال العدوى الاحتجاجية؟ وهل هناك أنظمة محمية من الاحتجاجات؟ من الصعب التنبؤ بهذا، فلقيام أى ثورة أو احتجاج لابد من تجمع عوامل عديدة يتبعها بعد ذلك انفجار شعبى، ولكنى أرى أن عمق الأزمة الاقتصادية فى أوروبا قد يزيد من احتمالات اندلاع الحركات الاحتجاجية فى القارة الأوروبية. وأظن أنه لا توجد دولة فى الشرق الأوسط معصومة من الاحتجاجات، كما أن نجاح النموذج المصرى قد يسهم فى انتقال العدوى إلى بقية دول المنطقة.
شعوب غاضبة
ديسمبر 2010
17 ديسمبر: احتجاجات شعبية فى مدينة سيدى بوزيد التونسية إثر إحراق الشاب محمد البوعزيزى لجسده.
يناير 2011
15 يناير: احتجاجات طلابية فى جامعة صنعاء تطالب بإسقاط صالح.
25 يناير: اندلاع الثورة المصرية ضد حكم نظام الرئيس حسنى مبارك القائم منذ نحو ثلاثين عاما.
فبراير
14 فبراير: اندلاع حركة احتجاجية بين الشيعة فى البحرين تطالب بإصلاحات سياسية.
15 فبراير: احتجاجات لأهالى ضحايا سجن أبوسليم فى ليبيا تطالب بإنهاء 42 عاما من حكم القذافى.
20 فبراير: مظاهرات فى المغرب تدعو إلى الديمقراطية ومكافحة الفساد.
27 فبراير: مظاهرات فى لبنان لإسقاط النظام الطائفى.
مارس
15 مارس: انطلاق الحركة الاحتجاجية فى سوريا لإنهاء نحو 41 عاما من حكم أسرة الأسد.
15 مارس: مظاهرات فى فلسطين للمطالبة بإنهاء الانقسام الداخلى بين حركتى فتح وحماس.
مايو
17 مايو: انتشار حركة «الغاضبين» فى إسبانيا، احتجاجا على تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.يوليو
14 يوليو: احتجاجات فى إسرائيل للمطالبة بالعدالة الإجتماعية والإصلاح الاقتصادى.
أغسطس
16 أغسطس: الناشط الهندى آنا هازارى يبدأ إضرابا عن الطعام للمطالبة بسن قانون جديد لمكافحة الفساد، لاسيما بين المسئولين.
سبتمبر
17 سبتمبر: المسيرة الأولى لحركة «احتلوا وول ستريت» الأمريكية احتجاجا على جشع الرأسماليين وسلطتهم فى الدولة والمطالبة بإسقاط النظام الرأسمالى.
أكتوبر
11 أكتوبر: موظفو الحكومة اليونانية يضربون عن العمل، احتجاجا على إجراءات التقشف.
15 أكتوبر: احتجاجات فى أكثر من 1500 مدينة حول العالم للمطالبة بإسقاط النظام الرأسمالى.
نوفمبر
30 نوفمبر: اتحاد العمال فى بريطانيا ينظم إضرابا للاحتجاج على تعديلات مقترحة على نظام المعاشات.
ديسمبر
5 ديسمبر: عشرات الآلاف من الروس يبدأون احتجاجات على فوز حزب بوتين بالانتخات ويتهمون النظام بالتزوير.. والكثير من المراقبين يتساءلون: هل وصل الربيع العربى إلى روسيا؟