طه خليفة عندما خيرت نفسي بين من أكتب عنه أولاً في رثاء اثنين من الموتي انحزت إلي زميلي العزيز وليد عبدالحكم ليأتي بعده المخرج الكبير يوسف شاهين. كثيرون جداً كتبوا وسيكتبون عن شاهين فهو شخصية معروفة عالمياً أما وليد فكان رجلاً في حاله ودائرة معارفه ربما لا تتعدي زملاءه في الجريدة وأسرته وأصدقاءه في مصر. وعندما أصف الراحل وليد بأنه كان في حاله فإن هذا حقيقي فمثلاً لولا المصادفة الجميلة التي وضعته في طريقي منذ أشهر ليقوم ب صف عمودي لم أكن أعرفه، أي لم أكن اقتربت منه واطلعت علي نقاء سريرته وأدبه الجم واخلاصه وتفانيه في عمله واحترامه لكل الناس. وأنا مدين بالشكر لتلك اللحظة التي جعلتني أعرف هذا الإنسان الجميل الخلوق المتسامح النادر الوجود كما أنني حزين الآن علي تلك اللحظة التي جعلتني أفتقد هذا الإنسان المثالي سريعا. وكأن الطيبين يرحلون عن دنيانا سريعاً أيضاً. كان يعمل في صمت ولم يكن يصف الموضوعات لمجرد أداء عمل روتيني يومي ليحصل علي مرتبه في نهاية الشهر إنما كان يعمل بحب ومتعة وإبداع فكان يقرأ كل عبارة ويفهمها لذلك كان من أقل زملائه أخطاءً رغم أن الأخطاء في قسم الجمع أمر طبيعي. كان رحمه الله إذا عجز عن قراءة كلمة أو عبارة في عمودي مثلاً كان يأتي إلي ليسألني وأحياناً بذكائه يكون قد توصل إلي معناها لكنه يأتي لي ليتأكد من تخمينه. كنت أرتاح جداً إليه عندما يتولي صف أي مادة لأن هذا يعني ضمان نتيجة متميزة تريح من يعمل بعده علي تلك المادة في قسم التصحيح. لم يكن أحد يسمع صوته أو يشعر به وهو يعمل وكأنه ليس موجوداً وكأنه طيف لذلك دخل وخرج من الراية ومن الحياة وكأنه نسمة رقيقة لطفت الأجواء المكفهرة لتتركنا نعاني القيظ إلي أن يرحمنا الله. إذا كانت كلمات الرثاء فيمن يغادر دنيانا تحتمل بعض المجاملة من باب أذكروا محاسن موتاكم إلا أنني لاأجامل بل أنا شديد الصدق فيما أكتبه هنا عن العزيز وليد، بل إنني غير قادر علي وصفه بما يليق به، فهو كان عينة نادرة جداً من الناس في هذا الزمن. ولا أبالغ إذا قلت إنه من آخر الرجال المحترمين والطيبين. لقد عرفته منذ أشهر قليلة وأحببته علي الفور لما وجدت منه من نبل عز أن نجد مثله في هذه الأيام. ولذلك كانت صدمتي عظيمة عندما عدت من إجازتي لأعلم بنبأ رحيله المفاجيء والذي أذهل كل من في الراية ، وكل من عرفه. لا مرض ولا تعب إنما خروج هاديء ناعم مثل نعومة وجوده في الحياة شاباً جميلاً نموذجياً. لكن عزاءنا الوحيد أنه الآن في مكان أفضل وأنه في جنات الخلد إن شاء الله. إنا لله وإنا إليه راجعون . عن صحيفة الراية القطرية 31/7/2008