الفنان باحث عن القيمة الإنسانية بداخل مفردات مجتمعه والتي لا يقتصر تأثيرها علي ما يقدمه من أعمال فنية وإنما تنعكس بدورها علي علاقاته وحياته الخاصة بين الأهل والأصدقاء وزملاء العمل.. وخلف الكاميرا.. هناك قائد يدير جيشًا من وراء الكواليس هبط من منصة الديكتاتور التي يهابها الجميع ليصبح أبا ومعلما واخا أكبر وصديقا فيخرج العمل لحنا متناغما يحمل توقيع يوسف شاهين. يحدثنا عنه صديقه الفنان الكبير عزت العلايلي فيقول: كان يوسف شاهين رحمه الله رجلا «جميلا» ربطتني به صداقة حقيقية فهو شخصية محبوبة جدًا تجتذب كل من حوله لانه فنان يؤمن بقيمة ما يقدمه من رسالة انسانية فإذا ما وصفناه كمخرج لا يمكن أن ندعوه متسلطا وانما نقول أنه لا يعرف التنازلات وتوجيهاته دائما للممثلين منطقية «مش منظرة» ويرجع ذلك لحرصه علي خروج عمله بالشكل الذي يليق باسمه وفكره. يكمل قائلاً علي المستوي الانساني كان شاهين حريصا علي ترابط عناصر العمل من الفنانين والفنيين وكأنهم اسرة واحدة تجمعهم مائدة واحدة ويذكر أن رمضان جاء أثناء تصويرهم لفيلم «الاختيار» فكان شاهين يصر علي أن يفطر مع افراد العمل من الفنانين والفنيين والعمال علي مائدة واحدة. ومن المواقف التي لا يستطيع أن يمحوها من ذاكرته يقول: أثناء تصوير فيلم الأرض وقد كان أول عمل يجمعني بيوسف شاهين أصر علي أن يحضر «دوبليرًا» بديلاً عني في مشهد الساقية حيث كنا وقتها في شهر طوبة «عز الشتا» حرصًا منه علي ألا يصيبني مكروه الا أنني أصررت علي أداء المشهد بنفسي. يضيف العلايلي أن الصداقة التي جمعته بيوسف شاهين أو «جو» ارتقت للتواصل الفكري بينهما ونتج عنه فكرة فيلم «الاختيار» التي ما إن اختمرت حتي دفع بها يوسف شاهين إلي الكاتب الكبير نجيب محفوظ لصياغتها بشكل أدبي فكانت عملا فنيا رائعا بدايته مناقشات عن فترة الحرب وما بعدها.. ودارت تلك المناقشات في منزله. يؤكد العلايلي حرص شاهين علي استمرار صداقتهما وألا يخل أحدهما بالعقد غير المكتوب للصداقة فكان في بعض الأحيان يستعين به في بعض ما يكتب ويعد من أعمال فيستشيره في بعض العادات المصرية علي سبيل المثال ويتصل به هاتفيا في الثانية صباحا ليستفسر عن بعض الأشياء وأحيانا يضطره ذلك للبحث عنها في مكتبته الخاصة.. ويشير العلايلي إلي أنه علي الرغم من أن فكرة فيلم الاختيار كانت مشتركة مع شاهين إلا أن مشهد النهاية كان أصعب ما قمت به في الفيلم وهو ما أدركه يوسف شاهين منذ البداية علي الرغم من الحالة التي كنت عليها «ضحك وهزار» إلا أنه عندما جاءني «أوردر» المشهد الختامي لم استطع الذهاب لموقع التصوير فلم أعد نفسي لخوضه لقسوته وعندما اخبروه بأنني لن أحضر التصوير لم يثر وإنما تفهم الموقف واتصل بي في اليوم التالي وسألني إذا ما كنت اعددت نفسي جيدا لهذا اليوم أم لا فأدركت كم هو صديق رائع بقدر ما هو فنان رائع.