وفقا لقراءات وتحليلات أوروبية كثيرة لما يطلق عليه الربيع العربي فإن الانتفاضات والثورات التي بدأتها الشعوب العربية ضد الفساد السياسي والمالي وظلم الأنظمة الاستبدادية والاوليجارشية التي تحكمها وخاصة في تونس ومصر أصبحت نموذجا تحتذي به حركة احتجاجية شعبية. واسعة بدأت في دول كثيرة من العالم قد تتفق أو تتباين دوافعها وأهدافها عن تلك التي تحرك الشعوب العربية. فبعض هذه الاحتجاجات قد يسعي لتغيير النظام السائد كما بدأ في الصين وروسيا وبعض دول امريكا اللاتينية وبعضها يسعي فقط لإصلاح هذا النظام كما في العديد من الدول الأوروبية التي ينتفض مواطنوها ضد عجز حكوماتهم عن تحقيق العدالة الاجتماعية فضلا عن عجزها في مواجهة أزمة مالية واقتصادية عاصفة مثل أزمة اليورو وفشلها في التصدي لبارونات الأسواق المالية والشركات الرأسمالية الكبري التي باتت تتحكم في كل شئ. لذا فإن الأزمة المالية التي تهدد منطقة اليورو تعتبر المحرك الأساسي للاحتجاجات الشعبية التي تتزايد في أوروبا بعد أن هزت هذه الأزمة ثقة الأوروبيين في نظامهم الديموقراطي واقتصادهم الليبرالي. والهبت انتفاضة التونسيين وثورة المصريين السلمية بشكل خاص حماس الشباب والمواطنين في دول جنوب أوروبا فشهدت إسبانيا التي تعاني من أعلي نسبة بطالة بين الدول الأوروبية مظاهرات شعبية في اكثر من خمسين مدينة وإعتصامات بالأسابيع في الميادين علي غرار ميدان التحرير رفعت خلالها شعارات الثورة المصرية وكان المطلب الرئيسي للمحتجين والمعتصمين هو أن تسود ديموقراطية حقيقية في البلاد رافضين النظام القائم الذي يتداول بموجبه حزبان فقط السلطة ورافضين لسياسات الحكومة الفاشلة لتي تعالج الأزمة المالية والاقتصادية بتسريح الأطباء والموظفين وزيادة معدلات البطالة عما هي عليه كما احتج المواطنون علي ضياع المكتسبات الإجتماعية أمام اجتياح الليبرالية الجديدة والرأسمالية المتوحشة, وانتقدوا تهميش الرأي العام مطالبين بمزيد الصلاحيات للشعب. اما إيطاليا فقد شهدت ثورة صغيرة عندما رفض المواطنون في استفتاء سياسات حكومة برلسكوني إبتداء من الطاقة النووية إلي المعاملة الخاصة للسياسيين الفاسدين وضد خصخصة شركات المياه وإنطلق الإيطاليون في مظاهرات حاشدة في مائة مدينة احتجاجا علي خطط التقشف الحكومية لمواجهة أزمة اليورو. وشهدت فرنسا وبريطانيا احتجاجات واسعة ضد الأسواق المالية والتآكل الاجتماعي بسبب إتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وانسحاب الحكومات المثقلة بالديون من الإنفاق الاجتماعي واصطبغت احتجاجات بريطانيا بعنف شديد وسجال بين الشباب والشرطة إختلط فيه الحابل بالنابل ونهبت المتاجر واندلعت الحرائق كما لعبت شبكات التواصل لإجتماعي دورا هاما في تنسيق تحركات الشباب في مواجهة قوات الأمن كما حدث في مصر. اما المانيا فتشهد انتشارا ملحوظا لحركات الاحتجاج الشعبية بمشاركة عشرات ومئات الآلاف من المواطنين اعتراضا علي سياسات الحكومة الاتحادية أو حكومات الولايات, مثل الحركة المناهضة للطاقة النووية وكذلك الصدامات الشهيرة بين سكان مدينة شتوتجارت والسلطات علي مدي شهور بسبب إعتراض المواطنين علي مشروع عملاق لنقل محطة القطار إلي باطن الأرض. الآن تستعد المانيا لمظاهرات حاشدة في عاصمتها المالية فرانكفورت أحد أهم المراكز المالية العالمية ومقر البنك المركزي الأوروبي, حيث دعت حركة انونيموس وناشون مناهضون للعولمة لمحاكاة حركة' إحتلوا وول ستريت' الأمريكية ومحاصرة مصارف فرانكفورت. وتهدف احتجاجات فرانكفورت المقبلة لتصعيد الغضب الشعبي في المانيا ضد المصارف الكبري التي ساهمت في أزمة اوروبا المالية ولكنها تتنصل عن المشاركة في حلها وتحمل العبء الأكبر من الديون. كما تدعو المظاهرة, مثلما في واشنطن في السادس من اكتوبر المقبل, لتأسيس ديموقراطية حقيقية والتجمع في حركة سلمية مماثلة للثورة المصرية ضد سيطرة البنوك والشركات الكبري وتحرير النظام السياسي والإقتصادي من قبضتها ووضع أساس لنظام اكثر عدلا. كما ستشهد العواصم الأوروبية في منتصف أكتوبر احتجاجات شعبية واسعة ومظاهرات تحت شعار' المشكلة ليست في الأزمة وإنما في النظام'. إن ما تشهده اوروبا حاليا من مظاهرات وحركات احتجاجية واسعة ربما يكون مدفوعا علي المدي القصير بضغوط الأزمة المالية ومخاوف المواطنين من تبعاتها علي مستويات معيشتهم و تهديدها لهم بفقدان وظائفهم أو حتي تأثيرها سلبا علي المساعدات الاجتماعية للعاطلين وغيرها, غير أن عجز السياسيين في الحكومات الأوروبية عن مواجهة سطوة الأسواق المالية والمصارف والشركات العالمية وتقديمهم فاتورة أزمة الديون للمواطنين في النهاية, ادي إلي تراجع كبير في ثقة الأوروبيين في حكوماتهم المنتخبة بل ويتجاوز البعض هنا في المانيا ذلك ليهاجم سلبيات الديموقراطية التمثيلية الحالية التي لم تعد برلماناتها المنتخبة تعبر بشكل كاف عن رغبات المواطنين في ظل فساد الأحزاب والسياسيين وخضوعهم لتأثير جماعات المصالح والشركات الكبري. لذا فإنه ليس من المستبعد أن تتواصل الاحتجاجات الأوروبية حتي بعد اجتياز الأزمة المالية لتطالب بمزيد من الصلاحيات للشعب من خلال تفعيل أدوات الديموقراطية المباشرة التي تعبر بشكل افضل عن إرادة المواطنين عبر الاستفتاءات والمبادرات الشعبية.